مغزى الرسالة الأخيرة لأبناء دارفور في الحركة الشعبية ِِ؟؟
بقلم / شريف ذهب
في الأسبوع المنصرم تفضل نفر كريم من قيادات أبناء دارفور بالحركة الشعبية ( شمال ) بتقديم مذكرة لرئيس الحركة عبروا فيها عن حجم التهميش الذي ظل يجدها دارفور ( القضية والأبناء ) داخل هذه الحركة برغم التضحيات الجسام التي ظلوا يقدمونها مع رفاقهم في هذه الحركة.
والملفت في تلك الرسالة التي تم نشرها عبر صحيفة ( الراكوبة ) الالكترونية ، أنها حملت تواقيع قيادات الحركة الشعبية في ولايات دارفور الرئيسية ( شمال ، جنوب وغرب دارفور ) وأنها قد أتت في وقتٍ بدأت فيها الحركة التفاوض مع حكومة الخرطوم بالتوازي مع مفاوضات دولة الجنوب بصورة تبدو فيها ملف دارفور شبه ( مغيب ) عن عناوين ذلك التفاوض برغم وجود تحالف ( الجبهة الثورية السودانية ) التي تم تكوينها كإطار يجمع كافة قوى المقاومة السودانية ولا سيما قوى الهامش لأجل تغيير نظام الخرطوم إما بالقوة العسكرية أو سلمياً من خلال اتفاق سلام شامل وعادل يهيئ الأجواء في البلاد لقيام انتخابات حرة ونزيهة يحدد عبرها الشعب السوداني خياره بحيث تستطيع الجبهة الثورية بالتحالف مع القوى الوطنية بالداخل من اكتساح الانتخابات واقتلاع نظام المؤتمر الوطني الفاسد.
ومن هنا أتت خطط ومكائد نظام المؤتمر الوطني لأجل فرط عقدة هذه الجبهة بعزل الحركة الشعبية عنها عبر تجزئة الملفات إلي ( جنوب كردفان والنيل الأزرق ) ثم إلحاق ملف دارفور بالدوحة مجدداً أو حسمها عسكرياً .
ولعل رسالة أبناء دارفور هذه قد أتت في إحدى جوانبها كتنبيه لهذا الجانب .
بيد أنّ مضمونها كان يمكن تمريره عبر قنوات الحركة الرسمية ، ونشرها عبر فضاء الإعلام الرحب ينبئ عن احد أمرين : إما انسداد السبل أمام الوصول لتلك القنوات الرسمية ،أو فقدان الأمل تماماً نتيجة تراكمات سابقة ولّدت هذه القناعة وأخرجت القضية لنطاق العلن كجرس إنذار ربما يكون الأخير عن خطوات المستقبل .
وهذا الأمر يفتح المجال لعدة تساؤلات عن مستقبل أبناء دارفور داخل كيان الحركة الشعبية و عن تحالف الجبهة الثورية وعن مستقبل الحركة الشعبية ( شمال ) في حال دخولها في سلام منفرد مع نظام المؤتمر الوطني ، وعن مستقبل التحول الديمقراطي في البلاد ، وأخيراً عن مآل قضية دارفور جراء هذه التطورات ؟.
فعن مستقبل تحالف الجبهة الثورية وبقاء عضوية الحركة الشعبية فيها فتقديري أن ذلك رهن بتوقيع الحركة الشعبية لاتفاق منفرد مع الخرطوم، ويبقى السؤال عن تماسك بقية أطراف هذه الجبهة حال خروج الحركة الشعبية عنها وهو ما سنتناوله في خاتمة المقال.
أما عن مستقبل الحركة الشعبية ( شمال ) حال دخولها في سلام منفرد مع نظام الخرطوم فتقديري أنّ هذه الخطوة تحمل مخاطر كبيرة لتماسك هذه الحركة ومستقبلها السياسي ، وأمامها تجربة نيفاشا التي دخلتها الحركة وهي متحدة قبل انفصال الجنوب ومسلحة بدعم دولي كامل ورغماً عن ذلك ظل نظام المؤتمر الوطني يراوغ ويماطل حتى انتهى الأمر بانفصال الجنوب ، وقد عانى قادة الحركة الشعبية ما عانوا، ولم تمنعهم الحصانة التي يتمتعون بها بكل الصفات من الزج بهم في معتقلات النظام الذي هم شركاء فيه ، وتجربة الأمين العام السابق ( السيد فاقان أموم ونائبه الأستاذ ياسر عرمان وقيادات أخرى ) خير دليل في هذا ، وكانت المحصلة النهائية انفصال الجنوب ، ومآل قيادات الشمال المطاردة والمضايقة وأخيراً الحرب التي أدت للواقع الراهن .
ويجب ألا تغفل الحركة الشعبية ( شمال ) أنها ستعود هذه المرة وهي منقسمة بين مجموعة في الداخل حليفة للنظام ويود لهم أن يكونوا البديل عنها ، وهي دون حلفاء حقيقيون في الداخل كما السابق ( قوى الإجماع الوطني ) حيث الحزبان الكبيران ( الأمة والتحادي ) هما في الواقع حليفان لنظام المؤتمر الوطني وسيتعمق تحالفهم في المرحلة المقبلة وربما انضم إليهم المؤتمر الشعبي تحت طائل الضغوط والمبادرات من رعاة مجموعات الإسلام السياسي في المحيط الإقليمي ، ولم يتبقى سوى الحزب الشيوعي السوداني وبعض التيارات الشبابية مثل ( قرفنا ) وسواهم اللذين لا حول ولا قوة لهم أمام بطش وجبروت أدوات النظام القمعية ، وستمضي الأمور لتنتهي بقيام انتخابات حرة ونزيهة هذه المرة يكتسحها المؤتمر الوطني عبر قوائم التحالف مع شركائه الجدد في الأحزاب التقليدية فضلاً عن أحزاب التوالي والمنفعة الشخصية ، وبكل أسف ستواجه الحركة الشعبية نفس المآل القديم ولكن هذه المرة بلا جنوب كردفان والنيل الأزرق اللذان يكون النظام قد ابتلعهما وسد منافذهما ، وفي الإطار مكبلات الاتفاق مع دولة الجنوب التي ستحول دون العودة لمربع الحرب مجدداً ؟!!
أما بالنسبة لقضية دارفور فستكون العنوان الكبير في المرحلة المقبلة ، وأمام قيادات المقاومة في الإقليم تحديات جمة أهمها توطيد التحالف بينهم عبر كيان الجبهة الثورية في حال خروج الحركة الشعبية عبر اتفاق مع النظام ، ويجب أن تكون تجربة الانتصارات الأخيرة التي حقوقها متحدين خلال الأيام القليلة الماضية خير حافز لهم يؤشر لمدى نجاحهم عند التوحد .
وربما تساقط في الطريق بعض العناصر الرخوة من بينهم والتحاقهم بالنظام كما جرت العادة في مثل هذه الحالات ولكن ذلك يجب ألا يؤثر في معنويات المقاومين لأنه من طبيعة الأشياء ( فالموج يهدم كل رخوة على الجروف ) وفي نهاية المطاف فالأشجار لا تتأثر بتساقط أوراقها اليابسة بل تجدد أغصانها بأخرى جديدة تكسبها نضارة ً واخضراراً ، وهكذا الثورات ترتوي بدماء الشهداء وتمضي بعزيمة الرجال وثبات المبادئ وعدم الهزيمة والانكسار أمام المطبات العابرة . وما النصر إلا صبر ساعة.
دمتم ودام النضال ولا نامت أعين الجبناء
[email protected]