متضررو المطار الجديد يصرخون..الظـلــم ظلمــات

تستعر الأوضاع في الريف الجنوبي لام درمان على نار لاهبة، فبعد ان اوشك امد تنفيذ مطار الخرطوم الجديد ان يدخل مراحله الحاسمة ما تزال بعض قضايا المواطنين هناك تراوح مكانها من حيث الحق والاستحقاق.
في رحلتي الى القرى التقيت بالعديد من المواطنين الحانقين على ما يجري في اراضيهم وموارد رزقهم، وإن كانوا في ذات الوقت مرحبين بقيام المطار، وتكاد الاعتراضات التي تجتاح قرى الريف المتأثرة من قيام المطار تشابه تلك التي تسبق العواصف الاهلية أوان المساس بحقوق لا يطالها الشك وأوان التعويض المجحف عن هذه الحقوق.

نبدأ تحقيقنا عن ما يستعرهناك، من اقصى الريف حتى نصل الى أدناه، لنرى كيف بدأت الأمور والى ماذا وصلت والى أين ستنتهي، نبدأ العرض من قرية الشيخ البشير التي يتأجج فيها نوعان من المطالبات ، الأول يتصل بتعويضات الأراضي الرعوية ، والآخر خاص بعمال المحاجر :
# تعويضات الأراضي:
في مطلع استماعنا الى اهالي القرية يعرفنا عيسى محمد عبد الله بقرية الشيخ البشير ويقول انها تقع غرب جبل الأولياء مباشرة جنوب غرب خزان جبل الاولياء بمسافة كيلومترين، وتبعد عن مطار الخرطوم الجديد مسافة خمسة كيلومترات، ويسكن حوالي 0005 نسمة وتاريخها يعود الى مؤسسها الشيخ آدم الزيدابي، وذلك قبل 450عاما تقريبا وهو مقبور الآن بمنطقة السروراب، وهو الجد الثاني عشر لسكانها، اما أبناؤه واحفاده من ابناء الفقيه حمد فمقابرهم بالمقبرة القديمة الموجودة بقرية الشيخ البشير.
ويلخص عيسى الظلم الواقع عليهم بالقول انه بدأ منذ لحظة اعداد كروكي التعويضات الذي اعد بليل وخصص لقريتهم خمسمائة فدان كتعويض من جملة ثلاثة الاف فدان تم تخصيصها لمن لا يستحق وتجنيب ما يعرف بمنطقة الصي حيث لم تضمن في مساحات التعويض.
ويشير عيسى الى ان اولى تجاوزات اللجنة في حقهم منذ لحظة تقديم الادعاءات انها عملت في خفاء الى ان قدمت الادعاءات ونشرت الاسماء ومضت فترة الطعون بدون ان يكون هناك اي علم لمواطني قرية الشيخ البشير، ويتساءل «كيف سمحت اللجنة بذلك؟ وعلى اي اساس نشرت الكشوف وحددت فترة للطعون وصرفت نسبة من المبالغ لبعض الاشخاص او القرى».
ليأتي ويقول ان ما تأخذه اللجنة عليهم انهم تقدموا بطلباتهم متأخرين عن الآخرين بالرغم من السبب في ذلك يعود الى اللجنة نفسها التي مارست عليهم تعتيما شاملا «إذ لم تأت اللجنة إلى قرية الشيخ البشير ولم تعلق اعلانات ولم تبصر المواطنين بحقوقهم باعتبارها مسؤولة عنهم».
