المغامرة القطرية لن تؤدي إلى المنطقة التي يأمل القطريون الوصول إليها. ما يجري في تونس؛ ما جرى في ليبيا؛ وما صار السوريون يعرفونه بألم، يفصح عن أن تلك الشعوب صارت في منأى عن الخديعة.
بقلم: فاروق يوسف
شهدت السنوات القليلة الماضية تزايدا ملحوظا في عدد الاستثمارات القطرية في الخارج. وهو ما يشير إلى رغبة تلك الدولة الصغيرة في أن تزيد من مساحتها وعدد سكانها، من خلال الحاق كيلومترات وهمية هي الاراضي التي تقع عليها تلك الاستثمارات بالاضافة إلى اعتبار الموظفين الاجانب الذين يعملون في تلك المشاريع جزءا وهميا من رعيتها. وهو مسعى لا يدعو إلى الريبة إذا ما تم في اطار الرغبة الصادقة في تنمية الأموال، ولن يكون فيه شيء من الازعاج إذا ما وقع ضمن حدود استعراضية، تنطوي على الرغبة في ابهار الآخرين ودفعهم إلى التنافس الحر، الشريف.
كان الأمر مسليا. من متجر هارودز إلى كأس كرة القدم العالمية مرورا بالمتحف الإسلامي كان هناك خيط من التسلية المبررة قد امتد، كاشفا عن خريطة اخطبوطية يغلب عليها طابع العبث الذي كان يبدو بريئا، على الاقل مظهريا. غير أن القيادة القطرية ومنذ سنتين صارت تستثمر أموالها في مواقع الرعب، حيث القتل والدمار والعنف وصولا إلى الابادة الجماعية والحروب اليائسة ونحر الانظمة السياسية القائمة في المنطقة. لقد دخلت قطر وبقوة استثنائية طرفا رئيسا ومباشرا في ما سمي بأحداث الربيع العربي. وهي الأحداث التي امتد سعير نارها من تونس إلى البحرين، مرورا بليبيا ومصر وسوريا واليمن. لم تكتف قطر بالضغط على مؤسسة الجامعة العربية من أجل الانحراف بها عن مسارها المحايد، بل صارت تلوح بموقفها الصريح الذي تميز بالمراهقة السياسية في المحافل الدولية. ولو بقي الأمر عند حدود الدبلوماسية التحريضية لهان الأمر، ولكان المشهد نوعا من رقصة قزم وسط العمالقة.
في الحرب التي شنتها قوات الناتو على ليبيا صار معلنا أن قطر هي التي تعهدت بتمويل تلك الحرب. ولولا المال القطري ما كانت فرنسا قادرة وحدها على ادامة زخم تلك الحرب ولم تكن دول اليورو بمشكلاتها الاقتصادية المتفاقمة على استعداد للانفاق على عملية القضاء على طاغية كان قد مد لها يده بالمساعدات المالية زمنا طويلا. مساهمة قطر في تلك الحرب تجاوزت الدعم المالي، حين تحدث البعض عن قوات قطرية كانت قد نزلت إلى الشواطيء الليبية أثناء العمليات العسكرية. ولإن قطر لا تملك جيشا وطنيا، فذلك معناه أن أن دولة الغاز الصغيرة قد جندت عددا من المرتزقة ليكونوا ممثلين لها في ذلك الفتح.
في الازمة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية كان التدخل القطري غالي الثمن ومرتفع التكلفة، بشريا وماديا. أرقام الضحايا من العسكريين والمدنيين السوريين في تزايد مستمر. لم يترك الخراب مكانا سوريا في منجى منه. اندفع الطرفان المتحاربان إلى اللجوء إلى مزيد من القتل والتدمير، بعد أن شجع التمويل القطري المعارضة على التورط في العنف، وهو ما كان النظام السوري ينتظره ليجد فيه سببا داعما للجوئه المبكر إلى العنف. وهكذا دخلت سوريا في متاهة العنف والعنف المضاد. لم يعد السؤال “مَن يقتل مَن؟” بل صار السؤال “مَن يقتل أكثر؟”
ولكن السؤال في ما يتعلق بالتمويل القطري يظل مرتبطا بلغز الاستثمار. ولإن الموضوع يتعلق بدولة محكومة بطريقة عائلية وقبلية فان حديث الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة بطريقة سلمية انما يكشف عن بلاهة مَن يصدقه. سيقال أن قطر من خلال انفاقها الأموال الطائلة في تلك الحروب انما تبحث لها عن موقع أقليمي ودولي يتجاوز ما هو مقدر لها، باعتبارها دولة صغيرة الحجم، قليلة السكان. وهو قول صحيح، ولكنه لا يلخص الحقيقة كلها. هناك جزء غاطس يتعلق بالاستثمار. فقطر اليوم تستثمر أموالها في القتل من أجل أن تجني أرباحا. هل ستكون تلك الارباح مالية هي الأخرى؟ كل مَن له اطلاع ولو صغير على الكيفية التي يدير بها القطريون أموالهم، لابد أن يدرك أنهم يتطلعون إلى موقع تفضيلي في مناقصات، قد لا تجري بالضرورة في الدول التي أصابها الخراب بسبب التمويل القطري.
هناك سوق في مكان ما من العالم، لا قيمة فيها للإنسان ولا للحضارة ولا للتاريخ دخلتها قطر بشراهة وطمع المستثمر الأبله. سوق تذكر بتلك الأسواق التي كان المستعمرون يقيمونها من أجل الاستثمار في البلدان المنهوبة أمام أعين السكان المقهورين. ولإن الزمن قد تبدل، فان المغامرة القطرية لن تؤدي كما أرى إلى المنطقة التي يأمل القطريون الوصول إليها. ما يجري في تونس. ما جرى في ليبيا. وما صار السوريون يعرفونه بألم، يفصح عن أن تلك الشعوب صارت في منأى عن الخديعة. الأمر الذي يعني أن الزعامة القطرية سوف لن تجني سوى السمعة السيئة. حينها ستتبخر وعود سوق السماسرة العالمية.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين