خالد ابواحمد
اليوم السبت الموافق الخامس من اكتوبر من العام 2013م دخل السودان مرحلة جديدة من مراحل تحولاته التاريخية الكبرى، التي سيحكي عنها التاريخ في مقبل الأيام، اليوم سقط النظام الحاكم، نظام السُراق وعبيد المال وعبيد الشهوة، سقط النظام بكل ما تحمل عبارة السقوط من معنى، إلا أن زواله من دفة الحكم مسألة وقت فقط ليس إلا، ومن خلال اتصالاتي ومتابعاتي الخاصة من داخل العاصمة الخرطوم ومن بعض الذين يعملون داخل النظام الحاكم قد تأكد لي بأن النظام فقدت السيطرة تماماً على تسيير شؤون الحكم، نعم يقبض أمنيا وعسكريا على الأوضاع، لكنه بات الآن متيقن تماماً بأن الأمور قد سارت في طريق آخر وليس بمقدروه مهما فعل إرجاعها لما كانت عليه في السابق.
محلياً فقد النظام السيطرة عن إدارة الاقتصاد شيئا فشيئا، لأن كل المؤسسات الانتاجية قد توفقت عن العمل، وأن كل المؤسسات الاقتصادية الرسمية باتت تفقد سيطرتها على إدارة شؤونها ساعة بعد ساعة، ما عادت الدولة الآن موجودة في الكثير من المرافق الحكومية الرسمية والتي بدورها تحرك عجلة الاقتصاد، مثلاً الوزارات مثل المالية والاقتصاد الوطني غالبية إداراتها لا تعمل بسبب العصيان المدني وعدم وصول الناس لمواقع عملهم.
القاعدة الشعبية التي تتبع للنظام بدأت تهتز بشكل كبير، والكثير منها رفض الاستجابة لأوامر التجمع في الزمان والمكان المحدد، مثلاً قطاع الدفاع الشعبي وهو أكبر قطاع على الاطلاق يتبع للمنظومة الحاكمة ، رفض منسوبوه قبل ثلاثة أيام التجمع في الأماكن التي تم تحديدها لهم، ويتكون هذا القطاع من عشرات الألوية والكتائب من النساء والرجال على السواء، كذلك عضوية الخدمة الإلزامية التي أعدها النظام لمثل هذا اليوم قد تأكد للطغمة الحاكمة بأنهم أصبحوا خارج اطار ولايتهم، والجميع يعرف بأن النظام الحاكم دفع من عرق الشعب السوداني المليارات لأكثر 20 عاماً لمعسكرات التدريب، بل كانت المنسقية العامة للخدمة الإلزامية دولة داخل دولة قادها أولا اسامة عبدالله محمد وزير السدود حاليا، ميزانيتها كانت مفتوحة على مصراعيها للنهب (المصلح)، لذلك برز اسامة عبدالله فيما بعد من كبار المتنفذين وأصحاب المليارات مع صديق دربه القاتل المحترف كمال حسن علي سفير بلادنا حاليا في مصر.
اقليميا بدأت علاقات النظام مع دول الجوار في التفكيك وقد بدأ صحفيو النظام من المرتزقة في شتم دول الخليج العربي، بعبارات مسيئة للغاية للحكام الذين لم يتوانوا لحظة في دعم النظام الحاكم، الآن العلاقات مع المملكة العربية السعودية أصبحت على حافة الانهيار، وجميعنا كناشطين اعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي نعرف بأن أكبر شبكة تتبع للحزب الحاكم نشطة سياسيا في الاعلام الالكتروني موجودة في المملكة العربية السعودية، والآن العلاقة مع كافة دول الخليج أصبحت مسار تفاعل والأيام المقبلة ستشهد الكثير من المتغيرات في هذا الصدد بعد مقال الصحفي التابع للحزب الحاكم يوسف عبدالمنان ضد السعودية وباقي دول الخليج.
وعلى المستوى الدولي تشهد العلاقات مع السودان لأول مرة هزة قوية بسبب أعمال العنف التي قامت بها أجهزة النظام مع المتظاهرين، وقد صدرت إدانات قوية من الدول الكبيرة في العالم مثل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوربي، وكبرى منظمات حقوق الانسان في العالم، فإن المجازر التي اتبعتها حكومة الإبادة الجماعية ضد المتظاهرين بالعنف غير المبرر مع متظاهرين سلمّيين لفت انتباه العالم قاطبة إلى سياسة العنف الممنهج التي تمارس في السودان، المثير من الدول لم تكن على دراية وحقيقة عنف النظام الحاكم في الماضي لكن اليوم وبعد نشر الفيديوهات التي تصور عنجهية النظام وتجرده من الانسانية في التعامل مع الشعب جعل العالم يقتنع بأن النظام لا يمكن ان يستمر بعد كل هذه السنوات، وأن رئيسه المطالب لمحكمة الجنايات الدولية قد وقع بالضبط في شر أعماله.
وعندما أقول بأن النظام قد سقط بالفعل وما عاد له وجود غير الأمني والعسكري، فإن الفيديوهات والصور التي جمعها الناشطون في كل ولايات السودان ونشرت على نطاق واسع قدمت للكثير من المنظمات الدولية باليد، ستعجل من زيادة الضغط على النظام من خلال المؤسسات الحقوقية والعدلية والاقتصادية والسياسية، وهذا الضغط سيكون له دوره الكبير في إضعاف النظام، فإذا كانت هذه التظاهرات القوية التي يتجاهلها الاعلام الرسمي قد زعزعة المجتمع الحاكم أيما زعزعة فقام الكثير من قيادات النظام بتسفير أسرهم للخارج، توطئة للحاق بهم، وقد جاءت الاخبار من الولايات المتحدة الامريكية بأن نجلاء د. عوض الجاز قد غادرنا البلاد بالفعل، الأول في دبي، والثاني محمد قد وصل قبل ثلاثة أيام إلى الولايات المتحدة الامريكية للإقامة فيها والآن يعمل على استخراج جواز سفره الامريكي حيث انه قد ولد هناك عندما كان والده يحضر في الدكتوراه، ليس عوض الجاز فحسب بل عدد كبير قد أبعدوا أسرهم من الخرطوم منهم من غادر للأقاليم البعيدة للإختفاء، والجزء الكبير منهم اختاروا الخارج، والأيام المقبلة مع شدة الضغط الشعبي والعالمي سنرى عمليات الهروب الكبير.
إن موجة الاعتقالات الشديدة التي يقوم بها جهاز الأمن في السودان ستعجل أكثر بخروج الناس للشارع، كما ستعجل أيضاً بانضمام عضوية الحزب الحاكم لموجات الرفض والدخول في التظاهرات، وبالتالي سيكون سقوط العصابة الحاكم سقوطا داوياً، وكما هو معروف فإن الجيش يتابع مجريات الأحداث وبرغم انه مأدلج وصنيعة هذه العصابة إلا أنه في ساعة معينة إذا رأى الأمور تسير في طريق الانهيار واللاعودة فسوف يعلن انحيازه للشعب.
وأن غدا لناظره لقريب..
السبت الخامس من اكتوبر 2013م
[email protected]