أبو الحسن الشاعر
هذا نظام يفضح نفسه ويفضح مسئوليه ! يوم زيارة الرئيس البشير لجوبا الأسبوع الماضي قال في مؤتمر صحفي مع سلفا كير ” لن نسمح لأي أحد في السودان بأن يعمل ضد حكومة جوبا انطلاقا من أراضينا .. جربنا دعم المعارضة لكننا اكتشفنا أنها كلها جهود ضائعة ” كما أن الرئيس ” نفى دعمه لأي قوة معارضة في أي بلد مجاور ” المصدر جريدة الشرق الأوسط 7/1/2014 .. ولو كنت رئيس تحريرها لنشرت الخبر تحت عنوان ” صدِّق أو لا تصدِّق !”
والرئيس نفسه قال في هوشة جماهيرية جعلتها كل الصحف السودانية الصادرة بتاريخ 27/10/2011 عنوانا رئيسا ومن ذلك كان عنوان جريدة الصحافة ” زودنا ثوار ليبيا بالسلاح وردينا الصاع صاعين للقذافي ! ” أما السوداني فجعلت عنوانها ” القذافي سقط بسلاح سوداني ” !.
شقيق الرئيس الجنرال عبد الله البشير صرح لصحيفة الخبر الجزائرية بتاريخ 4/12/2011 ” دعمنا ثوار ليبيا بخبراء وفنيين عسكريين وزودناهم بالسلاح في جنوب ليبيا “،
الإنقلابي صلاح قوش الذي لا يشابهه في التزلف والتملق سوى حسين خوجلي قال قبل يومين في لقاء لصحيفة اليوم التالي مع الصحفية صباح موسى ونشرته الراكوبة ” عندما دعمنا المعارضة التشادية ووصلت للقصر في انجمينا أدرك إدريس دبي أن الخيار أمامه هو التصالح معنا ” ، لكن قوش المدلس لم يشر لدعمهم السابق للمعارضة التشادية وهو الذي دفعها لدعم المرحوم خليل إبراهيم !
ليس ذلك فحسب فقد قال د. أمين حسن عمر لصحيفة البيان الإماراتية وكان وقتذاك وزير دولة للثقافة والإعلام وكان السودان متهما بدعم جيش الرب الأوغندي ” نعم دعمنا المعارضة الأوغندية ولن نتردد في سحقها ” ..
تآمر أصحاب الإنقاذ على أريتريا ودعموا المعارضة الإسلامية المسلحة حتى ضاقت ذرعا لترد الصاع صاعين و سلمت سفارة الإنقاذ للمعارضة السودانية !! ودعمهم للمعارضة الأثيوبية حتى سقط نظام منقستو لا خلاف عليه.
تلك أمثلة على فضح أجهزة الإنقاذ لنفسها في دعم المعارضة في دول الجوار ومن ذلك أيضا فضح المسئولين بعضهم بعضا .
صاحب خمر الإنقاذ وصانعها ومروجها وبائعها والمحمولة إليه وحامل وزرها ووزر من عمل فيها إلى يوم القيامة .. ومن ثم الغاضبة عليه د. حسن الترابي أكد فيما هو منشور على الملأ مسئولية الرئيس وضلوع أجهزة الأمن السودانية في محاولة اغتيال حسني مبارك !! وأكد ذلك أيضا القيادي الإخواني د. بشير آدم رحمة .. !!
والترابي نفسه كشف تعليق الرئيس المخجل عن حرائر دارفور وهو موجود على الانترنت بالصوت والصورة ولم يكشف عن ذلك إلا بعد أن اختلف اللصان اللذان سرقا الوطن ليلة 30 يونيو وربما تبسم ضاحكا من قوله وقتذاك.
أما الإدانة الكبرى لرأس النظام نفسه فقد جاءت من مصطفى عثمان إسماعيل الذي يجهل أن القانون الدولي يهتم بوقوع الجريمة وكيفية تنفيذها بغض النظر عن العدد وفي الوقت الذي قدرت فيه مؤسسات دولية قبل عدة أعوام أن عدد القتلى في دارفور بلغ ثلاثمائة ألف ، انبرى عبقور الإنقاذ المصطفى مدافعا عن الرئيس وصرح بأنه لم يقتل سوى عشرة آلاف .. نعم عشرة آلاف فقط ( من فمك أدينك ) ترى كم هو العدد المطلوب ليقف رجل يقتل عشرة آلاف فقط أمام العدالة ؟ وهؤلاء أيها الناس يدعون الإسلام وما قرءوا قوله تعالى ” مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ” فهل قتلتم كل أولئك وأضعافهم بالحق ؟.. إن حسابكم عند الجماهير وعند الله عسير .
ما ذكرناه آنفا قليل من كثير ومع ذلك ينفي البشير دعمه لأي قوة معارضة في أي بلد مجاور !! كما ينفي مسئولوه دعم المعارضة في الدول المجاورة وكذلك ينكرون أن يكون البشير ضالعا في جرائم حرب ! ونقول حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدقك فلا عقل له ولذلك إن صدقتكم دول الجوار أول دول العالم فلا أجهزة لها ولا عقل.
كثيرا ما أفكر فيما يقوله السيد الرئيس والوزراء وألوم مستشاريه لكني على يقين أنهم من الجبن بما يشبه ما يردده المصريون في مسلسلاتهم أمام المسئولين ( أحلام سعادتك أوامر ) لأنني لا أعرف سلطة تفضح نفسها ومسئولين يفضحون رئيسهم وأجهزتهم بهذه الصورة الفاقعة ويتفاخرون بالتآمر بل المعروف أنه حتى الشركات تفرض قيودا مشددة على السرية المطلقة مع شركائها وتلزمهم بعدم الكشف عن تلك الأسرار حتى بعد فض الشراكة ! فما بال مسئولينا يتسابقون بفضح أسرار أخطر أجهزتهم وأكبر مسئوليهم وقد كانوا من المنكرين لتلك الأفعال عند وقوعها فمن يصدقهم بعد ذلك إن وجهت لهم الاتهامات بدعم أي جهة وقد عرضوا تاريخهم التآمري على قارعة الطريق.
إسرائيل قصفت سوريا فهل سمعتموها تفاخر بذلك وضربت السودان ثلاث مرات فهل سمعتم وزيرا يخرج ليتباهى بما فعلوا ؟ إنها تسرب الأخبار للصحافة دون إسنادها لمصدر معلوم كي لا تدين نفسها محليا ودوليا تماشيا مع القوانين الدولية .. السعودية وقطر وتركيا والأردن تدعم المعارضة المسلحة السورية بالمال والرجال لكنها لا تكشف عن ذلك صراحة وتترك الأمر لأجهزة الإعلام بقدر ما يخدم أغراضها وكلها ساهمت في إسقاط أنظمة لكنها تنكر حتى ما يثبت عليها .. ليبيا وتشاد وأريتريا وإثيوبيا ويوغندا ومصر كلها دخل معها النظام في مواجهات وهي دعمت فعلا المعارضة السودانية بصورة ما في مرحلة ما لكن هل سمعتم رئيسا خرج يوما ليقول أنا أدعم المعارضة السودانية إن غاية ما يقوله المسئولون في تلك الدول هو اتهام السودان والتهديد بأنهم لن يسكتوا عن ذلك هل سمعتم مسئولا سوريا يقول إن نظامه قتل فقط كذا وكذا ؟ وهل فاخر صدام يوما بعدد قتلاه أو تجرأ مسئول لكشف أسرار بلده بل رآه العالم كله يدفع لقتل أزواج بناته بعد أن استدرجهم من حيث يعلمون حين تحدثوا عن أسلحة الدمار الشامل والتي اكتشف العالم كله أنها كانت كذبة كبيرة .
لكن الله منح جماعة الإنقاذ لسانا كلسان ( حسين فاب .. كضب وعذاب ) صاحب حزب السودانيين وهو أحرى بأن يتخذ شعار حزب ” القوّالين لا الفعّالين ” بتشديد الواو لأنه لم يبق أحد تحدث إلى حسين ” القوّال ” إلا وورد اسمه ” فلان .. قال لَيْ ” ولو حذفنا من برنامجه عبارة قال لَيْ .. لم يتبق منه شيء ! ويمكنه أن يضم إليه قيادات الوطني السالف ذكرهم ممن ” شالوا حال نظامهم ” بفضح أسراره ويستضيفهم لسرد المزيد من تلك الفضائح.
