حسن اسحق
السودان كبلد نال الاستقلال منذ اكثر من خمسة عقود ،يسبح الي اللحظات الراهنة في بحور الحروب الاهلية الدامية ،ارواح وانفس بريئة ضاعت دون ان تجد شخصا او قانونا عادلا ،وجهاز دولة حيادي حقيقي ينصفها ،جنوب السودان عاش حربا امتدت 39 عاما ،بسبب سياسيات طائشة للنخبة السياسية في الشمال السياسي ،اخفقت في استيعاب الصورة الواضحة الثقافية والاجتماعية في السودان ،باتباع سياسية عقلية استفزازية نحن الاحق والافضل في الحكم والسيطرة علي كل موارد الدولة ،والاصرار علي الهيمنة ،ولد سودان مجرو ح ،وهذا الجرح لم يتعاف الي استقل الجنوب ،وتحقق حلمه الذي راود ابناءه منذ عقود طوال ،ضحت بعضها من اجل وطن تعددي حقيقي ،وليس وطن يعكس صورة مزيفة ،واضاءة قضايا بعينها يختارها لايهام الكثيرين ،ان السودان البلد القارة ،ابو الاستقلال في افريقيا يطبق قانون يحترم الجميع ،وهذه اكبر كذبة ،ادت الي ميلاد احزاب اقليمية تطالب بالمشاركة الحقيقية كاتحاد عام جبال النوبة ،ومؤتمر البجا وجبهة نهضة دارفور والنوبي الشمالي الذي تبني فكرة دولة كوش المملكة النوبية الضاربة في اعماق الحضارة الانسانية في العالم .
كل هذه المشاكل كانت نتيجة للفشل في اختيار برنامج حقيقي ومصالح تجمع بين جميع مكونات الوطن ،والاعتراف بالاخطاء التاريخية التي اضرت بالنسيج الاجتماعي ،وبوادره ظهرت منذ فترات في مناطق لم يكن يتوقع منها يوما ما ،ان تثور وتنتفض ضد
الدولة المركزية ،دارفور نموذجا حيا يشكل الواقع الذي يعيشه انسانها المتشرد اللاجيء والمتغصب ،دارفور نموذجا مثل حصان طروادة في المذكور في الاسطورة اليونانية ،استغلت الدولة النزعة الدينية لابناء الاقليم الغربي ،وجندتهم للحرب في البلاد،وكانوا وقودا للحروب الي شنتها الخرطوم في الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق ،كل الحكومات السابقة لعبت علي الوتر الحساس للعامل الديني لكسب معارك سياسية ،والدين بعيد كل البعد عنها ،ولكن ترسخ وعلق في العقل الجمعي السوداني ان الحروب كانت ضد الكفار والخونة والجواسيس ،وكذلك وصفهم بالاذرع الخفية لوقف التقدم الديني والعروبي ،لكن كل الاكاذيب والخيل المستنسخة من الكتاب المقدس للمسلمين اتضح زيفها وخداعها ،ان اسوأ حكومة مرت علي السودان هي نظام البشير ،وصوله الي السلطة عبر انقلاب عسكري ،ذو ثوب اسلامي خفي ،لابعاد شبهة الانقلاب ،باعتباره جاء من اجل اصلاح الاوضاع السياسية الاقتصادية في البلاد ،وبعد فترة قصيرة زال مؤثر المخدر ،وظهرت الصورة بكل ابعادها ،ان نظام البشير يقوده الاسلاميين الكاذبين ،وماادخال هذا العامل العسكري والديني الا محاولة ازالة الشبهة ،والشمس اشرقت صباحا ،واوضحت انه محاولة للسيطرة والقمع والاستبداد والشمولية الابدية الي ان يرثها الله كما يدعي بعض المتهورين القانعين ان السلطة والحكم خالدة.
عاني السودانيون ،مازالوا يعانون ،وسيستمرون في المعاناة الي ما لا نهاية حتي يسقطوا هذا النظام الذي ادمن سفك الدماء ،الصورة المؤثرة التي اوضحت للعالم مجازر دارفور بلغت 300 الف قتيل ،حرق قري واستبدال السكان الاصليين باخرين اجانب او محليين موالين للحكومة تستخدمهم ككلاب صيد ليس الا ،وعندما يأتوا بالغنيمة ،يعطون الفتات او ما تبق من موائد اللئام .
مايجب ان يناقش بكل جرأة وشجاعة في هذه الاوقات بالذات ،قبل ان تطرح بعض الاسئلة ،ومن المحال ان نتفق حول الاجابة عليها ،بل يجب ان تسئل وتثار ،حتي لو ادي ذلك الي غضب البعض الذي يخش ويخاف من كشف اسباب اشتعال حروب في مناطق واقاليم بعينها ومحددة وضحايا من عرقيات واثنيات معلومة للقاصي والداني منذ فجر الاستقلال جالب الدماء دون الاخري ،.
نذكر القائد داؤد يحي بولاد قائد وطني معروف من قيادات الحركة الاسلامية ،وكان مشهورا ،وايضا من الكوادر الدينية التي تؤمن بحكم الشريعة وتطبيقه في السودان
لكنه انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الرفيق الراحل دكتور جون قرنق دي مبيور ،سأله جون قرنق ،انت من الكوادر الاسلامية التي تؤمن وتعتقد ان البلاد الانسب ان تحكم بالشريعة ،ما الاسباب التي جعلتك تنضم لحركة مشروعها يختلف عن الفكر الد
يني ،ويتبني فكرة الدولة العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة ،ورد بولاد ردا موجزا ومقنعا ،قائلا ،انه وجد الدم داخل الحركة الاسلامية اقوي من الدين .
