المصير…والإستقلال
أسماء الحسينى
[email protected]
مبروك لصحيفتى “المصير “و”الإستقلال ” الصادرتين باللغة العربية فى جنوب السودان ،ومبروك للسودانيين جميعا فى الشمال والجنوب هاتين الصلتين الجديدتين ،اللتين ستربطان أبناء الوطن السودانى الواحد الذى تم تمزيقه فى الشمال والجنوب ،وأتمنى للصحيفتين وللصحفيين العاملين بهما أن يتمكنوا من العمل فى أجواء صحية ،وأن ينضموا بفاعلية إلى كتيبة صاحبة الجلالة السلطة الرابعة ،التى تواجه اليوم تحديات كبيرة فى الشمال والجنوب على حد سواء ،فى جميع المجالات ،وهو مايتطلب نضالا حقيقيا .
ومصدر سعادتى بهاتين الصحيفتين أنهما تأتيان دليلا إضافيا على عمق الروابط بين الشمال والجنوب ،فالعربية لاتزال حتى الآن الوعاء الجامع لمعظم السودانيين ،ورغم إحتمالية تراجع هذا الوضع فى جنوب السودان فى السنوات المقبلة بعد إقرار اللغة الإنجليزية كلغة رئيسية فى التعليم إلا أن مثل هاتين الصحيفتين يمكن أن يكونا رافدا لدعم تواجد العربية ،وبالتالى دعم العلاقات بين الشمال والجنوب من ناحية ،ومن ناحية أخرى دعم العلاقات بين جنوب السودان ومنطقته العربية ،فضلا عن التعبير وخدمة قطاعات كبيرة فى الجنوب لغتها وثقافتها هى العربية .
ويعكس صدور الصحيفتين وجود كوادر جنوبية مؤهلة لإصدار صحف كاملة ،نضج معظم هذه الكوادر وتأهل وشارك فى الحياة الإعلامية فى الشمال ،وإن لم يأخذ معظمها حقه وافرا فى صحافة وإعلام الشمال فى ظل منافسة حامية،وربما بسبب عوامل أخرى أدت لإقصائهم أو تهميشهم ،وسيكون هؤلاء الصحفيين والكتاب من أبناء الجنوب فضلا عن دورهم الإعلامى والصحفى والمهام المنوطة بهم فى جنوب السودان ،سيكونون بلاشك صلات وصل بين بلدهم الذى سيعلن إستقلاله وتقرير مصيره رسميا فى التاسع من يوليو المقبل ،وبين بقية الناطقين بالعربية التى اتخذوها لغة للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم ومجتمعهم .
والأهم فى رأيى أن صدور الصحيفتين يأتى تعبيرا عن رؤى ومشاعر مغايرة تجاه اللغة والثقافة العربية ،كان يتخذها فى السابق مثقفون وأفراد من أبناء جنوب السودان تجاه العربية والعروبة إنطلاقا من المظالم التى وقعت عليهم بإسم العروبة ،و إنطلاقا من مواقف سياسية وإجتماعية وتاريخية ،وتعدالصحيفتان مبادرتين شجاعتين من أشخاص متحررين من عقد الماضى وسلبياته ،وتعبيرا عن قطاعات كبيرة فى الجنوب نشأت وعاشت فى الشمال .
وأعتقد أن هناك مسئولية على صحفيى وكتاب بل والقراء والمعلنين فى شمال السودان وأيضا فى الدول العربية ،لدعم هاتين التجربتين الوليدتين ،وللمبادرة بالكتابة فيهما وبالتدريب والتأهيل ومد يد العون وتبادل الخبرات وتشجيعهما بكل وسيلة ممكنة ،مهما كانت الأفكار أو الأخبار أو الآراء التى تعبر عنها الصحيفتان .
وقد أعجبنى الطموح الكبير الذى تتطلع إليه التجربتان الوليدتان ،وقد أخبرنى الأخوان العزيزان أتيم سايمون رئيس تحرير صحيفة المصير وبيو مطوك رئيس مجلس إدارتها فى إتصال هاتفى سعدت به للغاية عن طموحاتهما الكبيرة أن يتمكنا فى مستقبل الأيام من توزيع صحيفتهما فى القاهرة والخليج ،وكذلك أخبرنى الأخ العزيز قمر دلمان عن بدء صدور صحيفة الإستقلال أمس والفرحة الغامرة بذلك .
وأتمنى أن تكون الصحيفتان الجديدتان فى السودان الجنوبى وسائل جديدة للإتصال وصلات وصل مغايرة ،بين الجنوب ومنطقته العربية ،وستكونان بلا شك أدوات فعالة لو أحسن إستغلالهما لإعادة تقديم جنوب السودان وتعزيز مصالحه ،وربما مايساعدهما الآن على بناء علاقات جديدة بين الجنوب والعالم العربى أن الأخير يتغير وتهب على دوله جميعا رياح التغيير ،وتعيد الإنتفاضات الشعبية فى أرجائه تشكيل خارطة جديدة ،كما أن هناك تحديات ومصالح مشتركة بين العرب وجنوب السودان، يمكن أن يعزز الإعلام الواعى فرصها ،وستتيح هاتان الصحيفتين للعالم العربى ربما أن يسمع بلغته أصواتا من جنوب السودان المنسى فى الذاكرة العربية ،الذى بكى العالم العربى كثيرا على إحتمال إنفصاله ،ولم يفعل الشىء الكثير من أجل بقائه جزءا من كيانه الكبير ،ولم يأت إليه العرب وووسائل إعلامهم بشكل كبير إلا يوم تقرير مصيره …