سلمى التجاني
لماذا كذب مدير عام شرطة ولاية الخرطوم ، في مؤتمره الصحفي مساء أمس ، حول هوية القوات التي تثير الرعب في شوارع الخرطوم وتعتدي على المواطنين بالضرب والنهب وحلاقة الشعر ؟ لماذا يطمئن الناس وهو يتحاشى حتى ذكر اسم القوات المتهمة بهذه الافعال ، يفعل ذلك والسوشيال ميديا تعج بصور ومقاطع فيديوهات، لأفراد وضباط من قوات الدعم السريع ، اسم الدلع لمليشيا الجنجويد، وهم يحلقون رؤوس المارة ويضربونهم بالعصي ؟
نشرت اليوم ، صفحة( مونتي كاروو ) على الفيسبوك ، التي يديرها الزميل ناصف صلاح الدين ، اتقريراً تعرفت فيه على هوية أحد ضباط الدعم السريع ، العميد جدو حمدان قائد معسكر فتاشة للتدريب، مع صورته وهو يقوم بنفسه ،بحلاقة شعر أحد الشباب . ووفقاً للتقرير ، فان حمدان التحق بهذه القوات فيما يسمى بالتائبين في العام 2006 ، و( التائبين ) تعني الأفراد ذوي السوابق في النهب المسلح وتجارة المخدرات ، ما يعني أن بشوارع العاصمة مجرمون بكامل أسلحتهم ، يجوبون الطرقات ويمارسون ما يجيدونه من نهب وسلب ، تحت سمع وبصر أجهزة الدولة الرسمية من شرطة وأمن ، دون أن يعلم أحد هل تمت إعادة تأهيلهم عند انضمامهم لهذه القوات ، أم لا .
إن كان مدير عام شرطة ولاية الخرطوم لا يعلم هوية هؤلاء المجرمين ، وقد قضوا أكثر من أسبوع يثيرون الرعب وسط المواطنين ، فعليه أن يستقيل اليوم قبل الغد ، وإن كان يعلم هويتهم ، لكنه لا يستطيع ممارسة مهامه في الحفاظ على أمن الناس ، فكان عليه أن يستقيل منذ أن بدأت هذه الفوضى .
وهنا يطرح سؤالٌ نفسه ، هل تلَّقت مليشيا الجنجويد أوامر للقيام بما تفعله ، أم أنها حنَّتْ لمهنتها القديمة الجديدة ، النهب المسلح ، فرأت أن تقوم بسياحةٍ مسلحةٍ بالعاصمة ؟
الراجح ، بعد تصريحات مدير عام شرطة ولاية الخرطوم ، أن الشرطة تعلم ما يجري لكنها لا تستطيع أن تنشر قواتها ، في مواجهة مليشيات حكومية متفلتة ، جيدة التسليح . وبما أن وجود مليشيا الجنجويد في الخرطوم ليس بجديد، ولم يحدث أن قامت بانتهاكات تصل لهذه الدرجة ، فهناك ما يشير ، إلى أنها قد تلقت ضوءاً أخضراً من جهةٍ ما ، لتقوم بتذكير المواطنين بأن البلاد محكومة ومحروسة بالسلاح . جهة فوق الشرطة ، وفوق كل قوانين البلاد ، يدِّعي مديرها بأنه يفكر خارج الصندوق ، ويأتي بمبادرات خارج المألوف ، مهما كانت فداحة نتائجها على أمن وسلامة المواطنين . فمهما بلغ تفلُّت الجنجويد لن يصل لمرحلة تحدي الدولة ، داخل عاصمة البلاد ، وارتكاب جرائم لم يعهدها المواطنين بالعاصمة ، في تاريخها المنظور .
إذن أراد جهاز الأمن أن ( يدق القُرَاف ) ، استعداداً لمرحلةٍ قادمة ، قاسية ، يزداد فيها الوضع الإقتصادي سوءاً على سوئه ، ويصل فيها الناس لحافة الهاوية ، لكنهم سيفكرون ألف مرة قبل الخروج للشوارع ، فالجنجويد بالمرصاد . وتبقى ، في ذات الوقت ، قوات الشرطة والأمن ، بعيدة عن الشبهات ، فلا سمعة أصلاً للجنجويد حتى يحافظوا عليها .
هل هذه الرؤية من قبِيل نظرية المؤامرة ؟ ومتى كانت المؤامرة غائبة عن ذهن متخذي القرار بالنظام.