منظّري الهولوكوست الالماني ومنظّري الإبادة في دارفور بقلم/ أحمد كتر

 

* في الاسبوع الماضي نشر الشاب مارك زوكربيرغ المؤسس والمدير التنفيذي لفيسبوك بياناً ضد من ينكرون مجزرة الهولوكست على صفحات الفيس بوك ويعتبرونها مزايدة.. مارك وهو اليهودي الذي تخرّج من هارفارد يستشعر مسؤوليته تجاه مجتمعه (ضحايا الهولوكست) ويعتبر مجرد الاستخفاف بما حدث لشعبه اليهودي خلال الحرب العالمية خطاً احمر حتى في دول تحفظ ال ( freedom of speech) ..
* لكن بالمقابل وفي نفس التوقيت هناك تصريح صارخ للصادق المهدي عن محاولة لتجميد ملاحقة البشير و مرتكبي الابادة الجماعية في دارفور .. هذه المفارقة تفضح العقل الباطني لمنظّري شبه الدولة السودانية هذه خلال الستين عام الماضية ،، حيث تربوا على ان كل ما يتعلق بالشعوب التي لا ينتمون لها قابل ان يكون ميكانيزم للمساومة السياسية ..

*التأسيس النظري للهولوكست والإبادة :

اذا نظرنا الى الخلفية والعقلية التي قادت إلى الإبادات في العصر الحديث تجدها تنطلق من نفس الارضية المشتركة وهو إلغاء الاخر المختلف عنك عندما تكون في ظرف أقوى منه سياسيا واقتصاديا .. مثلا ما حدث لشعب الهيبرو اليهودي اثناء الحرب العالمية في المانيا سبقه نظريات مكثّفة وتزوير لأبحاث علمية وبروباغندا اعلامية ترفع العرق العاري ( الالماني ) وتعتبره النموذج الافضل للإنسان وفي نفس الوقت تحط من مكانة اليهود والشعوب الاخرى، بل تجردهم من الانسانية وتحرّض لمشروعية قتلهم .. من اشهر المنظّرين لمشروعية ابادة اليهود الطبيب الالماني الفريد بلوتيز الذي قام بنشر افكاره عن ما اسماه (تحسين النسل البشري ) عن طريق تغييرات اجتماعية بهدف خلق مجتمع اكثر انتاجية وذكاء ، كما زعم ،، كذلك زميله الكاتب والقانوني كارل بايندنك الذي نشر كتاب باسم “الرخصة للقضاء على الأحياء الذين لا يستحقون الحياة ” ، وروج لفكرة القتل الرحيم للشعوب الأخرى عبر مقالاته .. هذه النظريات استخدمها النازيين الالمان لتبرير عُلو عرقهم ( العرق العاري) على بقية الاعراق واستخدموا كل اليات الدولة لتمرير هذه الاجندة وجعلها واقعا للعالم ، فتفرغ رجل الامن (هملر) للاشراف على البحوث العلمية المزورة التي تثبت افضليتهم .. وقام غوبلز مسؤول الاعلام وصاحب نظرية البروباغندا بحملات اعلامية لتحريض عامة الشعب بهذه الافكار .. هكذا اقنع منظّري النازية الشعب الالماني انهم عرق أعلى من اليهود والروس والفرنسيين وغيرهم من الشعوب .. وبهذه الطريقة كانت تنفيذ مجازر الهولوكوست وساهلة وسلسة بالنسبة لهم كانهم يذبحون ماشية او مسلخ للدواجن ، لان عقلهم ووعيهم آمن ان اليهود اقل قيمة انسانية منهم ، هكذا ارتكبو اكبر الابادات، لكن ولحسن الحظ استطاع ضحايا الهولوكوست ان يجعلوا النازيين يدفعوا ثمناً غاليا لن ينساه التاريخ البشري ..
* اذا اسقطنا هذه التجربة على السودان سنجد ان هناك شعوب تمر بنفس الظرف التاريخي الذي عاشه اليهود في القرن الماضي في المانيا .. فالتأسيس لنظريات العروبة القسرية في بلد متعدد اثنياً هى نفسها التأسيس للعرق العاري وسط الشعوب الاوربية .. فعندما تفرض دولة مثل السودان عرقاً واحداً كهوية اجبارية للجميع هذا اعلان صريح لإلغاء الاخرين ، وفي هذا الإلغاء أُستخدم كل اليات الدولة لستين عاماً بداية بتزوير تاريخ هذه الشعوب كما فعل هملر الالماني مرورا بإحتكار الفرص لصالح العرق الواحد وبالتالي المساهمة في صناعة طبقة عرقية واحدة فقط كقوة اقتصادية وسياسية تحتكر آليات الدولة لقمع الاخرين والتخلص منهم كما تمليه ايدوليجيتهم ،، وفي نفس الوقت ستتراجع الشعوب التي لا تجد الفرص إلى هوامش الحياة اقتصاديا وسياسيا وتعليما..
* هذه المرحلة التي تسبق مرحلة الابادة الفعلية على ارض الواقع ساهم في تأسيسه اغلب من حكموا السودان خلال الستين عام الماضية .. مثلا رجل الانقاذ علي عثمان وهو اول وزير شؤون اجتماعية في عهدهم ، كان هدفه الاول هو الهندسة الاجتماعية وفرض الهوية والثقافة العربية بكل الوسائل المتاحة، وبالذات المناهج التعليمية وفرض وتلميع ثقافة أُحادية في الاعلام على شعوب واقاليم لم تسمع بهذه الثقافة من قبل ،، وعلي عثمان وامثاله انفسهم تبّنوا هذه الثقافة (العربية) قبل مائتي عام فقط لظروف سياسية معينة جعلتهم يتنازلو عن لغاتهم النوبية وتبني العربية ، وللاسف الشديد لم يجدو اي قبول او مجرد اعتراف بإدعائهم هذا حتى الان ، ومن هنا تأتي المحاولات المستميتة لقادة الانقاذ للتخلص من كل ما يربطهم بافريقيا ( الجنوب ، والأعراق واللغات وحتى الالوان) بحثا عن اعتراف هناك ..
* وهناك امثلة كثيرة للتأسيس للوضع ما قبل الابادة في السودان مثلا الخال الرئاسي الطيب مصطفى الذي لا يملك مؤهل غير دبلوم فني لكنه اصبح مديرا للاذاعة التلفزيون يقوم بنفس الدور الذي قام به غوبلز في عهد هتلر وهو التأسيس لوهم عُلو عرق وثقافة تبنوها بالامس القريب عبر الميديا ، وصناعة وعي زائف بان شعوب السودان الأخرى التى لا تتبنى هذه الثقافة اقل شأنا وفطنة بالتالي لا يستحقون الحياة كما قال النازيون منظري الهولوكوست .. اما الصادق المهدي الذي يحاول ان يملِي على الضحايا عدم محاسبة مرتكبي الابادة الجماعية هو نفسه لم يكن بريئا من عملية التأسيس النظري هذا في فترتي حكمه الذي اسس خلاله التجمع العربي ووجه اليات الدولة ومناهجها لإقناع هذه الشعوب بالهوية والثقافة العربية وحدها ..
* هذا التأسيس النظري في السودان نجح في اعادة انتاج الكثيرين في بوتقة انصهار مزيفة عرف بالسودان العربي الاسلامي ، لكنه فشل في تعريب واقناع الشعوب التي تعيش في اطراف السودان البعيدة عن مدارس واعلام النازيين السودانيين (مثل البجة النوبيين في الشمال وجبال النوبة ودارفور وغيرهم) ، و عندما فشلو في اعادة انتاج هذه الشعوب بالوسائل التقليدية ( المناهج _ الاعلام _ الفرص المحتكرة) لجأو الى اخر رمح في كنانتهم وهو الابادة، تماماً كما فعل النازيون الالمان عندما فشلو في عزل اليهود بالشائعات.

