1— ألتقيته فى تسعينيات القرن الماضىقبل خروجه من المؤتمر الوطنى و بعد خروجه , أستمعت اليه و حاورته فى كثير من القضايا الوطنية و الأقليمية , يأسرك بحضوره الطاغى و أدبه الجم , سياسى مبدئ , مفكر شاب , ذو انتاج فكرى غزير,, له كتاباته الرائعة منها ,, أثر المغرب علي أراء محى الدين بن عربى , و أثر الجغرافيا على فتاوى مالك بن بنى , مقاتل بارع بالقلم و اللسان ,, كان جرئيا فى أطروحاته ,, جادل أساطين الأنفصاليين العنصريين العروبيين الأسلامويين ( الطيب مصطفى , محجوب فضل , المسلمى البشير الكباشى ) و فضح مخططاتهم العنصرية و لفت الأنتباه الى الخطاب المتدثر بلبوس الدين و الذى ينذر بنقلة غير مسبوقة لصراع الهوية فى السودان الشمالى بكل ما يحمله ذلك من مهددات ,, فى مقالات حملت العناوين التالية ,, الصهيونية العروبية تشكل عنصرية مؤدلجة تهدد بتفتيت السودان بعد الأنفصال ,, الأنفصاليون الجدد و تداعيات الرد عليهم ,, آيات الذكر الحكيم و الآفاق تدحض أطروحة الأنفصاليين ,, أما أزلام الحركة الشعبية فقد قاتلهم بيراعه و لسانه قتال من يعرف عرصات داره شبرا شبرا , حيث فضح جرائمهم و سوء أفعالهم و عمالتهم و أنتهاكات حقوق الأنسان التى يمارسونها بجبال النوبة,, بعض مقالاته التى يمكن الرجوع أليها ( حتى لا يتطاول الأقزام (2—2) الحركة الشعبية تدمر مقومات القوة الأستراتيجية بجبال النوبة .. و عندما رأوا قوة طرحه و أثر تنويره وسط سكان جبال النوبة ,, عمدوا الى قتله معنويا و لما لم يفلحوا حاولوا أكثر من مره على تصفيته جسديا و لكن خاب فألهم ,, الى أن أصطفاه الله فى زمرة الشهداء , شهيدا بجبال النوبة التى أحبها ….. 2—كتب الشهيد مكى كثيرا و كثيفا عن موبقات الحركة الشعبية بجبال النوبة و كشف أحابيلها و ألاعيبها و سعيها الدؤوب لجعل الصراع فى جبال النوبة صراعا أثنيا بين ( النوبة و العرب) أو جعله دينيا بين الأسلام و المسيحية , حيث أمتطى صهوة يراعه يدبج المقالات العراض فى دحض و فضح أكاذيب و دعاوى الحركة الشعبية , و ينافح بلسانه فى الندوات و المحاضرات فى مواجهة التطرف الفكرى لمشروع السودان الجديد و يبذر التثقيف الأيجابى , داعيا للسلم الأجتماعى و تكريس الوعى الى بناء أعمدة التعايش و التسامح و يغسل ادران داء التقاطع و التنافر و الحصاد المر الذى بذرته بجبال النوبة ,, فأستبطنت له الحركة الشعبية العداء المفرط ,, فكانت محاولات التصفيات المتكررة هى الشواهد على عداء الحركة الشعبية له …. قرأت كارها بعض ما خطه بغاث الطير من رجرجة و دهماء الحركة الشعبية و بعض بقايا اليسار و سواقط المؤتمر الوطنى و متسلقى الحزب القومى السودانى ممن أرتموا فى أحضان الحركة الشعبية ,عن الشهيد مكى على بلايل كتابات تنم عن جهل مطبق , و حقد دفين و خبث و لؤم ,, حيث طعن فيه بعض أبناء جلدته و هو من أهلهم ,, رموه بكل الجرائر ,, و نفوا عنه كل الفضائل ,, حملوا عليه السواءات و الضغائن ,, و حسبتهم يرتقون الى مستوى الحدث و الكارثة التى ألمت بالسودان و جبال النوبة ,, و لكن ماذا نفعل ؟؟ انه سلوك أزلام الحركة الشعبية من المتربصين بكل صاحب رأى مخالف ,, حيث التجنى و الغثاء من التهريج و التجريح ,,فأن لهم مكارم الأخلاق و هم مفطمون منها …. !!!!! 3 — الشهيد مكى على بلايل , نحسبه شهيدا و لا نزكيه على الله , لم يمت حتف أنفه ,, و لكن مات ميتة أسرت الصديق و أغاظة العدا فى أشرف ساحات النضال ,, نسأل الله له الرحمة و المغفرة ,, لببغاوات و أقزام الحركة الشعبية نقول ,, الشهيد مكى على بلايل من الرعيل الأول الذين أسسوا تنظيم كمولو فى أوساط الطلاب ( النوبة الوطنيين ) و كان ذلك فى أواخر سبعينيات القرن الماضى بمدرسة كادقلى الثانوية ( تلو) , و عندما أستوى عود التنظيم و عقد مؤتمر كادقلى الأخير عام 1978 لأعادة تشكيله و التأمين على خروج التنظيم للعمل الجماهيرى ,, كانت للشهيد مكى على بلايل أراؤه و رؤاه التى صدح بها و لم تتوافق مع التنظيم ,, و لأن مكى أظهر أمارات قيادة و جلد و نبوغ سياسى منذ تلك الفترة الباكرة حاول التنظيم المستحيل لأعادته لحظيرة التنظيم ,, فأداروا معه حوارات جادة يشهد عليها الأحياء من قيادات كمولو فى جامعة الخرطوم فى ذلك الزمان ,, و شهد ميدان الجامعة الشرقى الكثير من تلك الحوارات ,, و لكن ذاك الفتى الهمام كانت جبة كمولو أضيق من أستيعاب طموحه السياسى ,, و كانت قناعاته أن العنصرية و الجهوية ليست هى المركب التى ستوصلنا الى بر الأمان ,, لذلك فاليعلم الذين يرجمون بالغيب بأن الشهيد مكى على بلايل عندما وطأة قدماه جامعة الخرطوم لم يكن حركة أسلامية ,, و لكن لقوة شخصيته و جهره برأيه و أدائه المميز فى أركان النقاش ,, بدأت حوارات جادة بينه وبين الأتجاه الأسلامى , كان على رأس تلك الحوارات الشهيد موسى على سليمان أنتهت بأنضمامه و الشهيد محمد طه محمد أحمد الى الأتجاه الأسلامى ,, و لقد كانا فى الجامعة سفر لحالهما ,, بعد تخرجه من الجامعة عمل مع الأخ أمين بنانى فى أحدى شركات التأمين الأسلامية ثمانينيات القرن الماضى ,, و من ثم تم تعيينه بوزارة الخارجية ,, ليبدأ رحلة السلك الدبلوماسى بسفارة السودان بموسكو ,, ثم بسفارة السودان بالقاهرة فى بدايات تسعينيات القرن الماضى التى قضى بها سنين عددا ,, بعدها عاد للسودان ,, لتبدأ رحلته الدستورية التى
بدأها بولاية جنوب كردفان أبان ولاية الوالى د. حبيب مختوم (أبو عشة ) و من الذى لا يعرف أبو عشه فى أستباحته لموارد الولاية , حتى أصطدم بالشهيد مكى على بلايل و الذى كان يشغل وزير مالية جنوب كردفان ,, فضبط الأداء المالى و أوقف شره الوالى وبطانته فى أستباحة مال الولاية ,, و كان ذلك سببا ليكيد حبيب مختوم للشهيد و يقف أمامه فى الترشح بكادقلى أبان أنتخابات منتصف تسعينيات القرن الماضى ,, عندما أنزل أبن كادقلى المرحوم العميد حمد عبد الكريم منافسا للشهيد مكى على بلايل ,, و كانت الغلبة و الفوز لمكى و الذى جاء الى كادقلى من الدلنج , قرية (الصبى) ليفوز على أبن كادقلى فى عقر داره , و لعل فوز مكى كان بمثابة أستفتاء لبزوغ نجمه فى سماء السياسة القومية و الأقليمية , فأهل كادقلى لا ينصفون الا لمن يعطى جبال النوبة …. هنالك فضل للشهيد مكى على بلايل أبان تواجده بكادقلى لا و لن يذكره أزلام الحركة الشعبية لأنهم مردوا على اللوم وسوء الصنيع ,, القليل جدا يعرف الدور الذى لعبه مكى فى مواجهة الأجهزة الأمنية و العسكرية أبان أنتهاكات حقوق الأنسان بكادقلى و أستهدافها للمثقفين من أبناء جبال النوبة بحجة أنهم طابور خامس , فقد أسهم فى أطلاق سراح عناصر من الحزب القومى السودانى و الحركة الشعبية من السجون و المعتقلات و قطع الطريق أمام أنتهاكات حقوق الأنسان بجبال النوبة و حاصرها , بأثبات كثير من الحالات و التنبيه الى خطورة ممارسات تلك الأجهزة و الدعوة الى سيادة النظام و القانون ,, و لكل من يدعى غير ذلك فى الشهيد مكى أنا على أهبة الأستعداد لأثبات عطاءه فى ذلك الشأن … 4 – فى أواخر تسعينيات القرن الماضى تقلد المناصب الدستورية القومية , حيث عين وزيرا للطيران المدنى , ثم وزيرا للتجارة الخارجية ,, ثم حدثت المفاصلة ما بين الرئيس البشير و الترابى فلم يتطرف فى مواقفه و تمسك بشعرة معاوية مع جناح المنشية ,, ثم عين مستشارا لمستشارية السلام فى بداية الألفية الثالثة و حينها بدأ الصراع فى المستشارية بينه و بين د . مطرف صديق و من يقفون خلف مطرف . رفض أن ينحنى للعاصفة فتقدم بأستقالته من المستشارية و ألتزم داره و رفض كل المساعى التى قام بها كل الصف الأول من حزب المؤتمر الوطنى لأثناءة من أستقالته من المؤتمر الوطنى و لكن رفض ذلك فى كبرياء و شمم ,, فبدأت حملات التضييق عليه فى معاشه على قلته و لكنه صمد صمود الجبال ,, و بجهد مخلص مع رفيقيه د. لام أكول و الأستاذ أمين بنانى كونوا حزب العدالة فى محاولة لأستنقاذ الوطن و الأمة من المشروعين المتوازيين ( المشروع الحضارى و مشروع السودان الجديد ) و لكن أخذتهم السياسة الى مثارب شتى حتى أنفصل الجنوب …. الشهيد مكى لم يكن ملك نفسه فى تعاطيه مع الآخرين ,, لذلك كنا نجد كل الأجناس و القبائل فى منزله بأمبدة الحارة 11 ,, فقد كان سمحا , ودودا ,, بل كان خلقه القرآن ,, و هو وزير لم يبارح داره المتواضعة ليسكن فى بيوت الوزراء الرحبة الفارهة , بل أحب أن يكون وسط الفقراء ,, هذا هو الشهيد مكى الذى نعرفه ,,, الهم أرحمه و أصدق نزله مع الصديقيين و الشهداء و حسن أولئك رفيقا .. و لللأخ سالم على بلايل و الأسرة أحر التعازى و الصبر و السلوان … فى الختام أقول أن محاولات البعض فى أبراز الشهيد مكى على بلايل فى أتعس صوره و هو بين يدى رب كريم يؤكد أن ازلام الحركة الشعبية لم يتعلموا و لن يتعلموا من حراكهم السياسى شيئا ذى بال ,, فهم صنو الأستبداد و التسلط , و السخط و الضغائن ,, لذلك فهم يبدون حقدا ايدلوجيا دفينا لكل من يخالفهم الرأى و لعل ذلك مدعاة لكل حادب على السودان و جبال النوبة على وجه الخصوص ,, ووفاءا للشهيد مكى على بلايل , أن لا نستسلم لجبروت الحركة الشعبية و محاولاتها المستميته لأختزال كل الحراك السياسى فى أطار مشروعها السقيم ,, و أن نظل مقاومين , ممانعين لنهجها و أستبدادها و منطقها فى تكريس التقاطع و التنافر بين سكان جبال النوبة ,, فهم أزمة السودان الحقيقية … مع خالص ودى موسى عثمان عمر على —— أستراليا 27 أغسطس 2012 [email protected]