من القلب: حاجة ….تفرح
أسماء الحسينى
[email protected]
الله ما أحلى مصر يوم السبت الماضى …وما أجمل المصريين يومها وهم يصطفون فى طوابير طويلة …طويلة ،ليست طوابير من أجل رغيف خبز ولا أنبوية بوتاجاز ولا كيلو لحمة ،ولا لتصديق ورقة أو قضاء معاملة فى أى من المصالح الحكومية …وإنما من أجل ممارسة أول حق ديمقراطى بعد ثورتهم الشعبية المجيدة فى الخامس والعشرين من يناير الماضى ،وهو الإستفتاء على التعديلات الدستورية بشأن تسع مواد خاصة بالترشح لرئاسة الجمهورية .
خرج المصريون يومها بأعداد غفيرة منذ الصباح الباكر، رغم أنه كان يوم عطلة ،متوجهين صوب 57 ألف لجنة إنتخابية على مستوى الجمهورية ،فى منظر أسطورى بديع ،يثبت أن الشعب المصرى ليس سلبيا تجاه شئونه العامة كما كانوا يتهمونه من قبل حينما كان يحجم عن المشاركة فى الإنتخابات التى كان يعلم سلفا نتيجتها …قالوا عنه إنه شعب يتسم باللامبالاة ،واليوم يثبت للعالم كله أنه أذكى شعب ،وأنه يعرف أين ومتى وكيف ولمن يقول كلمته ،وأنه لم يكن يأبه فى الماضى بالإنتخابات أو أى أمر من أمور الحكم ليس عن سلبية ،بل لأنه يدرك الأمور على حقيقتها ،ويعزف عن كل ماليس منه رجاء ،وهاهو اليوم يخرج بكل حماس ليقول كلمته ،لأنه يعلم أنها ستكون الحكم والفيصل فى تحديد حاضر الوطن ومستقبله .
ورغم التباين فى مواقف القوى السياسية والتيارات الرئيسية فى المجتمع، خرج المصريون بالأمس فى مشهد لم يحدث فى مصر من قبل ،شبابا وشيبا ،رجالا ونساءا ،جماعات وفرادى ،مسلمين ومسيحيين ،المثقفون والبسطاء ،الأغنياء والفقراء …شاهدت بالأمس عجائز يتوكأن أبنائهن وبناتهن ،وآباء وأمهات يصطحبن صغارهن ،وعائلات بأكملها ،وسيدات مع خدمهن ،وزملاء عمل ،وجيران ،والكل سعيد وفرحان رغم طول الطوابير وإنتظار الساعات ….ليس مهما أن يقولوا نعم ،أو أن يقولوا لا للتعديلات المطروحة ،ولكن المهم كان أنهم استيقظوا أخيرا من سبات طويل ،ومارسوا حقا حرموا منها دهرا ،وأن كلا منهم سيدلى بدلوه فى توجيه دفة سفينة الوطن ،بعد أن ناقش التعديلات المطروحة وفكر وقرر بشأنها .
….لأول مرة على مايبدو تشعر أجيال كثيرة من المصريين بعبق الحرية ويستنشقون رياح التغيير الديمقراطى ،بعد أن عاشوا السنين تلو السنين يتعاملون مع السياسة فى بلدهم وكأنها أمر لايخصهم ,قال لى صديقى الذى تجاوز الستين :الحمد لله الذى أحيانى لكى أشهد هذا اليوم ،وأمارس حقا لم أفكر فى ممارسته طيلة حياتى .
أما أنا فعدت بذاكرتى إلى الوراء يوم أن كنت طالبة بالجامعة ،تراودنى أحلام المشاركة الإيجابية وضرورة العمل لتغيير بلدنا إلى الأفضل ،فعزمت وقتها على الذهاب إلى قسم الشرطة التابعة له لإستخراج بطاقة إنتخابية ،وهناك إستقبلنى بضع ضباط مندهشين ،يسألوننى فى سخرية وبجاحة واضحة :وعايزة تنتخبى مين إن شاء الله!! ،وبينما أجيبهم بجدية وأدب وإحترام لايستحقونه عن فكرتى حول ضرورة المشاركة ،يأتى إلى ركضا صديق لوالدى رحمه الله ،لمحنى بالمكان ،فجاء يهرول ليخرجنى منه سريعا وكأنه وجدنى فى مكان مشبوه ،وكلما استوقفته لأحثه على ضرورة الإنتهاء إستخراج البطاقة الإنتخابية ،يجرنى هو إلى الخارج مؤكدا أنه سيرسلها لى إلى البيت ،وأن لاحاجة لوجودى فى هذا المكان على الإطلاق ،وبالفعل أرسل لى البطاقة التى لم أستخدمها سوى مرة واحدة فقط ،لم تتكرر ،ولم أكن وحدى فى ذلك ،فقد كان هذا هو حال الغالبية العظمى من الشعب المصرى ،فيما عدا من يخرج لمصلحة مباشرة له لإنتخاب قريب أو الحصول على منفعة أو ما شابه ….كان هذا حال الأيام الخوالى ،أما اليوم فنحن فى شأن آخر ….وما أحلاها عيشة الحرية .