محاولة اسقاط الشرعية عن حكومة الانقاذ جاء متاخرا جدا , اين كنتم في يوليو 1989؟؟


محاولة اسقاط الشرعية عن حكومة الانقاذ جاء متاخرا جدا , اين كنتم في يوليو 1989؟؟

عقب انتفاضة ابريل 1985 ,والتي اطاحت بحكم المرحوم نميري ونظام مايو بعد 16 سنة  صار فيها السودان حقل تجارب لانظمة عديدة باية بالشيوعية وعبورا بالشتراكية الاتحادية وانتهاءا ب”الشريعة” والتي عبرها دخل من اسموا انفسهم ب”الاسلاميين”  ردهات حكم النميري ونخروه من الداخل و”تمكنوا” بعد ما تمسكنوا , وتعلموا فنون وخباثات الحكم حتي قضوا علي نميري وحكمه وجاءت الانتفاضة بالديمقراطية الثالثة والتي ما لبثت ان احتضرت وماتت علي ايدي نفس الجماعة في مسرحية “انت الي القصر وانا الي السجن” الشهيرة, نقول , عقب تلك الانتفاضة اجمعت كل الاحزاب السودانية , الكبيرة منها والصفيرة , علي ان يدخلوا جميعهم بلا استثناء في عصيان مدني حال قيام انقلاب اخر وتعاهدوا علي ذلك. ولكن عندما وقع انقلاب “الاسلاميين!؟” بقيادة عمر البشير , لم نر اي عصيان مدني ولا حتي مجرد استكانة وسلبية يمكن ان تدخل الانقلابيين في ربكة وحيرة , بل خرجت جموع انصار الانقلابيين من كوادرهم الي الشوارع مهللين ومرحبين بالانقاذيين في حشد مدبر هو ديدنهم ودابهم منذ عرفتهم الساحة .

والسؤال , لماذا لم يتم تنفيذ ما تعاهد عليه احزاب السودان من عصيان مدني فوري واوتوماتيكي عقب اعلان الانقلاب مباشرة وخلت المكاتب والاسواق من الناس في اضراب عام كان يمكن ان يعيد العابثين الي رشدهم؟ والجواب هو ان هذه الاحزاب التي نحسبها جميعا وقلوبها شتي , كانت في واقع الامر جميعها تدبر وتخطط لانقلاب مماثل علي الحكم القائم بقيادة الصادق المهدي ملك اهدار الفرص بلا منازع اذ اضاع ثلاث فرص للحكم الفعال والرشيد في ثلاث ديمقراطيات ولا اظنه سيحصل علي فرصة رابعة والا يكون قد خرق قوانين الاحصاء .

فكان ان احجم كل حزب خاصة الاتحاديون والشيوعيون والبعثيون من توجيه كوادرهم بالعصيان المدني ظنا منهم بان الانقلابيين منهم , حتي ان مصر ظنت ان الانقلابيين هم حلفاؤهم الديمقراطون الي ان انكشف الامر لاحقا. وهذا انما يدل علي براعة وحرفية “الاسلاميين” في التمويه والخداع والذي لا يزالون يمارسونه حتي افرطوا فيه وانقادوا بسببه الي الهلاك الوشيك في لاهاي.

اسقاط الشرعية من هذه الحكومة كان يجب ان يبدا فور اعلان الانقلاب وبالتحديد في يوليو في ذات السنة . ولئن ادركنا احجام الاحزاب الاخري عن ذلك لانها كانت هي ايضا تعمل علي الاطاحة بحكم الصادق المهدي , فاننا لا ندري لماذا لم يتحرك الاخير وحزبه في حشد المجتمع المحلي والاقليمي والدولي لاسقاط النقلابيين بالطرق القانونية  وعبر المنابر الدولية كالامم المتحدة كما فعل السيد ارستيد وقتئذ عندما نجح في الحصول علي الدعم الدولي واستعاد حكمه في تاهيتي بعد ان اطاح به انقلابيون . ولكن الصادق وحزبه بدل ان يسعوا هكذا سعي , انكفاوا علي انفسهم واستسلموا حتي عندما يئسوا من زوال هذه الحكومة انضموا اليها عملا بالمقاعدة المعروفة لدي الخواجات  IF YOU CANT BEAT THEM ,JOIN THEM , اي اذا لم تستطع هزيمتهم , انضم اليهم.

والغريب انه حتي عندما لاحت الفرصة اخيرا سانحة لاسقاط هؤلاء المغتصبين للسطة بعد ان هب ثوار دارفور واذاقوها الضربة تلو الاخري فترنحت وانتظرت فقط من يعالجها بواحدة قاضية , وقفت الاحزاب موقف المتفرج ولم تاخذ زمام المبادرة , ربما لاستسلامها واستيئاسها من ان هؤلاء لا زوال لهم . حتي اذا ما دخل خليل امدرمان واتكأ لهم عنق الاانقاذ فقط ليقوموا بالذبح , تخاذلوا وقعدوا عن الخروج فثبطهم الله فصاروا كما الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث.

سادتي , ان كنتم حقا وفعلا تريدون اسقاط هذه الطغمة التي شربت من دماء السودانيين وما ارتوت , فدونكم  ثلاث اشياء لابد منها:

اولا: لابد من انسحاب الشريك الاكبر( اهل نيفاشا) , والاصغر (اهل ابوجا) من حكومة ما يُسمي بالوحدة الوطنية , خاصة وكل الدلائل تشير الي انها حكومة صُورية فقط تملاها المشاكل لتعنت المؤتمر الوطني وتقاعسها عن تنفيذ بنود الاتفاقيتين.

ثانيا, لابد من توحيد العمل العسكري ضد هذه الحكومة بغد هروج الشريكين وعودتهما الي ساحات القتال , فانه من غير المحتمل صمود مليشيات المؤتمر الوطني وحدها في وجه جيوش الشريكين مضافا اليهم جيوش الحركات المسلحة الاخري شرقا وغربا خاصة جيش خليل.

ثالثا واخيرا , لابد من تنفيذ معاهدة انتفاضة ابريل بالدخول في عصيان مدني شامل يطال كل المرافق العامة والخاصة والاسواق , ولن تستطيع كوادر المؤتمر الوطني ملء الفراغ الناتج لانه سكون فوق طاقتها , ولن تستطيع افشال العصيان كما فعلت في نوفمبر 1989 عندما افشلت اضراب الاطباء انذاك بحشدها واستنفارها لكوادرها من الاطباء داخل وخارج البلاد فجاءوا من اوربا والخليج , وما فشل ذلك الاضراب الا لبطش “الاسلاميين!” بالمضربين وكلنا يعلم كيف مات دكتور علي فضل تحت وطاة التعذيب الفظيع.

اما هذا , او ستكسب هذه الحكومة شرعيتها  حتما في الانتخابات القادمة لانهم علي استعداد لدفع مليون دولار ثمنا لصوت واحد , فمال البترول هو اصلا لهذا الغرض  ولتثبيت اركان النظام كما صرح وزير البترول السابق ردا علي زعيم حزب الامة والاصلاح مبارك الفاضل عندما تساءل الاخير عن نصيب حزبه المتوالي وقتها  فلما كان الرد بعدم توفر السيولة , اردف  زعيم الحزب المسكين مستغربا ( اين تذهب اموال البترول اذا؟), فجاءه الرد 🙁 نشتري به اللي زيك ده !) . ويُقال بان سليل ال البيت لم يتحمل هذه الاساءة فصفع الوزير المتطاول!!

ولكن هناك بصيص امل  في انه في حال فشل القوي السياسية اسقاط الشرعية عن هذه الحكومة ومن ثم اسقاطها, فان محكمة الجنايات الدولية ربما فعلت , وعندها سنسمع المسرحية تتكرر ولكن بشكل اخر , فيقول  صاحب السجن لصاحب القصر هذه المرة  ( اذهب انت الي السجن في لاهاي وانا الي  المعاش السياسي وااسفاي).

محمد احمد معاذ
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *