بسم الله الرحمن الرحيم
مذكرة تحالف القوى الوطنية حول تكييف الوضع الدستوري للحكومة السودانية بعد 9 يوليو 2009
السادة ضامني اتفاق السلام الشامل بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان
السلام عليكم
نحن تحالف الاحزاب والتنظيمات السياسية السودانية الذين تواثقنا عبر اتفاق سياسي وقعناه في نوفمبر 2008 على الحل الشامل للقضايا السودانية: تحقيق الحريات العامة في السودان، الحل السياسي لأزمة دار فور، الانتخابات الحرة النزيهة العادلة والمراقبة داخليا ودوليا من أجل تحول ديمقراطي حقيقي، وتحقيق السلام العادل الشامل في كل ربوع السودان وتنفيذ اتفاقية نيفاشا. وتواثقنا على آلية للاجماع الوطني الذي هو صمام أمان السودان في مؤتمر جامع لكل اصحاب المصلحة في السودان تقوم به حكومة وحدة وطنية.
تحالف القوى الوطنية يخاطبكم اليوم في هذه الأزمة الدستورية التي تدخل السودان في وضع جديد يزيد الأوضاع حرجا وخطورة، وأنتم الضامنون الدوليون للاتفاقية التي تم خرق الدستور الذي اتفق عليه عبرها لنعلمكم بموقفنا، نحن قوى السودان الحية، ونحملكم مسئوليتكم التي اضطلعتم بها منذ أن وقعتم صك ضمانها منذ ما يزيد عن السنوات الأربع:
مقدمة
يمر السودان اليوم بمرحلة غير مسبوقة منذ استقلاله لتوسع وتعقيد العديد من المشاكل وتداخلها مما خلق أزمات؛ سياسية، اقتصادية، معيشية، واجتماعية، في خضم نزاعات مسلحة داخلية، ومواجهات عسكرية اقليمية، إضافة إلى تصاعد الخلاف مع المجتمع الدولي الذي أصبح أحد اللاعبين الداخليين في الشأن الوطني السوداني عبر اتفاقيات سلام نيفاشا وقرارات مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، ابتداءا من طرد الممثل الخاص للأمين العام السيد يان برونك وصولا للمواجهات الحادة حول مطلب محكمة الجنايات الدولية بإلقاء القبض على رأس الدولة.
كل ذلك في ظل خلافات متصاعدة بين شريكي نيفاشا في مواجهات علنية وفشل في تطبيق بنود اتفاقية نيفاشا لسلام شامل وتحول ديمقراطي وصولا لوحدة جاذبة بين الشمال والجنوب كما فصلت بنود الاتفاقية. مع عجز المجتمع الدولي عن التحكيم بينهما و الوفاء بسداد التزاماته المالية، خاصة بعد تفاقم كارثة دار فور وتردي الأحوال الأمنية والمعاناة الانسانية.
وطيلة الأثناء؛ ظلت القوى الوطنية السودانية تنادي بضرورة الحل الشامل المتكامل لمشاكل السودان برؤية قومية وعدم تجزئة مشاكل الوطن مما يعقدها ويفاقمها. ودأبت تعمل على خلق الاجماع الوطني كمخرج وحيد آمن من الأزمات الراهنة وانهاء حالة الانفراد بالقرار والعناد في تنفيذ الرؤى الحزبية في مواجهة أزمات تهم كل بني السودان. وضرورة سودنة الحلول وعدم جدوى التبضع في سوق المبادرات الاقليمية والدولية. والجدوى الوطنية من الاتفاق على حكومة وحدة قومية كآلية لتحقيق كافة المطلوبات.
إن تصدينا القوي لاختراق الدستور، يعبر عن ارادتنا القوية في احترام اتفاقية نيفاشا وتنفيذ بنودها، وعن رفضنا لأي تلاعب بالدستور الذي يجمع بيننا ويؤسس لدولة المواطنة في السودان القائمة بموجب نصوصه على احترام حقوق الانسان، والذي يعكس الالتزام به سيادة حكم القانون، كما يؤكد خرقه الدعاوى الدولية بموجب القرار (1593). ونحن إذ نقف اليوم بصلابة دفاعا عن دستور السودان الانتقالي وعدم التساهل في خرق مواده، نقوم بذلك حرصا على سيادة حكم القانون في بلادنا وحقوق الانسان السوداني إعمالا للديمقراطية وحرصا على مبادئها، وحفظا لسيادة بلادنا وكرامة أهلنا.
الوضع الدستوري في السودان الآن
• إن شرعية السلطة القائمة فى السودان تعتمد كلية على اتفاقية السلام الشامل الموقعة فى 9/1/2005 وقد تحولت تلك الاتفاقية إلى نصوص فى دستور السودان الانتقالى لسنة 2005 ومن ثم انتقل مصدر الشرعية من الاتفاقية والتى هى بين طرفين إلى الدستور الانتقالى والذى ينطبق على ويلزم الأمة كلها . ويمكن لطرفى الاتفاقية أن يعدلا فيها بإرادتهما ولكن لا يحق لهما تعديل الدستور إلا وفق أحكام المادة 224 منه والتى تنص على أنه لا يجوز تعديل الدستور إلا بموافقة ثلاثة أرباع جميع الأعضاء لكل من مجلس من مجلسى الهيئة التشريعية فى اجتماع منفصل لكل منهما ويشترط أن يقدم مشروع التعديل فى فترة شهرين على الأقل من المداولات ولا تطرح التعديلات التى تؤثر على نصوص اتفاقية السلام الشامل إلا بعد موافقة طرفيها. وهذا يعنى أن التعديلات التى تؤثر على اتفاقية السلام الشامل ينبغى بالإضافة إلى ذلك أن تحصل على موافقة طرفى الاتفاقية.
• نصت المادة 3 من الدستور الانتقالى على أنه هو القانون الأعلى للبلاد ويتوافق معه الدستور الانتقالى لجنوب السودان ودساتير الولايات وجميع القوانين . وقد نصت المادة 65 من الدستور على أنه وقبل الانتخابات التى تجرى أثناء الفترة الانتقالية يكون رئيس الجمهورية الجالس عند إصدار الدستور أو من يخلفه هو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة وكذلك الرئيس الحالى للحركة الشعبية لتحرير السودان أو من يخلفه هو النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب . ومعنى ذلك أن رئاسة الجمهورية الحالية تستمد شرعيتها من أحكام المادة 65 من الدستور وأن تلك الشرعية تستمر حتى قيام الانتخابات أثناء الفترة الانتقالية . وكذلك الحال بالنسبة للحكومة حيث نصت المادة 79 من الدستور الانتقالى على أن الحكومة التى يشكلها رئيس لجمهورية نكون للفترة قبل الانتخابات كما نصت المادة 117 من الدستور الانتقالى على أن المجلس الوطنى يبقى لحين إجراء الانتخابات وينطبق الحال على الولاة وكل شاغلى الوظائف الدستورية والتى تتغير بالانتخابات . وتخلص من هذا إلى إلى أن رئاسة الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية تفقد مشروعيتها عند إجراء الانتخابات.
• بموجب دستور السودان الانتقالي، قسمت الفترة الانتقالية إلى قسمين؛ الأول منها يبدأ في 9 يوليو 2005 (المادة 226/4 والتي تقرأ: لأغراض هذا الدستور وأغراض اتفاقية السلام الشامل تبدء الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو 2009). وقد حدد الدستور عدة مطلوبات يجب القيام بها من 9 يوليو 2005 حتى 9 يوليو 2009، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
1. المادة 215/1 تلزم النظام عبر الهيئة التشريعية بإصدار قانون الاستفتاء لجنوب السودان في بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية (أي مارس 2008 كحد أقصى). هذا لم يتحقق للآن.
2. المادة 225/1 تلزم بإجراء احصاء سكاني في كل انحاء السودان ليتم الفراغ منه في نهاية السنة الثانية (أي 9 يوليو 2007 كحد أقصى) وهذا انجز في ابريل 2009.
3. المادة 142/1 ألزمت بإنشاء مفوضية لحقوق الانسان. لم تتم.
4. المادة 137/1 ألزمت بإنشاء مفوضية قومية للخدمة المدنية وهذا لم يتم حتى الآن.
