من هجليج الى الخرطوم : انابيب البترول

من هجليج الى الخرطوم :  انابيب البترول
تنقل الحرب الى العاصمة
عثمان نواي
[email protected]
كان استخراج البترول فى اواخر التسعينات وبناء مصفى الخرطوم والذى يصفى البترول القادم من هجليج ومن حقول اخرى , كان هو الانجاز الاكبر لحكومة الانقاذ , ولكن هذا الانجاز الان انما ينقلب عليها . فانابيب البترول تلك انما كانت تنقل ثروة اهل جنوب السودان الدولة الوليدة و” الجنوب الجديد ” كما اصطلح عليه مؤخرا , اى جنوب كردفان , وهذا النقل للثروات التى لايستشار اهلها ولا يستفيدون شيئا من استخراجها , كان سببا فى فصل الجنوب , والان هذا الفصل يتسبب وللمرة الاولى فى تاريخ السودان فى ان يشعر الشعب السودانى فى المركز وخاصة سكان الخرطوم , ان حكومتهم تخوض حربا , وانهم يتأثرون بتلك الحرب بصورة مباشرة .
فمظاهر الهلع والخوف التى تعم الخرطوم الان , واصطفاف السيارات امام محطات الوقود خوفا من انقطاع الامداد وارتفاع الاسعار الجنونى والذى اوصل الدولار الى 6.3جنيه فى السوق الاسود فى اقل من ساعات بعد استيلاء الجنوب على هجليج , انما هو اول تأثر مباشر وسريع للمركز بما يحدث فى الاطراف.
ان انبوب الذى اوصل البترول , هو الذى اوصل الحرب ايضا الى الخرطوم الوديعة والنائمة فى امن دائم من اى تأثر بما تفعله جيوشها فى اجزاء السودان الاخرى . واختراق الشعور بالحرب وان اخطارا مباشرة تهدد الحياة والبقاء ووسائل العيش انما هى للعاصمة السودانية , هو خرق فى الجدار العازل بين ما يحدث فى الاطراف والمركز , هذا الجدار الذى استطاع ان يفصل بين عذابات المهمشين فى كل السودان وبين سكان المركز ,وحتى النزوح الذى حدث الى الخرطوم بالملايين من اهل الاطراف المتاثرين بالحرب , انما تم حجبه بطردهم  الى اطراف المدينة , يتم حتى الان ابعادهم الى اطراف ابعد حتى تتوسع الخرطوم عمرانيا وتكون “العاصمة الحضارية ” , وتم وضعهم فى ما سمى بالحزام الاسود حول الخرطوم , واصبح اولئك النازحون فى وطنهم , قوة عاملة رخيصة مستغلة لاشباع احتياجات المدينة المتوسعة والتى يقطنها اليوم 11مليون انسان.
وعندما دخلت دولة جنوب السودان هجليج الاربعاء الماضى , كان الحدث مفاجئا حتى للجيش السودانى , ولكن ردود الافعال فى الشارع السودانى السياسى كان او الشارع العام من قبل المواطنين العاديين , كانت مثيرة للاهتمام , فعلى المستوى السياسى سارعت قوى الاجماع بادانة الهجوم على هجليج , واثرت احزاب اخرى ادانة الحرب برمتها , ولكن سارعت تلك الاحزاب الى الاجتماع والانفضاض , وطرح المبادرات لايقاف الحرب ببين الدولتين , فى حين تجرى حرب الان داخل الدولة السودانية , منذ يونيو الماضى ولم وتقعد الاحزاب السودانية لا لحلها اوادانتها او فعل اى مبادرة تذكر لاجل انهائها وكأنها حرب بلد اخر , وهذه الادانة وهذا التحرك السريع , انما هو ايضا من اثار وبركات انبوب البترول , فهلع المواطنين والادراك الجمعى الذى تحرك مباشرة من اجل استيجاد وسائل حماية او انهاء هذا الخطر المهدد للوجود وهو ليس فقط انقطاع البترول وبالتالى الطاقة والموارد الماليةوبالتالى توقف الحياة الطبيعية فى الخرطوم , وانما هو ايضا الشعور بان تلك الحرب التى تحدث هناااااك … فى تلك المدن والولايات البعييييدة التى تفصلنا عنها جبال ووديان وساعات من الطرق الوعرة الغير المسفلتة , والتى نسمع ان الناس يموتون فيها وتحرق بيوتهم ويموت اطفالهم وتغتصب نسائهم تلك الحرب تقترب منا , نحن فى الخرطوم الامنة , التى اخر حرب حقيقية شهدتها كانت تحريرها من الغزو التركى ثم احتلالها من الانجليز قبل قرن من الزمان .
والمؤسف ان هذا الانقطاع بين مركز صناعة القرار فى الخرطوم وبين الاميال التى كانت مليون يوما ما , الاخرى التى يعيش فيها باقى اهل السودان , كان سببا فى تدمير اسباب التوحد وصناعة الامة المتنوعة المتوحدة فى السودان , وهذا الانبوب الذى كان يلعب دور الناقل للخيرات ادت الى تنمية عمرانية كبيرة فى احياء الخرطوم الاسمنتية ذات الاعمدة , انما اصبح الان سببا فى نقل ازمة الاطراف الى المركز والذى تجاهل تلك الازمة لعقود بعد ان تسبب فيها ولازال يفاقم من اثاراها بحروبه الدامية , وانتهى به الامر الى فقد معظم موارد الدولة بسبب غطرسة وعنصرية عمياء ادت الى انفصال الجنوب , وتقطع الان فى اوصال بقية السودان الغنى بالموارد كما فى جبال النوبة \جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور وشرق السودان ,وللاسف , فان الخرطوم كان بامكانها ان تكون نيويورك افريقيا , ليس من حيث البنايات الشاهقة , وانما من حيث التنوع الثر والغنى الشديد بالثقافات المختلفة والمتنوعة التى حملها اليها اهل الاطراف واعراق وثقافات افريقية وعربية ومختلفة التقت فى هذه المدينة والتى كان من المكن ان تلعب بموقعها الاستراتيجى دور المركز بصورته الايجابية , حيث تمكن المكان الذى تلتقى وتتعارف فيه الثقافات والاعراق والاسواق والمنتجات الاقتصادية والثقافية المختلفة من افريقيا شمال الصحراء وجنوبها والشرق الاوسط واسيا , الا ان الانغلاق الثقافى الحاد وحالة العنصرية المتعمقة فى اللاوعى فى المركز السودانى والتى تمارس فى حالة بانكار تام لممارستها , ليس فقط للتبرؤ من الجرم , بل ايضا لانها ممارسة متوارثة واصبحت اشبه ” بالطبيعية ” لانها تخرج من اللاوعى بدون اى تفكير . ولهذا فشلت الحكومات السودانية والاحزاب والمبادرات , والمثقفين وحتى منظمات المجتمع المدنى الحديثة نسبيا فى تجاوز ازمة الوعى بوجود عنصرية مزمنة فى المركز السودانى , ان تلك الازمة يجب التصدى لها , قبل ان تدمر البلاد , لانها اشبه بالايدز الذى يدمر المناعة فى الجسم فلا يستطيع مقاومة الامراض , حتى البسيطة منها كالرشح , ولهذا لم يتمكن المركز الحاكم من الاعتراف بانه مصاب بالايدز , وبالتالى تدمرت اجهزة مناعته فاصبح غير قادر على مقاومة الفقر , ولا الانقسام , ولا حتى العنصرية نفسها , وينتهى ليكون السودان فعلا رجل افريقيا المريض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *