ولـــيد تقـــل
في عصور القدماء، وكواحدة من وسائل إكتشاف الحقيقة ؛ أنهم كانوا يعتمدون طريقة واحدة لإكتشاف صدق المتهم في إرتكاب جريمة ما، مع معاقبته في ذات الآن إن هو كذب على المحاكمين . فكانوا يلقوا بالمتهم في الماء أو النار ، فإن كذب سيكون مصيره الغرق أو الحرق. ولا ندري هل هذه الطريقة هي غباء المحاكمين أم غباء المتهم الذي يستسلم لموته ، إذ أن الموت هو النتيجة الراجحة رجحان لا خلاف عليه .
هذه التجربة تذكرني بالسياسيين الذين يبررون الحوار مع النظام من أجل تفكيكه ، ثم محاكمة رموزه ؛ بل كامل قياداته في صفوفه التنظيمية . فلا يعقل أن يسوق النظام نفسه الى المقصلة ، هكذا ، دون وعي بالعاقبة ، إذا سلّمنا جدلاً أن إجراءات الإصلاح تشمل المحاكمات.لكن لا ينفك القادة السياسيين يحرصون على إقناعنا أن هذه الوسيلة هي الأنجح والاسرع لإسقاط النظام ،كما هي ضمانة قوية للحفاظ على ما تبقى من الوطن من التمزق والتفرق ، فهل إذاً المصالحة تجُب ما قبلها ، بحسب رأيهم ؟؟ أم هي تكتيكات أفرزتها الخصومات السياسية والتنافس الغير أخلاقي ، وأمراض التوهم بالعداء والخصوم الإفتراضيين؟؟.
في تقديرنا أن تجربة الحقيقة والمصالحة التي أرساها مانديلا لا تصلح لرد مظالم بلغت قتل الأرواح بما لا يُعد أصلاً ، ذلك القتل الذي يحدث حتى كتابة هذا المقال ، فلو أن ذو بصر أراد تعمية الكافة من هكذا نهج تطهيري لمجرمين يريدون أن يعيشوابيننا كمواطنين شرفاء دون مساءلة ، فأنه آن إذ سيصار هنالك مستنقع إجرامي نتن يلوث كل حدود الوطن.
كذلك نقدم سؤالاً موضوعياً لدى الداعمين للمصالحة ، ((كيف تجدون مخرجاً لكبير النظام من المساءلة الجنائية الدولية ، حتى إن عفى عنه أولياء الدم؟؟)) ثم ماذا لديكم من أدوات إقناعية ، حال إتفاقكم معه على تناسي الجراحات .. هل ستحمونه ؟؟ ، بالتالي سيستمر السودان محاصراً بسبب التستر على المجرم ، أم أنكم ستقومون بتسليمه فور تسلمكم السلطة؟؟ ،أم أنكم ستخادعونه بعد أن يمكنكم من عنقه ، لتسلموه للجهات الدولية ؟؟، ما يصبغ عليكم نوع من الخبث والطعن من الخلف وعدم الوفاء بالعهود.. أرجوكم قولوا لنا أي الخيارات ستتبعون؟؟
لعل المتابع والمستقرئ للأوضاع الإقليمية من حولنا يستكشف دون عناء أن هذه الهرولة خلف النظام ماهي الا إذعان لتعليمات القوى العظمى وعلى رأسها أمريكا ، إذعان يطبق بدون تعديل أو ملاحظة ، كون أن مسألة تفكيك النظام وإنزاله مهبطاً آمناً سبقكم لها من قبل (( برنسون ليمان)) وطرحها عليكم ورفضتموها ورجحتم غيرها إسقاط النظام فلماذ الآن ؟؟،كما أن من ما يأسف المرء له ،أن منهجكم الذرائعي في محاورة النظام هو حماية البلد من التدخلات الأجنبية ، تلك التدخلات التي أنتجت سيناريو (( الهبوط الآمن للنظام ))
لهذا الأمر تفسير واحد لا غيره هو إهدار كرامة الشعب السوداني وترقية مصالحكم التنظيمية ، والتي تتناقض مع جوهر مرتكزاتكم الظاهرية.، مسألة أخرى غاية الأهمية هي كيفية التعامل مع الذين أثروا ثراءاً فاحشاً على حساب الشعب السوداني ، فالراجح أن أصغر منتسب لهذا النظام بات يملك الأرصدة والفلل المريحة فما هي الضمانات لإسترداد الأموال المنهوبة؟؟هوهل سيجري حوار حولها أم أنها تحت بند عفى الله عن ما سلف؟؟ ومسألة أخرى تمس عصب الواقع الا وهي مسألة إصلاح القضاء والخدمة المدنية والقوات النظامية ؟؟.
خلاصة القول أن عملية الإصلاح ماهي ألا وجه قبيح من أوجه إعادة أنتاج النظام بالتالي إعادة أنتاج الأزمات ، بل أن غالب التقدير أن القوى المتلاينة مع النظام الآن تريد وراثة الحكم عن طريق التحكم والتشغيل عن بُعد وملاعبة النظام بسيناريو اليابسة الذي لم يجربه على الاقل الذين هم على دست قيادة الحكم الآن ، بعد إقصاء كباتن اللعبة الكبار ، وما هذا الإقصاء الا توجه عنصري داخل العشائر النيلية ؛ لا يهمنا كثيراً؛ لكن نرفضه بكل تأكيد لأنه يزيد من معاناة البسطاء ، والذين تصليهم نيران أفعال بني جلدتهم ، فالأخلاق لا تُجزأ وكذلك العدالة والمساواة.
نقول ذلك وننتظر ما يتمخض عنه الجمل ، لنفك طلاسم أكبر تجربة علمية في التأريخ الحديث ، تلك المتمثلة في إكتشاف غباء نظام دكتاتوري عنصري لا عقيدة له يفكك نفسه ويحاكم نفسه بالإعدام على مرأى من الشامتين ومسمع من الضحايا ليقدم لنا أضخم تجربة ديمقراطية حٌرة ونزيهة تغنينا عن المناداة بإسقاط أي ديكتاتور في الأرض.
[email protected]