مشاورات يوم أمس جاءت لتزيل الضبابية التي كانت تخيم على أجندة سلام دارفور، حاسمة الدخول في مرحلة “تشاور” بين الحركات الدارفورية- التي بدأت تتوافد إلى الدوحة منذ أيام- وليس “تفاوضا” مباشرا بين الحكومة السودانية و “العدل والمساواة”، خصوصا وأنه لا يمكن، وفقا للوسيط القطري، تحديد موعد لانطلاقة جولة المفاوضات الجديدة إلى أن تصل المجموعات الدارفورية كافة إلى الدوحة وتستكمل بالتالي المشاورات، كاشفا في السياق عينه عن مشاورات مرتقبة بين الحركات والحكومة.
وفي وقت يفترض أن تستكمل اليوم حلقة المجموعات الدارفورية المشاركة في المشاورات، مع وصول وفدي مجموعة أديس أبابا وطرابلس (حركة تحرير السودان – القوى الثورية)، يبقى انضمام حركة تحرير السودان، بزعامة عبدالواحد محمد نور إلى الحلقة المذكورة مرتبطا بشرط “حق تقرير المصير”، الذي وضعته الوساطة بيد أطراف النزاع الموجودة في الدوحة.
وأوضح الوزير آل محمود في تصريحات صحافية أدلى بها بعيد انتهاء جلستي المشاورات أن الوساطة استمعت لوجهة نظر كل من الحكومة و “العدل والمساواة” حيث برزت بعض نقاط التوافق وأخرى تحتاج إلى قرار من قبل الوساطة، لافتا إلى أن التوصل إلى رؤية شاملة حول بدء جولة التفاوض يفرض الاستماع إلى وجهة نظر باقي المجموعات.
لا يمكن القول وفقا للوزير آل محمود أن موقفي الحكومة والحركة من جولة التفاوض المقبلة قد أحرزا انفراجا. وأوضح “ما يمكننا قوله أننا استمعنا لوجهات نظر الطرفين، ووجدنا أن بعض نقاط التوافق في هذا الإطار وأخرى تحتاج إلى توضيح من كلا الجانبين”. وأضاف “سنواصل محادثاتنا مع وفدي الحكومة وحركة العدل والمساواة والمجموعات الأخرى، حيث سنعمل على تذليل الصعاب حتى يتم التوصل إلى السلام المنشود في دارفور بمساعدة المجتمع الدولي والشركاء في الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي”، معربا عن تفاؤله بتحقيق الهدف المذكور.
وفي وقت أكد الوسيط القطري أنه لا يمكن تحديد موعد لانطلاقة جولة المفاوضات الجديدة إلى أن تصل المجموعات كافة إلى الدوحة وتستكمل بالتالي المشاورات، شدد بالمقابل على أن انطلاقة المفاوضات غير مرتبطة بتوحيد الحركات، “فالمجموعات ستأتي إلى الدوحة بموقف تفاوضي، لتليها مشاورات بين الحركات نفسها، فالقرار يعود لها وحدها ما إذا كانت تريد الاندماج مع بعضها البعض أو أن تقلص عددها”، كاشفا في السياق عينه عن مشاورات مرتقبة بين الحركات والحكومة، “لتكون الدوحة مجالا للتوافق في المواقف”.
لا بد وأن يواكب وفقا للوزير آل محمود، أي عملية تفاوضية مشاورات مسبقة لترتيب البدء في المفاوضات، “ونحن بانتظار وصول بقية الإخوة لنستكمل الخطوات التشاورية”. وأضاف “ننتظر وصول باقي أفراد مجموعة أديس أبابا الذين وصل قسم منهم إلى الدوحة، ونتوقع قدوم مجموعة طرابلس صباح غد الاثنين من أجل استكمال المشاورات”.
وفي سياق متصل أوضح الوزير آل محمود أن اتصالات جرت مع زعيم حركة تحرير السودان عبدالواحد محمد نور، وقد عبر المتحدث باسم الحركة عن استعدادهم للمجيء إلى الدوحة في أي وقت، واضعين شرطا ليس من حقنا أن نفتي فيه، وإنما من حق أطراف التفاوض أن تقرر بشأنه”. وجدد الوزير آل محمود تأكيده أن قضية دارفور هي من أكثر ملفات القرن تعقيدا، ورأى أن واجب الوساطة يقضي بالعمل لتوحيد مواقف الحركات والوصول إلى حل. وأضاف “أعود وأقول إن الوساطة تعلم منذ البداية أن ملف دارفور ليس سهلا ويحتاج إلى وقت وصبر، كما نعلم أن أبناء الإقليم هم أصحاب الشأن وحريصون على حل مشكلتهم، وعملنا يقضي بالمساعدة وبذل ما نستطيع في هذا الإطار”، معتبرا أن الاجتماعات التي تشهدها الدوحة تهدف إلى الوصول لأرضية متوافق عليها.
وفي ختام المشاورات صدر عن الوساطة بيان جاء فيه:
“في إطار البرنامج الزمني الذي أعلنته الوساطة، وفي سياق محادثات سلام دارفور الشاملة، بدأت اليوم الأحد 24 يناير 2010 في الدوحة مشاورات بين مختلف الأطراف المعنية مع الوساطة وفيما بينها. وقد وصل إلى الدوحة لهذا الغرض وفد من حكومة الوحدة الوطنية في السودان برئاسة مستشار رئيس جمهورية السودان مسؤول ملف دارفور الدكتور غازي صلاح الدين، ووفد من حركة العدل والمساواة برئاسة أمين شؤون المفاوضات والسلام في الحركة احمد تقد لسان، وسيصل في الأوقات القليلة المقبلة إلى الدوحة وفد مجموعة أديس ابابا ووفد مجموعة طرابلس (حركة تحرير السودان – القوى الثورية) للمشاركة في هذه المشاورات”.
وتابع البيان “ستنخرط الأطراف المعنية في مشاورات موسعة تمهيدا للبدء في مفاوضات الحل النهائي وفقا للممارسات التي تنادي بأهمية أن تتزامن المفاوضات مع مشاورات بين أطرافها”. وأضاف “وفي نفس السياق اجتمع اليوم سعادة وزير الدولة للشؤون الخارجية، أحمد بن عبدالله آل محمود، والوسيط المشترك للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بشأن دارفور جبريل باسولي مع وفدي الحكومة وحركة العدل والمساواة كل على حدة، للتباحث حول سير هذه المشاورات”.
وأكد البيان أنه “في هذه الأثناء تتواصل الاستعدادات من قبل الوساطة لعقد اجتماعات محلية في دارفور بغرض توسيع عملية تمثيل المجتمع المدني التي بدأت في الدوحة في نوفمبر الماضي بغية إكمال هياكلها وتمكينها من إسماع صوت المجتمعات الدارفورية في عملية السلام. ورحبت الوساطة بالاتفاق الذي تم توقيعه بين السودان وتشاد لتطبيع العلاقات بينهما في 15 يناير الجاري في العاصمة تشادية نجامينا، مؤكدة أن ذلك من شأنه المساعدة في إقرار السلام بدارفور”.
وأهابت الوساطة في بيانها بجميع الأطراف “التعاون معها لخلق أجواء مواتية وتعزيز بناء الثقة، خصوصا خلال هذه المرحلة الحساسة، من أجل تسريع العملية السلمية والوصول بها إلى الحل النهائي العادل المنشود”.
أعلن رئيس الوفد الحكومي الوزير أمين حسن عمر أن الحكومة السودانية لم تجد بعد الشريك الذي ستجلس معه على طاولة المفاوضات التي يفترض أن تلتئم من دون شروط مسبقة، كاشفا أن الحكومة قد وقعت على اتفاق حسن النوايا في فبراير الماضي مع «العدل والمساواة» لتوريط الحركة بالعملية السلمية قبل خروجها من الدوحة، متسائلا: هل نحن مغفلون لنعتقد أننا وقعنا على ورقة فاعلة؟
الوزير عمر وصف في تصريحات صحافية اللقاء الذي جمع الوفد الحكومي بالوساطة يوم أمس بالمفيد، حيث عرض عليه الجهود التي بذلت لجمع الحركات وإدماجها في العملية التفاوضية، واستعداد الحركات للجلوس إلى التفاوض وكيفيته، إضافة إلى تأكيد المجموعات الأربع، أي «العدل والمساواة»، وطرابلس، وأديس أباب وعبدالواحد، اعترافها وقبولها بمنبر الدوحة كمنبر للتفاوض، «وإن كانت موافقة عبدالواحد مرتبطة بشرط حق تقرير المصير»، مؤكدا أن الحكومة ترفض الدخول في أي مفاوضات تحت شروط مسبقة.
وأضاف «لن نقبل بإدراج تقرير المصير في التفاوض، خصوصا وأن لا علاقة له بمشكلة دارفور، بل هو شرط إسرائيلي يريده آبي بختر والمخابرات الإسرائيلية، ولذلك هو مرفوض»، مرحبا في هذا الإطار بعبدالواحد ومجموعته في حال أتى إلى المفاوضات بلا شروط مسبقة «وإلا فستمضي المسيرة السلمية من دونه».
الحكومة غير معنية وفقا للوزير عمر بما قدمته العدل والمساواة للوساطة في ما يتعلق بالإيضاحات المطلوبة حول تصريحه الخاص بتقسيم السلطة. وقال: «نحن لم نتدخل أصلاً في الإجراءات القضائية، وإذا حدث أن توصلنا إلى حل سلمي يمكن عندها لرئيس الجمهورية أن يتدخل في مسألة العفو في إطار رؤية سلمية ومعالجة تقدم خيار السلام على خيار القصاص. أما موضوع اقتسام السلطة فغير وارد بعد الانتخابات كوننا لا نملك السلطة لنقتسمها، فنحن نقدم أنفسنا للشعب لينتخبنا، فكيف يطلبون منا ذلك إلا إذا أرادوا وعوداً جوفاء»، معتبرا في سياق منفصل أنه من السابق لأوانه أن تطلب الوساطة من الحكومة تغيير بعض مواقفها، «فالعملية السلمية لم تبدأ أساسا حتى يطلب منا ذلك، ونحن نبحث عن الشريك في طاولة المفاوضات الذي لم نجده حتى هذه اللحظة».
3 اقتراحات من الوساطة للعدل والمساواة
لم يستبعد الناطق باسم «العدل والمساواة» أحمد حسين آدم، لقاء الحركة بوفد الحكومة السودانية، معلنا أن اليومين المقبلين سيشهدان مشاورات جانبية بين الحركة والمجموعات المسلحة الأخرى المتواجدة في الدوحة، وإطلاع الوساطة على نتائجها.
وألقى آدم الضوء في تصريحات صحافية على مضمون اللقاء «الطويل» الذي جمع الحركة بوزير الدولة للشؤون الخارجية، أحمد بن عبد الله آل محمود، والوسيط الأممي جبريل باسولي، حيث طرحت العدل والمساواة أفكارها، ولفتت إلى أهمية امتلاك الوساطة لاستراتيجية مستقلة تماما «فلا يستجاب لبعض الجهات التي تحاول أن تؤثر على المسيرة السلمية، لاسيما أن هناك الكثير من العراقيل التي تعترض منبر الدوحة».
وأوضح آدم أن الوساطة قدمت خلال اجتماع أمس للعدل والمساواة 3 اقتراحات، أولها إجراء مشاورات بين الحركة والمجموعات المسلحة الأخرى الموجودة في الدوحة والتي ستحضر إليها، ثم استمرار المشاورات بين الحركة والوساطة لحلحلة بعض القضايا الإجرائية المتعلقة بالمنهج أو الإجراءات من أجل إطلاق المسيرة، وصولا إلى الاقتراح الثالث القاضي بإطلاق العملية التشاورية بين العدل والمساواة والحكومة السودانية، مؤكدا في هذا السياق أن الحركة ستعطي المقترحات المذكورة فرصة من دون أن تحكم عليها مسبقا.
ما من مشكلة بالنسبة لآدم في التشاور مع المجموعات المسلحة والحركات الأخرى، «فنحن نرحب ترحيباً شديداً بالخطوة المذكورة لا سيما أن الهدف الاستراتيجي في هذا السياق يقضي بالتوحد المنتظر». أما استمرار المشاورات مع الوساطة فهو أمر طبيعي للحركة «فهي ستهيئ الأجواء ونحن في انتظارها ولا مشكلة لدينا في ذلك».
لكن الاقتراح الثالث هو الذي يشكل بالنسبة للحركة المشكلة، حيث أوضح آدم أن العدل والمساواة لا تريد التشاور مع الحكومة السودانية إنما التفاوض معها بعد حسم العملية الإجرائية المتعلقة بالمفاوضات نفسها، مستدركا أن الحركة لا تستبعد كليا اللقاء مع الوفد الحكومي «لكننا نريد حسم الأمور مع الوساطة وبعدها سنرى، خصوصا أننا لسنا ضد اللقاء»، واصفا طبيعة اللقاء المحتمل مع الحكومة بـ «العام».
وجهت العدل والمساواة خلال لقائها مع الوساطة القطرية والأممية وفقا لآدم، مجموعة من الأسئلة، بدءا بالجوانب الإجرائية المتعلقة بأطراف التفاوض، والمجتمعين المدني والدولي، إضافة إلى المنهج التفاوضي. وأضاف آدم «لقد حسمنا مع الوساطة النقطة المتعلقة بأطراف التفاوض، ولا مشكلة لدينا في هذا الإطار، سنجري مشاورات مع المجموعات المسلحة، وفي حال توصلنا إلى حل فسيحسم هذا الموضوع، وفي حال العكس علينا أن نناقش عندها في هذه المسألة»، لافتا إلى ضرورة البحث في كيفية إيجاد آلية تضمن موقفا موحدا للمجتمع الدولي حتى يكون دوره بناء ومساعدا بدل أن يكون معرقلا.
وأضاف «من المسائل التي طرحناها أيضا على الوساطة عدم التزام الحكومة حتى الساعة بتهيئة الأجواء الخاصة بالعملية التفاوضية.