خالد ابواحمد [email protected]
يدفع الشعب السوداني هذه الأيام من دمه تمويل الحملة الانتخابية للمؤتمر الوطني قهراً فها هو سعر السكر مادة المسحوقين الأولى التي يستعينون بها في تعويض دمهم المحروق سواء بكوب ليمون أو شاي قد ارتفع سعره ليصل إلى 200 جنيه في بلد فيها أكبر مصنع للسكر في الشرق الأوسط وإفريقيا إضافة لأربعة مصانع أخرى، علماً بأن سعر رطل السكر المهرب من ارتريا الواصل من كوبا يقل سعر جواله بأكثر من النصف عن سعر شوال السكر السوداني، والقوم لم يقف بهم عدم اكتراثهم لآدمية الشعب السوداني عند هذا الحد حيث أمرت الحكومة الولايات بصرف المبالغ الطائلة لحشد الناس للتسجيل للانتخابات والنساء على وجه الخصوص، وكما هو معروف حسب عقلية النظام الحاكم أن والي الولاية هو رئيس حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) إذاً كل ولاة السودان هو الذين يقودون الحملات الانتخابية وبميزانيات وامكانيات (الدولة) التي هي أموال الشعب المغلوب على أمره، والذين عايشوا الانتخابات الطلابية في الجامعات (1986-1989) يدركون تماماً طريقة الجماعة الحاكمة وخبرتها في التزوير واستخدام كل الأساليب البعيدة عن الدين الاسلامي الحنيف في كسب النتيجة واستخدام سلاح (السيخ) الذي لم أسمع به كغالبية الناس لكنني عشته بنفسي أعوام عدة وخاصة في انتخابات جامع القاهرة فرع الخرطوم في الفترة المشار إليها آنفاً.
الآن خزينة (الدولة) هي التي تمول ميزانية الحزب الحاكم في خوضه لهذه الانتخابات التي يعول عليها في اخراج البلاد من أزماتها المتلاحقة كأنهم يقولون للناس اشتروا العذاب بأموالكم غصباً عنكم لفترة قادمة، وعلى المرء أن يقيس كثير من المتطلبات الأخرى فهذه الدولة أبخل من أن تقدم لهذا الشعب شيئاً مجانياً أو مدعوماً حتى الطرق تم تشييدها من مال المواطن وتلك التي تم تشييدها من قبل حكومات سابقة مازالوا يستقطعون عليها رسوم دخول السيارات بين محافظة وأخرى، ولا أحد يعلم أين تذهب جباياتها، ولو صرفت على الطرق لأنارت ووسعت طريق الخرطوم بورتسودان.
الله سبحانه وتعالى كما يقول إخواننا الخليجيون “لا يضرب بعصا”، وسيأتي على هذه الثلة الحاكمة أمر الله من حيث لا يحتسبون، فهم بلغوا من العُتو والاستنكاف عن الحق المرحلة التي بلغها نوح مع قومه حين آيس منهم فدعا الله ألا يجعل عليها منهم دياراً لأنهم سيضلوا العباد ويفسدوا البلاد، سيقول البعض بأنه لا علاقة بين هؤلاء وقوم نوح ولكني أرجوا منهم أن يراجعوا الآيات التي تأتي بصيغة (كفر، يكفر، كافر، كافرون) فالبون شاسع بين الآيات التي تصف الكفر وتصف الشرك فهما أمران مختلفان وإن تداخلا في أحوال مختلفة، والبعد بينهما كالبعد بين سلوك الظلم الذي تطبقه الإنقاذ على الشعب وسلوك العدل وهو القيمة الدينية والإنسانية الأولى التي فطرها الله في الإنسان مع توحيده ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ “(المائدة) “ما كان العدل في شيء إلا زانه وما نُزع من شيء إلا شانه”، وهل سيكون السودان مزداناً لو أقيمت الطرق والكباري وملاعب الجولف والمجمعات التجارية وفتحت البلاد لواردات الصين كلها لو ظلت فريضة العدل والرحمة غائبتين … هل سيكون مزداناً !!!
مستشفى الخرطوم..وأكل أموال الحجيج..!.
