مصر: حوار يقرّ ترتيبات تحت سقف بقاء مبارك والمتظاهرون يتمسكون برحيله
القاهرة – أحمد رحيم وأحمد مصطفى
بدا أن الترتيبات السياسية التي اتخذها النظام المصري في الأيام الماضية، خصوصاً البدء في حوار وطني بين عدد من أطياف المعارضة والنظام، سعت إلى التخفيف من حدة التظاهرات التي لم تستطع أن تجتذب في «يوم الشهداء» ملايينها المعهودة، لكن ظل الحشد في الميدان مؤثراً وضاغطاً في الأفق السياسي.
وفي حين اتفق المتحاورون على ترتيبات لنقل السلطة تتم في الفترة الانتقالية، لكن تحت سقف بقاء مبارك في سدة الرئاسة لحين إنهاء ولايته بعد نحو 7 أشهر، تمسّك عشرات آلاف المتظاهرين في ميدان التحرير أمس بشرط رحيل مبارك قبل إخلاء الميدان. ورفض شباب ما حمله لهم آخرون بعد لقائهم نائب الرئيس عمر سليمان من تعهدات وأكدوا أن «لا رحيل قبل الرحيل». وقالت مصادر شاركت في الحوار إن سليمان رفض اقتراحاً بتفويضه سلطات الرئيس وطلب تجنب هذا الخيار تماماً. وأعلن «الحزب الناصري» انسحابه من الحوار، مصراً على «رحيل الرئيس الآن».
جاء ذلك في وقت سعت القاهرة إلى «استعادة عافيتها» وفتحت بعض المؤسسات والمصالح الحكومية أبوابها في محاولة لإعادة الحياة إلى طبيعتها، فيما تمت بعض التعديلات المرورية من أجل تجنب «ميدان التحرير» الذي طوقه الجيش من كل الاتجاهات وسمح للمتظاهرين بالدخول إليه في سهولة ويسر.
واتخذت قرارات من شأنها تهدئة غضب الشارع، منها تعليق جلسات مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) لحين ورود تقارير محكمة النقض في الطعون الانتخابية المقدمة ضد أكثر من 95 في المئة من أعضائه، إذ بلغ عدد هذه الطعون 1527 طعناً في 195 دائرة انتخابية مقدمة ضد 486 عضواً من أصل 508 أعضاء، كما قررت الحكومة منح علاوة مالية لموظفيها.
وفي تفاصيل الحوار، التقى نائب الرئيس في مقر مجلس الوزراء أمس بعض ممثلي الأحزاب السياسية والشخصيات العامة وكذلك جماعة «الإخوان». وشارك في اللقاء رؤساء أحزاب «الوفد» السيد البدوي، و «التجمع» رفعت السعيد، والأمين العام لـ «الحزب الوطني» الحاكم الدكتور حسام بدراوي، ومثل «الإخوان» عضوا مكتب الإرشاد سعد الكتاتني ومحمد مرسي، فضلاً عن عدد من الشخصيات العامة والحزبية، بينها السكرتير العام لحزب «الوفد» منير فخري عبدالنور، ورئيس الحزب السابق محمود أباظة، والفقيه الدستوري يحيى الجمل، ورجل الأعمال نجيب ساويرس، والصحافي مصطفى بكري، وأمين التنظيم في الحزب الحاكم محمد رجب، ونقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد، ووزير الإعلام السابق منصور حسن.
والتقى سليمان ستة من الشباب كممثلين للمتظاهرين في ميدان التحرير، لكن أعضاء في حركة «6 أبريل» أكدوا لـ «الحياة» أن من التقاهم سليمان لا يمثلونهم ورفضوا ما توصل إليه الحوار من نتائج.
وفى بداية اللقاء، وقف المتحاورون دقيقة حداداً على أرواح الشهداء الذين سقطوا خلال التظاهرات. وفي اختتامه صدر بيان رسمي أكد أن المشاركين توافقوا على «تقدير حركة 25 يناير واحترامها، وضرورة التعامل الجاد والعاجل والأمين مع الأزمة الراهنة التي يواجهها الوطن، ومع المطالب المشروعة لشباب 25 يناير والقوى السياسية في المجتمع».
وشددوا على «التمسك بالشرعية الدستورية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه مصر في أعقاب هذه الأزمة، من تراجع في أمن المواطنين وتعطيل لمصالحهم، وشلل في المرافق، ووقف للدراسة في الجامعات والمدارس، واختناقات في الوصول بالحاجات الأساسية إلى أبناء الشعب، وما لحق بالاقتصاد المصري من أضرار وخسائر».
وأشاروا، وفق البيان، إلى ما صاحب الأزمة الراهنة من «محاولات للتدخل الخارجي في الشأن المصري الخالص واختراق أمني لعناصر أجنبية دخيلة على مجتمعنا تعمل على زعزعة الاستقرار تنفيذاً لمخططاتها، مع الإقرار بأن حركة 25 يناير حركة وطنية وشريفة». وقال البيان إن أطراف الحوار «اتفقت على عدد من الترتيبات السياسية والإجراءات الدستورية والتشريعية، توافقت في ما بينها على أن تكون ذات طبيعة موقتة ولحين انتخاب رئيس للبلاد بعد انتهاء الولاية الحالية للرئيس».
واتفق المتحاورون، وفق البيان، على «تنفيذ التعهدات الواردة في كلمة الرئيس مبارك بخصوص عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وفقاً لأحكام الدستور، وإجراء تعديلات دستورية تشمل المواد 76 و77 وما يلزم من تعديلات دستورية أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمي للسلطة، وإجراء ما يلزم من التعديلات التشريعية المترتبة على تعديلات الدستور، وتنفيذ قرارات محكمة النقض في الطعون المقدمة على انتخابات مجلس الشعب وملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين في الانفلات الأمني الذي أعقب الانتفاضة، واستعادة أمن الوطن واستقراره، وتكليف جهاز الشرطة الاضطلاع بدوره في خدمة الشعب وحماية المواطنين».
وذكر البيان أنه «سيتم تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعضاً من الشخصيات السياسية، تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور في موعد ينتهي في الأسبوع الأول من آذار (مارس) المقبل». ووفقاً للبيان، تلتزم الحكومة «فتح مكتب لتلقي الشكاوى عن معتقلي الرأي من الانتماءات كافة والإفراج عنهم فوراً، مع تعهد الحكومة عدم ملاحقتهم أو التضييق عليهم في ممارسة نشاطهم السياسي».
وتلتزم الدولة «تحرير وسائل الإعلام والاتصالات وعدم فرض أية قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، وتكليف الأجهزة الرقابية والقضائية مواصلة ملاحقة الفاسدين والمسؤولين عما شهدته البلاد من انفلات أمني خلال الأحداث الأخيرة ومحاسبتهم. وإنهاء حالة الطوارئ طبقاً للظروف الأمنية، خصوصاً إنهاء التهديد الأمني للمجتمع». وذكر البيان أن «كل الأطياف أكدت رفضها التام للتدخل الأجنبي بصوره وأشكاله كافة في الشأن الداخلي المصري».
وفي ما يخص الضمانات، اتفق المتحاورون على «تشكيل لجنة وطنية للمتابعة تضم شخصيات عامة ومستقلة من الخبراء والمختصين وممثلين عن الحركات الشبابية، تتولى متابعة التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه كافة، مع رفع تقاريرها وتوصياتها إلى نائب الرئيس». وأشادوا بـ «الدور المخلص للقوات المسلحة الباسلة في هذه المرحلة الدقيقة».
وعُلم أن سليمان التقى أيضاً ممثلين لـ «الجمعية الوطنية للتغيير» التي يقودها المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي، وهما منسقا الحملة السابق عبدالرحمن يوسف والحالي مصطفى النجار.
لكن البرادعي نفى أن يكون دعي إلى الحوار، معتبراً أن هذه المفاوضات «غير واضحة». وقال لشبكة «ان بي سي» الأميركية أمس: «لم أدعَ إلى المشاركة في المفاوضات، في هذا الحوار، لكنني أتابع ما يحصل». ورأى أن هذه العملية «غير واضحة… لا أحد يعلم من يتحاور مع من حتى الآن، كما أن العملية يديرها نائب الرئيس والجيش، وتلك هي المشكلة».
وأوضح أن «الرئيس عسكري ونائب الرئيس عسكري ورئيس الوزراء عسكري. أعتقد أنهم إذا أرادوا فعلاً إرساء الثقة، فلا بد من إشراك مدنيين، ولهذا السبب اقترحت وضع خطة انتقالية يكون فيها مجلس رئاسي يتألف من ثلاثة أشخاص ويضم الجيش، على رأس حكومة انتقالية».
وفي وقت قال نائب رئيس «الحزب الناصري» سامح عاشور لـ «الحياة» إن الحزب انسحب من الحوار، مشدداً على «رفض الحزب الحوار في ظل وجود الرئيس مبارك في سدة الحكم»، أكد القيادي في حركة «شباب 6 أبريل» باسم فتحي لـ «الحياة» أن «الشباب الذين اجتمعوا مع سليمان لا يمثلون المتظاهرين في ميدان التحرير».
وشدد فتحي على أن «المحتجين لن يخلوا الميدان قبل تحقيق مطالبهم وفي مقدمها رحيل مبارك». واتهم السلطات بـ «محاولة شق صف المتظاهرين»، لكنه حمل في الوقت ذاته على بعض المتظاهرين لـ «محاولة الصعود إلى الواجهة»، مؤكداً أن «لا أحد يستطيع تحريك المتظاهرين في ميدان التحرير».
وقال عضو مكتب إرشاد «الإخوان» سعد الكتاتني إن ممثلي الجماعة عرضا على سليمان حزمة من المطالب التي تبناها المتظاهرون، مشدداً على أن «الإخوان لا تتبنى أجندات خاصة، ونائب الرئيس أعلن قبوله المطالب التي تم عرضها».
وعن تنحية مطلب رحيل مبارك، قال الكتاتني لـ «الحياة»: «كنا في البداية نتشدد في هذا المطلب لكن مع جلوسنا للحوار رأينا أن وجود مبارك بما له من صلاحيات تشريعية ودستورية مفيد للإسراع في إجراء الإصلاحات. ونحن لا نرغب في وجود فراغ دستوري وسياسي». وأكد أن سليمان لم يطلب من الوفد الحوار مع المحتجين في ميدان التحرير، «بل على العكس أقر بشرعية التظاهر على ألا يعطل حركة المؤسسات أو يعيق عمل الدولة». وأضاف: «ذهبنا إلى الحوار ولا نتحدث باسم أحد»، معتبراً أن استمرار الوضع في ميدان التحرير على ما هو عليه «ضمانة لتنفيذ الإصلاحات».
وفي ميدان التحرير، تظاهر عشرات الآلاف في «يوم الشهداء» الذي دعا إليه المحتجون في إطار «أسبوع الصمود». وعزز الجيش وجوده في الميدان كي لا تحدث أية اشتباكات بين المتظاهرين وأنصار الرئيس. وصلى المتظاهرون المسلمون والمسيحيون على أرواح «شهداء الثورة». وتجمعوا في مجموعات رددت هتافات تطالب برحيل مبارك. وبدا لافتاً ترديد بعض الشعارات المناوئة لإيران وتصريحات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي، كان أحدها أن «لا ثورة إسلامية في مصر».
وعلق مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) أمس جلساته حتى ترد تقارير محكمة النقض في الطعون الانتخابية المقدمة ضد عدد من الأعضاء. وقال رئيس البرلمان فتحي سرور إن «هناك تشريعات مهمة أحيلت على اللجان المختصة، وفور الانتهاء منها سأحدد موعداً لعقد الجلسات، وعلى رأسها مشروع قانون بتعديل بعض أبواب الموازنة العامة للدولة، ومشروع قانون للإعفاء من الضريبة المستحقة على المبيعات، ومشروع قانون بإقرار علاوة خاصة للعاملين في الدولة وأصحاب المعاشات».
ووقف أعضاء المجلس دقيقة حداداً على أرواح ضحايا التظاهرات. وكلف سرور لجنة الاقتراحات والشكاوى مناقشة اقتراح بمشروع قانون للنزول بسن الترشح لعضوية مجلس الشعب إلى 21 بدل 30 سنة. وأحالت الحكومة على المجلس مشروع قانون بصرف علاوة خاصة للعاملين بالدولة بنسبة 15 في المئة من الأجر الأساسي لشهر آذار (مارس) المقبل على أن يتم صرفها على أجر نيسان (أبريل).
وبدأت محكمة النقض النظر في الطعون على صحة عضوية أعضاء البرلمان. وقال رئيس محكمة النقض المستشار سري صيام إن المحكمة كانت تلقت 1527 طعناً على عضوية 486 نائباً في 195 دائرة انتخابية، مشيراً إلى أن المحكمة التي تعد أعلى سلطة قضائية في البلاد ستقوم بإعداد الرأي القانوني في تلك الطعون، على أن يتم اعتباراً من الأسبوع المقبل إرسال ما تنتهي منه المحكمة إلى مجلس الشعب كي يتولى بدوره الفصل في صحة العضوية.
وبذلك، يتبقى من أعضاء المجلس غير المطعون في شرعيتهم 22 نائباً بينهم 10 عينهم الرئيس مبارك. أبرزهم رئيس ديوان الرئاسة زكريا عزمي ووزير المال السابق يوسف بطرس غالي، فيما يعد رئيس البرلمان فتحي سرور ورئيس لجنة الخطة والموازنة رجل الأعمال أحمد عز و8 من الوزراء من أبرز النواب المطعون في عضويتهم. لكن مصادر برلمانية أكدت لـ «الحياة» أن «المحكمة لن تقبل الطعون المقدمة إليها كافة»، مرجحاً أن «تأمر بفصل نحو 180 من بين المطعون فيهم مستندة إلى الأحكام النهائية للمحكمة الإدارية العليا والأحكام التي صدرت وقت إجراء الانتخابات البرلمانية».
إلى ذلك، تبدأ نيابة الأموال العامة التحقيق مع عدد من الوزراء السابقين هم وزراء الإسكان أحمد المغربي والسياحة زهير جرانة والصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد (الموجود خارج مصر) وأمين التنظيم في الحزب الوطني الحاكم أحمد عز خلال يومين، بتهم إهدار المال العام وتسهيل الاستيلاء عليه والتربّح من أعمال الوظيفة العامة. أما وزير الداخلية حبيب العادلي، فمن المنتظر أن تجرى معه تحقيقات منفصلة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن النجار قوله بعد الحوار إن «الاجتماع كان إيجابياً في مجمله، لكنه مجرد بداية. نحن نقدر اجتماع عمر سليمان معنا في شكل منفصل بعد اجتماع عام مع كل القوى السياسية». وأضاف: «طالبنا بتحول ديموقراطي كامل وليس إصلاحات جزئية. لكن سليمان رد بالقول إن الديموقراطية تتحقق على مراحل وإنه حريص على أن تكون هناك فترة تحول سلمي وحكم مدني».
لكن وكالة «فرانس برس» نقلت عن القيادي في «الإخوان» محمد مرسي الذي شارك في جلسة الحوار أمس قوله في مؤتمر صحافي أن البيان الذي تضمن الاقتراحات في شأن الإصلاحات السياسية «غير كاف». وأوضح الناطق باسم الجماعة عصام العريان في المؤتمر الصحافي نفسه أن النظام «لم يستجب لغالبية المطالب، وما استجيب تم بطريقة شكلية… ما حصل اليوم هو نقطة واحدة في طريق طويل بزمن قصير».
وأصدرت الجماعة بعد ساعات على انتهاء جلسة الحوار بياناً طويلاً شرحت فيه موقفها من هذه المفاوضات. وبررت دخولها الحوار بعدما رفضته بـ «الرغبة في إيصال هذه المطالب مباشرة إلى المسؤولين الجدد حتى نختبر جديتهم في الاستجابة لها». وأكدت أنها مستمرة في هذا الحوار «حتى نراقب ونتأكد من تحقيق مطالب الثورة».