بسم الله الرحمن الرحيم
مصر والجماهيرية .. وجارك القريب
علي أبو زيد علي
الأسبوع الماضي تحت عنوان رواق دارفور بمصر استعرضنا النشاطات المحمومة والحراك السياسي الكبير الذي حدث بمدينة القاهرة من خلال الزيارات التي قامت بها قيادات مؤثرة وذات ثقل من الحركات المسلحة وملتقى قيادات هذه الحركات لتوحيدها وتوحيد رؤاها في حل المشكلة والزيارة التي قام بها السيد رئيس الجمهورية قبيل انعقاد مؤتمر دول عدم الانحياز بشرم الشيخ والتي وصفها بأنها زيارة حميمية ، أيضاً أشرنا إلى التنسيق المصري الليبي في هذا الاتجاه وتولي الجماهيرية قضايا الرؤية الداخلية لفعاليات دارفور إلى جانب دعم توجهات القاهرة وتساءلنا برؤية بعض من المراقبين أن هذا النشاط يصب في اتجاه التنافس على الزعامة بين الدول العربية شمال القارة الأفريقية والعربية الآسيوية أم أن الجارتين المتاخمتين للحدود السودانية قد استبطأ تحرك الدوحة رغم ما وجدت من تأييد ودعم من المنظمات الإقليمية والدولية إضافة إلى دعم الدولتين.
إننا ننطلق في تحليلنا من الحقائق التي لا يختلف عليها أحد وأولى هذه الحقائق أن الأحداث التي تجري في السودان وفي منطقة متاخمة لحدود الدولتين مصر والجماهيرية تكون هاتين الدولتين أكثر الدول تأثراً بها وتضحى الأحداث الممثلة في عدم استباب الأمن والتواجد العسكري الممثل في القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة والقوات المشكلة من الاتحاد الأفريقي وتصويب الدول الغربية الكبرى اهتمامها ومتابعاتها في المنطقة وتدخل المنظمات الأممية ذات الأهداف الاستخبارية والاستكشافية لموارد المياه والبترول والثروات المعدنية تشكل كل هذه التحركات تهديداً مباشراً لدولتي الجوار العربيتين وخاصة دولة مصر التي عقدت لها الدول العربية والإسلامية لواء القيادة في فترات تاريخية عصيبة ومن خلال مواجهتها لعدو الأمة العربية إسرائيل ودورها في حركات التحرر ومصالحها المرسلة في السودان .
الحقيقة الثانية أن مبادرة الدوحة والتي أشرنا إلى الدعم والتأييد الكبير الذي حظيت بها هذه المبادرة من خلال الوسيط المشترك والوسيط القطري وبحساب الزمن والجهد لم تنجز شيئاً يذكر أو يمكن أن تكون خطوة جادة للوصول إلى مفاوضات يفضي إلى اتفاق بين حكومة السودان وحركات دارفور المسلحة ويتمثل هذا البطء إن لم نقل الفشل في استغراق المبادرة في فصيل حركة العدل والمساواة وكأنما تعطيها الحق في أن تكون الممثل الوحيد للحركات المسلحة الأخرى ولمجتمع دارفور، فالتصريحات والمواقف التي تتخذها حركة العدل والمساواة لإضعاف جلسات المفاوضات المؤجلة من وقت لآخر أربكت الوسيط القطري وصنعت حاجزاً بينه وبين الحركات الدارفورية الأخرى، وظلت الدوحة أسيرة للإجراءات مثل إجراءات التمثيل في المفاوضات في جانب حركة العدل والمساواة والحكومة السودانية وفي جانب حركات دارفور المسلحة التي تجلس لطاولة المفاوضات وفي معالجات تتعلق بإفرازات هجوم حركة العدل لمدينة أم درمان فيما يتعلق بالأسرى من الجانبين والنتيجة خلال العام إلا قليلاً جاءت مذكرة حسن النوايا المبهمة والتي فسرها كل من الطرفين بصورة تختلف عن الطرف الآخر.
أما الحقيقة الثالثة ثمة حراك نشط على الأرض يتمثل أولاً في الصراعات العسكرية بين الحركات المسلحة الموقعة على أبوجا والرافضة لها وبين الحركات أو بتعبير أدق المتفلتين من الحركات الذين خرجوا عن سيطرة القيادات السياسية وبين القوات الحكومية ومن جانب قوات الحركة الموقعة على أبوجا.
هذا المشهد يلقي بظلال كثيفة على استرخاء آليات المجتمع الدولي وينشط التدخل الأممي الدولي في المنطقة وهو ما عبر عنه الرئيس أوباما في زيارته الأولى لدولة أفريقية بأن ما يجري في دارفور ليس مشكلة القارة الأفريقية لوحدها بل هي قضية المجتمع الدولي في إشارة واضحة لإمكانيات التدخل الأوسع في المنطقة .
أما الحقيقة الرابعة فإن دولة مصر والجماهيرية هما الدولتان الوحيدتان في العالم التي توجد بها أكبر الجاليات السودانية وعقب اندلاع أزمة دارفور فإن حراك هذه الجاليات أضحت وقوداً للمشكلة في الجانبين السياسي والعسكري، فمعظم أبناء دارفور المنتسبين للحركات المسلحة سياسياً ظلت القاهرة محطة أولى دائمة لنشاطاتهم السياسية وجسر لاتصالاتهم بالمنظمات الدولية والمجالس الدولية المتخصصة وقامت منظمات وجمعيات خيرية في معظم مدن القاهرة ومدن مصر لخدمة الجالية الدارفورية، وعانت القاهرة من التواجد الكثيف للنازحين السياسيين من أبناء دارفور وأفرز هذا التواجد مشاكل أمنية كبيرة مثل التسلل إلى إسرائيل واستخدام قيادات الحركات هذا التسلل لإضعاف الانتماء العروبي للسودان ومصر كما جاء في تصريحات عبد الواحد نور الشهيرة .
والجماهيرية الليبية كما أشرنا في مقالات سابقة مثلت الجالية الدارفورية ارتباطات إثنية لمعظم الحركات المسلحة من ولايات دارفور، ولعبت هذه الجالية دوراً مؤثراً في الإمداد المادي والعنصر البشري المقاتل لمعظم الحركات المسلحة ولها تأثير كبير في إقرار السلام في المنطقة.
من الحقائق المذكورة وبعض منها لا تتسع المساحة لذكرها كان الدور السابق لمصر والجماهيرية في مشكلة دارفور والسعي لوضع حد لهذه الحرب التي تدور من خلفها.
وبقراءة الحقائق المذكورة سابقاً فإن تحرك القاهرة الأخير له مبرراته وأسبابه ودوافعه فالمسألة تتعلق بالمصالح الحيوية لهاتين الدولتين وترتبط بأمنها القومي وهما الأكثر تأهيلاً لعدد من المعطيات والقدرات لقيادة دفة تسهيل المفاوضات بين الأطراف السودانية والوصول إلى سلام واستقرار في المنطقة والمثل السوداني يقول: (جارك القريب ولا ود أمك البعيد ) .
ولله الحمد ..