حسن اسحق
الاسطورة هي عبارة عن قصر ايدولوجي مبني بواسطة حصي وانقاض خطاب اجتماعي قديم (كلود ليفي ستروس). اذا تمعنا جيدا للخطاب الاسلاموي عروبي بصورة عقلانية لوجدناه عبارة عن اسطورة اغريقية،لكنها تخلو من الفلسفة،اذا كيف ذلك،مجمل مايطرحه هذا الخطاب يرتكز فقط في الاسلام والعروبة داخل السودان،دون التطرق الي تاريخ السودان كما اسلفت في الحلقة السابقة عن تاريخ السودان قبل المسيحية والاسلام،والتاريخ النوبي،هو تاريخ سابق للديانتين المسيحية والاسلامية ايضا،وكان هذا التاريخ حافل بالانجازات.
لكن هؤلاء جعلوا من الدين والعرقية نقطة الانطلاق لكي ينشأوا لانفسهم مكانة تاريخية حافلة بالانجازات والتطورات،واسقاط التاريخ السابق للسودان،دون ذكره وطمسه وتشويهه او التعرض عليه بصورة مبسطة،دون ان يحدث ذلك اثر نفسي ومعنوي للاجيال القادمة،وتغييبه نهائيا وبصورة متعمدة . هذا الوضع في الوطن المسمي السودان،دون المكابرة او اعطاء معلومات مزيفة او غير حقيقية.اذا اردنا ان نتخطي هذا الواقع المؤلم،يجب ذكر الحقائق والوقائع والاحداث حتي لا يأتي يوم ونندم علي عدم ذكرها.
واذا نظرنا الي مقولة كلود ليفي ستروس عن الاسطورة،واسقطناها علي الواقع السوداني،لوجدناه مطابقا تماما.سؤال يمكن ان يطرحه اي شخص او يستنكره بحجة انه يتعارض مع الدين الاسلامي،ونحن نسميها الايدولوجيا الاسلاموعروبية،وعلي اقتناع بذلك،ولدينا مبررات ايضا.ونحن نتاول الدين بصورته الايدولوجية البحتة،لان الايدولوجيا تفرغ الدين من محتواه الحقيقي لكسب مصالح سياسية واجتماعية واقتصادية،وعرقية،كما هو معلوم ومعروف للجميع في الواقع السوداني،وهذا لا يعفي الدين الاسلامي ذلك،لان كل مبررات النصوص تخرج منه،يتحملها هو،والمستفيدون من وراءه.وهذه الاسطورة،هي القصر الايدولوجي،وبنيت بواسطة حصي وانقاض خطاب اجتماعي اصابه الهرم والشيخوخة،رغم الحجج انه صالح لكل زمان ومكان،وهذا الخطاب في امس الحاجة الي عملية كشف،وتحليل موضوعي،وليس تحليل ذاتي،لان الذاتية سوف تقودنا الي الاسطورة،كما ذكرها كلود ليفي ستروس،وسوف نفقد البعد الموضوعي في الذاتي الذي نريد تناوله بصورة تكشف لنا عن الحقائق التاريخية المسكوت عنها عمدا،وبصورة مخطط لها ايضا،لان الذين اعادوا قراءة التاريخ السوداني،لم يكن همهم الا ان يضعوا انفسهم في مصاف صناع هذا التاريخ دون غيرهم،وهذا عبارة ابادة واستبعاد لكل فترات تاريخ هذا السودان.
وكان فولتير الفيلسوف الفرنسي،يحلم بثورة تحطم الاستبداد الملوكي نسبة الي (الملك او المملكة)،وعندما يشعر الانسان بالظلم لا يرض الا بالخلاص من الطاغية الذي يسيطر عليه،ويستبد به.وتنبأ فولتير في عام 1764 الي صديق،قائلا له ،كل شي ألاحظه هو بذر بذور ثورة ستحدث لا محالة،ولن احظي برؤيتها.ان الفرنسيين ينجحون مؤخر،لكنهم يصلون في نهاية الامر.ان التنوير ينتشر بالتدريج وعلي نطاق واسع حتي انه سيتدفق في اول فرصة،ثم يكون هناك شغب واضطراب،ان الجيل الاصغر سنا محظوظون،لانهم سيرون بعض الاشياء العظيمة‘‘.
وايضا نحن نقول هناك ضوء في النفق،وريح التغيير الحقيقة سوف تأتي،وصوت البنادق سيتوفق نهائيا في كل اطراف السودان،وهذا التنوير الذي يرفضه المركز سيشع بالاطراف،وستأتي حركة تنوير تهدم هذه الاسطورة الايدولوجية التي حاولت بصور متعددة،ومتكررة طمس الحقائق،وسوف يدشن خطاب جديد،حاملا معه مفاهيم التنوع والتعدد والتنوع.وهنالك حقائق يجب ذكرها دون خوف من احد،وهي في قائمة التابوهات،الا وهي الدين الذي استثمر كثيرا لمصالح الانتهازيين .
وهل الدين عامل احادي لتوحيد السودان؟ وهل العرق ايضا من العوامل التي تساعد علي ابقاء الوطن متماسكا ومتوحدا؟وهل الدين عنصر من العناصر التي ستجعل الوطن ينمو اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا؟.
وعلي علم تام بان الاجابات التي سوف تقدم في الحلقة القادمة لن ترضي الكثيرين،لان الاغلبية تعودوا ان يستمعوا الي مايجلب لهم السعادة،حتي لو كان يعلم ان مايقال ليس صحيحا،ولكننا سأدشن عمل نخترق به هذا الظرف المؤلم.والطريق الذي نسير عليه ليس مفروشا بالورود والياسمين،ولكن حرصا علي علي هذا الوطن بتنوعه وتعدده سنخوض في المسكوت عنه.
نواصل
[email protected]