وليد تقــل
منذ أن لاح شبح التوقيف للرئيس في الأفق، شرعت الحكومة في نشاط دبلوماسي كثيف، شمل المنظومات الإقليمية والعالمية، فضلاً عن التحركات في العواصم ذات التأثير، وهذه الجولات كانت تطمح في التهدئة ، وإبطال مفعول المحكمة الجنائية ؛ إلا أن هذه المجهودات التي أُهدرت فيها مبالغ كبيرة، وصلت حد محاولة رشوة (أوكامبو) ذات نفسه ؛ في سذاجة فاضحة، فشلت تلك الجهود ولم تحصد الحكومة أي مساندة ، بإستثناء بعض العبارات المطيبة للخواطر والمواساة. إذ يكفي أن القوانين الأوروبية جميعها تحظر مجرد الإلتقاء مع شخصيات مطلوبة للعدالة الدولية.
وفي خضم ذلك وبمحاذاته أصدر الرئيس أوباما في أكتوبر 2009م بيانه حول الإبادو في دارفور حين قال:(( على مدى سنوات جابه شعب السودان معاناة جسيمة لا يمكن القبول بها. فالإبادة الجماعية في دارفور حصدت أرواح الآلاف من الناس وشكّلت أخطاراً تخطت حدود السودان وحجبت إمكانات هذا الجزء الهام من افريقيا. الآن يقف السودان على شفير الوقوع في مزيد من الفوضى إن لم يُتخذ إجراء سريع)). أما في الجانب الآخر فقد ظل النظام المجرم يعمل على محاولة طمس حقائق جرائمه التى ارتكبها بقصد إجرامي ولا مبالاة؛ ويحاول كذلك إقناع المجتمع الدولي والمحلي بعدم وجود هكذا جرائم. ويواصل في ذات الأثناء في إرتكاب جرائم جديدة، تلك الجرائم التي لم يرعوي منها حتى هذه اللحظة. فلا إتفاقية السلام الشامل آنذاك ولا تلك المذكرة ساعدت في توقف الإبادة، إذ أنه وبكامل منسوبيه تلبستهم أرواح شريرة إضافية، وطفقوا على إستعداء كافة الطيف السياسي. ومايجدر ذكره هنا هو الحديث الذي أدلى به مدير جهاز أمن النظام (محمد عطا) المُنَصب لتوه خلفاً لسالفه صلاح قوش قوله (( إن الذين يطمعون في أن تكون هذه المرحلة، وهذا الإصلاح السياسي، الذي تدخل فيه البلاد، فرصة لتجريد الجهاز من عناصر قوته، ليكون جهازاً بلا مسئوليات، بلا صلاحيات، جهازاً بلا عمليات. نقول لهؤلاء هيهات)). انتهى حديث محمد عطا ، ليترك لنا دلالة عميقة أن الشمولية تتلون ولا تتغير!! وأن من يمني نفسه بغير ذلك يظل واهماً. أما الآن ونحن في العام 2014م، أي بعد خمس سنوات من بيان أوباما ذاك وحديث محمد عطا هذا؛ ولا يزال البطش ، ولاتزال الإبادة مستمرة، فما رأي المحاورين والذين ينتووا إبتدار حوار إسوةً بمن سبقوهم؟؟.
مما لا شك فيه أو مراء، أن النظام بطبيعته الشمولية بنكهة العنصرية، وإرثه الإجرامي هذا، يصير غير موثوق فيه ولا تتوفر فيه أدنى درجات المصداقية، الشئ الذي يؤدي لنتيجة حتمية ، هي أن دعوته للحوار الحالية ليست سوى محاولة لشراء الوقت بالتسويف؛ ثم الإنتقال الى مرحلة إجرامية جديدة بدأها فعلياً، مع إطلاق دعوته للحوار بقتل الطلاب وإختطافهم ـخاصة طلاب دارفور ــ والإعتداء على الأحزاب داخل دورها ومنعها من إقامة نشاطها؛ في الوقت ذاته الذي يدعو فيه للوفاق الوطني ويقول بإطلاق الحريات.
حسناً ….. ولئن باتت درافور مسرحاً كبيراً لعمليات النظام الإجرامية، ذلك يعني أن مايحدث في الإقليم مؤشر لأن يقوم المجتمع الدولي بإلتزاماته تجاه الشعوب السودانية؛ كون مسألة الإخلال بالسلم والأمن الدوليين متوفرة بإفاضة في هذه الحالة ــ دولة فاشلة ..إتفاقات سلام لاتنفذ..حرب إبادة في دارفور ، مع أزمة إقتصادية طاحنة.
داخلياً ومن خلال ما أشاعه النظام وأطلق عليه الحوار الوطني ( الوثبة) يبدو المشهد أكثر تعقيداً، فثمة حالة من الإستقطاب تبدت في المراجعات المواقفية من النظام وماهي المسافة التي يقفها كالصف المعارض منه ؟؟ وما المطلوب؟؟.. مع هذا المناخ ومن خلال الدعم الضمني لبعض قوى الإسلام السياسي وميلها ميلاً عظيماً نحو مصالحة النظام ، أو قل مهادنته تنميقاً، حيث هذه التكتلات هي محض طموحات سياسية تركل معاناة الشغعوب ، أينما ومتى تحقق مطلوبها الذاتي ولا تبالي بما يحيق بوجود الوطن نفسه.من ماسبق يبدو أن الخارطة التحالفية تأخذ شكلاً بخطين متوازيين لا يلتقيان حيث يُقرأ ما رشح أخيراً وأطلق عليه (إعلان شمبات) وهذا الإعلان يجمع في محتواه كل المنظومات ذات الموقف الواضح من التنظام؛ بل كل المنظومات التي ترغب بشكل جاد في إسقاط النظام وذهابه وهو التحالف الذي سيكون بديلاً لقوى الإجماع الوطني التي تفرقت أيدي سُبأ ،جراء هذا الإصطفاف الجديد.
والملحوظ هو أن المناورات والصراعات وتكتيكات المكاسب الضيقة هي التي تسيطر على المسرح الداخلي . وتتزاحم الإجندات في حين أن النظام هو بالاساس إجرامياً بالفطرة، وأن اي حوار معه ماهو الا شكل من أشكال الاعتراف به وتبرئته. وهذه اللعنة الإجرامية ستطارد كل من لفَّ لفه أو قام بتجميله. كذلك هكذا إستقطاب سيؤثر على الشعب السوداني إقتصادياً وإجتماعياً، فضلاً عن وجود خطر أكثر جسامة ،هو تقطيع أوصال الوطن ذات نفسه.
عليه يتعين على الحادبين والحريصين على ، يتعين عليهم الإصطفاف في صف متماسك غايته إسقاط النظام وإزالته ، وهذا هو واجب القوى الحية وذات الضمير الإنساني، وعليها التمسك بالحد الأدنى أمام دعوات النظام الإجرامي لتنجو من اللعنة.