في البدء أعتذر وأشكر القراء والصديقات والأصدقاء الذين تواصلي معي مستفسرين عن سبب انقطاعي عن الكتابة في الفترة الماضية؛ وكما أخبرتهم أن السبب هو الإنشغال بالأكاديميات لصقل النفس بكل ماهو جديد في مجال الصحافة والإعلام. وأعدهم بأني غيابي لن يطول كثيراً.
نعود إلى المداولات التي حدثت في لجنة المخصصات بمجلس النواب الأمريكي يوم أمس الخميس وموافقة اللجنة على مقترحات النائب صائع الصيت فرانك وولف- جمهوري من ولاية فرجينيا- بوقف الدعم الإقتصادي عن أي دولة تستضيف الرئيس البشير الذي تلاحقه محكمة الجنايات الدولية لإرتكابه جرائم حرب وجريمة الإبادة الجماعية، وهي بلا شك هي حدث له ما بعده؛ وحتماً سيزيد هذا القرار من عزلة الديكتاتور البشير الذي لن يستطيع في الفترة القادمة السفر إلى جوبا، عاصمة جمهورية السودان الجنوبي؛ دعك عن ضرب أكباد الطائرات وحضور قمة الإتحاد الإفريقي المرتقبة في ملاوي.
وقبل الاسترسال في تحليل عواقب هذه القرار، يجب الإشارة إلى النقطة المحورية التي وردت في هذا القرار، وهي التعديل الذي طالب به النائب فرانك وولف فيما يتعلق بالمعونات الإقتصادية غير الإنسانية التي تمنحها الولايات المتحدة لبلدان مختلفة حول العالم؛ سوي كانت المعونات التي تذهب عبر وزارة الخارجية، هيئة المعونة الأمريكية أو من الكونغرس الأمريكي مباشرة إلى تلك الدول.
وهذا المشروع سوف يتم تنفيذه من السنة المالية الجديدة- 2013- بعد موافقة مجلس النواب عليه، وهذا القرار لن يجد أدني مقاومة في تمريره سيما وأن مجلس النواب يسيطر عليه الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه وولف نفسه.
وأشار وولف إلى أن زيارته لجنوب السودان ومعسكرات النازحين الذين فروا من الحرب المستعرة في جبال النوبة وولايتي النيل الأزرق كانت رسالتهم واحدة وهي تحقيق العدالة- على حد قوله. وأضاف: “في الوقت الذي تتعرض فيه الموازنة المخصصة للشؤون الخارجية إلى تقليص، أعتقد أن مساعداتنا يجب أن تكون انعكاسا مباشرا للقيم الأميركية وأولوياتنا”.
في إشارة منه إلى التخفيض المزمع القيام به للمساعدات الخارجية بنسبة 9%.
وشدد وولف على أهمية جلب المجرم البشير إلى العدالة الدولية عبر استخدام كرت المعونات الخارجية، موضحاً: “بالتأكيد يمكننا أن نتفق جميعا على أن جلب مجرم الحرب (البشير) إلى العدالة هو في مصلحتنا الوطنية بالاستفادة من مساعداتنا الخارجية في هذا الشأن؛ وهذا القرار سوف يبعث برسالة قوية”.
وضرب وولف مثلاً بدولة ملاوي التي اعربت عن رفضها لإستضافة البشير في قمة الاتحاد الإفريقي القادمة، بالقول: “هذا هو مثال على الاستفادة الفعالة من المساعدات الخارجية الأميركية لمصالح الولايات المتحدة وكذلك لدعم الشعوب المضطهدة والمهمشة في السودان وحول العالم”.
في أعقاب مداخلة وولف، صوتت لجنة المخصصات بمجلس النواب بالإجماع موافقة على معاقبة الدول التي تستضيف الديكتاتور البشير بحرمانها من المساعدات الإقتصادية.
يُشار إلى أن القرار من المنتظر أن يوافق عليه مجلس الشيوخ ومن ثم التوقيع عليه من قبل باراك أوباما، الرئيس الأمريكي حتي يدخل حيز التنفيذ في ميزانية العام المقبل المخصصة للدعم الخارجي.
ومن المرجح أن يجد القرار ترحيباً من مجلس الشيوخ الذي تسيطر عليه الأغلبية الديمقراطية حيث أن هناك تعديلات مرتقبة في السياسة الأمريكية تجري على قدم وساق في الجهازين التنفيذي والتشريعي.
ويعد هذا القرار صفعة قوية للديكتاتور البشير والبلدان الأفريقية والعربية والآسيوية المتعاطفة معها، وحتي الشقيقة مصر ستجد صعوبة كبيرة في استقبال البشير سيما وأنها تأخذ نصيب الأسد من المعونات الخارجية الأمريكية.
وقريباً سيجد الجنراك أن لا أحداً يكاتبه.. وتصبح الكرة في ملعب حوارييه في أن يبقوا البلد بحاله ومآلها “أسيرة” بفعل الديكتاتور أو التضحية به من أجل الحفاظ على ما تبقي من شمال السودان.
وهذه الخطوة تتسق مع مسار الإدارة الأمريكية الحالي الذي تستعد فيه إلى التعاون مع خصومه- وفي العلن- في الفترة القليلة القادمة.
على الجبهة الثورية واحزاب المعارضة في الخرطوم ومدن السودان المختلفة العمل سوياً من أجل اقناع الشعب السوداني ثم المجتمع الدولي بأنهم يمثلون البديل الحقيقي لنظام الديكتاتور البشير، بالتوافق على دستور مستقبلي للبلاد والعباد، وتكامل الجهود العسكرية والجماهيرية في المدن من أجل الوصول إلى مرحلة “ربط الجرس في رقبة القط”؛ وهي لحظة باتت تلوح في الأفق.
ولسنا بغافلين او متغافين عن أن الدعم الدولي السياسي و الدبلوماسي والإعلامي هو عامل مساعد complementary))، والدور الرئيسي يقع على عاتق اللاعبيين الرئيسيين في الساحتين العسكرية والسياسية لوضع نهاية لهذا النظام الفاشي.