قال سكرتير الحزب الشيوعي السوداني المعارض محمد إبراهيم نقد لـ«الشرق الأوسط» إن ما بين الحكومة والمعارضة من مواجهات في الخرطوم بشأن «الشرعية» من عدمها، أزمة ذات طابع دستوري وسياسي تحتاج إلى حل، لكنه أيد اللجوء للشارع (تسيير المظاهرات) من أجل انتزاع الحريات. في وقت وصف فيه محمد محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني المعارض، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الحكومة الحالية بأنها «حكومة انقلاب» على الدستور، وعلى السلام الشامل، وقال «إن أي قوى مشاركة في الحكومة تعتبر قوى مشاركة في الانقلاب وتتحمل المسؤولية كاملة».
وفي تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، طالب القيادي «الاتحادي» الحركة الشعبية (الشريك الثاني في الحكم) بالإقرار بأن هناك «فراغا دستوريا» في السودان، بعد الساعة الثانية عشرة من مساء التاسع من شهر يوليو (تموز) الحالي، وطالبها بالالتزام بالموقف الذي أجمعت عليه كل القوى السياسية بالسودان، وقال «لا بد من التعامل مع ذلك الفراغ الدستوري بمسؤولية». وأضاف حسنين، الذي يزور القاهرة حاليا، أن طرفي الاتفاق (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) يمكنهما تعديل اتفاقية السلام كما يشاءان، لكنهما لا يستطيعان أن يعدلا في الدستور، لأن الدستور تعدله السلطة التشريعية بواسطة ثلاثة أرباع أعضائها، على أن يتم ذلك قبل شهرين من موعد انتهاء أجل السلطة وذلك وفقا للمادة 224 من الدستور. وقال حسنين: «أتوقع أن تقود المعارضة الشعب السوداني من أجل الحفاظ على حقوقه الدستورية»، مشيرا إلى أن هناك بعض «الواهمين» يظنون أن إعلان الفراغ الدستوري سوف يجهض عملية السلام، وأن بقاء هذه السلطة يعني تنفيذ الاتفاق، وأوضح أن هذا «فهم خاطئ»، لأن شرعية النظام «تجيء وفق أحكام الدستور».
وحول عدم مشاركة محمد عثمان الميرغني، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، في اجتماع القوى السياسية المعارضة أول من أمس بالخرطوم، الذي انتهى بإعلان نواب التجمع الوطني الديمقراطي انسحابهم من البرلمان السوداني، قال حسنين «إن الحزب الاتحادي موجود بكيانه وكل قواعده في هذا الموقف، وأنا معهم باسم الحزب وجماهيره في كل القرارات التي اتخذوها وسيتخذونها لاحقا»، وأضاف: «لكن لا أعتقد أن هذا التخلف عن الاجتماع من رئيس الحزب يعني دعما للسلطة غير الشرعية، وقد تكون له ظروفه المحلية، ولكن قطعا لا يمكن أن يفسر بأنه رأي معارض لرغبة الشعب السوداني».
من جانبه، قال محمد إبراهيم نقد، سكرتير الحزب الشيوعي السوداني المعارض لـ«الشرق الأوسط»: «إن ما بين الحكومة والمعارضة من مواجهات في الخرطوم بشأن (الشرعية) من عدمها أزمة ذات طابع دستوري وسياسي تحتاج إلى حل». وألقى نقد مسؤولية حلها على عاتق شريكي الحكم في السودان، حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية. ونفى نقد بشدة أن يكون اجتماع المعارضة حول الأزمة «خطوة للتآمر». وأيد الاتجاه للجوء إلى الشارع لانتزاع الحريات، وقال إن هذه «معركة» مستمرة قبل اتفاق «نيفاشا» للسلام وبعده الآن. وحذر من مغبة حدوث أي انتكاسة في هامش الحريات التي قال إن الشعب السوداني انتزعها في السنوات الماضية من الحكم الحالي. وتحدى نقد بأن القوى السياسية المعارضة الآن «أكثر استعدادا للانتخابات من أي وقت مضى».
وقال نقد إن هناك أزمة ذات طابع دستوري سياسي، تتمثل في أن الحكومة الحالية «غير دستورية»، وهي أزمة تحتاج إلى حل من قبل طرفي اتفاق «نيفاشا» بتشكيل «حكومة قومية»، وتساءل: «هم من المفترض حسب الدستور أن يكونوا حكومة قومية لحل الأزمة، ولكن السؤال لماذا لم يقدموا على هذه الخطوة؟!». ونفى بشدة أن يكون اجتماع قادة المعارضة واتخاذ عدد من القرارات في مواجهة الحكومة «تآمرا»، وقال «نحن الآن نعيش في مفترق طرق اتفاق نيفاشا، ونحتاج إلى معالجة الأمور السودانية الكبرى». وشدد نقد على أن اجتماع قادة المعارضة يوم الجمعة الماضي ليس هو الأول من نوعه لمناقشة القضايا المصيرية الكبرى.
ورفض سكرتير الحزب الشيوعي المعارض نقد الاتهام بأن دعوة المعارضة للخروج إلى الشارع تعني الدعوة للفوضى، وقال إن هذه الدعوة جاءت في الاجتماع حول مسألة انتزاع الحريات العامة، وليس بشأن دستورية أو عدم دستورية الحكم، وقال إن قضية الحريات «معركة» مستمرة. وأضاف «موضوع الحريات في السودان تاريخي، ومنذ الحركة الوطنية له حيز مستقل، وهو عمل مشترك ومعركة مستمرة»، وشدد على أن «الشعب السوداني انتزع حرياته من قبل من الرئيس إبراهيم عبود في الستينات من القرن الماضي، ومن الرئيس نميري في الثمانينات من القرن الماضي، والهامش الموجود الآن من الحريات انتزعه من الحكم الحالي انتزاعا»، وشدد كذلك على أن هذه الحريات «لم يقدمها لنا أحد ولم يتبرع بها أحد»، وقال إن «الإنقاذ فرضت هيمنتها على البلاد ولكن الشعب السوداني استطاع عبر عمل سياسي مستمر أن يجعلها تتراجع عن تلك الهيمنة الأولى»، وأضاف «هذا موضوع ليس هناك خلاف عليه بين السودانيين على الإطلاق.. حرياته ليست إطلاقا هدية من أحد أو عطاء من حكومة أو حكومات».
واختلف نقد مع التحذيرات التي تقول إن الخروج للشارع قد يقود إلى توترات أخرى في البلاد، وقال إن الشعب السوداني مسؤول. وأضاف أن السودانيين سواء في دارفور أو الجنوب أو أي مكان آخر أناس مسؤولون يعرفون كيف يتحركون في اتجاه قضاياهم. ووصف تلك التحذيرات بأنها «أصبحت ما عندها مستقبل». وردا على سؤال حول الخطوة المرتقبة في حال عدم استجابة الحكومة إلى المطالب الخاصة بالحريات، قبل الانتخابات المقبلة، قال «ما دام هناك موقف سياسي فإن الحريات الماثلة ستتوسع عبر الممارسة السياسية»، وأضاف «ستنتزع، ولن تكون منحة من حاكم»، ومضى: «نحن مستمرون، وهي عملية مستمرة». وحذر نقد «أما إذا أخذوا الموجودة فإنها أيضا ستعود انتزاعا».
وحول اتجاه القوى السياسية للانسحاب من الانتخابات المقبلة في حال عدم الاستجابة لمطالبها، قال سكرتير الحزب الشيوعي «لم يقدم أي اقتراح في اجتماع قيادات المعارضة يوم الجمعة حول مسألة الانسحاب من الانتخابات». وحول تعامل المعارضة مع الانتخابات في حال عدم الاستجابة لمطالبها الحالية، قال نقد «لست رامي ودع أو رامي رمل، ولكن هذا الأمر لم يقدم بشأنه اقتراح في الاجتماع».
وردا على سؤال حول استعداد القوى السياسية المعارضة بما فيها حزبه الشيوعي للانتخابات المقبلة، قال نقد «القوى السياسية الآن أكثر استعدادا للانتخابات من أي وقت مضى». وينتظر أن يرد الشريكان على مطالب الحكومة بتشكيل حكومة قومية في البلاد، لوضع حد لعدم شرعية الحكومة الحالية في الساعات المقبلة، بعدما تنهي لجنة مشتركة من الشريكين عملها الخاص بإعداد الرد الدستوري لمطلب المعارضة.
وكان الشريكان عقدا اجتماعا طارئا في دار حزب المؤتمر الوطني، وبحثا موقف المعارضة الجديد بعدم شرعية الحكومة. حضر الاجتماع من جانب الحركة الشعبية الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، ووزير الخارجية القيادي في الحركة الشعبية دينق ألور، وياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية مسؤول قطاع الشمال، ومن جانب حزب المؤتمر الوطني الدكتور غازي صلاح الدين التعباني القيادي في الحزب مستشار الرئيس السوداني، والدكتور مندور المهدي المسؤول السياسي للحزب الحاكم، والدكتور عبد الرحمن الخليفة القيادي في الحزب.
وقال مندور المهدي إن الاجتماع أكد استمرار شرعية حكومة الوحدة الوطنية الحالية وفقا للدستور والقانون، وذلك إلى حين إجراء الانتخابات العامة، وكشف أن الاجتماع عبارة عن لجنة شكلها الرئيس البشير ونائبه الأول سلفاكير رئيس الحركة الشعبية الأخير، وذلك للتداول حول ما أثارته المعارضة مؤخرا، وقال المهدي: «إننا كشركاء على قناعة بالنواحي الدستورية والقانونية التي تؤكد استمرار شرعية الحكومة، ولدينا دفوعات قانونية تعكف اللجنة المشتركة على صياغتها لتقديمها للرأي العام حتى يطلع على التفاصيل القانونية المرتبطة بشرعية الحكومة، مبينا أن مفوضية الانتخابات هي المعنية بتحديد موعد إجراء العملية الانتخابية، وتصدر قرارها وفقا للظروف الملائمة، وأن القوى السياسية كافة موافقة على تشكيل المفوضية». وجدد المهدي التزام الشريكين بالشراكة وتعضيدها وتقويتها في المرحلة المقبلة، وتهيئة كل الظروف المناسبة لاستمرارها، مؤكدا تكثيف المساعي لتهيئة مناخ إجراء الانتخابات الحرة النزيهة في موعدها. وقال «إن على المعارضة أن تقرر ما تشاء، وإذا التزمت بالدستور والقانون فنحن ملتزمون به»، مؤكدا أن المعركة سياسية، وأن الدستور أتاح وسائلها، ومنها اللجوء للمحكمة الدستورية. وحذر المهدي من الشروع في أي إجراء خارج إطار القانون، معلنا رفضهم أي إجراء يخالف الدستور، قائلا: «سنتعامل معه بالوسائل القانونية والدستورية حتى يتم دحض هذه الآراء». من جانبه، قال ياسر عرمان في تصريحات صحافية، إن اللجنة المشتركة عقدت اجتماعا أمس السبت للخروج برأي نهائي حول الموضوع مثار الجدل، مؤكدا أن «نيفاشا» أرسى نظاما دستوريا واضحا حدد السبل والكيفية التي يتم عبرها التغيير، وأن المعارضة يجب ألا يُنظر إليها باعتبارها جهة معادية للحكومة، بل هي جزء من النظام الدستوري والشرعية التي على أساسها تكونت الحكومة، وأن ما ذكرته جزء من الحوار بين أركان المجتمع. وذكر عرمان أن موقف المعارضة حول عدم شرعية الحكومة لم يرفع بشكل رسمي، وإذا حدث ذلك سيتم الحوار حوله والرد عليه، مبينا أن هذه المسألة ليست القضية الأولى ولا الأخيرة التي واجهت اتفاقية السلام. وأكد عرمان أن أجهزة الدولة تضطلع بقضايا كبيرة تواجه السودان، منها الانتخابات والتحول الديمقراطي والمشورة الشعبية وحق تقرير المصير.
الشرق الاوسط
الخرطوم: إسماعيل آدم القاهرة: زين العابدين أحمد