سُقنا تلك الأمثلة وما أكثرها للدلالة على أن السلطة الحاكمة لا علم لها بالسياسة فالرئيس في أي بلد يجب ألا يخطو خطوة غير محسوبة خاصة إن كانت في حجم زيارة لا يفترض أن تتم إلا إن كانت مضمونة النتائج الإيجابية وأن تتم غربلة ما يقول من تصريحات من كل إشارة سالبة وأن يوحي بما يريده تلميحا لا تصريحا وأن تنقى كلمته مثلما تتم تنقية ” العيش من البُتّاب ” .. وأن تخضع كلمته حتى وإن كانت في مناسبة رياضية أو حتى ” حفل طهور ” للمراجعة .. هذه العبارة شديدة اللهجة يجب تخفيف حدتها وتلك الكلمة يمكن أن يفهم منها كذا وهذه العبارة تسيء للأصدقاء وتلك قد تفهم بصورة مغايرة من أعدائنا وهذا التصريح قد يتم استغلاله .. لكن أصحابنا ممن قال فيهم ابن زيدون ” كدمت في غير مكدم واستسمنت ذا ورم ” يعصمهم الجبن من مراجعة رئيسهم ومن أمثلة ذلك أن الرئيس يتحدث في خطبة عصماء عن انتصاراته وعن وعوده للشعب بالرخاء والسلام وعن وعن ولكنه يخاطب خصومه بأنهم ” تحت جزمتي ” فتترك أجهزة الإعلام الدولية كل ما فال وتهتم بجزمة الرئيس في صدارة أخبارها بحثا عمن تحتها تهكما وسخرية !! وبذلك يعرف العالم كله منجزات ثورة الإنقاذ ..الرئيس يهاجم الحركة الشعبية ومواقفها من نظامه ولكنه يستخدم عبارة ظن أنها ” ستموّت العالم من الضحك والسخرية من الحركة حين يصفها بالحشرة الشعبية فينسى الناس أدلة الاتهام وتتصدر العبارة نشرات الأخبار بأجهزة الإعلام المرئية والمسموعة والمقروء وتصبح مثارا للسخرية من نظام الإنقاذ .
ويهاجم الرئيس المعارضة ويهدد تارة ويتوعد أخرى ثم يخلص إلى ثقافة نافع و” لحس الكوع ” فلا تجد أجهزة الإعلام ما تنقله عنه سوى ذلك .
وقد جاءت عبارة السيد الرئيس حول ” الهوت دوغ ” ضمن أكثر أربع عبارات تداولا وشهرة في العالم عام 2013 !
لو أن السيد الرئيس ومستشاريه يجلسون ويفكرون لما قالوا كل ما أوردناه سلفا ولما قال الرئيس ما بدأنا به في جوبا بل لما ذهب لها أصلا لأن ذهابه لا يعني سوى تصنيف السودان مؤيدا لسلفا كير سواء حسنت النوايا – ولا أعتقد – أم لا .. ولو كانوا أهل سياسة لأرسلوا وفدين من نفس المستوى في وقت واحد من المقربين (فكريا واجتماعيا ) لسلفا ومشار فقد عاشا بيننا وكانا في مفاوضات عسيرة توصلت لاتفاقيتي مشاكوس ونيفاشا وما قبلهما ثم شاركا في الحكم لسنوات طوال ولا بد أن لكل منهما مقربين في السودان ( الشمالي ) في محاولة لتقريب وجهات النظر وإذا ما حدث تجاوب تتم دعوتهما للتفاوض بالخرطوم فهي بلدهم السابق وهي أولى باحتضان المفاوضات مع الإعلان عن دعم أي جهود موازية لاحتواء الصراع من قبل الدول الأفريقية والعالمية ولكان في مثل هذا الموقف ما يفيد بحرص السودان ووقوفه على مسافة واحدة من طرفي النزاع .. لكن دوافع البشير بالمسارعة للسفر لجوبا كانت أعمق حيث تحركت فيه كوامن الحقد القديم على خصومه من أولاد قرنق وعلى الخصوص باقان أموم ونشير هنا إلى أن السلطة تنفست الصعداء وأبدى المسئولون استبشارهم بما فعله سلفا كير حين أقصاهم من السلطة ولم يقدروا ببعد نظر السياسي مآلات الأمور فقد ظنوا أن الأمر استقر لسلفا كير وما وضعوا في الحسبان كما يفعل كل ذي بصيرة ، أن الصراع يمكن أن يتجدد .
زيارة البشير ستدخل البشير بل أدخلته فعلا طرفا في نزاع لن ينتهي وإن تم حسم المعركة عسكريا لصالح سلفا كير فسوف تظل نارها موقدة تحت الرماد لتعود للاشتعال في أي وقت والبشير الذي يقول في جوبا نفسها ” جربنا دعم المعارضة لكننا اكتشفنا أنها كلها جهود ضائعة ” سيعلم أن دعم سلفا كير لحسم المعركة عسكريا مع شركاء في الوطن هي أيضا جهود ضائعة ولن تكون أفضل حظا من النتيجة التي توصل إليها هو نفسه وأن تأمين البترول سيصبح عما قريب حلما إن لم يتوصل الطرفان لحلول عبر الحوار والاتفاق على الثوابت الديمقراطية.
( لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )
أبو الحسن الشاعر
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة