محمد عثمان الميرغني: ليست لدينا عصا سحرية لحل المشاكل الشائكة
قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن مشاركة حزبه في أجهزة الدولة لا تتناسب مع ثقله السياسي والجماهيري
محمد سعيد محمد الحسن
في تقييمه لفترة المشاركة في حكومة القاعدة العريضة، قال رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني لـ«الشرق الأوسط» في الخرطوم: «عندما وقعنا البرنامج الوطني مع المؤتمر الوطني وشاركنا في الحكومة لم يقل الحزب أو أحد إن لدينا عصيا سحرية أو حلولا نافذة للقضايا والمشاكل الشائكة، وإنما قلنا إن المشاركة تمليها الضرورة الوطنية لمواجهة المخاطر والمهددات التي تحدق بالوطن». واعتبر الميرغني أن ما يجري على الحدود من تعديات ومعارك في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق يثير القلق البالغ، ويقتضي ضرورة البت والحسم لكل القضايا بين السودان ودولة الجنوب، «فلا يمكن أن تظل الأمور معلقة بالشد والجذب والمناورات والمواجهات، ولا بد من نزع فتيل الحرب بوقف العدائيات بشكل صارم وحاسم وضبط النفس وإعمال الحكمة وتحقيق الاتفاق الإيجابي».
واعتبر الميرغني أن المشاركة في الحكم ليست عملية حسابية تقاس بالأرقام، ولا هي رضا أو عدمه، أو مكسبا، وإنما هي تقاس بالجدوى والتأثير والجدية من موقع المسؤولية التاريخية لمواجهة الأخطار والمهددات في هذه الظروف البالغة الصعوبة. ووصف رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأوضاع الراهنة بأنها لا ينبغي أن يستهان بها أو يتم التقليل من تفاعلاتها، خاصة في ما يتصل بمعالجة قضايا المواطنين المعيشية وتيسير المطلوبات الحيوية لكل الناس في كل المناطق. وكشف عن مقترحات لمعالجة القضايا الاقتصادية قدمها الاتحادي الديمقراطي للمؤتمر الوطني. واعتبر الميرغني أن إجراء الانتخابات العامة ضرورة مرتبطة بالعملية الديمقراطية ووجوب تمكين القوى السياسية، خاصة التاريخية التي عمدت الأنظمة الشمولية إلى إضعافها وعزلها بالقانون، من ترتيب أوضاعها وعقد مؤتمراتها وبرامجها للاضطلاع بمهامها الفاعلة في الحياة السياسية وفي التحولات القادمة. وشدد الميرغني على ضرورة ترسيم الحدود طبقا لحدود السودان مطلع 1956 واتفاقية السلام الشامل 2005، خاصة أن عدم ترسيم الحدود في فترة تطبيق اتفاقية السلام يعني قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، «ولذلك نلح على ضبط النفس وعلى الأسبقية لترسيم الحدود بين البلدين، وإعمال الحكمة وضرورة التفاوض من أجل معالجة القضايا العالقة والوصول إلى توافق ومعالجات حاسمة لها، ويجب أن يتذكر الطرفان أنهما كانا في وطن واحد هو السودان، وأن المواجهات والحروب، وقد عانى منها أهل السودان في حقبة سابقة، ستفضي إلى الخسائر والدمار والخراب». وحث الرئيس عمر البشير والفريق سلفا كير على اللقاء ولكن بعد ترتيب متقن للملفات العالقة. وفي ما يلي حوار رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني مع «الشرق الأوسط»..
* ما هي أولويات الحزب الاتحادي الديمقراطي في هذه المرحلة؟
– الاتصال الفوري بالقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتحقيق الوفاق الوطني الشامل وتوحيد الجبهة الداخلية ووضع آلية فاعلة لبرنامج وطني لكل القضايا والتوافق حولها من دون مزايدة على أي مستوى، ويستهدف الحراك من دون تداعيات سالبة لتحقيق السلام والأمن في كل ربوع السودان، وباعتبار أن الأمن والطمأنينة واستتبابهما هما قرين للوفاق الوطني الشامل وتوحيد الجبهة الداخلية السودانية.
* كيف تنظرون إلى التطورات العسكرية الأخيرة على الحدود وجنوب كردفان؟
– مسؤوليتنا متابعة ما يجري في الوطن، فهو قضيتنا الأولى ثم الأولى، وهذه التطورات تقلقنا، ولقد حذرنا قبل الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب بضرورة البت والحسم لكل القضايا، لكي يسود السلام ويظل راسخا وغير قابل للاختراق أو الانفلات أو المواجهة.
* كيف تنظرون إلى مفاوضات أديس أبابا الأخيرة أبريل (نيسان) 2012، وجولة أخرى قادمة للوصول إلى تفاهمات نهائية للقضايا المعلقة؟
– لا بد أولا من التزام تام بوقف العدائيات بين السودان ودولة الجنوب، وحظر أي عمل أو تحرك أو نشاط يفضي إلى التوتر وإشعال النيران والحرب، وهذه أبجديات ثابتة بين كل دول الجوار، وهي أدعى للتأمين والثبات بين دولتين كانتا في وطن واحد، ولا بد من إيجاد صيغة لمشاركة أوسع وأكبر لوفد السودان في المفاوضات مع القوى السياسية الرئيسية لتكون المعالجات والمشاركات والتفاهمات موضع القبول، ولا بد من الاعتراف بأن اتفاقية السلام الشامل تعددت فيها الثغرات بسبب عزل القوى السياسية الرئيسية عن المشاركة المباشرة في المفاوضات الثنائية.. وهذه المرة مطلوب مشاركة أوسع وبناءة وإيجابية لصالح حسم القضايا العالقة.
* كيف تنظرون للأوضاع الراهنة في السودان؟
– هذه الأوضاع لا يستهان بها، ولا ينبغي التقليل من المصاعب والصعوبات على كل المستويات خاصة ما يتصل بمعالجة قضايا المواطنين المعيشية ووجوب الحصول وتوفير احتياجاتهم الحيوية واليومية. وقد تم الاتفاق مع المؤتمر الوطني على التداول حول مقترحات الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لمعالجة القضايا الاقتصادية وتخفيض الأسعار ورفع المعاناة وتيسير كل ما هو ممكن لصالح كل المواطنين وتكوين لجنة من الحزبين للمتابعة والتنفيذ باعتبار أن قضية توفير الحياة الكريمة لكل المواطنين لها أولوية بالنسبة للدولة.
* هل أنتم راضون عن نسبة حصة مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في أجهزة الحكم؟
– المشاركة السياسية ليست عملية حسابية ولا هي رضا أو عدمه أو مكسبا، وإنما هي برنامج وطني وجدوى وتأثير وجهد وجدية في مواجهة أخطار تهدد الوطن والمسؤولية التاريخية تحتم التصدي وليس الانزواء، ويعلم الجميع أن الحزب الاتحادي الديمقراطي هو مؤسس الدولة الوطنية في السودان منذ عام 1954، وهو صاحب الأغلبية البرلمانية عبر كل انتخابات عامة حرة جرت في عامي 1953 و1957، وعام 1968، وتمثيله بعد قرار المشاركة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 في الحكومة والأجهزة التنفيذية لا يتناسب مع ثقله ووزنه السياسي والشعبي، ولقد طرحنا أمر التصويب في حجم المشاركة بالمستوى المناسب في كل الأجهزة، لصالح تنفيذ البرنامج الوطني المتفق عليه، لكنا لن نجعل من ذلك خلافا، وطلبنا إيجاد صيغة ممكنة لمشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في المجلس الوطني ليكون قادرا على طرح ومناقشة القضايا الجارية في الوطن في البرلمان، فلا بد أن يسمع صوته لتكون الشراكة فاعلة.
* هل أنتم مع التبكير بالانتخابات العامة؟
– الانتخابات العامة تمثل العنصر الأهم في العملية الديمقراطية، ويجب أن تتوافر لها الأجواء الضرورية وفي مقدمتها تمكين القوى الحزبية خاصة الأحزاب السياسية التاريخية لأنها حوربت بضراوة من جانب الأنظمة الشمولية لإعادة وترتيب أوضاعها وبرامجها وعقد مؤتمراتها لخوض الانتخابات العامة متى ما نظمت في الموعد المناسب.
* هل يستعد الاتحادي الأصل لترتيب أوضاعه لعقد المؤتمر العام؟
– نعم، قيادات الحزب وأمانته العامة في العاصمة أخذت طريقها إلى بعض الولايات للترتيبات النهائية لعقد مؤتمراتها القاعدية والوصول إلى المؤتمر العام بالخرطوم.
* هل يتابع الحزب الاتحادي الديمقراطي من منطلق علاقاته التاريخية ما يجري في مصر من تطورات؟
– نتابع بقلق ما يجري من تطورات في مصر، التي حقق شعبها ثورة قوية أطاحت بالنظام الشمولي ورموزه، وكنا نأمل أن تكون ترتيبات الفترة الانتقالية مرتبة ومعدة لكل مرحلة، لأن مصر بلد عريق ومؤثر في المنطقة، ونقوم باتصالات واسعة مع كل القوى السياسية وشباب الثورة لتحقيق التوافق الوطني القومي لصالح الاستقرار وتوفير الأمن لكل أهل مصر والتوافق حول الدستور المقبل وأيضا حول الرئيس المنتخب الذي يتحمل المسؤوليات والمهام التي يتطلع إليها الشعب المصري الشقيق ويعيد لمصر دورها المؤثر في المنطقة، إقليميا ودوليا.
* ماذا عن قيام حركات مسلحة دارفورية بعمليات عسكرية؟
– موقفنا ثابت ضد العنف والحرق والتدمير في أي موقع بالسودان، ولقد ساندنا كل مواطني وأهل دارفور، ونادينا بضرورة وضع حد لمعاناتهم، وأيدنا وثيقة السلام لدارفور (الدوحة) برعاية دولة قطر الشقيقة، وندعو كل أهل دارفور لتنفيذ ما ورد فيها حسب الجداول الزمنية المتفق عليها، وندعو حملة السلاح للانخراط في عملية السلام والاستقرار والتنمية.
* هل تؤيد لقاء الرئيس عمر البشير مع الفريق سلفا كير لحسم القضايا العالقة؟
– هذا أمر مطلوب تماما، وهو مسؤولية مشتركة، فلا يمكن أن تترك الأمور معلقة والمشاكل تتفاقم بين البلدين اللذين كانا دولة واحدة من دون حلول ناجزة، وأريده لقاء مثمرا وإيجابيا، ويجب أن يتم التحضير له من قبل الأجهزة المعنية بصورة لا تسمح بثغرات أو أخطاء، وتحقق التقارب والتعاون والمصالح المشتركة وتحظر وتمنع أي نوع من العدائيات أو المشاحنات، نريد أن يكون السلام والاستقرار هما قاعدة للجوار الحسن الثابت. الترتيب المحكم أولا ثم اللقاء الإيجابي ثانيا، هذا هو المطلوب.