مصير المرأة في دارفور
أن المجذرة التي وقعت في غرب جبل مرة في 1986 هي التي نقلت فوضى الصراعات القبلية من الوهم الى الحقيقة المرة وهى أن وجود أجندة المحرقة كان امرا واقعا وحقيقيا . فلقد اقدم بعض من الأبالة الرعاة باسلحة متقدمة وتقليدية لقتل إمرأة قروية وأطفالها يسكنون كوخ في مزرعتهم والتمثيل بجثثهم و لقد كان الحدث رهيبا .و لسنا بحاجة للعودة الى سرد كل تلك الاحداث المروّعة التى تلت المجذرة . ولكن هذة هي المرة الاولى التي وضعت إستراتيحية التطهير العرقي والتهجير القسري قيد التنفيذ الفعلي . وبذلك خرجت القضية من الفهم التقليدي , أي عادات سيئة لجماعات البدائية , الى شعور ما يشبه شعور الاقليات العرقية عشية تأسيس حكومة الرايخ النازية . بل الصدمة تكون مردوفة و رهيبة حينما تكون مؤامرة من جماعات دخيلة على جماعات أصيلة ومسالمة ومستقرة .إن فكرة السيطرة على السلطة تتبع فكرة إستيلاء الأرض اولا , هذة نظريّا ,ولكن فعليّا , ببساطة تقتضى البدء بفكرة القضاء على عنصر المرأة او السيطرة عليها قسريّا.. ترمز بعض من الحضارات الى الأرض بالمرأة , ومن هنا تأتى قدسية المرأة وروحها في معظم الأديان والحضارات فتمنع وتحّرم ان تكون عرضة للفظائع أثناء النزاعات والحروبات الدموية . ليس بسبب الإعتقاد الخاطئ بأن المراة هي تمثل أقل من نصف وزن الرجل في الشكيمة والحكمة بل بسبب برآءتها وطبيعتها الخالية من النزعة العنصرية .. وبسبب إنها عنصر ضمان للسلام والنمو والتكاثر في الأرض أو إعادة دورة الحياة بحال توقفها بسبب الحرب . ولكن دائما توضع خطط جهنمية من أعداء السلام وأمراء وجنرالات الحرب وتنفيذها في طبيعة أفعال منظمة الجنجويد بلا حدود التى في اولوياتها الفتك بالنساء و إذلال إنسانيتهن ما يحدث للمراة في دارفور هي هذة الأستراتيجية الجهنمية في ظل غياب روح النخوة على كافة المستويات , فليعفينا بعض الأستثنائين من هذا التعميم .. ولكن هذا الصمت المخزي من القيادات التقليدية التي تطمع في المناصب السياسية وأصوات نساء دارفور في أية مرحلة إنتخابية ولا تبالي للحظة في وضع حد لمعآناة المرأة الدارفورية , تضعها تماما تحت طائلة التواطء مع كل متهم بجريمة الإبادة العرقية .
ففي الوقت الذي تمر بضعة سنوات على التهجير العنيف تحت وابل قاذفات طائرات الحكومة بقيادة المشير عمر الذي لا يتورع من الإقرار على رؤوس الأشهاد بأنه المسؤول عن إدارة إزمة دارفور , بتلك الطريقة النازية , لصحيفة ألمانية مؤخرا . عرف التاريخ الكثير من الرجال الملعونين الذين إرتكبوا أفعال شريرة تفوق أفعال السفّاكين الذين سبقوا خلافة بنى البشر للارض. ولكن جميعا تمتعوا بشئ واحد يفتقره المشير البشير اليوم وهو جبروت القوة فهو يفتقر الى القاعدة الشعبية بدليل أن نصف كامل من السودان لأول مرة في تاريخ لا يخضع لسلطة دكتاتور من الشمال وهذا حديث متفق عليه ! المشير نفسه لا يعتبر هذا كلاما سخيفا او باطلا بعد نيفاشا وهو يقر بهذة الحقيقة المخزية التي سيسجله التاريخ ضده كأول رئيس فشل في ترك البلاد موحّدا بعد غيابه . الحقيقة الثانية هي تقريبا ثلثي البلاد ضده تماما , دارفور والشرق وهما اول حدث تمرد ضد رئيس سوداني . نعرف أن الثلث المتبقى هو للبين بين والمؤلفة قلوبهم من داخل ( الحوش ) و عصابات مافيا السلطة, بل حتي سلوك المشير انقلب في الاونة الاخيرة من الدكتاتورية الى البلطجة كأنه يقتدي بآل كابوني زعيم المافيا المشهور الذي إنهارت امبراطوريته بمجرد الزج به في السجن . وهكذا يفتقر هذا الرجل الى القوة الشعبية والسياسية والقوة العسكرية الضاربة حتى يتصرف كانه نيرون الذي كان يغني ويعزف لحنا يتناغم مع حريق روما . في الحقيقة لم يكن يرقص بل كان يغني .. اعتبرت الفنانة فيروز رمزا لبيروت ولبنان لأنها كانت تغنى للبنان ولا ترقص ايام الحرب . ولكن المشير يدخل الدين الحنيف في هذة المعادلة لصالحه فهو يسن قوانين الآداب العامة لتحريم الرقص في الحدائق العامة في غيابه وتحليله بحضوره كانه مهم كمايكل جكسون في تحضيراته الاستعراضية . الفرق ان الملك مايكل جاكسون يشع الفرح والسلام وسط حضوره بينما المشير كمن يهّيج الغوغاء لتحويلهم الى مخربين او ارهابيين قبيل تنفيذ عمليات طير الأبابيل في دارفور .وفي هذة الحالة التراجيدية , أعني تحت سلطة رئيس مهرج يعرف بأنه مبغوض ومكروه كالمصاب بمرض الجذام , يتفاده أصدقائه و اشقائه الرؤساء , رصيد شعبي صفر وولاية رئاسية مزيفة في زمن الشفافية والفيس بووك , يالله لو يترك هذة المحنة و ينضم لركب المدونات الإلكترونية لكان موقفا مشرّفا .وفوق هذا وذاك هذا العصاب الذي تحكّم على تقاطيع وجهه فأصبح اقرب الى سلالة دراكولا منه الى رئيس مقرطم . كل هذا يجعلنا أن نشعر بهلع فظيع لمصير المرأة الدارفورية التي في مخيمات اللجؤ وكل يوم تؤسس ( منظمة جنجويد بلا حدود ) لجماعات الرحل العابرة مستوطنات في أراضي المهجّريين . ولا شك نفوذ هؤلاء سيزداد تحت ولاية جديدة لرئيس يفتقر الى الشرعية الشعبية, فأجندته الانتخابية تحمل هدف وحيد , هو وضع البلاد كرهينة امام المحكمة الدولية والدارفورية رهينة في المعسكرات. ولكن حالة الشتات في الحركات الثورية التي تدعي بأنها الممثل الشرعي للقضية الدارفوية تجعلها تنزلق وتساهم في تحمل مسؤولية بقاء المشير في السلطة وهي السلطة التي وضعت ورعت أجندة تدمير مستقبل المرأة الدارفورية التي تمثل روح دارفور بالأساس , لذا على الحركات ان تجمد إيديولوجياتها السياسية مؤقتا و تتوحد على هدف واحد ملح على الاقل لإنجازه في اية مفاوضات وهو تقرير مصير المرأة في دارفور بتأمين العودة الطوعية الى حياتها الطبيعة والمستقرة والآمنة متزامنة مع تعويضات منصفة .
كيسر أبكر