عساف أعاد الأمل وزرع البسمة للفلسطينبين في كل العالم وفرفور غنى لقاتل الملايين من الشعب
خالد ابواحمد
في بلادنا ما عادت المقارنات تفيد، ولا تحرك في الناس ساكنا، ذلك لأن المثال الجميل قد سقط في أدبياتنا، وفي الماضي كان الفنانون هم صمام الأمان للمجتمع ليس بالحفاظ عليه من التردي فحسب، بل صناعة الفرحة والأمل وإعادة الروح للذين نالت منهم قسوة الحياة، كان فنانيي السودان ولا زالوا إلا من شاكلة هذا المرتزق، هم الصباح الجميل الذي نتنسم عبق نفحاته، وهم الذين هذبوا النفوس وجعلوا للسودانيين مكانة بين الأمم، لكن.. ولكن هذه تجر معها آهات وآلام وأوجاع لا قبل لنا بها، مصيبتنا أن الساحة الفنية أصبحت مثل الجسد المريض الذي لايقوى على الحراك وقد نال منها المرض ما نال من ضعف ومن ضياع، فأصبحت الساحة مرهونة للسلطان الغاشم، ولم يكن غريبا ألبتة أن جمال فرفور الذي ذاع صيته هذه الأيام لأنه شذ عن اجماع أهل السودان الذين خرجوا للساحات معبرين عن رفضهم لسياسة الفقر والتجويع والفساد والإستيثار بالسلطة والتنكيل بالشعب، لأن الذي يكسب قوته من رضاء الحاكم الظالم لا يمكن أن يكون وفيا لوطنه وشعبه.
نعم انكشف مستور جمال فرفور وأصبح عاريا أمام الجميع، وبموقفه من قضية الشعب السوداني والوقوف ضده والغناء للطاغية ودعوته للسير قدما في نهب خيرات البلاد، وقتل المواطنين العزل واعتقال الوطنيين والشرفاء من أبناء وبنات بلادي، فرفور قد اختار لنفسه هذا الحدث التأريخي المخزي، بل كتب هو بنفسه على صفحات تاريخ السودان الحديث أن مغنيا كانت له شعبية جماهيرية قد انسلخ عن جلده وعن مبادئه وعن مهنته التي عرفت بأنها مهنة الذين يعشقون الوطن وأبناءه، ولا يعشقون قاتليه، فرفور وحده من جنى على نفسه كما جنت براقش قديما على نفسها، فأن التاريخ لا يرحم، وأن الشعب لا ينسى جلاديه كما لا ينسى من غنوا للجلاد ودفعوه معنويا لكي يواصل في أذيتهم وقتلهم والتنكيل بأبناءهم وبناتهم.
لا أدري كيف ان جمال فرفور اختار لنفسه هذا المصير الأسود؟؟، قلبّتها يمنة ويسرة لكنها لم تلفق معي أبدا، حتى إن كان يرى بأن بقاء النظام في بقاءه، وأن أبواب الرزق تغلق أبوابها بعد رحيله، ألم يفكر هذا الفرفور في عاقبة الخسران المبين؟؟، ألم يتساءل عن موقف زملاءه من الفنانيين والمطربين الذين لم يفعلوا ما فعل هُو..؟.
الفتى محمد عساف
لا أخفيكم إخوتي القراء أني تألمت جدا لأني ضيعت من زمني الغالي لأفكر في مصير هذا الفرفور لكي أكتب هذه المقالة، وأعدد من خلالها ما جناه على نفسه، ولا سيما وأن بلادنا والبلاد من حولنا تزخر بالكثير من النماذج الفنية الوطنية الجميلة التي قف عندها الكثير بالإعجاب والتأسي بها، وآخر هذه النماذج كان الفتى الفلسطيني الفنان محمد عساف الذي ذاعت شهرته الآفاق، ووحّد كل الفلسطينيين على صعيد واحد ولأول مرة كما وصفت القنوات الفضائية بأن الفلسطنيين الذين تعودوا على الفرقة والشتات والتعصب للكيانات السياسية والدينية توحدوا هذه المرة بصوت شاب فلسطيني من مواليد سبتمبر 1989م، لأنه حمل بين جوانحه وبين طيات جسده الضعيف القضية الوطنية، ولم يغني اعتباطا بل غنى للرمزية الفلسطينية (الكوفية) فكان يعلم تمام العلم بأن الفلسطينيين منتشرين في كل بقاع العالم، يحتاجون لمن يصحي فيهم الأمل في الغد المشرق، وكان يدرك بحس الفنان الموهوب بأن الكلمة سلاح في وجه الظلم والجبروت.
كان محمد عساف يمثل الدماء والروح الجديدة والحلم الجديد والأمل الجديد في عودة الوطن لأهله، فكانت أغنيته التي هزت كل مسارح الدول العربية والاوربية التي غنى فيها (علي الكوفية) التي تنضح بالحب للوطن وللأرض وللتين والزيتون وللأسرة:
علي الكوفية علي ولولح فيها
وغني عتابا وميجانا وسامر فيها
هز الكتف بحنية جفرا عتابا ودحية
وخلي البارود يهلل ويحليها
علي الكوفية علي ولولح فيها
وغني عتابا وميجانا وسامر فيها
علي الراية برام الله وبجبال النار
وعقال العز عقالك عزم وإصرار
والطلقة الأولى فيها حكاية مشوار
عند الحق نخلي العالي واطيهــــا
إحنا زرعنا البيارة تين وزيتون
وبذار القمح علينا وبيدر ليمون
رهن الإشارة يا وطن إحنا حنكون
يوم العرك دروب النصر نضويها
علي الكوفية علي ولولح فيها
وغني عتابا وميجانا وسامر فيها
هز الكتف بحنية جفرا عتابا ودحية
وخلي البارود يهلل ويحليها
رمز القضية الفلسطينية
عندما غناها في المنامة في ربيع البحرين قبل شهرين تقريبا، اهتزت الأرض من تحت اقدام الحضور وجاء أهل فلسطين من كل حدب وصوب ليعيدوا الوطن المسلوب لأهله، وليتشاركوا تعلية الكوفية التي هي رمز للقضية الفلسطينية تماما مثلما نغني في السودان لـ (عازة) في هواك.
وقد حوّل فوز محمد عساف ببطولة عرب آيدول المسابقة الفنية الغنائية إلى ميدان لعودة الكرامة وإعطاء الشرف، فتحدث الكثير من النا س عن هذه الظاهرة ( عساف)، وخلال مشاهدتها البرنامج قالت إيمان نصر الدين القاضي في محكمة العدل العليا الفلسطينية، إن “عساف حالة لا تتكرر في التاريخ الفلسطيني، شاب أعاد رسم البسمة على وجوه أبنائنا، ونتمنى أن يتكمن يوما بصوته الجميل أن يوحد الفلسطينيين في الضفة وقطاغ غزة، وينهي الانقسام الموجود”.
وفي موقعه على “فيسبوك”، كتب غسان الخطيب، المحاضر في جامعة بيرزيت، والسياسي الفلسطيني المخضرم، مازحا “وجدتها.. بما أنه هناك أزمة فراغ منصب رئيس الوزراء بعد استقالة الدكتور رامي الحمد الله الذي استغرق البحث عنه فترة طويلة أصلا، وبما أنه أخيرا هناك إجماع من كل أطياف الشعب الفلسطيني، لماذا لا يتم تكليف الأخ محمد عساف بتشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة؟ للخروج من المأزق السياسي الراهن”.
وقال فراس الطويل وهو صحافي وشاب فلسطيني، إن “عساف شاب متألق رفع اسم بلده في العالم أجمع، له مستقبل واعد، وحتى إن لم يحصل على اللقب فهو دخل عالم الفن من أوسع الأبواب”.
وأضاف، عبد الحق قنداح، الموظف في السلطة الفلسطينية، “أوصل عساف بصوته رسالة فلسطينية مفادها أن الشعب الفلسطيني محب للحياة والسلام”.
ومن جانبه، أكد الشاب الفلسطيني وئام القريوتي أن “عساف يشكل حالة فنية فريدة في فلسطين بشكل عام وقطاع غزة خاصة، لأن كل الصعوبات التي واجهها عساف لدخول البرنامج تعبر عن دوافع الشاب الفلسطيني للتحدي وإبقاء الأمل لديه في الوصول إلى هدفه”.
بين عساف وفرفور ملايين السنوات الضوئية..!!.
أكرر بأنه لا مكانة ألبتة للمقارنة ما بين محمد عساف الذي غنى للقضية الفلسطينية ورفع الروح المعنوية لشعبه وأعاد لهم الأمل في عودة الأرض، وما بين جمال فرفور الذي غنى للقاتل الذي اعترف بنفسه بجرائم دارفور، وبيوت الأشباح، فرفور لم يكن بعيدا عن منصات الصحفيين والكتاب، قالته الكاتبة الزميلة رندة بخاري في مقال لها بعنوان (جمال فرفور.. سير يا ريس سير) بالمنشور بجريدة (الراكوبة) حاليا، قالت فيه:
“ألم يشاهد جمال صور الثوار وجثثهم غارقة فى دمائها بعد أن أصيبوا بالرصاص الذى استهدف رؤوسهم وصدورهم فأرداهم قتلى فكتبوا أسماءهم بمداد من دم فى تاريخ ستتناقله الأجيال؟! أو أصابه القذى (أم بالعين عُوّار)؟ ألم يعلم أن هؤلاء ماتوا من أجل التغيير، أم أنه عصب عينيه وصم أذنيه لكي لا يرى ولا يسمع هدير أصواتهم وهى تقول (نحن مرقنا ضد الناس السرقو عرقنا ) و (مادايرانك ما دايرنك ملكة جانسى أحسن منك)؟ وغيرها من الهتافات، وفرفور الدارس للقانون وعلى حسب معلوماتنا أنه مارس المهنة ومن ثم ارتاد المحاكم. ألم يلحظ العبارة التى دائما ما تكتب على واجهات المحاكم (العدل أساس الملك )؟ أم أننا من كثرة مشاهدتنا لها فى الأفلام والمسلسلات العربية اعتقدنا أنها تكتب فى محاكمنا وليس بالضرورة أن يقر الإنسان بأن العدل هو أساس كل شيء؟ ليس بالضرورة أن يدرس قانوناً أو يطالع لافتة”.
ومن خلال صفحات الفيس بوك قيل عن جمال فرفور الكثير وذكر من بينها أملاكه وقصوره الكبيرة والفخمة، لكن الذي يعنينا بأن جمال فرفور ما عاد منذ اليوم فنان للجماهير، وليس له قابلية بعد قراره الشخصي بالغناء للطاغية أن يقف أمام الناس، ويصرخ فيهم..أين فرفور المهزوم نفسيا من محمد عساف المنتصر لقضيته وشعبه وتاريخه وحاضره ومستقبله، أين فرفور من ميادين الشرف والكرامة، أين فرفور من الدماء العزيزة التي أريقت في الطرقات، واين هو من تعذيب الشُرفاء النساء والرجال في معتقلات الأمن وزبانيته..؟!.
إن حب الأوطان هبة من الله سبحانه وتعالى فإن فرفور من الذين لم يرد الله بهم خيرا، فوقف مع الرئيس الذي شتم وسب وظلم وسجن واعتقل وقتل ودمر، وحتى اللحظة لم يجد في ذلك سببا وجيها في مغادرته الحكم، وأن أطفال السودانيين في كل بلاد العالم قد أدركوا بفطرتهم السليمة بأن عمر البشير قاتل محترف، لكن جمال فرفور لم يدرك حتى الآن الحقيقة لأن فطرته والعياذ بالله أبعد من أن تدرك الحقيقة، فإن للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق، فجمال فرفور الآن يرُد الدين للنظام الحاكم لأنه أغدق عليه بالمال والرتبة والحظوة عند الحُكم، فإن مسيرة الثورة لا محالة ستصل لمبتغاها مهما فعلت العصابات الامنية ومهما دعم النظام المرتزقة وآكلي قوت الشعب، لأن الوطنيين الأحرار لا تخيفهم الرعود ولا الرياح العاتية لأنهم مثل الجبال الشامخة لا تهزها الريح مهما بلغت قوتها.
الاثنين 7 اكتوبر 2013م