صوت من الهامش
غباء أجهزة المؤتمر الوطني الأمنية، وسذاجة تفكيرها، فرض علينا طرح هذا السؤال، لأن منطق الأشياء يحّتم البناء على إجابته، لمعرفة دوافع النظام من استهداف أبناء دارفور وحركة عبد الواحد تحديداً، خلال الظرف الفاصل الذي يواجه. هذه الدوافع تبدو لنا مزج بين الإسقاط والإزاحة، فالإسقاط يحدث عندما ينسب أحد الأشخاص دوافعه لآخرين، وتحدث الإزاحة عندما ينّفس الأشخاص عن غضبهم، أو يصّبون مشاعرهم العدائية على أحد الأشخاص أو المجموعات التي لم تكن السبب في المشكلة التي يمرون بها. فعندما نرى مشاعر لا عقلانية، قد يكون ذلك نتيجة لعملية إزاحة. علق “برناردشو” ذات مرة قائلاً: “أكبر عقاب للكاذب أنه لا يستطع أن يصدق الآخرين”.
لا يحتاج المرؤ إلى كبير عناء، أنّ الذين يحاولون تخريب الممتلكات العامة والخاصة، خلال الإنتفاضة الشعبية الحالية، إن وجدوا، هم من لديهم مصلحة مباشرة، أو غير مباشرة في اجهاضها، وهم الذين يتأذون من سلميّتها، ويبحثون عن مبرر لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، وتشويه صورتها المشرِّفة لدى شعوب العالم التي تتابع وتشهد على دقة تنظيمها ومسئولية حراكها.
تكرر سيناريو الإزاحة لدى نظام الإنقاذ، باستهداف أبناء دارفور عدة مرات بغرض إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي السوداني، إبتداءً من تلفيق تهمة قتل الصحفي محمد طه محمد احمد، في سبتمبر عام 2006م، ثم بعد مقتل المواطنة أديبة فاروق فضل المرجي في يوليو 2017م والإستهداف الأخير الذي وجهته الأجهزة الأمنية لطلاب دارفور، من منسوبي حركة عبد الواحد، ستكون الأخيرة لأن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن.
النظام يدري والكل يعلم، أنّ عبد الواحد هو القائد الثوري، والسياسي الأوحد الذي لم يتزحزح قيد أنملة عن مبدأ إسقاط النظام منذ إعلان تأسيس حركته عام 2001م، وإلي يوم الناس هذا، ظل متمسكاً بهذا المبدأ، وهو أحرص الناس على إزالة النظام، وأكثر من واجه الضغوطات من كافة الجهات الدولية والإقليمية لإثنائه عن هذا المبدأ، وظل صامداً وشامخاً كالطود، وإلي يوم الناس هذا لم تستطع آلة النظام العسكرية بكامل جبروتها من تركيع قواته العسكرية في سفوح جبل مرة، وخابت كافة محاولات اجهزته الأمنية من اختراق وزعزعت خيام أنصاره في معّسكر كلمة الصامدة.
لذا يعتبر عبد الواحد اكثر الناس تضرراً من استمرارية هذا النظام الدموي الذي اضطّر إلى استخدام السلاح الكيماوي القذر لإبادة اهله وقواته في جبل مرة، وليس لديه مصلحة ثورية في تحريض منسوبي حركته على التخريب الذي من شأنه إلحاق الإضرار بالممتلكات العامة، وخلق مبرر للأجهزة الأمنية المتعطشة للدماء لقتل المتظاهرين، وتفريق شملهم.
وبحنكة سياسية نادرة، استطاع عبد الواحد من رد فِرية الأجهزة الأمنية إلى نحور زبانيتها حين أعلن للملأ أنه سلّم قيادة الثورة للشارع السوداني المنتفض بقوة وثبات، وحين ألقمت الجماهير المنتفضة، النظام العنصري حجراً بهتافها المدويّ والتي بلغت عنان السماء: يا العنصري المغرور، كل البلد دارفور، غباء اجهزة النظام القمعية، وحدّت وجدان الإنتفاضة الشعبية المباركة، وردّت الاعتبار لدارفور الجريحة، وبرهنت لمنظومة الإخوان المسلمين، أن سياسات فرّق تسد الرخيصة، جاءت نتائجها عكسية، ولا نظن أنّ اكثر المتفائلين، كان يتوقع أن يسمع ترديد مثل هذا الشعار الوطني في شوارع الخرطوم، مقارنةً بالمجهود الضخم والممنهج لإحداث شرخ قومي تضمن استمرار حكومة الإنقاذ القميئة.
بتوجيه تهمة التآمر والتخابر والعمالة لإسرائيل، لعبد الواحد محمد احمد نور، ومنسوبيّ حركته الأشاوس، أسقط النظام جام مخاوفه على هذا الرمز الصامد، وأضاف لكاريزميته المتوهجة ابعاداً قومية، ما كان يحلم بها، فحين توجهّت إليه كافة الأنظار في عليائه، ملأ عين كل من شاهد ثباته واستمع لكلمته المرتّبة، وانبهر برؤاه للخلاص الوطني، ورموز النظام يعلمون أنّ عبد الواحد لم ولن يساوم في الخلاص، ولن يناور في القصاص، وهذا بلا شك ما يرعبهم ويؤّرق مضاجعهم، وهو قد سلّم قيادة حركته للشارع، وبلا شك أنّ هذا الشارع المنصف سيرد له الاعتبار اللائق بمواقفه الصلدة، وجلده الثوري اللامحدود، الذي أثار عليه شفقة زملائه الثوار في ابوجا، والذين بلا شك يغبطونه الآن على برهان رجاحة عقله، وحصاد ثمن مبدئية موقفه من إسقاط النظام، ولا شيء سواه.
أبناء دارفور الذين تنّكل بهم الأجهزة الأمنية الآن داخل معتقلاتها، بتهم التخابر والـتآمر، والتخطيط للتخريب، يدفعون ثمن غالي لإنهاء حكم الإسلاميين، وأنّ الرسائل المبطنة التي تزجيها أجهزة النظام البوليسي، لمدن غرب السودان، ومفادها الإرعاب عن وخائم الخروج للشارع، يندمون عليها، ويؤسفون على سذاجة تفكيرهم المرعوب، الذي يصّور لهم كل ثائرٍ “عبدالواحد”.
الرحمة والخلود لأرواح الشهداء
والمجد والصمود للجرحى والمعتقلين.