اجابة بولاد كانت شافية ،وحركت الكثير من المسكوت عنه ،وحطمت خوف التمادي في الصمت الستمر من بعض القيادات السياسية في المركز ،ونعود للاسئلة حسب ما اورده الرفيق داؤد بولاد ،هل الصراع في السودان سياسي اجتماعي ام سياسي اقتصادي وثقافي ؟هل الفئة التي سيطرة في العقود لا يهمها ،اذا كانت هذه الحروب لا تنطلق في اقاليمها ومناطقها وتستهدف كياناتها ،والانسان المتعرض للبطش والقتل والتشريد والاغتصاب خارج تلك الدائرة ،وان الاصوات المنادية بوقف الحروب في السودان ،اد
ت الي قراءة حقيقية للسودان بوعي تام ،واد
ركت في نهاية المطاف ،ان عقلية الهيمنة وزالسيطرة عليها ان تنتهي ،وتبدأ فترة جديدة ،تري كل المكونات السودانية صورتها الناصعة في المرآة السودانية ،الا تحدث اشياء غير متوقعة ،واستقلال الجنوب شيء ملموس ،كثيرون استبعدوا فكرة استقلاله من الشمال ،ونائمين علي قصيدة الوحدة المزيفة المبنية علي الاستعلاء بكل تفاصيله ،منقو ،قل لا عاش من يفصلنا ،قل ،معي لا عاش من يفصلنا ،وهل منقو سيعيش علي هذه الاوهام بعدما شاهده من دمار متعمد وترحيل اجباري ،واغتيالات وموت لابناء الجنوب ،ان يستمع الي لهذه العواطف التي تفتقد الي المصداقية
الممارسة علي الواقع العملي .
بينما هناك من يردد ان وضع الجنوب يختلف عن بقية المناطق المتأثرة بالحروب كدارفور والنيل الازرق وجبال النوبة ،اي ان مايجمعهم كونهم مسلمين ،معتبرين ان الدين يوحدهم تحت راية واحدة ،وهذا الحديث غير صحيح باكستان انفصلت من الهند عام 1947 ،وكانت حججهم ومبرراتهم ان الهند ذات اغلبية هندوسية والهندوس يشكلون الاغلبية ،لايمكن العيش معهم ،وبعد اكثر من عقدين انفصلت بنغلاديش من باكستان ،ولماذا لم يوحدهم العامل الديني ويعيشوا سويا ،سؤال مشروع يتطلب اجابة مشروعة كذلك ،هل الد
ين هو العامل المؤثر في توحيد الشعوب الاسلامية ،حديث كهذا غير مكتمل الصورة ،انفصال بنغلاديش من باكستان ،كان نتيجة للظلم الذي لحق بهم من اقتصادي وثقافي اجتماعي ولغوي ،عندما تري الاغلبية ان لغتها الاودرية وثقافتها يجب ان تسود وحدها ،والاخرين يكونوا اتباع فقط لا اكثر ،حتميا ستبرز بنغلاديش اخري في السودان ،وما حديث الرئيس البشير غير المسؤول في العام الماضي في القضارف ان التعدد الثقافي والحديث عنه يعتبر دغمسة علي حد قوله ،ما الا بنغلاديش ستبرز قريبا في المناطق المناطق التي تضورت للسلام والحرية والديمقراطية والحكم الذاتي ،وليس ببعيد المطالب التي يناد
ي بها ابناء دارفور في المواقع الاللكترونية بالاستقلال عن الشمال السياسي سياسيا واقتصاديا ،ولو ادرجت مقولة الدم اقوي من الدين ،ستظهر قريبا مطالب ابناء جبال النوبة والنيل الازرق ليس ببعيد بكيان خاص بهم يحترم تعددهم وتنوعهم بكياناته المختلفة والمتعايشة .
لا ينكر احد دور الدين في لعب دور حاسم ،لكن ليس العامل الوحيد ،منها العوامل الثقافية والاقتصادية والسياسي واللغوية ،ان الصومال الان تعيش انهيار الد
ولة منذ انتهاء فترة محمد سياد بري ،يتقاتلون وكلهم مسلمون بدم بارد ،واغتيالات يومية ،ونزوح ،لماذا اليس من حق الجميع ان يسال لماذا لم يوحدهم الدين ،الا يتصارعون من اجل السلطة والثروة والحكم في بلادهم ،لماذا لم يوقفهم القرآن الكريم كما تردد البقية التي تستغل الدين لتسرق احلام البشرية للعيش في الحرية وقبول الاخر باختلافاته الموضوعية والواقعية ،مايدور في الصومال ان الدولة تحولت الي عقلية القبيلة والعيشرة ،نري الصومال مايدور فيه ،ليس عنا ببعيد التهميش السياسي الثقافي الاجتماعي الاقتصادي عناوين بارزة ،من الصعب ازالتها دون ايجاد حلول لها ،والا تدحرجنا نحو الصومال وحالة بنغلاديش ،المؤتمر الوطني بعقليته المتسلطة يخطط لذلك للبقاء الي الابدية .
حسن اسحق
صحفي
[email protected]