بقلم :عبد العزيز التوم ابراهيم
السودان بلد ملئ بالتعيقيدات الميتافيزيقية والنفسية والاجتماعية والبيئية ذات الابعاد السياسية المصطنعة مما اثر في التطور الطبيعي في الخارطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لان النخب المركزية السلطوية مستفيدة من هذه الوضعية بل عمدت لتاطيرها لخلق تميز مزيف يضمن سيطرتها واستمراريتها علي مقاليد الامور واقصاء الاخرين او اعادة انتاجهم بما يخدم مصالهم الذاتية والقبائلية والطائفية والحزبية الضيقة ومن ثم ديناميكية التحرر والتحول الفكري والسلوكي يقابلها استاتيكية وجمود فكري مركزي يسيطر عليه النخب او الصفوة المركزية.
وظفت ابناء الشمال النيلي كل العلوم والمعارف لخدمة استمرارية دوافعها الانانية ، وانتهجوا السياسة القائمة علي العنصرية البنائية وهي تعني احتكار الممارسة السياسية وابعاد الاخر عنها مثلما تسعي الاستعمار الخارجي في الغاء التاريخ والثقافة الوطنية ، وكان ذلك جليا من موقفهم ضد التجارة بالرق في السودان علي الرغم من انه قضية وقف العالم كله ضدها ، حينما رفع السادة علي الميرغني والشريف الهندي وعبد الرحمن المهدي مذكرة في مارس 1925الي مدير المخابرات حول موقفهم من تحرير العبيد قائلين:(الرق في السودان لا يمت باي صلة الي ما هو متعارف عليه ،فالارقاء شركاء لملاك الارض ، لهم امتيازات وحقوق تجعلهم طبقة قائمة بذاتها واهل السودان يعاملونهم كما كانوا من افراد العائلة).
واقصد بالتعقيدات الميتافيزيقية التي وردت في فاتحة المقال بالتعقيدات التي تاتي من وراء الطبيعة والخاصة بايمان الناس المتعلقة بقدرهم خيره وشره،كمحاولات تبريرية يسوقها السياسون الفاشلون مستفيدين من الوازع المغروس في الناس بفهم خاطئ عبر وسائل الاعلام والمنهج الدراسي والاقتصاد والبيوتات الطائفية والتنظيمات الدينية والمؤسف ان ساسة السودان قد جمدوا وعطلوا الفكر الحر للشعب السوداني بدلا من الاستفادة منه عمليا وتحويله الي واقع عملي يكون جوهره النجاح ،وسعت هذه النخبة الفاشلة لتبرير ممارساتهم السلطوية باستخدام ايات واحاديث نزلت في موافع وازمنة هى لا تكاد تتطابق اوتتشابه مع الواقع السوداني محاولة لتبربر وصياغة قناعات للشعب السوداني ان قدره وابتلاءاته هي التي جعلته يعيش حالته المزرية ،وهذا ليس الا بضاعة سياسية رخيصة يسوقها ويروجها نخبة الاستعمار الثاني بصورة علمية ومدروسة لابقاء الناس في هذا الوضع القدري الميتافيزيقي والتسلق علي اكتافهم للاستمرار في السيطرة عليهم.
السودان دولة ذات اكبر موارد وهبنا الله اياه ، بلد متعدد الثقافات والاعراق والتواريخ والجغرافيات والاديان وغيرها من الاختلافات والتباينات لم تكد تكون موجودة في اي دولة ، ولكن بدلا من الاستفادة من هذا التنوع والتباين لخلق شعب ذو هوية متميزة الا ان النخب المركزية عمدت التعامل مع هذه الموارد الغنية بنظرية التعالي الثقافي المتوهم وتذويب الاخرين داخل المنظومة الاسلاموعروبية مستقلة جهل الناس وقدريتهم لابقائهم في اسفل درجات السلم الاجتماعي.
اتتهجت المركز المتزمت عدة ميكانيزمات لتذويب الاخرين واعادة انتاجهم منها اصطياد المتميزين من ابناء الريف والهامش السوداني عن طريق المال والوظيفة والمصاهرة ،وهؤلاء يشكلون عقبة اساسية نحو تطور مجمتمعاهم .مغرورين بالسلطة الوهمية التي منحتها لهم المركز عبر الية الترميز التضليلي . وسياسة ضرب العبد بالعبد والمهمش بالمهمش وغيرها من مسميات العقل الباطني للنخب المركزية الفاشلة ما هي الا محاولة لتغييب الافراد من حقوقها وتفكبكها وتخلفهما وابعادها عن بعضها البعض لكي تكون اداة طائعة تخدم بالوكالة الاجندة الضيقة للنخب السياسية المركزية الزائفة في المركز .وهذا يبدو جليا في الازمة السودانية في دارفور عندما وظف المركز لبعض القبائل للقتال بالنيابة عنه .ومحاولة تجفيف كل المواعين الفكرية لمنظمات مجتمع الهامش بواسطة ابناءها ،وهزيمة التيارات العلمانية والتحديثية التي تحدد بمصالحها في المستقبل ، فماتت جبهة نهضة دارفور ،واتحاد جبال النوبة ،واتحاد البجا .ابناء هذه المناطق الذين اعيدت انتاجهم داخل المنظومة الاسلاموعروبية هم كانواالذراع الطويل لاسكات واغماد الصوت المعارض والداعي لعملية التغيير الحقيقي في الهامش السوداني وخاصة في دارفور .تم قمع ثورة داؤود يحي بولاد بايدي ابناء دارفور الاسلامويين والان جزء منهم في الحركات الثورية ،ولا اعتقد ان اعتذار واحد صدر من هؤلاء حول دورهم الماضي بعد ان اكتشفوا خطل وزيف وابلسة ايدولوجيا المركز ، لذا اهمية اعتذار اسلاميو دارفور الثوريين عن مشاركتهم في عملية الزيف التاريخي وتجميد وتعطيل عجلة الثورة منذ بواكيرها والتي من الممكن ان تصل الان الي مراحل متقدمة جدا
، اذن الاعتذار امر جوهري يرتبط بالاخلاقية الثورية.
[email protected]