مصر تتأهب لـ«جمعة غضب» والبرادعي يعرض قيادة مرحلة انتقالية
القاهرة – أحمد رحيم وأحمد مصطفى
عاشت مصر حال ترقّب في انتظار ما سيؤول إليه اليوم الجمعة الذي دعا معارضون إلى تنفيذ احتجاجات واسعة خلاله بهدف إطاحة حكومة الرئيس حسني مبارك. وفي وقت تواصلت الاحتجاجات لليوم الثالث وكان أعنفها في مدينتي السويس والإسماعيلية، أعلن الزعيم المعارض الدكتور محمد البرادعي أنه سيقود اليوم التظاهرات ضد الحكم المصري، معلناً استعداده لقيادة مرحلة انتقالية، وداعياً الرئيس مبارك إلى «التقاعد».
وأمرت النيابة العامة المصرية أمس بالإفراج عن 259 ممن قُبض عليهم لمشاركتهم في احتجاج «يوم الغضب» الذي بدأ الثلثاء. وقال مصدر قضائي إن 166 صدر الأمر بالإفراج عنهم في القاهرة و93 في الإسكندرية، علماً أن حقوقيين تحدثوا عن توقيف أكثر من ألف شخص في اليومين الماضيين.
ويترقب الشارع المصري بقلق ما ستؤول إليه الأوضاع اليوم بعد الدعوة إلى «جمعة غضب» يخرج فيها الآلاف إلى الشارع عقب صلاة الجمعة للاعتصام إلى حين تنفيذ مطالب المحتجين بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية.
وكان «الاستنفار» سيد الموقف بين قوات الأمن والمحتجين أمس. إذ تحوّلت شوارع القاهرة إلى ما يشبه معسكرات قوات الأمن المركزي المرابطة في ميادينها الرئيسة بالآلاف تحسباً لأية تجمعات يتأهب المتظاهرون لجمعها ويأملون بأن تضم الآلاف أيضاً. وكثّف نشطاء حركة «6 أبريل» الداعية إلى انطلاق هذه التظاهرات، من دعواتهم إلى من اعتبروهم «الصامتين» من المصريين للخروج في «جمعة الغضب»، وكذلك طلبوا من أئمة المساجد حض الناس على المشاركة في «إحداث التغيير». لكن السلطات ردّت بتكرار التحذير من «الخروج على الشرعية»، مذكّرة بحظر التجمعات ومنع التظاهرات، وتوعّدت كل من يخالف هذه التعليمات بالاعتقال، في محاولة لإثناء الناس عن الخروج إلى الشارع.
وسيطرت هذا الأجواء من الترقب على تصرفات المصريين الذين عدل بعضهم عن شراء قطعة أرض، في حين أوقف آخرون تعاملات في البورصة بملايين الجنيهات، بانتظار ما ستسفر عنه المواجهة المتوقعة اليوم. وقال المحاسب أحمد عفيفي (34 سنة) إن هذه الأحداث هي الأولى التي يشهدها على مدار عمره، معتبراً أنها «مفيدة» في إيصال رسالة إلى الحكومة مفادها أن «الشعب لم يعد قادراً على التحمل». وأضاف عفيفي: «منذ سنوات نشتكي ولا أحد يصغي إلى مطالبنا إلى أن حدث الانفجار». لكن عفيفي لا يخفي قلقه من حدوث اضطرابات في مصر، فحاله ككثير من المصريين الذين يخشون تصاعد الاحتجاجات إلى حد حدوث فوضى قد يرافقها أحداث سلب ونهب، وهو أمر انتبه إليه المتظاهرون الذين أكدوا مراراً أن تحركهم سلمي.
وبدا أن السلطات انتبهت إلى أن «العصا الغليظة» لن تفلح وحدها في «إخماد هبّة الغضب»، فلجأت إلى التلويح بـ «الجزرة»، إذ استنفرت مؤسسات الدولة في محاولة لتهدئة الجماهير والتأكيد أنه سيتم النظر في مطالبهم وتحقيقها. وقال الأمين العام للحزب الوطني الحاكم صفوت الشريف إن «مطالب الجماهير فوق رؤوسنا». كما أكد رئيس الوزراء الدكتور أحمد نظيف أن الحكومة مستمرة في برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي. واجتمعت هيئة مكتب الحزب الحاكم أمس للبحث في مطالب الشارع، في ظل تصريحات حكومية بتوفير فرص عمل لآلاف الشباب والاستنفار من أجل ضبط الأسواق ووقف ارتفاع أسعار السلع والخدمات. لكن التلويح بـ «العصا والجزرة» سيواجه اليوم اختباراً جدياً أمام مدى استجابة المصريين للانتفاض في «جمعة الغضب».
وقال الأمين العام للحزب الوطني صفوت الشريف بعد اجتماع هيئة مكتب الحزب أمس إن أياً من قيادات الوطني لم يهرب الى خارج البلاد بعد احتجاج «يوم الغضب». وقال في مؤتمر صحافي: «قيادات مصر والحزب الوطني لا تعرف الهروب وليس على رأسنا بطحة». وأضاف: «نحن موجودون وسنظل واقفين شامخين من أجل الوطن». وكان الشريف يرد بذلك على سؤال عما اذا كان أي من قيادات الحزب قد غادر البلاد.
وتحدث الشريف الى الصحافيين بعد اجتماع لهيئة مكتب الحزب التي تضم بالاضافة اليه جمال مبارك الأمين العام المساعد للحزب وأربعة أعضاء آخرين.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن اتحاد الكتاب المصريين، إثر جلسة طارئة عقدها مساء الأربعاء، تضامنه مع «الجماهير المصرية في مطالبها العادلة»، وذلك في أول موقف يصدر عن نقابة مهنية في مصر إثر التظاهرات العنيفة التي تشهدها البلاد. وأكد الاتحاد في بيان «إدانة الأسلوب القمعي الذي تعاملت به السلطات مع الجماهير المصرية في انتفاضتها»، معلناً تأييده «المطالب الدستورية التي عبرت عنها جماهير الشعب على نحو يكفل التداول السلمي للسلطة وإلغاء قانون الطوارئ».
ودعا الفنان خالد الصاوي إلى لقاء في نادي نقابة المهن التمثيلية مساء الخميس لإعلان «انتمائنا إلى الناس وتضامننا مع مطالبهم العادلة في الخبز والحرية والكرامة ولو لم نقل كلمتنا الآن وفوراً فقد نخسر حبها واحترامها إلى الأبد». وكان الفنان عمرو واكد اكد في صفحته على موقع فيسبوك «حق المصريين بالحلم في التغيير الذي يجعل من مصر دولة متحضرة»، مؤكداً أن «التظاهرات والاعتصامات هي أهم وسائل الضغط الشعبي على الحكومات والأنظمة». وكان الفنان خالد أبو النجا الذي يدعم المعارض محمد البرادعي، شارك مع فنانين آخرين الفنانين في التظاهرات التي أجريت الثلثاء في اطار «يوم الغضب» وتخللتها مواجهات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة. وطالبت مجموعة من كبار الكتاب السينمائيين والمخرجين المصريين في بيان الخميس وزير الثقافة فاروق حسني برفع الرقابة عن سيناريو الأفلام لـ «إتاحة سقف أعلى من الحرية للتعبير عن هموم الوطن ومشاكله وتطلعاته».
وكانت قوات الأمن موجودة بكثافة أمس الخميس في قلب القاهرة بعدما طاردت الأربعاء المتظاهرين في بعض الأحياء مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات وأحياناً الحجارة. كما قام المحتجون برشق قوات مكافحة الشغب بالحجارة. ووقعت اشتباكات مساء الأربعاء بين عشرات المتظاهرين وقوات الأمن أمام وزارة الخارجية المصرية بوسط القاهرة حيث تمكن المتظاهرون من فتح إحدى البوابات الجانبية للمبنى ثم اقتحموا غرفة الأمن. وقامت الشرطة بإبعادهم على الفور وتفريقهم مستخدمة القنابل المسيلة للدموع.
ووقعت اشتباكات بعد ظهر الخميس بين مئات المتظاهرين وقوات الأمن في مدينتي الإسماعيلية والسويس على قناة السويس، وفق ما أفاد شهود ومراسل فرانس برس.
وقال الشهود في الإسماعيلية إن الشرطة أطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريق قرابة 600 متظاهر ردوا بإلقاء الحجارة. وأضافوا انه تم اعتقال قرابة عشرة أشخاص قبل بدء التظاهرة.
أما في السويس، فأطلقت الشرطة القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وخراطيم المياه لتفريق مئات المتظاهرين الذين تجمعوا أمام قسم الشرطة في حي الأربعين للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين الذين ألقي القبض عليهم الثلثاء والأربعاء ويبلغ عددهم وفق مصدر امني قرابة 75 شخصاً.
وشهدت السويس الأربعاء اشتباكات بين قرابة ألفى متظاهر وقوات الأمن أمام مشرحة المدينة بسبب رفض قوات الأمن تسليم جثمان متظاهر توفي صباح الأربعاء وإصرارهم على توقيع الكشف عليه من جانب الطب الشرعي. وقام المتظاهرون بإلقاء زجاجات حارقة على مبنى تابع للبلدية اشتعلت النيران في جزء منه كما أفاد شهود. كما هاجموا مقراً للحزب الوطني ومركزاً للشرطة. كذلك نقلت وكالة «رويترز» عن شاهد عيان أن المحتجين أضرموا النار في نقطة شرطة في السويس أمس بعد يوم من إحراقهم نقطة شرطة أخرى ومبنى حكومياً. وذكرت مصادر طبية أن 30 شخصاً أصيبوا في السويس التي ينتمي إليها ثلاثة قتلى من المدنيين سقطوا في الاحتجاجات حتى الآن. وقتل شرطي في القاهرة.
وفي الإسكندرية ثاني مدن البلاد، اعتقل عشرات أثناء محاولتهم الوصول إلى ساحة على كورنيش البحر للتظاهر وفقاً لشهود. وأوردت «رويترز» أن مئات المحتجين تجمعوا أمام مبنى محكمة الحقانية في وسط المدينة مرددين هتافات تدعو إلى سقوط نظام الحكم وقالوا «عايزين حكومة جديدة… بقينا ع الحديدة (أي فقراء جداً)».
وقال ناطق باسم مجلس الوزراء المصري إن الشرطة تلتزم بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل مع المحتجين لكنها تتدخل «بقوة» في السويس لمواجهة التخريب. وأضاف أن الحكومة تحض الشباب المشاركين في الاحتجاجات بالشوارع على التنبه لجماعة «الإخوان المسلمين» وغيرها ممن يستغلون الاحتجاجات من أجل «جداول أعمال خفية»، وفق ما قال.
وكان من المنتظر أن يصل مساء أمس إلى القاهرة المعارض البارز محمد البرادعي آتياً من فيينا للمشاركة في التظاهرات الاحتجاجية المقررة اليوم، كما أكد شقيقه لوكالة «فرانس برس».
وقد أعلن للصحافيين البرادعي في مطار فيينا لدى استعداده للتوجه إلى مصر «إذا أراد الشعب، وبخاصة الشباب، مني أن أقود الانتقال، فلن أخذلهم»، مؤكداً أن «أولويتي الآن هي رؤية مصر جديدة من خلال انتقال سلمي». كما قال البرادعي، الحائز على جائزة نوبل، لـ «رويترز» قبل سفره إن مبارك «خدم البلاد لثلاثين سنة وحان الوقت لتقاعده». وأضاف: «أعتقد أن تظاهرات كبيرة ستخرج غداً (اليوم) في كل أنحاء مصر وسأكون معهم هناك».
ويعدّ البرادعي أحد أشد منتقدي حكم الرئيس مبارك الذي يتولى السلطة منذ ثلاثة عقود ويطالب المتظاهرون بتنحيه.
وفي رسالة قصيرة بثها على «تويتر»، قال البرادعي «سنواصل ممارسة حقنا في التظاهر السلمي لاستعادة حريتنا وكرامتنا وسينقلب عنف النظام ضده».
ورداً على سؤال لمجلة «دير شبيغل» الألمانية عن انتقال عدوى الدكتور البرادعي في مطار فيينا قبل انتقاله إلى القاهرة. «ثورة الياسمين» التونسية إلى مصر، قال البرادعي «إذا كان التونسيون قاموا بالثورة، فإن بإمكان المصريين أن يفعلوها».
وفي دافوس (سويسرا)، نقلت وكالة «رويترز» عن كينيث روث مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» (مراقبة حقوق الإنسان) قوله إن المنظمة تخشى من احتمال أن يفتح الجيش المصري النار على المحتجين خلال تظاهرات اليوم الجمعة. وقال روث خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري «تنتابنا مخاوف شديدة من أن يزيد الجيش العنف ضد المحتجين في مصر… لأن الجيش هناك أشد صرامة وأكبر حجماً منه في تونس». وتابع: «ربما يقررون فتح النار خلال الاحتجاجات».
على صعيد آخر (رويترز)، قالت مصادر أمنية إن ضابطين وأربعة جنود قتلوا أمس الخميس في انهيار مبنى سكني عليهم في القاهرة لدى قيامهم بإطفاء حريق شب فيه.