حتى الأغنية السودانية لم تسلم من التأثير..
نظام الإبادة الجماعية..وآفة الإستعلاء العرقي في السودان..!!.
بدايةً لا بد ليّ من إزجاء الشكر والتقدير والتجلة لكافة قُراء المواقع السياسية السودانية على امتداد المعمورة ولقراء موقع (الراكوبة) بشكل خاص الذين أصبحوا لنا السند الحقيقي في مواصلة مسيرة تعرية نظام الآربتايد الإسلاموي الذي دمر البلاد وأهلك العباد، فإن مسيرة التعرية والتنوير للأجيال الجديدة ستستمر إلى أن يأخذ الله سبحانه وتعالى أمانته غير مبدل ولا ناكص عن هذا الهدف النبيل، ذلك لأن الصورة القاتمة للسودان الآن جد مؤلمة وتحتاج لعمل كبير من الجميع، وكذلك الصورة المستقبلية لما سيحدث في البلاد أيضاً صورة سوداء للحد البعيد وفي الجزء الأكبر منها بروز نجم (حزب الله) السوداني المدعوم من (ايران) على شاكلة النسخة اللبنانية بحجة محاربة (اسرائيل) في دولة الجنوب..سبحان الله تتكرّر الصُور والمواقف تاريخياً وجغرافياً خاصة إذا استمر هذا النظام القاتل المسمي نفسه بالمؤتمر (الوطني) وهو بعيد عن الوطن والأرض والتراب الذي تنسمنا عبقه الجميل.
هذا الاستقراء لم يأتي من فراغ ولا قلة شغلة بل المعلومات الواردة من السودان ظلت على الدوام تُبشر بالكارثة تلو أخرى، وكانت أشارت مجلة “الإيكونوميست قد أشارت في عددها بتاريخ 13 يوليو 2012م “أن إيران وإسرائيل أصبحوا أكثر انخراطا في الوضع السوداني المعقد، وأن الأولى تستخدم السودان كممرات لأسلحتها التي تذهب إلى حماس وتعتبرها حليفة لها في شرق افريقيا، في المقابل تقوم إسرائيل بمساعدة جنوب السودان ودعمها بالأسلحة وتدريب قواتها عليها، مؤكدة أن الخرطوم وجوبا حشدا لتلقي الدعم من إيران وإسرائيل.
زال لنا اتصال مع الوطنيين الحادبين على البلاد وأهلها الطيبيون الذين يبوحون لنا بهموم الوطن من الداخل، وقد شُوهدت الوفود الايرانية تترى على أرضنا يوماً بعد آخر، وقد أصبح السودان مِعبراً لولاية الفقيه لتخوم القارة الأفريقية الفتية التي تحاول الخروج من دائرة الفقر، والاعتماد على الذات، وقد أكدت كل الإحصائيات زيادة معدلات النمو في عدد كبير من دولها وقد انتشرت كل معالم التطور، وبدأت ثقافة الديقراطية تنداح في هذه الأرض البُور، لكنها للأسف موعودة بانتشار (تنظيم القاعدة) الذي انتشرت خلاياه النائمة في عدد كبير من دولها، كما هي موعودة بقادم جديد لم يألفوه من قبل وهو منهج ولاية الفقية وأصحاب العمائم السُود منا والبيض، ومعهم أحزمة الموت وأسلحة قتل الأخ لأخيه، ودخول القارة الأفريقية عصر الاغتيالات على أسس طائفية، والسودان ليس بمعزل عن هذا التطور الجديد.
اللهم أحمي بلادنا وبلاد كل المسلمين.. وأحمي أهلنا في أفريقيا من فتن الاسلام السياسي سنياً كان أو شيعياً..آمين يارب العالمين.
في المقال السابق تحدثنا عن موات الضمير وعدم الإحساس بالإنسانية لدى عضوية المؤتمر (الوطني) والذين يتسمُون بـ (الاسلاميين) الذين قتلت دولتهم الملايين من البشر لكن ذلك لم يشعرهم ولو لحظة بتأنيب الضمير للدماء التي أريقت، وركزنا المقال حول حديثهم وأشواقهم للجنة ولـ(لحور العين)، ونظرتهم الدونية للدماء الطاهرة التي أريقت في الجنوب وفي دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق وفي أمري وكجبار، وفي بورتسودان، وكانت حادثة مقتل 12 مواطناً سودانياً في دارفور الأسبوع الماضي أكبر دليل على موات الضمير والإستعلاء العرقي البغيض الذي لم يعرفه أهل السودان برغم المحن والإحن في حقبة زمنية سابقة.
الاستعلاء العرقي لحزب (المؤتمر الوطني)
واليوم نتحدث عن جذور الطغمة الحاكمة العنصرية والتي كانت على مر دهور السودان تشعر بالكبرياء تجاه الآخرين، وهذا ما عبر عنه الرئيس عمر حسن أحمد البشير في وصفه للجنوبيين بـ(الحشرات) وما كشف عنه د. حسن الترابي لما تفوه به الرئيس شخصياً عن اغتصاب (الغرباويات) من الشماليين، العبارة التي أزكمت الأنوف وكدّرت الأنفس، وكثيرة هي مظاهر الإستعلاء العرقي لدى الطغمة الحاكمة، وما عبر عنه عبدالباسط سبدرات في إحدى اجتماعات النظام الحاكم بأن “طريق الإنقاذ الغربي سيأتي بمواطني غرب أفريقيا للخرطوم”..!!. في دلالة واضحة على رفضه مواصلة العمل في الطريق، وقد لا يعلم الكثير من الناس بأن الرئيس عمر البشير ونائبه الأول علي عثمان قد استلفا مبالغ كبيرة من ميزانية الطريق ولم يرجعا هذه المبالغ مما اقعد الطريق عن العمل والمواصلة، وكنت قد ذكرت ذلك قبل 8 سنوات وعندما سأل الصحافيون رئيس البلاد عن مشكلة الطريق وأمواله التي نهبت وعد سعادته بانه سيحول الملف للقضاء وإلى هذه اللحظة لم يُوفي الرئيس بوعده فيما ضاعت أموال المشروع الذي كان سيربط المركز بدارفور وكردفان ويربط الولايات الشمالية بشمال دارفور، مما يسهم في انعاش الانتاج الزراعي والحيواني المحلي ويفيض بها لكل السودان.
إن سرقة أموال الطريق من قبل الحاكمين واحدة فقط من عشرات الحوادث التي زادت الغبن والكراهية والبغضاء في صدور أهل دارفور على نظام (الانقاذ) خاصة إذا عرفنا أن أموال الطريق هي الأموال التي حصلت من بيع حصة دارفور من السكر، ومعها تبرعات مالية لأبناء دارفور، ما يعني ان الاموال لم تخرج من ميزانية حكومة السودان وهذا يذكرنا بأغنية كمال ترباس ” العندي أنا ما بدي وحق الناس بقالع في”..!!.
وبأي حال من الأحوال هو نوع من الإستعلاء العرقي والسياسي.
تصريحات عمر البشير ونافع علي نافع تمثل أبلغ صور الاستعلاء العرقي
الاستعلاء العرقي حسب موسوعة (وكيبيديا) أو التمركُز الإثني، أو المركزية العرقية هو اعتقاد إنسان بأن أمته أو الجنس الذي ينتمي إليه الأحسن والأكثر اتساقًا مع الطبيعة، يشير إلى الاعتقاد بأن جماعة الفرد هي الأفضل بين كل الجماعات، وهذه الصورة طبق الأصل للحاكمين في السودان من الطغمة النيلية، الذين يحكمون البلاد بطولها وعرضها على أساس أنهم المرجعية في هذا الحكم إيماناً بالقيمة الفريدة والصواب التام للمناطق التي ينتموا إليها، وهذا ما يفسر ترفع قيادات المؤتمر (الوطني) عن الأحزاب والكيانات السودانية الأخرى، نجد ذلك بالمقاس تماماً في أحاديث الرئيس عمر البشير من شاكلة “تحت جزمتي” و”شذاذ الآفاق” وغيرها من المفردات التي لا نريد أن نذكرها في هذا الشهر الفضيل، وكذلك تصريحات د. نافع علي نافع التي تمثل أبلغ صور الاستعلاء العرقي للحاكمين في السودان.
فإن الصراعات التي حدثت في السودان ابان هذا العهد الأسود كان سببها التمركز العرقي والنهج الإستئصالي الممنهج، وإلا ماذا يعني التعامل مع متظاهرين في بورتسودان وهم عُزل وقتلهم بالرصاص الحي لأنهم خرجوا في تظاهرة سلمية إلا من عِممهم وسروايلهم الطويلة إن لم يكن استعلاءً عرقياً (شاهد الفيديو وصور القتلى والدماء الحمراء الطاهرة).
http://www.youtube.com/watch?v=Z7vIQPfa0rg&feature=results_main
وماذا يعني قتل متظاهرين بالرصاص في مناطق كجبار وأمري وهم عزل تماماً من أي قطعة سلاح لأنهم رفضوا ترحيلهم من أرض أجدادهم لمكان لا يعرفون عنه شيئاً ولم يألفوه كما أن التعويضات لم تكن مجزية بل أن الكثير منهم لم يتسلموا هذه التعويضات أصلاً، هؤلاء قتلوا لأن الطغمة الحاكمة تترفع عن مجادلتهم بالحق فكان أقرب طريق لحل المشكلة هو قتلهم بدم بارد، هذا ما يؤكد النظريات العلمية التي لم تأتي من فراغ في قولها “أن الاستعلاء العرقي يعُد عاملاً هاماً في نشأة الصراعات العرقية والتعصبية والتي قد تصل في أحيان كثيرة إلى حد المذابح والإبادة والتمرد والثورة والإرهاب والحروب”، وهذا ما حدث واقعاً على الأرض في السودان.
(شاهدوا فيديو شهداء كجبار والدماء العزيزة التي أريقت والجرحى في المستشفى)
http://www.youtube.com/watch?v=_CYazbLOEME
ومن هنا نُفسر أسباب تمركز السُلطة والثروة في السودان لدى مجموعة جغرافية معينة أو مجموعة مصالح عرقية محددة تمسك بتلابيب السلطة والثروة، وبسبب الشعور بالإستعلاء العرقي والشعور بأن الآخرين مهما أصبحوا هم في مرتبة أقل شأناً، لذا قابلت الطغمة الحاكمة أفراد الشعب بأقسى درجات القسوة الضرب والتنكيل واستخدام القوة بافراط شديد وغير مسبوق في السودان، ومن قبل قابلت مطالبة شعوب دارفور بالقتل والإبادة الجماعية.
هذا الاستعلاء العرقي طمس على قلوب الطغمة الحاكمة فأصبحوا لا يميزون الحقائق والوقائع يرون الفأر فيلاً، وسواد البشرة عبداً وإن طالت عمامته، وأن كلمة (الغرب) عندهم تعني الشر والموت والعذاب والبغضاء، وأن (الجنوب) في فكرهم وعقولهم الخربة ما هو إلا مكان لشرب الخمرة و ممارسة الجنس، وسكان جيال النوبة لا يستحقون العيش معهم في بلد واحد، وأن أهل الشرق الذين يعارضون توجه الطغمة في نظرهم دواب، والذين يُشككون فيما أقول عليهم مشاهدة صور مجزرة (كلما) في دارفور، ومجازر جبال النوبة على الانترنيت ومن موقع (حريات) وعلى الذين يكذبون ما نقول فليجمعوا شتائم قادة النظام المنتشرة على نطاق واسع في الشبكة الدولية للمعلومات وبالصورة والصوت بداً من الرئيس عمر البشير وعلي عثمان ود. غازي صلاح الدين، ود. مصطفى عثمان اسماعيل، ود. نافع علي نافع، وصلاح قوش..إلخ.
إن استفزازات قادة النظام للشعب السوداني هي من صميم الاستعلاء العرقي وشعورهم بالتفوق على كل مكونات الشعب السوداني
(شاهدوا الابادة والتطهير العرقي لأهلنا في جبال النوبة)
http://www.youtube.com/watch?v=Nu9LGnASzaw&feature=player_embedded
أغنية طه سليمان (إن ما بكيتك سنة) تعبر عن العنف اللفظي الذي يمارسه الرئيس وجماعته..!!
الكثير من السودانيين أصبحوا لا يطالعون أخبار الجريمة في الصحافة السودانية لأن الشخص السوي بطبيعة الحال يشمئز من صورها الغربية والشاذة على طبائعنا التي لم تعرف الإيذاء النفسي والاجتماعي وقد عكست الاغنية السودانية طيلة قرن من الزمان تقلبنا في العواطف الجياشة، كما عكست عنصر الترابط الوجداني الحميم بين المكونات المختلفة، وخاصة أغاني السبعينات التي طفرت بالحب والوجد والهيام وكان بطلها كل من الشاعر عثمان خالد في (إلى مسافرة) و(انت انت بتتسي) و(بتقولي لا) والشاعر محمد يوسف موسى في (أعيش في ظلمة وانت صباحي) لصلاح بن البادية وغيرها، وغيرهم من الشعراء الذين زينوا حياتنا بجميل الكلام.
واليوم مع الجرائم الشاذة على مجتمعاتنا على شاكلة – اغتصاب طفلة عمرها 5 سنوات- ورجل يغتصب بنت أخيه- وزوجة تقتل زوجها- شاب يقتل شقيقته طعناً بالسكين- شاب يشوه وجه فتاة بموية النار- إلى ذلك من الأخبار العجيبة، لكن هذا المستوى الذي انحدر إليه المجتمع السوداني كان نتاجاً طبيعياً لما تمارسة السلطة الحاكمة من استعلاء عرقي أدى لنشوب حروب وزرع الحقد والبغضاء في النفوس.
إن العنف بالسلاح الناري الذي مارسته الحكومة وتمارسه كل يوم في السودان مقروناً بالعنف اللفظي الذي يمارسه رئيس البلاد وقادة الحزب الحاكم أفرز (فناً) عجيباً يقف عنده الانسان متأملاً وقبل أيام كنت مع أخي العزيز شيخ الدين عبدالله أحمد مصور قناة العربية في مملكة البحرين في طريقنا لتغطية اعلامية اسمعني أغنية المغني الشاب طه سليمان التي كتب كلماتها ولحنها أمجد حمزه، الأغنية من حيث اللحن والأداء رفيعة المستوى لكن مضمونها كان غريباً على جيلنا، وأغنية طه سليمان كلها عنف لفظي وتهديد ووعيد تماماً كما يفعل عمر البشير ونافع علي نافع مع الذين يختلفون معهم في الرأي.
وكلمات الأغنية تقول:
إن ما بكيتك سنة وخليتك باقي العمر
تتشهى فوق الهنا أنا ما بكون أنا
ما طالبني أحلف وأنا لوعدي ما بخلف
حليف الهنا بتلف وللبانيهو بنسف
وتلف.. وتلف… وتلف وتجيني مذلول هِنا
أنا ما بكون أنا.. إن من مابكيتك سنة
بنزل دمعاتك وببقى سبب شقاتك
بخلي الهم حياتك وما بتقول الشقا فاتك
وجاتك.. جاتك.. جاتك.. جاتك سنين الضنا
وأنا ما بكون أنا.. إن مابكيتك سنة
إن ما خليتك تظن وتشقى تقرّب تجن
عمايلي في راسك تزن.. وأجراس مخاوفك ترن
وتحِن.. وتحِن.. وتحِن.. تحِن لساعة الهنا
وأنا ما بكون أنا
إن ما بكيتك سنة
بوريك مذلة من غيرها ما بتتحلا
يحلك مني الله تلقى مناني مظلة
يلا يلا يلا ضوق العذاب والعنا
وأنا ما بكون أنا إن ما بكيتك سنة
وخليتك باقي العمر
تتشهى فوق الهنا
أنا ما بكون أنا
لو ما بكيتك سنة
وخليتك باقي العمر
تتشهى فوق الهنا
أنا ما بكون أنا
كما ترى عزيزي القارئ العنف اللفظي والتهديد ولغة التشفي بل والحقد الدفين القاتل في كل سطر من هذه الأغنية التي لا يمكن بأي حال من الأحوال تطرب انساناً عاقلاً سوياً إلا المراهقين من الشباب،، وحقيقة الأمر أن المجتمع دائماً في كل العصور البشرية يتأثر بقادته ويُفتن باللغة التي يستخدموها، ويحرص على التقليد بشكل غير مباشر وغير مقصود، وهذا ما يوضح التأثير الاعلامي للغة الخطاب بالنسبة للمُتلقين من البشر.
علماء البرمجة العصبية يتحدثون في مناهجهم عن أهمية المخاطبة في حياتنا وضرورة المعرفة بهذا العلم من أجل كسب ود الناس ومن ثم استمالتهم بغرض تحقيق المنفعة، لذا يقولون أن للكلمة سحر وتأثير كبير على النفس البشرية، كلمة واحدة قد تقلب حياتنا كابوسا أو حلماً جميلاً، لو استرجعنا حياتنا لوجدنا فيها الكثير من العبارات التي أثرت فينا ايجاباً فمنذ نعومة أظافرنا والتلفظ بعبارات الحب والتقدير والوفاء والتمسك بالتقاليد الأصيلة خلقت منا أجيالاً رفعوا اسم السودان عالياً في كل المحافل الدولية والاقليمية.
الله سبحانه وتعالى أسأله في هذه الأيام المباركة أن يكون في عون الأجيال التي نشأت وتربت على سماع ألفاظ الطغمة الحاكمة مثل – لحس الكوع- وشذاذ الآفاق- والزراعنا غير الله يقلعنا- وغيرها من موسوعة الألفاظ الرئاسية في السودان.
..وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ.
7 أغسطس 2012م