تتعامل العصبة الحاكمة بوجهين فتهتم بالظاهر أكثر من الباطن في الدين وفي الحياة العامة، فهي تهتم بشارع إفريقيا لأنه ممر الضيوف من الخارج وإشارة لهم بأن أغلب طرقات العاصمة كذلك، يهتمون ببناء مداخل المستشفيات وتجميل مداخلها وبناء مساجد فيها فارهة، والصُور التي التقطها البروفسيور المعز عمر بخيت من داخل المستشفى عندما كان يزور أحد أقرباءه ونشرها في أكبر المواقع على الشبكة العنكبوتية تعبر عن حقيقة المآساة التي يعيشها أهلنا في السودان، مناظر تصيب بالغثيان، وإذا دخلنا المستشفى من الداخل لدعونا للمرضى بقلب معصور ألما أن يعافيهم الله ويخارجهم منه، وإلذي يريد أن يرى ذلك فليزور مستشفى الخرطوم ليبكي حالة العنابر والوسخ الذي يعشش والقطط التي تمؤ بالليل مع أنين المرضى في حالة أشبه بالمواساة التي لا يجدونها ممن يكنزون زكاة وأموال الشعب السوداني ويتعالجوا بها في الخارج أو ليحجوا بها بعد أن سنوا سُنة سيئة في شئون الحج بوضع أُمراء على أفواج الحجيج، وإغداق المال عليهم مقابل أمارتهم للبعثات (سبحان الله)، السودان الذي كان يكسي الكعبة جاءه قادة في آخر الزمان يقتاتون من أموال الحجيج والزكاة المأخوذة من أفواه الفقراء، وقبل شهور مضت اهتزت أركان رئاسة ديوان الزكاة بصوت المحتجين من رؤساء الإدارات والمقربين من قمة هرم الديوان بسبب مبلغ كبير تم تسليمه لشخصية قيادية نافذة يربو على الـ 2 مليار جنيه قيل أنه صُرف لـدعم (الطرق الصوفية) كما بررت ذلك الشخصية التي استلمت المبلغ، وعندما عرفت القيادات الزكوية الخبر اشتد النقاش ما بين رافض وساكت على الحق خشية المصير المعروف،لا أدري أي تبلد حس وصل إليه هؤلاء القوم وأي نفق يقودون إليه البلاد، وقد وقعوا في المحظور.
السفارات تخصّصت في مص دماء الشعب
إن المشكلة الأساسية في هؤلاء القوم أنهم لا يشبعون وكأنهم أصل جينات الجوع والهلع، وقد لفتني سلوكهم إلى الوقوف في الاية الكريمة “لا ينفقون خشية الإنفاق” ولكن مفسرونا رحمهم الله برروا للذين تتهِمهم الآية بخشية الإنفاق ذلك وقالوا خشية (الفقر) ولكن الآية تقول وبصراحة لا تحتاج لنحاة أو لغويين “خشية الإنفاق” أي أنهم بطبيعتهم لا ينفقون ودون أي مؤثرات خارجية مانعة مثل (الفقر) الذي تكل عليه المفسرين الآية فبرروا للمتهمين فعلهم ومراد الله غير ذلك، هذه الآية تتفق مع سلوك الإنقاذيين، ودونك الأموال التي يجنونها من الشعب في كل مناحي الحياة ومازال الضنك مستمراً.
سفاراتنا في الخارج تخصصت في مص دماء الشعب ففي سفارة السودان في البحرين مثلاً توثيق شهادة مدرسية صفّية لانتقال طالب من صف لآخر في المرحلة الابتدائية بـ 10 ديناربحريني، وقد دفعت لتوثيق ورقتين 20 ديناراً بحرينياً حوالي 128 ألف جنية سوداني لتوثيق ورقتين مهترئتين، ورفض نائب السفير في البحرين تخفيض المبلغ، وأنا كنت على ثقة من أنه سوف لا يفعل، لأن صاحب القلم الذي يعري النظام لا يمكن إلا أن يدفع الثمن..!.
وهل يعلم القارئ الكريم أن السودان من الدولة الشاذة في العالم.. التي يذهب حامل جوازها كل عامين لتجديده ويدفع في ذلك المال الكثير، وهل يعلم القارئ الكريم بأن السودان الدولة تكاد تكون الوحيدة التي تفرض رسوماً باهظة الثمن على توثيق الأوراق والمستندات، والتوثيق كما هو معروف وضع ختم السفارة على ظهر الورقة مع توقيع المسؤول، مجرد وضع الختم يُكلف حوالي 65 ألف جنيه سوداني للورقة الواحدة..أي ظلم هذا..وأي قسمة ضيزى هذه..؟.
إن ما تقوم به السفارات السودانية في الخارج يُسمى (أكل أموال الناس بالباطل)..
فلماذا لا تأتي المجاعة في السودان التي يتردد صداها هذه الايام في الكثير من الجهات الرسمية المحلية والدولية وكعادتها تسميها (الحكومة) بالفجوة الغذائية، حتى وإن كانت فجوة غذائية..لماذا تحدث أصلاً والحكومة تشتري الطائرات المقاتلة، بمليارات الشعب السوداني، وتُعين ضباط المُخابرات في سفارات بدولة عربية شقيقة، وتصرف عليهم وعلى أسرهم الكثير من أموالنا.. عرق جبينا وسهر أيامنا وعذابنا، ولماذا لا تأتي المجاعة للسودان وقادة الحزب الحاكم يركضون ركضاً بين ألفينة والآخرى لدول النمور الآسيوية لشراء الأراضي هناك والفنادق والبنايات الشاهقة من أموال الشعب السوداني، ولماذا لا تأتي المجاعة والحزب الحاكم يصرف من دمنا ولحمنا مصاريف دراسة مؤيديه في ماليزيا وبريطانيا وغيرها.
إن سنة الله سبحانه وتعالى لا تتبدل ولن نجد لسنة الله تبديلاً ولا تحويلاً، السكوت الذي يجري في الشمال – بعد أن برأ الغرب والجنوب ذمته من الحكومة- خصوصاً من كبار السياسيين والمنبطحين لهذا الظلم الماحق لكل ما هو خير في بلادي يصيبنا بالخوف من أن تتحقق فينا الآية الكريمة “وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً “الإسراء- وهل الضنك الذي تعيشه البلاد إلا بداية لهذا الإهلاك، وهل هلاك الأخلاق الطيبة من مودة وتكافل والتي غابت إلا نذير بأيام مشئومات نحسات وبكارثة آتية بأيادي هؤلاء ليدفع الأبرياء ثمنها تحقيقاً لهذه السنة الكونية التي لا تفرق بين مجترح للسيئات ومُقيم في دار اجتراحها ساكتاً غاضي الطرف عنها أو مكافحاً لدرئها، عشرات من (الاسلاميين) الذين كانوا يكتبون وينتقدون ممارسات النظام ويبرؤن أنفسهم من هذه الأفعال سكتوا وأخفوا أقلام والكثير من المحسوبين على التوجه الاسلامي لازوا بالصمت عن إبراء ذمتهم مما بدوه وتحول هذا الصمت إلى كارثة عليهم وذلك خوفاً على أرزاقهم في ظاهرة شبيه بأيام جبروت بني أمية التي كان المثل (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) من موروثاتها… ولكنني أقول لقد انتهت في السودان فكرة اسمها (الحركة الإسلامية) بعد هذا النموذج الذي أساء للإسلام والمسلمين بل للبشرية جمعاء.
عُصبة غارقة في إشباع جوارحها وغرائزها ..!.
السنوات العشرون الماضية بعد أن تعبت المعارضة المسلحة في اجتثاث الإنقاذ بسبب ظروف دولية حسبها هؤلاء المهووسون مدّداً إلهياً لهم متناسين أنها من سنة الإمداد لهم في الظلم مّداً حتى يمارسوا آخر فنون ظلمهم ليأتي التغيير الإلهي، وقد بلغوا مرحلة من الغطرسة ليصرحوا بأنهم لن يسلموها إلا إلى عيسى عليه السلام متناسين أن عيسى سيلعنهم في كل ظلم اجترحوه وهل سيستلم عيسى عليه السلام الذي كان يأكل من خشاش الأرض ويتوسد الحجر ويراه ترفاً، هل سيستلم هذا الهراء الذي أساء للدين وللإنسانية، إن ضرب هؤلاء القوم لمثل هذه الأمثلة اهانة لهم ولعقول الناس وللدين الذي جعلوه ألعوبة بين أشواقهم، وكما قال خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم إن “للحق دولة وللباطل صولة”، ما يجري في السودان ليس دولة لأنها جانبت الحق ونكثت العهد الذي أخذته على نفسها بتطبيق الدين فلم تطبق ديناً ولم تطبق منهج إنساني يعتمد على العدالة والإنصاف كما يحدث في دول العالم، فقط أشواق عُصبة غارقة في إشباع جوارحها وغرائزها على حساب الشعب الذي صبر على كل المخازي والمؤامرات والدسائس والظلم والظلمات، والذي سيكون التغيير بإذن الله على قدر هذا الصبر …. فالظلمة عبر التاريخ مبشرون بنهايات شنيعة يكتبوا من بعدها في طي النسيان ولن يذكروا إلا مع أسوأ الأمثال.
وبالنظرة الإسلامية وربط حراك هذه العصبة بالرؤية القرآنية إني على يقين.. لماذا فشلت مشاريعهم التي يطبلون لها كلها، سد مروي والنفرة الزراعية، لدرجة أنهم أصيبوا بالسعار وسعوا لبيع مشروع الجزيرة لشركة أجنبية بعد أن أضاعوا أموال البترول في ما لا طائل منه، هذا المشروع ذو القيمة الاقتصادية والاجتماعية الذي اندمجت فيه كل قبائل السودان في أمن وأمان يتقاسمون رزق الله دون حقد أو طمع قبل أكثر من مأئة عام، فإذا بهذه المجموعة المدمرة تسعى لبيع المشروع بدلاً من تطوير منتجاته ليستفيد منه السودان أكثر، لقد فقدوا الإبداع بسبب حياكة المؤامرات فانقطع عنهم تأييد الله وتسديده ففشلت كل مشاريعهم، حتى البترول امتحنهم الله فيه فخرج معه العذاب وتمردت دارفور لأنهم يريدون تدجين كل الناس والله سبحانه وتعالى لم يدجن خلقه وإنما أتاح لهم حرية أن يوحدوه أو لا يوحدوه، ولكن أرباب المؤتمر الوطني يريدون أن يكونوا أرباباً للناس أكثر من رّب العالمين ويجعلوا رزقهم وحركتهم وحريتهم تحت سلطانهم وأمرهم، فهل هناك تجبر وتكبر أكثر من ذلك.
فرعون المؤتمر الوطني
لقد كانت ربوبية فرعون مُنصبة في نفس هذا الاتجاه الإنقاذي حيث لم يقل لهم أنا خلقتكم ولكنه صرح “أليس لي مُلك مصر والأنهار التي تجري من تحتي”، أو ليس الآن للمؤتمر الوطني بترول السودان، وزراعة السودان، وأراضي السودان، وخزينة السودان.. يمنحون منها ما يشاءون، لمن يشاءون ويمنعونها عمن يشاءون، دون مراعاة لأمر الله في العدالة والإنصاف … ما هي الفرعنة إن لم تكن ما يجري في بلادي .. وماذا تكون مزاحمة الله في خلقه إن لم تكن ذلك … هل هي فقط أن يدعي أحد من الناس أنه إله … أرجوا منكم سادتي تدبر فرعنة فرعون بعيداً عن العُرف التفسيري الذي يُوهم الكثيرين بأن الحالة الفرعونية المصرية في أيام موسى آنية وغير متكررة، فالعبرة التي يمكن أن نستخلصها من قراءتنا للقرآن الكريم هي أن نعرف مآلات الأقوام السابقين وموقفهم من الهدى الرباني وخاتمة خسرانهم أو فوزهم، لكن من الذي يقراء الآيات ويقف عندها ويحاسب بها نفسه..؟، لكنني هنا أرجو من القارئ الكريم أن يراجع تصريحات د. نافع على نافع في مقابلته بقناة الشروق أواخر شهر رمضان مع الزميل بابكر حنين وتصريحاته التي أكدها أكثر من ثلاثة مرات حول تمسك النظام بحكم السودان وأنها اي (الانقاذ) لا أحد يستطيع إبعادها عن الحكم، وتلك التصريحات التي قال بها في إحدى الحشود العسكرية إذ يقول دمساعد رئيس الجمهورية د. نافع “الانقاذ تعرف ما تريد وأين تسير، وهي ماضية منتصرة للراية التي لم تضيع. ولن يتغير الجلد باسم التعددية ومن يحس ان التعددية تعني تغيير جلد الانقاذ فهو واهم”، والكلام واضح لا يحتاج لتفسير مناقضاً حديث الرئيس عمر البشير عندما أعترف بحقيقة بيوت الأشباح مؤكداً أن النظام تغير كثيراً من النهج الذي أتى به في العام 1989م، ومن هنا دائماً أجد نفسي مهتماً بتصريحات د. نافع لأنها تعبر عن حقيقية تفكير الحزب الحاكم..!!..وهي بشكل آخر تشرح وتفسير كل الأحداث التي تحدث في البلاد مثل محاولات توريط الحركة الشعبية في إراقة الدماء في الجنوب وفي الشمال، إلقاء اللوم على حركة العدل والمساوة في كل ما يحدث في دارفور.