• وفي نهاية الفترة الانتقالية الأولى، وبعد تنفيذ كافة الاعمال الانتقالية الخاصة بمفوضية الأرض، والخدمة المدنية، وحقوق الانسان، والانتخابات، وعمل الاحصاء السكاني، جاء في المادة 216 تحديد أن الانتخابات على كافة المستويات (التنفيذية والتشريعية) تتم في الربع الأخير من السنة الرابعة (الحد الأقصى 9 يوليو 2009). لتبدأ مرحلة جديدة تستمد الشرعية فيها بصورة مباشرة من إرادة الجماهير. ونص المادة 216 استمد أصلا من المادة 2/2 والمادة 3/3 من الاتفاقية: (أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة لعضوية المجلس الوطني وفقا للدستور الانتقالي الذي يحكم الفترة الانتقالية، ويحدد موعدها الطرفان الموقعان على الاتفاق). والموعد الذي حدداه (الربع الأخير من السنة الرابعة) وضعاه في الدستور في المادة 216. ومن ثم لم يعد شأن الطرفين بل نصا دستوريا لا يجوز تعديله إلا عبر اجراءات المادة 224 من الدستور. بمعنى أن يوضع التعديل المطلوب أمام منضدة المجلس الوطني ومجلس الولايات ليأخذ شهرين من التداول، وأن يوافق على التعديل ثلاثة أرباع كل من المجلسين.
• والدستور قصد من ذلك انهاء الفترة التي تم شغل المناصب الدستورية عن طريق التعيين بصورة تحكمية للاعداد للتحول الديمقراطي وانجاز مستحقاته. ولعل الانتخابات وتحديد ميعادها يتصل بالمبادئ الاساسية للدستور كما جاء في المادة 4/د، والتي تقرأ: (تستمد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وإرادته التي تحدد عن طريق الاستفتاء والانتخابات الحرة المباشرة و التي تجرى في اقتراع سري عام لمن بلغ السن التي يحددها القانون). وهذا التحديد القاطع وضع منه ألا يتجاوز ذلك الوضع الاستثنائي الزمن المحدد له وإلا أخل ذلك بالمبادئ الأساسية للدستور.
• وقد جعل الدستورميعاد الانتخابات هذا باتا وحاسما ولم يسمح بتعديله إلا فى حالة واحدة؛ نصت عليها المادة 55 من الدستور الانتقالى حيث جاء فيها: أنه عند تعذر انتخاب رئيس الجمهورية لأى سبب حسب ما تقرره المفوضية القومية للانتخاب وفقا لقانون الانتخابات، يتعين على المفوضية تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات بأعجل ما تيسر، شريطة ألا يتجاوز ستين يوما من اليوم الذى كان مقررا فيه إجراء الانتخابات. والمفهوم الواضح لهذه المادة مقروءة مع المادة 226/4، والمادة 216، يعني أنه في حالة تأخر انتخابات رئيس الجمهورية في 9 يوليو 2009، فأن التأجيل الذى تقرره مفوضية الانتخابات ينبغى ألا يتجاوز 9/9/2009 وينبغى أن يكون لأسباب. وهذا التأجيل نفسه يتم قبل 9 يوليو 2009.
• لا توجد أي أحكام دستورية لتجديد ولاية أي من شاغلى المناصب الدستورية في كافة مستويات الحكم، وبالتالي تكون ولايتهم جميعا تنفض في يوم 9 يوليو 2009 بعدم تعديل نص المادة 216 الآمر والملزم.
خاتمة
أن الانتخابات ليست عملية تجرى دون أطر قانونية أو دستورية . فسلامة الانتخابات وديمقراطيتها تكمن فى اتباع النصوص التى وردت فى الدستور الانتقالى وفى قانون الانتخابات نفسه . وإذا كان القائمون بأمر الانتخابات لا يتقيدون بتلك الأحكام الوجوبية فلا يمكن أن تجرى انتخابات وفقا لأحكام القانون . والخرق الدستوري الذي نتحدث عنه لم ينشأ في يوم 9 يوليو 2009 بغتة، إنما بدأ مع الفشل في تحقيق المستحقات الدستورية والمطلوبات للفترة الانتقالية المحددة في الدستور؛ أولها عدم إجراء الاحصاء السكاني في موعده المحدد 9 يوليو 2007، والذي توالى بعده مسلسل عدم التطبيق والوفاء بالمطلوبات. وعليه فإن من يفشل في أداء المهام المكلف بها يفقد الأهلية والشرعية للاستمرار بفشله في اداء المهام التي كلف بها دستوريا، إضافة للنص الدستوري 216 والذي لم يبذل أي مجهود لتعديلة بموجب المادة 224 لنحافظ على الالتزام بنصوص الدستور.
ونحن كقوى وطنية ظللنا ننادي، من قبل هذا الخرق الدستوري الفاضح، بضرورة الإجماع وطني، والذي أكد على أهميته والحاجة الوطنية له الشريكان أنفسهم عبر المصفوفة التي توصلوا إليها عقب خروجهما المؤقت من أزمة تجميد وزراء الحركة الشعبية (ديسمبر 2007)، كما أكد عليه المؤتمر الوطني في اتفاق التراضي الوطني مع حزب الأمة القومي (مايو 2008)، وأكدت عليه الحركة الشعبية في عدد من الاعلانات السياسية مع تحالف القوى الوطنية. وقد أجمعت القوى الوطنية أن آلية الاجماع الوطني هو حكومة وحدة وطنية في اعلانها السياسي في نوفمبر 2008 وعادت وأكدت تزايد جدوى وأهمية هذه الحكومة الوطنية عقب اجتماع الرؤساء في 24 مايو 2009 وحذرت من الخرق الدستوري الذي سينشأ بعد يوم 9 يوليو 2009.
هذا الخرق الدستوري يؤثر على سيادة السودان التي تأثرت بأحكام مجلس الأمن بموجب الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي تحدثت عن عدم قدرة ورغبة القضاء السوداني على الاصلاح. هذا الخرق الدستوري يبين ضعف حكم القانون في السودان مما يدحض العدالة في الاعداد للانتخابات، وفي كفالة حقوق الانسان السوداني. هذا الخرق الدستوري، الذي لا مبرر له، يعزل الحكومة السودانية عن الحق وعن القانون الذي وضعته وارتضته بعد أن عزلت سابقا من قبل القانون الدولي بموجب احكام محكمة العدل الدولية.
هذه فرصة تاريخية للحل الشامل للمشاكل والأزمات السودانية بالتوافق على شرعية تراضى بعد انتهاء شرعية الدستور، لمخاطبة كافة القضايا بالحل عبر هذه الحكومة التي:
• تسد فجوة الشرعية الدستورية بشرعية التراضي الوطني.
• تخرج الشريكين من صراعهما المتصل وفشلهما في تطبيق بنود الاتفاقية للاعداد الجاد للتحول الديمقراطي والعمل الدؤوب من أجل الوحدة الجاذبة، خاصة مع اقتراب موعد الاستفتاء.
• تقوم بالتفاوض بمصداقية مع حركات دار فور المسلحة وتعمل على الحل السياسي لقضية دار فور عبر مؤتمر دار فوري، وتكمل الحل السياسي الشامل للقضايا السودانية.
مطلوب من المجتمع الاقليمي والدولي الضامن والموقع على اتفاقية السلام معرفة الوضع القانوني والدستوري القائم، ودعم المجهود الوطني السوداني العامل على الحفاظ على مكتسبات السلام ومكاسب الجنوب وتعميمها ليشمل السلام كافة ربوع السودان، ولكي لا تكون لغة السلاح والغضب هي العملة السائدة في التعبير عن المظالم والمطالبة بها، ولا يكون القهر والتسلط واللاقانون هو طريقة الرد على المطالب المشروعة للشعب السوداني. فلا مجال لتغيير الدستور وطمس معالمه لمد العمر لحكومة فشلت في تنفيذ ما أوكل إليها بجانب عجزها عن حماية المواطن السوداني والحفاظ على سيادة السودان. فنحن لا حاجة لنا بسياسات وممارسات البطش والقوة، بل حاجتنا هي لاجماع وطني قوي يحقق التحول الديمقراطي لضمان الاستقرار واستدامة التنمية، والوحدة الوطنية القائمة على المواطنة والتعددية الثقافية والدينية، وسيادة حكم القانون والعدالة.
تحالف القوى الوطنية
يوليو 2009