نظمت الكلية المتعددة التخصصات بخريبكة ندوة علمية بعنوان: الجهوية المتقدمة بالمغرب: أي توافق ترابي لأية تنمية ترابية؟ وذلك يومي الثلاثاء و الأربعاء 27 و 28 ماي 2014
وقد عرفت هذه الندوة مشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين الجامعيين، والمختصين، ومسؤولي الإدارات العمومية و كذا المنتخبين ورجال الإعلام، حيث تناول المتدخلون إشكالية الجهوية المتقدمة بالمغرب من حيث تحدياتها و رهاناتها، و ذلك وفق مقاربة جغرافية متعددة الأبعاد و متعددة الفاعلين.
وقد لامست الندوة الوطنية العديد من المواضيع المرتبطة بالجهوية المتقدمة داخل مسار اللامركزية بالمغرب، تم الجهوية و إعادة التشكيل الترابي والمخطط الجهوي لإعداد التراب الوطني، ومداخلات حول الدراسة المقارنة للجهوية المتقدمة للمشروع المغربي مع التجارب الإسبانية، الإيطالية والفرنسية وحول اية جهوية وأية استراتيجيات للتنمية بأقاليمنا الصحراوية ناهيك عن الجهوية السياحية بالمغرب والرأسمال الاجتماعي باعتباره قاطرة أساسية لنجاح الجهوية وأية حكامة ترابية للفعل الهجروي الدولي.
كما سلطت الندوة الضوء في بعض مداخلات السادة الأساتذة على مكانة خريبكة العاصمة العالمية للفوسفاط بجهة الشاوية ورديغة ومكانتها من التقسيم الجهوي المرتقب التي سيصبح خلاله إقليم خريبكة تابعا لجهة بني ملال خنيفرة، وسيتقلص عدد جهات الجهة من 16 إلى 12 جهة، كما تم عرض مؤهلات جهة تادلة أزيلال وماتحضى به الجهة من مؤهلات وتروات فلاحية ومائية على وجه الخصوص وعرض خصوصيات منطقة الصحراء والعيون ومنطقة طنجة تطوان التي بدأت تنسجم مع التوجه الجديد للتقسيم الجهوي من خلال دستور المملكة لفاتح يوليوز 2011.
وقد وقف المتدخلون على اعتبار أن الجهوية الموسعة تعتبر مدخلا حقيقيا وتوجها حاسما في إستراتيجية التنمية الشاملة في كل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك لمواجهة التحديات الخارجية والداخلية، الشيء الذي يتطلب تظافر إرادة وجهود مختلف القوى الحية والفاعلة لمكونات المجتمع المغربي، وتعبئتها الكاملة للانخراط الجماعي في المسلسلات المتداخلة لعملية التنمية. وتشكل تقوية مسلسل اللامركزية وعدم التمركز عنصرا أساسيا لتجسيد سيادة التنمية الجهوية والمحلية. ويجب أن تسمح هذه التقوية بتحقيق التآزر والتكامل بين السلطة التنفيذية وبين الكيانات اللامركزية بغية تحسين نوعية المشاريع المنجزة من قبل كل واحد من هؤلاء الأطراف وحصر تكاليفها والرفع من القدرات والكفاءات في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن إشكالية التنمية المحلية عموما بالمغرب، التي تحاول تجاوز مشاكل التخلف بمظاهره التي تحد من التطور واندماج فئات واسعة من المجتمع في صيرورة ودينامية مجتمع متحرك ذو قابلية للتحول والتغيير سيما وأن المراهنة اليوم هي على العنصر البشري بالدرجة الأولى. مع الأخذ بعين الاعتبار أن التنمية المحلية لن تستطع حلها، يتبنى نماذج استتبت في دول هي مغايرة لنا، تاريخيا وثقافيا دون أن يعني ذلك الانغلاق وعدم الاستفادة من تجارب الغير على سبيل تطوير وخلق نموذج ذاتي. والجهة اتخذت كقاعدة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية سيما بعدما أبانت عنه من استجابة في التعامل مع التقنيات العصرية للتدخل والفاعلية.
إن إشكاليات تداخل الاختصاص بين الجهة والوحدات اللامركزية الأخرى من جهة والدولة من جهة أخرى ونظام التمويل بالجهة وحضور ممثل الدولة القوي” الوالي” على مستوى التدبير الجهوي والتقسيم الجهوي. كلها إشكالات تحد من فاعلية الجهة كفضاء حقيقي لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعرفها المغرب. لأن الجهة أصبحت في وقتنا الراهن إطارا للوحدة والاستقرار كما هي أساس احترام الاختلاف وضمان للتسيير الشأن العام المحلي بمستويات اقتصادية وإنتاجية متباينة، وذلك بما يخدم ازدهار المواطنة كوحدة ونواة عضوية وانتشار الحرية كفضاء للحياة والتنمية.
وإذا كانت التجربة الجهوية بالمغرب، قد عرفت تطورا عبر مراحل تاريخية متباينة وفي سياقات سياسية واقتصادية هي الأخرى كذلك، فإن موضوع الجهة وعلاقتها بالتنمية حظي باهتمام كبير وعلى جميع المستويات، خاصة وأن التطورات الأخيرة التي عرفتها قضية الصحراء مع إعلان عاهل المملكة عن منح جهة الصحراء حكما ذاتيا يسمح لهم بتسيير شؤونهم المحلية، وهو بذلك يعطي دفعة جديدة ليس لقضية الصحراء فحسب، بل لنمط من التنظيم الإداري المغربي وهو اللامركزية الإدارية وخصوصا الجهة، على اعتبار أن العديد من المقترحات الأكاديمية تؤكد على اعتماد نظام الجهوية الموسعة باعتبارها أساس تدعيم التنمية من خلال المشاريع التنموية وكعلاج للفوارق .
إن المغرب حسب المتدخلين في الندوة يراهن على تنزيل الجهوية الموسعة من أجل تحقيق تنمية محلية شاملة، يستوجب وضع إستراتيجية إصلاحية لواقع الجهة الداخلي والخارجي، يستند بالأساس على تجنيد كل الطاقات والمؤهلات الذاتية للجهة، والعمل على تطوير مواردها وتوظيفها في أنشطة اقتصادية تتلاءم وخصوصياتها. بالإضافة إلى توفير الشراكة مع كل الفاعلين المحليين قصد تفجير طاقاتهم الإنتاجية داخل مجالها. الأمر الذي يستدعى معه وضع تخطيط استراتيجي تساهم فيه الجهة بفعالية بناءا على وضع أسسه وتدبير وسائل وتنفيذه إلا أن التخطيط الإستراتيجي يجب أن يرتكز على مجموعة من الوسائل والآليات التدبيرية والتي يمكن إجمالها في توفير المحيط الملائم للمبادرات المحلية قصد تقوية القدرات الفردية والجماعية في الاستثمار والإنتاج. تم تطوير بدائل للتنمية قوامها تنوع الموارد وابتكار أشكال جديدة للتنظيم والإنتاج تدمج الاهتمامات الاجتماعية والثقافية والبيئية في البعد الاقتصادي للتنمية والتكيف مع المستجدات وتحقيق التأهيل الذاتي كشرط أساسي للبقاء والاستدامة (مفهوم التنمية المستدامة).
من جانبها، قالت منسقة الندوة الأستاذة فاطمة جبراتي ،إن الندوة تعتبر فرصة لمناقشة موضوع الجهوية المتقدمة الذي يعد من المواضيع الأكثر أهمية في مسلسل الإصلاح الذي أطلقه المغرب من أجل تسريع عجلة التنمية والتغلب على تحديات العولمة .
وأبرزت المجهودات التي تبذلها الدولة في مجال موضوع الجهوية المتقدمة التي تندرج في إطار مسلسل اللامركزية عبر منح الجماعات الترابية مزيدا من الموارد والآليات الضرورية التي تمكن من تقوية التدبير واتخاذ القرارات المحلية.
كما اختتمت الندوة العلمية التي ركزت عن الجهة والجهوية المتقدمة ودور النخب والفاعلين والأحزاب السياسية والتي عرفت نقاشا مستفيضا بين الأساتذة والطلبة على مدى يومين بإصدار العديد من التوصيات.
[email protected]