وفي مذكرته للجنة التعويضات يتساءل القانوني عبد القادر محمد احمد « هل المجئ متأخرا يغمط حق اهالي قرية الشيخ البشير القانوني في تعويضات قامت الدولة سلفا برصدها ؟! ويصبح من حق الآخرين من داخل قرية اخرى وحتى من خارج المنطقة كلها ان يدعو حقوقا خاصة بها سموها حقوق زراعية في وقت تعلم فيه اللجنة بأن اراضي الهويدة والصي لم تكن زراعية وأن التعويض المرصود لها تعويض رعوي»
ويقول عيسى انهم خاضوا مع لجنة تعويضات المطار الجديد سجالا امتد لعامين الى ان تكلل الأمر باعترافها بحقوق اهل الشيخ البشير، وبموافقتها على اعتماد حقوق المواطنين بأسس واضحة يتم بموجبها تحديد حقوق كل مواطن وهو اعتماد التقسيم على اساس الأسرة طالما ان المبدأ صار هو التجانس والمساكنة، ويشير الى ان اللجنة اصدرت قرارا تنصلت فيه عن قرارها القديم القاضي بأن يكون التعويض عن طريق الحيازات الوهمية التي سجلتها لبعض المواطنين وقررت ان يتم التعويض عن طريق :
1 الحق الرعوي ولا وجود للحق الزراعي.
2 لا مجال للمطالبات الفردية وأن التعويض يتم عن طريق الاسر .
3 أن تكون الأسرة ساكنة بالمنطقة منذ امد يصل الى الجد .
ويقول عيسى ان المعضلة الجديدة اصبحت في تحديد المستحقين على اساس الأسر«فبعد ان استبشرنا وظننا ان اللجنة عاد اليها عقلها وبدأت تراجع اخطاءها اتضح انها لا تصلح لمثل هذا العمل المرتبط بالامانة» موضحا ان بعض المواطنين المنتسبين لقرى بعينها باتوا يعرفون ما تريد ان تعمله اللجنة فيرتبون امورهم بما يتماشى ومصالحهم بينما الآخرون لا يدرون ماذا تريد اللجنة ان تعمل ، ووفقا لذلك حدث خلط كبير وتلاعب في اعداد الاسر، مشيرا الى ان بعض القرى حددت عددا اكبر من الأخرى في عدد الأسر لانها تعرف ما تريد اللجنة ان تفعل «وفاجأتنا اللجنة بأن جعلت تعويض كل هذه الأسر متساويا» ويتساءل « كيف تعوض اسرة من خمسة اشخاص بنفس المبلغ الذي يعوض به مائة شخص لمجرد ان هؤلاء الخمسة عرفوا بطريقة ما ان لا يسجلوا اسماءهم في الاسرة الكبيرة التي سجلنا على اساسها نحن بالرغم من حقنا التاريخي الذي يثبت احقيتنا أكثر منهم وارتضينا ان نقبل ما خطته اللجنة بحسن نية».
ويجزم مدثر الطيب من قرية الشيخ البشير ان لجنة التعويضات غير شفافة وتمارس سياسة عدم الوضوح مع اصحاب الادعاءات بصورة عامة ومواطني الشيخ البشير على وجه الخصوص، ويستشهد مدثر بآخر قرار اتخذته اللجنة بتوزيع الاستحقاقات على الأسر التجانس والوجود التاريخي عن طريق الوراثة وليس عن طريق التجانس وان لا يكون الرابط بينها الوجود التاريخي والسكني.
# تعويضات المحاجر
اما قضية عمال المحاجر بذات القرية فيقول المواطن هارون حامد حسن انه ظل يعمل في المحاجر منذ العام 1972 ويبرز ورقة نقدية من فئة الخمسين قرشا كأول عملة يتقاضاها هو وشريكه ثمنا لأول شحنة خرصانة ويقول «كنا نحفر ونغربل ونرفع الخرصانة الى القلاب منذ كان السعر خمسين قرشا وارتفع الي جنيه وعشرة قروش ثم صار جنيهان ونصف الى ان بلغ الآن مائة وعشرين الف جنيه» ويحرص هارون على ابراز الفئة الورقية لكل مرحلة، مصرا على ان لديهم تاريخ تثبته الوقائع التاريخية والعملات المعدنية والورقية فهو كما يقول ورث المهنة عن ابائه واجداده «اخوالي واعمامي عملوا مقابل قرش وتعريفة وعندما كنت صغيرا كان ابائي يشحنون الشاحنة مقابل شلن» ويضيف «ولدت هنا كما ولد جدي هنا» ليتساءل مستنكرا كيف نُعوض عن خمس وثلاثين سنة مضت واعوام ستلي بمبلغ لا يصل الى مليون جنيه المبلغ الذي خصصته لجنة التعويضات لعمال المحاجر 970 الف جنيه بالقديم للعامل الواحد ويقول هارون انه وشريكه يحصلان في اليوم الواحد على ستين الف جنيه فكيف يمنحون تعويضا لا يتيح للمرء ان يبدأ حياة جديدة باعتباران قيام المطار سيغلق المحاجر ولن تكون هناك اراض لهذا النوع من العمل الشاق الذي يعتاشون منه.
