د. سعاد الحاج موسي
9 ابريل 2020
تشكل النساء عادةً المجموعة الأكثر هشاشة في كل أزمة تضرب المجتمعات الإنسانية – فهن أكثر الضحايا في الحروب والمجاعات والكوارث البيئية وايضاً الأكثر صموداً في مجابهتها وقد يرجع جل ذلك الي واقع توزيع الأدوار الاجتماعية (الجندر) التي تضع على عاتقهن مسؤولية رعاية الأطفال والاسر والمستضعفين من المرضي وكبار السن في المجتمع فيرتبطن بهم وبتلك الأدوار نفسياً وأخلاقياً مما يصعب عليهن الهرب والنفاذ بجلودهن وتركهم خلفهن لتحصدهم الكوارث والنائبات حال حدوثها. والكوارث المعنية أغلبها تحدث حول المجالات والاطر المتغيرة التي نعيش فيها، وتؤثر سلباً على المعينات الخارجية المتاحة التي تدعم حياة الناس ومعاشهم مثل الطعام والشراب والسلامة والسكني. وصمود النساء يأتي بقصد الالتفات على تلك الظروف القاهرة ومحاولة العيش باختلاق مكنزمات للتأقلم والاستمرار. الأدوار المعنية هي ليست ذات صفة بيولوجية بمعني لا تحكمها صيغة كرموسوماتية ثابته، بل خاضعة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وشتى أنواع الحراك التي تؤثر في نمطية المراسيم الاجتماعية والأدوار المألوفة وتعيد صياغتها باستمرار ليستمر المجتمع ويؤدي وظائفه ويستقر الي حين.
جائحة كورونا التي أقعدت العالم الآن يمكن عدها أخطر سلاح بيولوجي للدمار الشامل لم يسبق أن اعترض الانسان. فهو يهاجمه بضراوة ولا يترك له فسحة لفهم طبيعته واختبار مقدرته على المقاومة ناهيك عن امهاله لاستنفار وشحذ أدواته العلمية لتلافيه وللدفاع والقضاء عليه. الفيروس يستهدف المرأة والرجل معاً يخرّب أجهزتهما التنفسية بلا هوادة ويدمرها بغرض القضاء عليهما. فهل يستوي الجنسين في درجة تأثرهما بالفيروس، أم أن أحدهما أكثر عرضة للإصابة من الآخر؟ وان صح هذا الافتراض فماذا يفيدنا ذلك في السودان؟
ورد مقال للكاتبة سنام ناراغي أندرليني الحائزة على عضوية الإمبراطورية البريطانية MBE كالتي منحت للأخ خضر دالوم أحد أبناء جنوب دارفور، على الانترنت بتاريخ 25 مارس 2020، يُعني بالتحليل الجنساني والجندري للبيانات لفهم أسباب وتأثيرات الأزمات وأهميتها في اعانة المعنيين والفاعلين للتعامل معها بوقف انتشارها والوقاية والعلاج منها وأيضاً لاستدراك آثارها علي الحراك الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات وحتي السياسي. عرضت الكاتبة البيانات الواردة من الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية وإيران حتى فبراير 2020 أي قبل استفحال المرض بشكله الحالي، وكلها تشير الي فرق كبير بين وفيات الذكور والإناث – ففي كوريا الجنوبية تصاب النساء بالمرض أكثر من الرجال، لكن الرجال يموتون أكثر. في إيطاليا، 80% من الوفيات كانت من الذكور، بينما أظهرت دراسات من مركز السيطرة على الأمراض في الصين بأن 64% من الوفيات في الصين كانت من الذكور. وفي ظن الخبراء الطبيين، أن الأسباب غير واضحة بسبب عدم اكتمال البيانات الحالية بينما تشير الفرضيات إلى عاملي أسلوب الحياة والتكوين البيولوجي. فبالنظر الي أنماط الحياة وأساليبها نجد الرجال يشكلون غالبية المدخنين لذا هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض الصدر وضيق التنفس المتعلقة بالتدخين بينما تشير البحوث الي أن للنساء عمومًا أجهزة مناعة أقوى من الرجال، وأكثر قدرة على درء العدوى وذلك للتركيبة البيولوجية للجهاز المناعي – فالكروموسوم X يحتوي على عدد كبير من الجينات المتعلقة بالمناعة، والنساء لديهن اثنان، أي XX مما يكسبهن مقدرة أكبر في مكافحة الأمراض من الرجال الذين يحملون XY.
هذه البيانات الطبية والاستنتاجات القائمة عليها هي بلا شك مفيدة وخاصة للدول الغربية التي تتوفر فيها الغذاء الكامل وسبل الرفاه لكل المواطنين وتساعد وتؤثر أجواء الديمقراطية وإشاعة حقوق الانسان على الإمكانات الطبيعية للجسم ومدي مقاومته وتأثره بالآفات التي تستهدفه بالأضعاف أو الإفناء. فبالنظر الي معدلات متوسط العمر المتوقع للفرد أن يعشه، نجده أيضاً يتبع نفس النمط أي تميُز النساء بحياة أطول نسبياً من الرجال. ومتوسط العمر المتوقع هو متغير تابع يتحدد بعدة عوامل أهمها التركيبة الديمغرافية والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بما في ذلك الجنس والعمر والعمالة والدخل والتعليم والرفاهية الاقتصادية، وجودة النظام الصحي والرعاية الصحية وقدرة الناس على الحصول عليها، وكذلك سوء التغذية والسلوكيات الصحية المضرة كالتدخين وشرب الكحول وعدم ممارسة الرياضة. بمعني أن توافر المزيد من الرعاية الصحية والمزايا الاجتماعية والاقتصادية المتطورة من المرجح أن يزيد متوسط العمر المتوقع.
وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يبلغ المتوسط العام في إيطاليا 83.568، وللنساء 85.598 بينما للرجال 81.384. وفي كوريا الجنوبية يبلغ 83.062، للنساء 85.988، وللرجال 79.962. في الصين 76.96، للنساء 79.274 بينما للرجال 74.826، وفي إيران 76.742، للنساء 77.952 بينما للرجال 75.644. أما في السودان فيبلغ متوسط العمر 65.406، للنساء 67.292، وللرجال 63.55 وهي لا تختلف كثيراً عن واقع دول القرن الأفريقي مثل أريتريا وأثيوبيا، أي أن متوسط الأعمار في السودان يقل بدرجات تتراوح ما بين 18 الي عشر سنوات عن انسان الدول الأخرى المذكورة.
وإذا قارنا الوضع الاقتصادي والصحي والنفسي والغذائي للمواطن السوداني خلال الثلاثين عاما الماضية يصعب اعتماد أي تعميمات في أحوال السودانيين لأقاليم السودان المختلفة مجتمعة وذلك بواقع أن الإنقاذ خلقت وأفرزت جيوب آدمية متخمة تكدست عليها خيرات الدولة ومواردها، فتشحّمَت أوداجها وانتفخت فيها الكروش حتي اذا تقنّع أحد رجالهم بالتوب النسائي لحسبته امرأة حبلي بأربعة توائم وفي اسبوعها الأخير للولادة (في راس ليلتها) ، بينما تركت غالب المواطنين يرزحون تحت أثقال المسغبة والمرض والحرمان والفقر وسوء التغذية فتحولت أجسادهم الي هياكل وأشباح، اضافة الي تفشي الايدز والسل الرؤيوي وما يزيد علي ثلثي السكان محاصرين في خيم اللجوء والنزوح. بالنظر لهذا الواقع البائس يصبح أخلاقياً ما نقرأه عن أن متوسط عمر الانسان في السودان يبلغ ال 65.406 غلوطية مثيرة للجدل!
فاختلاف تعرض المرأة والرجل للفيروس يهم أكثر مراكز البحوث خاصة الغربية، بينما ما يهم المواطن السوداني في هذه اللحظات هو أهمية الالتزام بإجراءات صد الجائحة والابتعاد عن ظروف انتقالها وانتشارها والمساهمة في اضعافها وأن تكون ذاكرتنا حاضرة بأنه هاجم، ولا يزال، أعتي دول العالم رفاهية اقتصادية واجتماعية – دول تتوفر فيها ظروف حياتية لا توجد أفضل منها ورعاية صحية كاملة ومتكاملة وُظفت بكثافة لمصلحة مواطنيها، ووعي كبير للمواطن بقيمة الحياة والميزات التي وفرتها الديمقراطية وحقوق الانسان مما انعكس ايجاباً على معدلات توقعات متوسط عمر الانسان. الفيروس اللعين تحدي كل ذلك واقتحمه وأخذ يحصد أرواح الناس ببربرية قاربت الألف شخص في اليوم، ويعيث تخريباً في اقتصاديات الدول لا محالة ستمتد آثاره لعقود قادمة. في غياب المعرفة التامة بسلوكيات الفيروس وتفوق حركته، وصعوبة إيجاد لقاح عاجل له ناهيك عن العلاج الشافي، أصبح الهم الأول هو إيقاف تقدم الفيروس ومهاجمته للمزيد من الناس، فلجأت الدول الي الاجراءات الاحترازية كصمام أمان أولي وجوهري للمواطن وحثه على احترامه والالتزام الصارم به، أي أن المسؤولية عُلقت على رقاب المواطنين وهي عبارة عن ثلاثية صمت الحركة – البقاء بداخل المنزل، عدم الاختلاط بآخرين من خارج الاسرة الصغيرة وحماية وزارة الصحة. ودوننا كما رأينا عبر الفضائيات رئيس وزراء بريطانيا بورس جونسون وهو مصاب ومحبوس ولكنه يناشد المواطنين ويشدد عليهم للبقاء بداخل منازلهم. تقبل المواطنون الإجراءات والنصائح الطبية رغم عدم استساغتهم لها والتزموا بها لأنها تعني سلامتهم وحمايتهم والآن يبدو أن معدلات الإصابات والموت بدأت تستقر ببطء بإشارة الي نجاح الاجراءات المتبعة ووعي المواطن.
بديهي اننا لا نتجرأ بمقارنة واقعنا الصحي والاقتصادي والإنساني الذي لم ينهض يوماً بتلك الدول فنصفه بال “منهار”، ونلاحظ أن مواطنيهم يحترمون العلم ويقدرون ويتعاملون بمنتجاته، أي بالوقاية والعلاج والنصائح الطبية، ولا تُبطن ثقافاتهم مقولات مثل “اليوم واحد والزول ما بموت بلا يومه”. في ظل فقر أوضاعنا الانسانية والتي لا تخفي علي الصغير قبل الكبير فينا، كم يا تري من الناس سنفقد إذا هاجمنا الفيروس بمثل ما فعل في الغرب؟ علينا ألاّ نغش أنفسنا ونتحصن بالغيبيات والتبريرات التي ملأت صفحات الأسافير واتجه الناس الي تصديقها، فبالتأكيد سيفني آلاف كثيرة مننا رجالا ونساءً ولن يفدنا أن النساء أقل عرضة للجائحة، وسنحزن بالعمق سنينا عددا خاصة نحن قوم قلوبنا رهيفة ومن طبعنا كثرة البكاء والنحيب على من نفقد. فمع الاعتقاد بأن “لكل أجل كتاب”، علينا ايضاً “ألاّ نرمي بأنفسنا الي التهلكة” فكورونا لا تؤمن بالدين ولا تستغفر رب العالمين فيما تفعل فهي التهلكة نفسها يجب الابتعاد عنها بكل ما اوتينا من إرادة وقوة. كذلك سماؤنا لا تمطر لقاحا أو دواء وانما علينا أن نُعمل عقولنا أي “نعقلها ونتوكل” بالمحافظة على حياتنا وحياة اخوتنا رغم بؤسها وعدم رضاؤنا بها. زد على أن دولتنا تحتاج الي أبنائها أحياءً يرزقون لا جثامين يُشيِعون الي المقابر كل يوم. فمن واجب كل مواطن ومواطنة الحرص والسعي للبقاء حياً لحماية الثورة وتكملة مشوار بناء الوطن فقدر السودان أن مصائبه لا تأتي فرادي ولكن بالعزيمة والالتزام الثوري تنهزم كل التحديات ونمشي لقدام – خليكم جوه يا أهلنا حفظكم الله.
وشكرا.
سعاد مصطفي الحاج موسي
[email protected]