مفوضية الانتخابات السودانية: الانتخابات قائمة بمن حضر.. حتى لو انسحبت كل المعارضة
نائب رئيسها البروفسور عبد الله لـ «الشرق الأوسط»: لا نستطيع التفريق بين النشاط الحكومي للرئيس البشير وحملته الانتخابية
عيدروس عبد العزيز
تكاد العاصمة المثلثة (الخرطوم)، كما يحلو للسودانيين تسميتها، تغلي بسبب حرارة الأجواء، حتى تظن أن الشمس تكاد تسقط فوق الرؤوس. لكن حرارة الشمس، مضافا إليها الأتربة العالقة في سماء العاصمة مشفوعة بسخونة أجواء أول انتخابات تجري في البلاد منذ نحو ربع قرن قد تحدد مصير السودان بين البقاء صامدا أو الانزلاق إلى حافة العنف والمصير المظلم، تزيد من الاشتعال.. اشتعالا.
فالعاصمة المثلثة بمدنها الثلاث «أم درمان»، و«الخرطوم»، و«الخرطوم بحري» صارت قبلة ومنذ أيام للصحافيين، ووسائل الإعلام المختلفة.. ومنظمات المجتمع المدني التي تشارك في تغطية ومراقبة الانتخابات، غربيين وعربا وأفارقة. فالانتخابات التي تنطلق في 11 أبريل (نيسان) وتستمر 3 أيام تعد الأهم والأخطر في تاريخ السودان، فهي ستختار رئيسا جديدا للبلاد ورئيس حكومة الجنوب، وحكام 25 ولاية، وممثلين للشعب في 27 مجلسا تشريعيا (برلمان). ولكن الأهم من كل ذلك أنها ستمهد الطريق لإتمام تنفيذ اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب، وستقوم الحكومة التي ستنتج عنها بالإشراف على أهم حدث في تاريخ السودان الحديث والقديم، وهو تنفيذ استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان الذي يحدد مصيره بين البقاء بين طيات الوطن الواحد أو الانفصال وتكوين دولة جديدة، لا يعرف مصيرها، ولا آمالها في العيش بسلام واستقرار مع الجارة الشمالية، كما أن الشمال نفسه لا يعرف ما إذا كان سينعم بالهدوء إذا ما انفصل جنوبه.
ورغم أن كل المؤشرات تشير إلى اكتساح المؤتمر الوطني الحاكم وزعيمه الرئيس عمر البشير، للانتخابات، باعتراف حتى النخب في المجتمع السوداني، وعودة قبضته بالتالي على مقاليد السلطة، فإن الانتخابات تشكل نقطة تحول بارزة، من النظام الشمولي إلى التعددية الحزبية، رغم اعتبار أن الخطوة لا تزال صغيرة وصغيرة جدا في نظر السياسيين المعارضين ويشوبها الكثير من الأخطاء، المقصودة وغير المقصودة، التي تجعل من المؤتمر الوطني متسيدا.. لسنوات أخرى قادمة.
ويصب السياسيون السودانيون في هذه الأيام ومع اقتراب أيام الاقتراع، جام غضبهم.. ليس في اتجاه المؤتمر الوطني فحسب، بل في اتجاه مفوضية الانتخابات التي تنظم العملية الانتخابية، وكالوا لها السباب والاتهامات بالانحياز إلى جانب الحزب الحاكم، والمساهمة في توفير أجواء تسهل عملية التزوير حسب آرائهم. ويقولون إن طباعة جزء من بطاقات الاقتراع داخل السودان في مطبعة حكومية، وحدوث خروقات في التسجيلات خاصة بتسجيل القوات النظامية، هي أبرز الثغرات. لكن المفوضية ونائب رئيسها النشط البروفسور عبد الله أحمد عبد الله رد على تلك الاتهامات في حوار ساخن أجرته معه «الشرق الأوسط» خلال تغطيتها الميدانية لأجواء الانتخابات. ولخص عبد الله القضية كلها في جملة واحدة، وهي أن المعارضة تريد أن تلقي أخطاءها على شماعة المفوضية لأنها كانت «نائمة» وما كانت تظن أن الانتخابات ستقوم. وأكد عبد الله أن الانتخابات لن تؤجل كما تطالب الأحزاب المعارضة، وستجرى، بمن حضر، حتى لو انسحبت كل الكتل المعارضة من السباق، مشيرا إلى أن التأجيل الذي حدث في جنوب كردفان، كان لتفادي حدوث حرب أهلية جديدة. وانه لا توجد مبررات للتأجيل في بقية المناطق السودانية ومن بينها دارفور باعتبارها منطقة آمنة.
ونفى عبد الله أن تكون المفوضية منحازة للمؤتمر الوطني، وقال إن الحزب الحاكم مثله مثل الآخرين «رفضنا له كثيرا من المطالب»، غير أنه قال إنه لا يستطيع أن يفتي فيما إذا كان الرئيس البشير يستغل النشاطات الحكومية وافتتاح المشروعات للترويج لحملته الانتخابية.
* تبقت أيام معدودات لانطلاقة أخطر وأهم انتخابات يعرفها السودانيون وتشكل مصير البلد.. هل أنتم جاهزون لها؟
– الترتيبات تمضي في الخط المرسوم، إلى مرحلة الاقتراع.. وقد وصلت الاستعدادات ذروتها وتم إنجاز كل الخطوات المطلوبة وفق قانون الانتخابات، واتفاقية السلام الشامل والدستور وقانون الأحزاب، وقواعد السلوك لمراقبة الانتخابات. بطاقات الاقتراع تم طبعها.. في بريطانيا وجنوب أفريقيا، وجزء منها طبع في مطبعة العملة بالسودان. وجزء منها لا يزال تحت الطبع..
* ما هي الأسس التي تم بموجبها اختيار هذه الجهات؟
– نحن عملنا إعلانا عالميا لطبع بطاقات الاقتراع، وتقدمت 19 شركة عالمية ومحلية.. وبعد الفحص تم استبعاد 10 منها وتبقت 9.. ثم اختيرت 3 شركات بريطانية وأخرى من جنوب أفريقيا وثالثة من سلوفينيا. وقد تمت هذه العملية تحت رقابة شركائنا في الأمم المتحدة. ثم اتضح لنا بمرور الزمن أن سلوفينيا لا تستطيع أن تلتزم بطباعة هذه البطاقات في موعدها، فتم استبدالها بالمطبعة الحكومية لطباعة العملة الموجودة هنا في العاصمة لقربها، كما أنها كانت ضمن الشركات التسع التي اختيرت من ضمن عملية التصفية.
* المعارضة تقول إن قيام هذه المطبعة بهذه المهمة قد يؤدي إلى عمليات تزوير؟
– هذه المطبعة أولا.. هي التي قامت بطباعة أوراق التسجيل للانتخابات نفسها.. وهي الآن مفتوحة للمراقبة لأي شخص يريد الذهاب، إلى هناك للتأكد من أنها قادرة على القيام بالمهمة على أكمل وجه، خاصة من قبل الأحزاب والمراقبين الدوليين في مركز كارتر، والاتحاد الأوروبي. ولا أساس لهذه المخاوف.
* كيف يمكن تأمين صندوق الاقتراع؟
– هذه الصناديق صنعت في الدنمارك.. ولديها تأمين خاص في قفلها وفتحها.. وهي طريقة فنية لا أعرف تفاصيلها.. لكن الفنيين في المفوضية يعرفون ذلك، والأمم المتحدة تعرف. وهناك في كل مركز مراقبون من جهات عدة ومن الأحزاب ومن الشرطة، مهمتهم تأمين الانتخابات وسلامتها ونزاهتها. ومن حق المندوبين أن يبقوا في المركز طيلة أيام الاقتراع ليلا ونهارا، إلى حين تسليم صندوق الاقتراع إلى الجهات التي ستقوم بالفرز، وهي أيضا مراقبة من قبل الجميع.
* كم عدد المراقبين في هذه الانتخابات؟
– المراقبون أصبحوا ظاهرة موجودة في كل الانتخابات خاصة في أفريقيا ودول العالم الثالث، وأصبحوا شهودا على صدقية الانتخابات ونزاهتها. بل أصبحت ثقافة عالمية. وهذه الانتخابات مراقبة دوليا.. من قبل مراكز عالمية مثل مركز كارتر وجهات تابعة للاتحادين الأوروبي والأفريقي والجامعة العربية ومنظمة الإيقاد الأفريقية، وعدد آخر من المنظمات والدول مثل اليابان وجنوب أفريقيا والبرازيل والصين.
* كم عددهم؟
– نحو 200 ألف مراقب.. أغلبهم من الداخل مثل الجمعيات التطوعية والمحامين..
* ما هي المواصفات التي يجب أن تتوافر لدى جهات المراقبة المحلية؟
– أن تكون مسجلة.. ولديها كادر له دراية بعمليات المراقبة. ويكون لديها مصادر تمويل لأننا لا نقدم لهم أية أموال. هم يتحملون الأعباء كلها. ولدينا لجنة تنظر في كل المواصفات تقوم بفرز الطلبات وتعتمد من تراه مناسبا. وتقوم بتبليغ الجهات التي رفضت طلباتها وتحدد لهم أسباب الرفض.
* هناك ملاحظات تقول إن هذه الانتخابات معقدة للغاية.. حيث يتعين على الناخب أن يحمل 8 بطاقات داخل مركز الانتخاب لاختيار رئيس جمهورية وحاكم ولايته وممثليه في المجالس التشريعية الولائية والقومية، وهناك اتهامات يطلقها المعارضون بأن المفوضية لم تقم بالتدريب الكافي لتسهيل المهمة للمقترع؟
– لا أدري ما هو الكافي في نظرهم.. هذا كلام يطلقونه دون معنى.. هم لا يعلمون حتى التدريب الذي قمنا به.. نحن دربنا 105 آلاف موظف، حول كيفية إدارة المركز، ودربنا مئات الآلاف من الناخبين ومن بينهم ممثلون للأحزاب. ثم يأتون ويقولون إن التدريب غير كاف. أريد أن أعرف ما هو العدد الكافي في نظرهم.. هل يريدون مني أن أدرب 16 مليون ناخب. هناك برامج لتدريب مدربين في الولايات ليقوموا بتدريب مدربين آخرين في المجالس، هذا البرنامج مكلف للغاية.
* هذا الاتهام نابع عن مخاوف.. من أن تشهد عملية الاقتراع الكثير من البطاقات التالفة في ظل أن الناخبين الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما لم يمارسوا عملية انتخابية من قبل، كما أن الناخبين الذين تقل أعمارهم الآن عن 64 عاما لم ينتخبوا في حياتهم غير مرة واحدة عام 1986.
– كما قلت إن هذه العملية مكلفة جدا.. ونحن مربوطون بميزانية محددة تقدر بنحو 315 مليون دولار، وما زلنا نعاني عجزا.. نحاول بكل ما نملك أن نصل بالعملية الانتخابية إلى درجة مرضية ونقلل من البطاقات التالفة.
* وإلى أي مدى أنت راض الآن؟
– إلى حد كبير.. وقد قمنا بعمل نموذج لمركز انتخابي في ضواحي الخرطوم، وأعطينا الناخبين 8 بطاقات اقتراع.. ولم تتعد البطاقات التالفة 2 أو 3 من بين كل مائة. كما قمنا قبل أسبوعين باستدعاء جميع اللجان العليا الخاصة بالانتخابات في جميع الولايات الـ25 (معينة من قبل المفوضية) وأنشأنا مراكز (تمثيلية) لتدريبهم أمام الصناديق لمدة يومين، وفي اليوم الثالث جلسنا للحوار معهم.. حتى يقوموا بدورهم في تدريب آخرين في ولاياتهم.
* هل تلقيتم مساعدات مالية من جهات خارجية؟
– نعم تلقينا من الأمم المتحدة.. والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.. واليابان وغيرها، تحت إشراف الأمم المتحدة. وتقدر الميزانية الإجمالية بـ 315 مليون دولار تدفع الدول المانحة الراعية للانتخابات 43 في المائة منها والبقية من حكومة السودان.
* لاحظنا ضعف الدعاية الانتخابية بالنسبة للأحزاب المعارضة.. هل ضمن ميزانيتكم جزء لتمويل حملات الأحزاب؟
– لا… نحن غير معنيين بتمويل الأحزاب.. نحن معنيون بتمويل العملية الانتخابية.
* أليست الحملة الانتخابية جزءا من العملية الانتخابية؟
– لسنا معنيين بالتمويل. في قانون الانتخاب هناك مادة تقول إن حكومة السودان «قد» تمول الأحزاب.. ونحن لسنا الحكومة. ولكننا نراقب الحملة الانتخابية في مجالات أخرى من حيث توفير الفرص للمتنافسين في وسائل الإعلام بالعدل.
* هناك شكاوى بأن المرشحين للرئاسة لا يجدون فرصا متساوية في وسائل الإعلام؟ وهناك من قاطعها بسبب تدخلها في حذف جمل وكلمات في البرامج.
– هناك شكوى واحدة فقط من حزب الأمة حول حذف كلمات من خطابه الإعلامي، لا تتفق مع الأسس التي وضعناها كي لا تثير الكراهية. وتم رفضها. وهناك شكاوى أخرى تتعلق بتوسيع قاعدة آلية المراقبة الإعلامية واستجبنا لها.
* مرشح الرئاسة ياسر عرمان قاطع الإذاعة وقال: أنتم حددتم للأحزاب فترة 20 دقيقة وتركتم 23 ساعة و40 دقيقة للرئيس البشير؟
– نحن نحاول التوفيق ما استطعنا إليه.. ونراقب البرامج الأخرى في الإذاعة والتلفزيون، وما إذا كانت تستغل لمصلحة أحد المرشحين وهو الرئيس. ولكن من الصعب التفريق بين نشاطات الدولة والفعاليات الانتخابية.. الرئيس يريد مثلا افتتاح مشروع.. والإذاعة والتلفزيون تقوم بالتغطية.. هل نوقفه.. الآخرون يشتكون من استغلال هذا النشاط الحكومي في الدعاية الانتخابية ونحن نجد صعوبة كبيرة جدا في التفريق بين ما هو حكومي وما هو نشاط انتخابي. كتبنا كثيرا ونوهنا لهذا الشيء، لكن أي انتخابات تجرى في حضور دولة يكون من الصعب فيها فض مثل هذه الاشتباكات.
* أنتم متهمون بالانحياز للحزب الحاكم.. وبتبني مطالبه؟
– أعرف أنهم يقولون ذلك.. ولكن هذه اتهامات باطلة ولا ترتكز على ثوابت. نحن نعمل بالقانون وبالالتزام الصارم بالقانون. المؤتمر الوطني لم يتدخل وإذا كانت لديه أية اعتراضات أو احتجاجات فإنه يأتي إلينا ويجتمع معنا لمناقشة الأمر. وقد حدث مرارا أن اجتمع معنا نافع علي نافع (مساعد الرئيس البشير) ومندوبوه مثلما يأتي إلينا الصادق والترابي وغيرهما. المؤتمر الوطني مثله مثل أي حزب. وأنا هنا أشهد بأن المؤتمر الوطني، لم يمارس علينا أي ضغوط منذ إنشاء المفوضية منذ نحو عام..
* هل تستشيرون الأحزاب في إصدار القرارات؟
– نحن نستشير الكل.. ولكننا غير ملزمين بذلك وفق القانون، ورغم ذلك فقد عقدنا عدة لقاءات استشارية مع الأحزاب. على سبيل المثال عندما أردنا أن نقوم بمعرفة كيف يمكننا استخدام وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزيون، بالطريقة المثلى من قبل جميع الأطراف المتنافسة، عقدنا اجتماعا استشاريا معهم وعلى أساس النقاشات التي دارت، عدنا وبلورنا القرار الخاص بكيفية إتاحة الفرص للأحزاب باستخدام أجهزة الإعلام. ولكن الأحزاب لا تتعاون في كثير من الأحيان.. نحن دعونا أخيرا إلى اجتماع مع رؤساء الأحزاب للتنوير، يحضره المرشحون لرئاسة الجمهورية ورؤساء تحرير الصحف، ورئيس مجلس الصحافة.. ولكن للأسف لم يأت أي أحد، ما عدا ممثلا واحدا فقط لحزب الأمة، هي رباح ابنة الصادق المهدي. ورغم ذلك فإن أحد زعماء التجمع الوطني المعارض، السابق، وهو «زعيم بلا حزب»، قال في اليوم التالي «نحن قاطعنا هذا الاجتماع لأن مجلس الصحافة قام بهذا الإجراء من أجل فك الحصار عن المفوضية». رغم أن هذا الاجتماع كان فرصة تاريخية لهم لعرض احتجاجاتهم أمام ممثلي أجهزة الإعلام والصحافة. فهم لا يتعاونون وفي الوقت نفسه يتهموننا بالانحياز.
* ماذا عن الشكاوى العديدة التي رفعت إليكم.. التي تشكك في سلامة الإجراءات؟
– تم الرد عليها.. هم شككوا في تعيين المفوضية وأنها خرقت القانون، بإنشائها بعد الفترة القانونية، ونحن نتساءل: ما ذنبنا نحن؟.. لم نكن المسؤولين عن ذلك. كما رفضوا التعداد السكاني.. وشككوا في الأرقام، نحن لا شأن لنا بالتعداد.. اتفاقية السلام الشامل هي التي نصت على قيام التعداد، وكونت مفوضية لذلك ونحن لا دخل لنا بها. نحن قمنا بتسلم نتيجة التعداد من هيئة الرئاسة، المكونة من الرئيس ونوابه، وهي أعلى هيئة تنفيذية في البلد وهي التي تصادق على نتائج الإحصاء؟
* هناك أشياء غير منطقية في الإحصاء.. ألا تثير انتباهكم للتوجيه بتعديلها؟
– هذه أشياء ليست من اختصاصنا، نحن لدينا نتائج إحصاء سكاني مصادق عليه من هيئة الرئاسة.. ونحن ما علينا إلا أن نعمل وفق هذه النتائج. لا حق لنا بتعديلها حتى ولو كانت خطأ. إذا أرادوا تصحيح خطأ عليهم أن يفعلوا ذلك بعيدا عنا، أي تعديلات على القانون شيء يفعله السياسيون ويتم التصديق عليه ثم يأتي دورنا. القانون يلزمنا أن نستخدم النتائج في ترسيم الدوائر الانتخابية.
* ولكن حتى في موضوع ترسيم الدوائر هناك اتهامات بأنها لا تطابق نتائج الانتخابات؟
– نعم هناك طعون تم تقديمها من قبل أطراف وصلت إلى نحو 800 اعتراض.. على مستوى السودان نظرت فيها المفوضية جميعها، وافقت على 300 منها وقامت بتعديل الترسيم، على ضوء هذه الموافقة، ورفضت 500، باعتبار أنها اعتراضات غير سليمة. وقد تم رفض العدد الأكبر من الاعتراضات التي قدمها المؤتمر الوطني نفسه، لعدم واقعيتها. وبعض الأحزاب لم تعجبها اعتراضاتنا وقامت بتحويل الأمر للقضاء، وتم رفع 55 قضية ضدنا نظر فيها القضاء، واستجبنا، لثلاث قضايا، وقمنا بتعديل 3 دوائر نتيجة لذلك. وخسرت الأحزاب 52 قضية.
* هناك أيضا احتجاجات في إجراءات التسجيل، واتهامات هنا وهناك؟
– نعترف بوجود بعض القصور، شأننا شأن أي بشر، هناك احتجاجات بأن بعض المواطنين لم يعرفوا أماكن التسجيل خاصة في ولاية الخرطوم.. لأن الإعلام لم يكن كافيا فيها.. مما اضطرنا لتمديد أيام التسجيل لـ7 أيام أخرى لتعويض الناس. ولم يكن الأمر كذلك في الأقاليم. وهذه مسؤولية لجان الانتخابات العليا في الولايات وليست مسؤوليتنا نحن.. ونعتقد أن اللجنة الانتخابية العليا في ولاية الخرطوم قصرت في هذا المجال.
* هناك اتهامات بشأن تسجيل عناصر القوات المسلحة والقوات النظامية.. القانون يقول إن التسجيل يجب أن يتم في محل الإقامة وليس في مقرات العمل، وهو ما لم يحدث؟
– القوات النظامية وبعد الهجوم على أم درمان عام 2008، قامت بتغيير أماكن إقامة تلك القوات، في العاصمة فقط.. هؤلاء يسكنون في هذه المعسكرات منذ عام 2008، وهي بالنسبة لهم منازل وليست مقرات عمل. والقانون يقول إن الشخص لا بد أن يكون ساكنا في المنطقة التي هو فيها مدة أقلها 3 أشهر.. وهؤلاء مقيمون في تلك المعسكرات لنحو عامين. فأصبح مكان العمل هو محل الإقامة للقوات النظامية في الخرطوم، وهذا ما لا يريد قادة الأحزاب فهمه. نحن سجلناهم في الدائرة الجغرافية المقيمين فيها. صحيح سجلناهم في مواقع العمل.. ولكن مواقع العمل هي مواقع السكن.
* هل هناك دليل إثبات على أن موقع عملهم هو مقر إقامتهم.
– نحن رأينا بأعيننا.. هذا معروف لنا وللجميع.
* ولكن من حق الأحزاب أن تتفهم الأمر.. وتحصل على دليل إثبات مادي – نحن خاطبناهم رسميا في الأمر.
* الأحزاب تشتكي بأن كوادرها لم يتم تسجيلهم في بعض المناطق؟
– التسجيل مسؤولية شخصية.. وهي مسؤولية الأحزاب في أن تجلب كوادرها إلى مراكز التسجيل؟
* ولكن هناك دور توعوي؟
– كان لنا دور وقمنا به.. نحن قمنا بحملات توعية وبرامج تثقيف للكل، حول مجمل العملية، بالاستعانة بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وقمنا بتدريب الكوادر وحملات توعية في أجهزة الإعلام. ولكن قيام الفرد بعملية التسجيل هو مسؤوليته الشخصية.. دورنا الإعلان عن الزمان والمكان المحددين للتسجيل وعلى الأحزاب دفع كوادرها إلى المركز. الأحزاب تريد أن ترمي أخطاءها على شماعة المفوضية.. لأن معظمها ما كان يعلم بأن الانتخابات ستقوم. وهذه من أخطائها لأنها لم تحث ناسها على التسجيل. وعلى الرغم من كل ذلك فإن عملية التسجيل بلغت رقما تاريخيا وصل إلى 16 مليونا.. من نحو 19 مليونا مؤهلين للتسجيل.
* قمتم بتأجيل الانتخابات في جنوب كردفان.. لماذا؟
– أولا ما تم تأجيله هو الانتخابات الولائية وهي الخاصة بالنسبة للوالي والمجلس التشريعي الولائي، أما انتخابات الرئاسة والمجلس الوطني (البرلمان) المركزي، فهي قائمة.. أما عن أسباب التأجيل، فهي أن ولاية جنوب كردفان تخضع لوضع سياسي خاص، وإجراءات حددتها اتفاقية السلام الشاملة. وقد تسلمنا إفادة من رئاسة الجمهورية، أن هناك مهددات للسلام والأمن في هذه المنطقة مما يؤثر على تنفيذ اتفاقية السلام، وكان هناك انسحاب جماعي من جميع مرشحي الحركة الشعبية في المنطقة، لأسباب سياسية، نحن لدينا لجنة عليا في جنوب كردفان، قمنا بالاتصال بها وعرفنا أن هناك تهديدات.. وإذا استمر انسحاب الحركة الشعبية، فإن الأمور قد تتعقد أكثر. كما وصلتنا إفادة مشتركة من الحركة الشعبية، ومن المؤتمر الوطني أي من شريكي الحكومة، بأن هناك ترتيبات خطيرة قد تترتب على انسحاب مرشحي الحركة. وقد تبين بعد دراسة كل المعطيات أن هناك أسبابا قاهرة تحول دون قيام الانتخابات هناك. ولدينا تخويل بموجب القانون بتأجيل الانتخابات في أي منطقة إذا كانت هناك أسباب تهدد الأمن الوطني. أتحدى أي شخص في السودان يقول لي إن الانتخابات يمكن أن تقوم في منطقة جنوب كردفان، بدون مرشحي الحركة.
* ولكن هل سألتم عن أسباب انسحاب مرشحي الحركة من الانتخابات وما إذا كانت أسبابا تعود لمشاكل أمنية أم غيرها.
– لديهم أسبابهم.. ونحن نعمل على أساس النتيجة النهائية.. وهي انسحابهم.. وأن انسحابهم سيؤثر على الانتخابات. هذا ما يهمنا.. نحن سألنا أنفسنا: إذن ما هو مصير الانتخابات إذا لم تشارك فيها الحركة الشعبية.. نحن قدرنا إذا قامت الانتخابات فإن الحرب ستعود. فكان قرار التأجيل باعتباره الأفضل للسودان، والسلام والاستقرار.
* ولماذا لم تؤجل في دارفور وهي الأخطر؟
– تقييمنا يقول أإن الأوضاع في دارفور مهيأة لقيام الانتخابات فيها.. وأؤكد هنا أن نسبة تسجيل الناخبين في بعض ولايات دارفور كانت أعلى من كثير من ولايات السودان.
* 70 في المائة من أحزاب السودان تطالب بتأجيل الانتخابات.. لماذا لم تؤجل؟
– نحن مكلفون بإجراء الانتخابات.. في كل السودان.. وما ينطبق على جنوب كردفان لا ينطبق على أي منطقة أخرى. حكم القانون يعطينا الحق بأن نؤجل الانتخابات إذا كانت هناك مهددات مقنعة.
* لكنكم أجلتم الانتخابات مرتين، الأولى من يوليو (تموز) إلى فبراير (شباط) ومن فبراير إلى أبريل (نيسان) ولأسباب لم تكن فيها أي مهددات؟
– كنا مقدرون أن تصدر نتائج الإحصاء في أبريل.. وهي نتائج مهمة جدا.. بالنسبة لترسيم الدوائر الانتخابية، وعندما تأخر إعلان نتائج الإحصاء قمنا بتأجيل الانتخابات إلى فبراير.. ثم تبين لنا أن نتائج تعداد السكان لن تكون متاحة لنا في المواعيد المحدد.. فكان التأجيل إلى أبريل.
* هناك اتفاقات في الدوحة مع فصائل دارفورية وهناك طلبات وجيهة لتأخير الانتخابات حتى يمكنها المشاركة.. كما أن الأحزاب لديها الكثير من الملاحظات؟
– الدوحة والاتفاقات الأخرى.. ليس فيها ما يلزمنا.. نحن ملزمون بقانون الانتخابات فقط.
* ماذا لو انسحبت القوى المعارضة بسبب عدم التأجيل كما فعلت الحركة في جنوب كردفان؟
– سنستمر في إجراء الانتخابات بالقوى الراغبة فيها.. إلا إذا حصل إجماع سياسي.
* كيف تقدرون الإجماع.. إذا انضم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مثلا؟
– لا نستطيع التقدير إلى أن نراه أمامنا. كل ما أقوله لك: نحن نعمل من أجل قيام انتخابات في 11 أبريل وتنتهي يوم 13، هذا ما يعنينا. نحن نعلم أنهم قدموا مذكرة إلى رئاسة الجمهورية لطلب التأجيل وسيصدرون قرارا خلال أيام وربما ساعات في عملية التأجيل.. ولكن هذا لا يعنينا.