ويوضح المتحدث باسم عمال المحاجر ادم عبد الغفار ان عدد المطالبين بالتعويض من عمال المحاجر بقرية الشيخ البشير 61عاملا جميعهم يثبت بحق انهم اهل حق، وللغرابة ، يقول انهم ادوا القسم مرتين امام المسؤول التنفيذي بتعويضات المطار مولانا قشّي، وحين استفسره عن « لماذا اقسموا مرتين» يزيد الأمر غرابة بأن هولاء البسطاء اجبروا على القسم مرتين وفي شهر رمضان عندما طالبتهم اللجنة بالقسم على المصحف الشريف لأثبات حقهم، ولم يتوانوا في ادائه لأنهم صادقون، ويقول ان اسماءهم لم تظهر في كشف التعويضات في المرة الأولى فطلب منهم القسم من جديد فأقسموا ولكن لم تظر مرة اخرى، ويشرح ادم عبد الغفار انهم لما عجزوا مع اللجنة اتجهوا صوب المجلس التشريعي لولاية الخرطوم الذي يرأسه رئيس لجنة التعويضات محمد الشيخ مدني وتقدموا بمذكرة من نقاط فحواها « انهم يعملون بالمحاجر منذ 1974 وادوا القسم لمرتين في شهر رمضان ولم تظهر اسماءهم في كشف التعويضات وان العرِّيف الذي تعتمده اللجنة كتب اسماء اسرته فقط ولم تظهر اسماء العمال الحقيقيين وان التعويض المقرر اعطاءه لهم لا يكفي لايجاد فرص عمل اخرى»، ويقول آدم ان رئيس المجلس رئيس اللجنة علق على مذكرتهم بالعودة الى ذات اللجنة التي ادوا القسم امامها مرتين اذ كتب « مولانا قشي ، الاخ عفيفي، للنظر والدراسة والافادة»، ويتساءل آدم «هل سنحلف مرة ثالثة».
# غياب المعيار
ويرمي عيسى لجنة تعويضات مطار الخرطوم الجديد بالتقصير ويقول ان عليها ان تتحمل المسؤولية كاملة عن الذي حدث.. اذ «لم تتقيد اللجنة بالضوابط والاسس الواجب اتباعها في معالجة موضوع التعويضات» ويصفها بـ المزاجية ويقول انها لا تمت للواقع بصلة
وبما يشي بارتفاع وتيرة التصعيد تجاه اللجنة يقول عيسى محمد عبد الله اتضح لي ان اللجنة غير عادلة ولن تعطيني حقا ويضيف «هي ليس لديها حل يرضي المواطن»، ويقول مدثر الطيب ان اللجنة عليها ان تحرص على سلامة النسيج الاجتماعي حتى لا تكون سببا في اشتعال الفتنة بين الاهالي وحتى لا تحول المطار الجديد من نعمة الى نقمة.
ومن المكاتبات التي امامي اكتشف ان لجنة التعويضات قدمت عروضا تعويضية توضح انها تخبط خبط عشواء في تعويضات آل الشيخ البشير فمرة تعدهم بخمسائة وواحد فدان وفي اخرى بخمسائة فدان وفي أخيرة يعدهم محمد الشيخ مدني باربعمائة فدان مما يفتح الباب واسعا امام الأسئلة من شاكلة، هل اهالي الشيخ البشير يستحقون تعويضا بالفعل ام انهم يتلقون صدقة من أحد، ام انه لا هذا ولا ذاك بل هو المعيار الخاطئ في النظر للحقوق كما يقول اهل القرية

الصحافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *