نساء السودان بين عدل المدنية وقهر العسكرية

د. سعاد الحاج موسي
19 ديسمبر 2020

يدرك ويؤمن الجميع بأن ثورة ديسمبر 2018 المجيدة ما كانت لتنجح لولا مشاركة النساء الظاهرة، غير المسبوقة، والتي جذبت إليها أنظار العالم فاحترموها وصاروا يشيرون اليها بالبنان كثورة مثلي اهتدي بها آخرون في بقاع العالم المضطهد وتبنوا شعارها – حرية سلام وعدالة، الشعار الثوري الذي يلمس كل شاردة وواردة في حياة الانسان ويحتضن داخله ما يعني برفع الظلم والقمع والأذى مما طال النساء من نظام الإنقاذ. خرجت جحافل النساء في وسط النهار وفي جوف الليل فكن من صناع الثورة وشحذن همم الشباب ورفع معنوياتهم ومدهم بالأكل والشرب في ميادين المظاهرات والاعتصامات ومنهن من أقامت أسابيعاً وشهوراً في الميادين يسقين ويطعمن الثوار من حر مالهن، فتعرضن لصنوف من الأذى الجسدي والمعنوي من العسكر الي أن نجحت الثورة، وما ذلك علي الذاكرة ببعيد.

جاءت الحكومة المدنية ملتحفةً ثوب الوفاء والتقدير لدور النساء فبدأت في مخاطبة مشكلات النساء المجتمعية بإعطائهن حقا كان مغتصبا ومستنكراً من الإنقاذ وما قبله – فنصّبت منهن الوزيرات والولاة ووكلاء ومدراء في الوزارات وغيرها. ثم تقدم النظام العدلي خطوات جريئة في دحض القوانين المسيئة لإنسانية المرأة والممارسات التي تقلل من آدميتها وتلغي عقلها وتحولها الي مجرد جسد ينتفع بها صغار النفوس، فألغت قانون النظام العام وختان البنات وأعطت الأمهات حقا في مرافقة أطفالهن وحرية السفر الي حيث يشئن، ولا تزال المراجعات مستمرة لعمل إصلاحات في المنظومة القانونية، وكل ذلك بفضل وزير يؤمن بحقوق الانسان ويجتهد في إقامة العدالة وعدل الميزان، لكي تسود الكرامة والإنسانية للجميع غض النظر عن الجنس والنوع والعمر والحالة المالية والصحية والاثنية والقبلية الخ، تلك القيم التي اعتمدها العالم الإنساني ركائزا أرسي عليها قوانين ومواثيق حقوق الانسان الدولية.

وبينما راحلة الإنجازات المدنية ورد الحقوق المغتصبة تسير بخطي حثيثة مدفوعة برياح التغيير الثوري وتقاوم في صلابة وعناد أصواتا نشاز تحاول عكس اتجاه الرياح والتغيير، تفاجأ الجميع بتكوين “مجلس شركاء الانتقالية” في 1 ديسمبر 2020، والذي لم يرد عنه ما يفيد في أضابير الثورة من وثيقة ومساجلات واختلافات وحتى عندما تفرق قحت والمهنيين أيدي سبأ!

طبيعة تكوين هذا المجلس يعكس الفرق بين النظام المدني والعسكري، بين فكر المدنيين وتوجهاتهم وأهدافهم، وما لدي العسكر في منبرهم الموازي. وثالثة الأثافي هو أن هذا التكوين رمي نص الوثيقة الدستورية القاضي بتمثيل النساء بنسبة أقلها 40 بالمائة بظهره واكتفي بوجود امرأة واحدة في هذا المجلس لتكون المتحدثة باسم المجلس في غياب شامل كامل للنساء، ومن نافلة القول هي الأخرى لم تنبس ببنتٍ شفةٍ يفيد احتجاجاً باسم المرأة وذلك واضح لأنها ممثلة لحزب يئن من فقر مدقع في حصيلة إنجازاته، ان وجدت، منذ انشائه، لدعم أو مساعدة النساء في المدن والقري لأكثر من رطلين السكر الذي يوزع أيام الانتخابات لشراء أصوات النساء، ولو كان هنالك رجل في مقامها داخل الحزب لكان حتماً هو الممثل، أي أن وجود السيدة مريم الصادق المهدي المنفصل الغريب في هذا الجلس هو وجود لا رمزية له تربطه بجنس النساء، بل تأكيد وتقوية للنظرة السالبة للمرأة عند العسكريين ومن شاركهم التكوين، وكنا نظن أن المرأة السودانية أينما حضرت يكون نصب عينها رفع قدر النساء وليس دعم آلة استحقارهن والنظرة الدونية لهن. ومن المؤسف حقا، رغم انه ليس مدهشاً، هو وجود الحركات المسلحة والتي استفادت من مشكلة النزوح التي قادتها النساء والمعسكرات التي قامت بفضلهن فبقين بها وسط معاناة وحرمان ولم تحرك ساكناً لمساعدة هؤلاء النازحات، بل أقصتهن لأنهن خارج منظومة القبيلة وخشم البيت والاسرة، وخاصة وهي تتكالب على السلطة، فلم تراع وجود امرأة واحدة ضمن تمثيلها في هذا المجلس!

فالدول المتحضرة تُكرِم وتكرِّم نسائها وترفع من قدرهن ولا تهينهن، وتعترف بحقوقهن وتمهد لهن وسائل التعلم واكتساب المعارف، وتعترف بدورهن في تقدم المجتمع ورفاهيته. والسودان فسيحٌ غنيٌ بنسائه من ذوي الكفاءة العلمية والأدبية والسياسية والرأي السديد، ولهن من التجارب فيضٌ ويزيد، وهن من أنجبن هؤلاء الشباب الثائر لأجل الفضيلة والكرامة والحقوق. أسلوب تكوين هذا المجلس يضيف الي قضية سرقة الثورة متهمين آخرين لا يتورعون عن التمثل بالحالة الترامبية للبقاء في السلطة، ولو على أجساد الثوار الديمقراطيين، واجبار الثوار على دفن رؤوسهم في رمال العسكريين والأحزاب التي كفروا بها دهورا توالت ولم يبدلوا تبديلا. وجود امرأة واحدة لا يعنيها تمثيل النساء وتعمل عكس مقولة “الجنس للجنس رحمة،” هذا الوجود الكسيح الذي تباركه نساء ليس لهن علاقة بهموم النساء وسندهن وتحسين أوضاعهن، هو قطعاً مدمر لحاضر ومستقبل النساء في السودان وموهنٌ لحراكهن السياسي والاجتماعي، وعلى نساء السودان جميعاً وكل الثوار رفضه ومقاومته حتي لا يكون سلوكاً يصير وصمة في جبين الثورة ويعاد انتاجه!

د. سعاد الحاج موسي
[email protected]

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *