من مُذكرات محمد عبد الله عبد الخالق ( 3 – 20)

بسم الله الرحمن الرحيم
من مُذكرات محمد عبد الله عبد الخالق ( 3 – 20)
بتاريخ 28 / 6 / 1988 م إستأجرت عربة تاكسى من ماركة المرسيدس من محطة دمشق للسفريات البرية ( جناح اللاذقية ) من شخصٍ يُدعى مصطفى المُكنى بابوصطيف ، الذى إتفقت معه بان نذهب إلى مدينة حلب أولاً ثم نُعرج إلى مدينة اللاذقية ، وصلنا فى مساء نفس اليوم مدينة اللاذقية ، أخذنى إلى أحد الاشخاص الطيبين يُدعى أيضاً ابو صطيف وهو مُعلم مُتقاعد من أبناء مدينة اللاذقية ، حقاً كان مُعلماً ، فسرعان ما دخلت معه فى حلقة تعارف ، أفضت بإيجارى شقة خاصة جداً بجوار منزله بعد ما عرف بانى بدأت حياتى العملية معلماً فى المرحلة المتوسطة .
أدخلنى على اُسرته حتى أصبحت وكأنى واحداً منهم لأنهم جابوا معى مدينة اللاذقية ، فعرفت معظم معالمها البارزة وشدنى كثيراً المدينة الرياضية الحديثة التى اُقيمت فيها دورة الالعاب العربية التى إستضافتها سوريا  وهى بذلك تُعتبر من أرقى دور الرياضة فى الشرق الاوسط ، أضف الى ذلك فنادق اللاذقية وشاليهاتها الراقية على ضفاف البحر الأبيض المُتوسط ، وتخطيطها الجميل فهى بذلك لا تقل عن المدن الاوربية .
زرت جامعة اللاذقية وإلتقيت ببعض الطلاب السودانيين وتبادلنا الزيارات والدعوات فى خلال العشرة أيام التى قضيتها ، حتى موعد مُغادرتى لمدينة اللاذقية بتاريخ 8 / 7 / 1988 م براً إلى بيروت مُروراً بمدينة طرابلس اللبنانية ، مَمرتُ على حجم الدمار الذى خلفه الحرب اللبنانية حتى إنتابنى الخوف لكنى تمالكتُ على أعصابى حتى وصلت بيروت الغربية فى مساء نفس اليوم ، ونزلت بفندق الأمبسدور فى قلب بيروت التى وجدتها مُلتهبة بالحرب الأهلية ، الحرب تدور والناس يمارسون حياتهم بصورة عادية ، ترى الإبتسامة فى وجوههم كلما هدأت أصوات المدافع لكنها سرعان ما تزول بإستئناف القتال .
بِنايات تتدمر ثم تعود أزهى وأجمل وبطراز أحدث ، هنالك بعض الناس يتمنون ان تتدمر بِناياتهم ليخرج منها سكانها ليتم إعادة بنائها بصورة أحدث مما كانت عليه ، ليتم إستئجارها باسعار جديدة ( أوردت صحيفة النهار خبراً أفادت فيه بأن أحد مُلاك الشقق السكنية ببيروت الغربية طلب من مُستاجره ، بانه إذا أراد أن يدفع الإيجار الشهرى عليه إحضار معه علبة كبريت وهى عبارة عن قيمة الإيجار الشهرى ) .
الحياة فى ظل الحرب كانت رخيصةً مُقارنةً مع كل الدول التى زرتها وأنا فى طريقى إلى بيروت ، نسبة لنشاط تجارة الترانسيت ، فكل ما يخطر ببالك تجده فى بيروت الحرب ، صدقت الفنانة ماجدة الرومى عندما غنت ( ست الدنيا يا بيروت ) ، فى أقل من اُسبوع وقبل أن أنتقل من الفندق إلى شقة بحى ( الروشة ) ، أكملتُ إجراءات قُبولى بالجامعة وإستخرجت الإقامة ، بدأنا الدراسة فى يوم 20 / 7 / 1988 م وكانت تسير سيراً حسناً ، حيث هنالك العديد من الكفاءات العلمية المرموقة كانت موجودة أثناء الحرب ، عندما تسالهم عن كيفية تحملهم لهذه الظروف الحرجة ، يجيبون : إذا خرجنا نحن لِما أتيتم ، وأشهد لإبن لبنان البار السيد : رفيق الحريرى ، موقفه الذى أدى إلى تثبيت الجامعة الامريكية ببيروت وعدم نقلها إلى مدينة عمان ، عاصمة المملكة الاُردنية الهاشمية وذلك عندما تعللت إدارة الجامعة بعدم مقدرة الطلاب اللبنانيين من تسديد رسوم الدراسة بالاضافة لتعرض أساتذة الجامعة للإختطاف من قِبل الفصائل اللبنانية .
أقسم الغيورون من أبناء لبنان بان لا يخرجوا منها مهما بلغ بهم الصعاب ، حتى أصبح سماع التراشقات بالاسلحة النارية جزءاً من حياتهم اليومية ، وكذلك نحن أبناء الجالية السودانية نمارس نشاطنا بصورة عادية ونذهب يومياً للنادى السودانى لنستفسر عن أحوال بعضنا البعض ( كل الناس صحاب كل الناس أهل ) ،الجالية الوحيدة التى سُمح لها بفتح نادى فى بيروت ، الذى يقع بالقرب من مُستشفى الجامعة الامريكية أو مبنى ( centerealgivenor ) هذا النادى بمُثابة السفارة لنا فى لبنان نسبة لإعتماد اختامه عند الأمن العام اللبنانى بسبب قفل السفارة السودانية فى بيروت ، وكان للعم حافظ وكابتن سعيد دوراً كبيراً فى الإدارة .
كانت علاقتنا بالفصائل اللبنانية المُتحاربة جيدة جداً نسبة للسمعة الطيبة التى يتمتع بها السودانيين ، كثيراً ما نجد المقاتلين فى وضع ( قيام ) عسكرى مُعين ، فعندما تقترب منه يرشدك على الطريق الآمن ( أبوسمرة روح من هون ) عندما تسألهم : لماذا ترشدوننا ؟ يجيبون : (شو بِدنا فيكم لا معانا ولا ضدنا ) بالرغم من وجود مجموعات اخرى عربية وافريقية تقصد لبنان بغرض الدراسة او الهجرة .
فى ظل الحرب الاهلية إنقسمت بيروت إلى شرقية وغربية ، فسيطر الجيش السورى على بيروت الغربية بينما الجزء الشرقى يقع تحت يد العِماد مِيشيل عون ( هو الذى خلف الرئيس أمين الجُميل لحين إجراء الإنتخابات الرئاسية ، فهو من الناحية الدستورية رئيساً شرعياً لكنه تماطل فى إجراء الإنتخابات بتحالفه مع الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية ضد الوجود السورى فى لبنان ) .
سوريا ترى بان وجودها شرعياً فى لبنان فهى ضمن قوات الردع العربية المكونة من عدة جنسيات من بينها السودان ،  التى أرسلتها جامعة الدول العربية للبنان عقب الإجتياح الإسرائيلى لبيروت عام 1982 م لحفظ الامن ، لكن سرعان ما إنسحبت هذه القوات تاركةً سوريا التى عززت وجودها بخمسة وثلاثون ألف جندى فى لبنان لتحقيق الأتى : –
1 – ضمان ولاء الحكومة اللبنانية لها ، حتى أصبح يتردد عند العامة لا حكومة لبنانية دون رضاء سوريا.
2 – عدم تمكين الفصائل اللبنانية المُتحالفة مع إسرائيل من السيطرة على لبنان.
3 – تأمين نفسها من إسرائيل لأنها لا تثق فى قدرة الجيش اللبنانى لحماية حدوده.
4 – الإستفادة من الإقتصاد اللبنانى.
ساهم الجيش السورى مُساهمة فعالة فى إستتباب الامن فى لبنان خلال الستة سنوات التى أعقبت الإجتياح الإسرائيلى للبنان ، حتى لحظة إصطدامه بعون ومجموعته التى رفضت الوجود السورى فى لبنان ، فدخلت سوريا فى حربٍ شرسة معه كان آخرها معركة سوق الغرب التى كسرت ظهر العِماد عون .
محمد عبد الله عبد الخالق : [email protected] : + 201015466166
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *