بسم الله الرحمن الرحيم
من مُذكرات محمد عبد الله عبد الخالق 13 – 20
قدم لى الأخ : بشير أحمد سلمان (ابو عاشة) شرحاً وافياً عن النشاط السياسي الذي قام به حزب الاُمة القومى في خلال الفترة السابقة، وما تم داخل أروقته حتى تبلور ذلك إلى مشاركته الفاعلة في تأسيس التجمع الوطنى الديمُقراطي السوداني، وأنه فى طريقه إلى مدينة اُم حجر لرئاسة مكتب الحزب فيها، وقال بأن الحزب في أمَّس الحاجة لكوادره للإسهام فى عملية بناء الجيش الخاص به، وان الدكتور: عُمر محمد نور الدائم هو المسئول الاول عن برنامج الحزب فى إرتريا مُقيماً فى أسمرا، يعاونه فى ذلك الأخ: نجيب الخير عبد الوهاب، أما السيد: مُبارك الفاضل فبالإضافة لرئاسته للعمل الخارجى للحزب تم إختياره أميناً عاماً للتجمع.
بتاريخ 13/ 7/ 1996م سافرت إلى مدينة أسمرا، وفيها قابلت الدكتور: عمر محمد نورالدائم الذى قام بتنويري عن وضع الحزب داخلياً وخارجياً وموقف الحزب الذى إرتضى العمل المُسلح وسيلة لإسقاط النظام في الخرطوم وما تم من تجهيزات فى هيكوتا لإستقبال المُنتسبين للتدريب العسكرى، طلب منى بإلحاح وإصرار شديدين الإنضمام لبرنامج الحزب فى هذه المرحلة نسبة لحاجة الحزب لكوادره السياسية والعسكرية، تم بيننا نقاش طويل وأكدت له بأن محمد عبد الله عبد الخالق الذى يجلس أمامك الآن ليس هو كما كان بالدائرة ( 27أ ) الصحافة – جبرة، وإشترطت عليه بأني لا يمكن أن ألتحق ببرنامج الحزب فى هذه المرة، إلا بعد تضمين مُلاحظاتي نسبة للسلبيات المُتعددة التي صاحبت حركة (يوليو 1976م) بإعتبارها آخر عمل مُسلح نفذه الحزب في عهد جعفر نميري. وكان من ضمن تللك الملاحظات عدم الإيفاء بحقوق المقاتلين والجرحى بدليل إنه لاتوجد إحصائية بعدد أو أسماء الشهداء وإلى الآن؛ بالإضافة لضعف العمل التنظيمي الذي صاحب تلك التجربة.
وافق على ملاحظاتي ومُقترحاتي التي سلمتها له مكتوبة وسافر إلى القاهرة فى مُهمة خاصة به، وطلب منى إكمال الاجراءات المُتعلقة بإنهاء تطوعي بالحكومة الإرترية، التي أعطتني الحق فى البقاء معها أو الإلتحاق بحزبي القديم بحكم انني فى الأصل خرجت من وطنى مُعارضاً. طلبت منى الحكومة الإرترية الإنتظار لحين إكمال الجانب المُتعلق بمُكافأتي المالية، فقلت لهم بأنى مُتطوع من أجل الحُرية ومُكافأتى الوحيدة التى أفخر بها مدى حياتي من هذا العمل الذى قمت به هو إستقلال إرتريا، لكن هنالك من أقسم بأن أتوج هذه العلاقة بالزواج من إرترية فتم ذلك وفق الطريقة السودانية (بالحنة والضريرة).
فى ديسمبر من العام 1996م إلتحقت بالقيادة العسكرية لحزب الاُمة بمنطقة هيكوتا، التى يقودها العميد: أحمد خالد المالكي وكان بحق وحقيقة نعم القيادة نسبة للأخلاق العالية التى يتمتع بها، وإحترامه الزائد لكل الناس مما جعله مَحبوباً لدى الجيش، إستطاع أن يبني قوة عسكرية فى فترة وجيزة وبإمكانيات مُتواضعة ساهمت فى تحرير مدينة قرورة السودانية، وسبق له التضحية حيث أنه قاد الإنقلاب المُسمى بـ(إنقلاب الأمير نقد الله) وحُكم عليه بالإعدام بعد فشل المُحاولة.
ساهمت مكاتب الإستقطاب الخارجية فى كلٍ من إرتريا واُثيوبيا مُساهمة فعالة فى تغذية مُعسكر التدريب الخاص بحزب الاُمة فى منطقة هيكوتا بالأفراد، عدا عدد قليل من كوادر الحزب الذين اُحضروا من الداخل، أغلبهم رفض التدريب وتعذر بحُجج تتعلق بكيفية إدارة العمل السياسي والعسكري، وطالبوا بتحقيق العدالة وإنتقدوا الطريقة التي تُدار بها الاُمور فى المعسكر ومنهم من إنتقد التدخين وسف التمباك، بإعتبار أن المعسكر يتبع لحزب الاُمة الذي ينحدر من طائفة الأنصار، بالرغم من أن الأنصار لم يكن لهم أي وجود يُذكر حتى هذه اللحظة!؟.
إضطرت القيادة العسكرية أن تتعامل مع هذه المجموعة بحزم شديد بإيعاز من د. عُمر نور الدائم، حيث تم وضع بعضهم في الحبس.
هذه المجموعة وضعت هاجساً فى التعامل ما بين الأنصار وبقية الجيش، ورسخت تصنيفاً غير مُباشر ظل البعض يتعامل به وتوسع فيما بعد بصورة أكبر.
في ديسمبر من العام 1996م خرج السيد:الصادق المهدى من السودان في عملية تهتدون، التي لعب فيها بعض الرشايدة دوراً كبيراً في تسهيل عملية الخروج، نسبة لمعرفتهم الجيدة لطرق التهريب بين السودان وإرتريا، وكان بصحبته إبنه عبد الرحمن وبعض الشخصيات: آدم سُلطان، حسين سلامة، بشير تيراب تِندل، أبوبكر عبد المجيد الخليفة (بكور) وآخرين.
شهدت مدينة تسني وجوداً مُكثفاً لكوادر حزب الاُمة في الأيام التى سبقت خروج الصادق المهدى، بما فيهم د.عمر نور الدائم الذى حضر لمدينة هيكوتا مُتعللاً بأنه فى مُهمة تفقدية، لكنه ظهر مع بعض الضباط الإرتريين الذين رابطوا في الحدود لتأمين دخول الصادق المهدي، نسبة لسرية العملية التي لا تتحمل تعميمها للجيش الإرتري المُرابط فى الحدود.
دخل الصادق المهدى إرتريا باربعة سيارات من ماركة (تويوتا هايلوكس) ومرَّ موكبه بمدينة تسنى، ماراً بالسوق الشعبي إلى منطقة نمرة (4) حيث يوجد معسكر للجيش الإرتري، فتوقف فيها لفترة قصيرة ومنها إنطلق إلى مدينة أسمرا، فرح الكل بخروج الصادق المهدى وإعتبروه دفعة قوية تُسهم وبسرعة فى إسقاط حكومة المُؤتمر الوطني، بحكم تجاربه السابقة في العمل المُسلح وعلاقاته الواسعة على المُستويين الإقليمي والدولي.
أقام الصادق المهدى مؤتمراً صحفياً بفندق السلام بأسمرا شرح فيه، ما آلت إليه الامور من سوء في السودان في كل المجالات، وأن الحكومة السودانية هددته بالقتل فإضطر للخروج للمساهمة فى الإطاحة بها، لأنها أجبرت المُعارضة على تبني الخيار المُسلح بحكم أنها أتت بالسلاح ولا تعترف بأي أداة اُخرى للتغيير أو تسليم السلطة.
سافر إلى القاهرة ومنها أصدر قراراً بتعيين إبنه عبد الرحمن الصادق المهدى أميراً لجيش الاُمة للتحرير، بدلاً من القائد العميد: أحمد خالد المالكى الذي كان فى إرسالية مرضية بالقاهرة وتم تعيينه مُستشاراً لرئيس حزب الأُمة للشئون العسكرية.
إستقبل الجيش هذا القرار بنوع من الدهشة لكنه أصبح واقعاً مفروضاً عليه بعد وصول وفد المقدمة الخاص بالامير: عبد الرحمن الصادق لمنطقة هيكوتا بقيادة: آدم سُلطان، الذى طلب من السلطات الإرترية تخصيص موقع خاص بالامير، سُمي فيما بعد بمعسكر نصرالله لكنه يُعرف عند الجيش بمُعسكر الأنصار.
وصل الامير إلى منطقة هيكوتا وبرفقته العميد: أحمد خالد المالكي والجدير بالذكر أن عبد الرحمن الصادق المهدى وضع تاجاً على كتفه بإعتباره أعلى من كل الرتب العسكرية، وكان المالكي حضر خِصيصاً لإجراء عملية التسليم والتسلم للقيادة الجديدة، ثم غادرها إلى أسمرا بعد ما قام بوداعنا بصورة حزينة جداً قال فيها: (إني في طريقى إلى القاهرة وليس من السهل أن نلتقي ثانية، لكنى أطلب لكم من الله التوفيق فى هذه المهمة الصعبة)؛ بعد وصوله القاهرة -في أقل من شهرين- غادرها مُهاجراً إلى اُستراليا وإنقطعت صلتنا به، ومن ثم تم تكليف العقيد: محمد المنوفلي لقيادة الجيش.
إختلف الحال كاملاً مُقارنة بالسابق بعد تولي عبد الرحمن الصادق المهدى للقيادة، نسبة للإمكانيات المادية الكبيرة التي ظهر بها وقام بتغيير إسم الجيش إلى جيش الاُمة للتحرير، وإتصل ببعض زُملائه من ضباط الجيش السودانى الذين اُحيلوا للصالح العام وأحضرهم إلى هيكوتا عبر سوريا ( أيمن الخبير، وليد التوم، معاوية أبوبكر يانس، طه على سعيد، مُصطفى سليمان أحمد، محمد زين ضوينا، إبراهيم دفع الله).
إفتتح الأمير الكلية الحربية الخاصة بجيش الاُمة للتحرير، وقام بإحضار كل مُستلزماتها من جمهورية مصر العربية وإستعان بزملائه الضباط اللذين أحضرهم من السودان فى التدريس، وبعض الضباط من الجيش الإرترى والحركة الشعبية؛ فإلتحق بها كدفعة اُولى كوادر الحزب من العسكريين الذين تخرجوا من الكلية الحربية التابعة للجيش الشعبي وأسسوا للعمل العسكرى بإرتريا، والمجموعة التى خرجت مع الصادق المهدي في تهتدون وآخرين. بنهاية هذه الدورة تم فتح قطاع جديد لجيش الاُمة للتحرير بمنطقة شهيدي الاُثيوبية، اُوكل قيادته للرائد: الهادى أحمد صالح وتحت إشراف الرائد: بشير تيراب تِندل.
وُضعت خطة طموحة للإستقطاب من الداخل من أجل حث الأنصار للهجرة، بعد النداء الذي وجهه الصادق المهدى (نداء الهجرة)، فبالرغم من ذلك لم يُلب الأنصار هذه الدعوة حتى إضطر الأمين العام لحزب الاُمة بتكليف أحد أقربائه الرائد: أحمد عبدالكريم بالقيام والإشراف على مُهمة الإستقطاب من الداخل بدلاً من الإعتماد على مكتب الحزب الذى تشرف عليه السيدة: سارة الفاضل (زوجة الصادق المهدى) نسبة لفشلهم فشلاً ذريعاً فى إستقطاب الأنصار للإلتحاق بمعسكرات حزب الاُمة فى كلٍ من إرتريا واُثيوبيا بالرغم من صرف لملايين من الدولارات.
أرسل الرائد: أحمدعبدالكريم أحد الرشايدة إلى شقيقه الهادي عبدالكريم المُقيم بقرية الخُضر (ريفى المناقل) لإحضاره من أجل تكليفه بمهمة إستقطاب أبناء الحسانية لجيش الاُمة للتحرير. رجع المُرسال وبصحبته الهادي عبد الكريم الذى ذهب إلى أسمرا برفقة شقيقه وقابلا د. عمر وتم التنسيق بينهم لتنفيذ المُهمة التي علقنا عليها بأنها فتح باب مأكلة حقيقية إستهدفت أموال الحزب التى تدور أصلاً في فلكهم، نسبة للتقرير المُبالغ فيه الذي قدمه الهادى عبدالكريم بأنه قادر على إحضار ألفين من أبنائهم.
إستقطب الهادى عبدالكريم عند رجوعه لمنطقته مجموعة من أبنائهم على وعود كاذبة وقدم لهم طرحاً مُخالفاً للمبدأ من أجل جذبهم (بأن هُنالك مِنح دراسية وعقود عمل لدول الخليج العربي بطرف د. عمر نور الدائم بأسمرا، كلفنى بأن أختار له مجموعة من أبنائنا يُريد أن يُحفزهم بحكم أنهم أبناء أنصار.
وصلت الدفعة الاُولى لهيكوتا عصراً بصحبة الهادي عبدالكريم وكنت من ضمن مُستقبليها بمُعسكر نصرالله فى شهر أغسطس عام 1997م، فرحنا بقدومهم لكننا صُدمنا عندما عرفنا منهم لاحقاً الكيفية التي تم إستقطابهم بها، وتأثرت كثيراً لأحدهم (الاخ يوسف السُندي) الذى يحمل شهادة سودانية بنسبة 86% عندما اُجبروا للإلتحاق بمركز تدريب أبوعنجة ومُورس ضدهم العُنف والتهديد حتى إضطروا للإمتثال لتعليمات القيادة العسكرية.
إنتاب الشك والدة: عبد الله الوجيه بأن سفر إبنها إلى القضارف ( نقطة الحشد) ما هي إلا خدعة من ولدها وأن هنالك شيئاً أخفاه عنها، فأخطرت أحد أقربائها إسمه: فرح يعمل شرطياً بالمنطقة بموضوع سفر إبنها وشاع الخبر فى وسط الاهل، عند رجوع الهادى عبدالكريم للقرية وجد الخبر قد شاع فى كل مكان يذهب إليه والاخ: فرح يتردد كثيراً على منزل والدة: عبدالله الوجيه.
عند رجوع الهادى عبدالكريم لهيكوتا مع الدفعة الثانية أخطر شقيقه بموضوع فرح فإقترح عليه الاخير بأن يحضره إلى هيكوتا مهما كلفه ذلك من ثمن، فنُصب لفرح كميناً بواسطة أحد أقربائه إسمه خالد لأنه يتمتع بعلاقة طيبة معه (بأن د. عمر يطلب منه الحضور إلى أسمرا يريد أن يكلفه بمهمة خاصة مُدتها أيام معدودات تعود عليه بمئات الملايين من الجنيهات بدلاً من الإعتماد على مُرتب الشرطة الذى لا يُسمن ولا يُغن من جوع ).
إستطاع الهادى عبدالكريم من إحضار فرح لمنطقة هيكوتا وسلمه للرائد: أحمد عبدالكريم الذي ظل يماطله فى السفر إلى أسمرا لمُقابلة الدكتور: عمر نورالدائم لمعرفة المُهمة التي يريد أن يكلفه بها؛ بعد فترة طلبوا منه الإلتحاق بمركز التدريب التى رفضها رفضاً قاطعاً وُضِع على أساسها في الحبس.
محمد عبد الله عبد الخالق
Emai : [email protected] – Tel : +256777197305