# الهولوكوست كإلهام:

الهلوكوست كانت مأساة خسر فيها اليهود خمسة مليون شخص قُتلوا بدم بارد ،، لكنها وحدت اليهود وجعلهم يفكرون بصورة جادة لتأسيس دولة تحفظ وتحمي من تبقى من شعبهم ،، فأسس اليهود حركة سياسية في الدياسبورا عرفت بالحركة الصهيونية (The Zionism ) للضغط على الدول المنتصرة في الحرب العالمية لإنصاف ضحايا الهولوكوست ،، وبفضل نجاحات هذه الحركة استطاعوا ان يؤسسوا مجلس حقوق الإنسان في مجلس الامن حتي لا تتكرر تلك التجربة ، بل ضغطو وانتزعو دولة لهم من الاستعمار البريطاني في ارض اجدادهم ،، وبسبب التمويل اللوجيستي والدوبلوماسي لهذه الحركة استطاعت الدولة الوليدة ان تفرض وجودها وتحافظ على امن مواطنيها في اقليم لا يعرف السلام .. هذه المأساة كانت الالهام الحقيقي لليهود في كل العالم للعودة الي الديار والقتال مع ثورة الكفاح المسلح الذي نظمه القائد الثوري بن غوريون حتى ولادة دولة انتظرها هذا الشعب لمدة الفين عام منذ ان انهارت اخر مملكة يهودية على يد الرومان في منطقة القدس ،، الان نتيجة لتلك المأساة استطاعوا ان يبنو دولة تحمي شعبهم وتبني طموحات اجيالهم القادمة .
*من هذا نستخلص ان الابادة الجماعية الذي حدث في عهد الانقاذ او التأسيس النظري للإبادة الذي تم في عهد الصادق المهدي ومن سبقوه ، ستكون نقطة تحول في تاريخ شعوبنا ،، ويجب ان لا يتخيل تجار السياسة مثل المهدي وغيره ان مرتكبي هذه الجريمة سيفلتون من العقاب،، فالسودان بعد هذا الحدث لن يكون مثل السودان قبله و لكم في الهولوكوست عبرة .
* ستظل شعوبنا تناضل من اجل تأسيس وطن محترم تتساوى فيه الفرص للجميع وتُجرّم فيها نظريات التعريب القسري و ونظريات التأسيس للإبادات وتحاسب فيها مرتكبي مثل هذه الجرائم إنصافاً للضحايا ومنعاً للتكرار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *