مؤيدوه يقولون إن عليه إما التشبث بطموح عرابه ( الترابي) إو ملاقاة مصير جاره السابق
احمد قارديا
يوجد الرئيس السوداني السفاح عمر البشير في قصره علي شاطئ نهر النيل في حين تدور رحي حرب الابادة الجماعية والتطهير العرقي عند دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق, ويزلزل دوي الطائرات قري هذه الاقاليم, وبلده يغرق في الفوضي والفساد أكثر فأكثر. والتقي اَلية الحوار( 7+7), البشير في بيت الضيافة أسبوع الماضي في محاولة للتوصل الي حل للصراع الذي اندلع منذ أكثر من عشرة سنوات.
ويعتمد رد فعل البشير علي مناشدة الأحزاب في اَلية الحوار تكوينه النفسي الذي شكله الشعور القوي بالرسالة التي تعلمها عن حزبه ذي القبضة الحديدية, حزب المؤتمر الوطني, ومستشاروه المقربون الذين يصفهم المؤيدون بالحرس
القديم المتشدد الذي كان مع عرابه( الترابي).. الي جانب تقديرات البشير الشخصية, التي لا يعرفها سواه, بشأن ما ينتظره في حال بقائه في سدة الحكم وهل مصيره هو النصر أم الي لاهاي أو الموت علي أيدي شعبه.
يستطيع البشير رؤية عدة احتمالات مستقبلية من عليائه , بينما يقع مطار الخرطوم الدولي شرقى القصر الجمهوري ويمثل بوابة محتملة مفتوحة علي المنفي, وهو طريق يرجح البعض أن تكون زوجته وبعض حاشيته قد ذكروه بالفعل. مع ذلك, لا يخلو الطريق من العراقيل, التي لا تتمثل في الثوار فحسب, بل أيضا في اعتقاد البشير ومستشاريه, بحسب قول المؤيدين, أن الهروب يعد خيانة لبلده وتاريخ وإرث الإخوان المسلمين وحزبه. إنه يستطيع البقاء في الخرطوم والتشبث بطموح عرابه في فرض نظام سوداني اصولي اسلامي والتصرف بوصفه زعيم العرب والاسلام علي الساحة الاقليمية والدولية بل الموت دون ذلك, أو يستطيع التوجه الي الشمالية التي يتمركز فيها الجلابة , الذين ينتمي اليهم, ويترك باقي المناطق لقوي الثورة التي تقودها الاغلبية.. وسيعني هذا سقوطا دراميا كبيرا, حيث سيتدني الي مكانة جاره شمالي سابقا( محمد مرسي في مصر), الذي كان زعيم لجماعة محدودة في مصر جل ما تطمح اليه البقاء.
ولم تفصح اَلية الحوار الوطني عن تفاصيل اللقاء, ولكن أحد المشاركين في الحوار حذر خلال الأسابيع القليلة الماضية قائلا إنه من دون حل سياسي, ستكون الدولة السودانية علي شفا انهيار ومقبلة علي سنوات من الحرب الأهلية يتضاءل أمامها كل ما نراه من دمار خلَق وراءه مليون قتيل.
وقال دبلوماسي يقيم في الخرطوم يوم السبت الماضي إن البشير ” يدرك جيدا” أن عليه مغادرة منصبه رغم إنكاره الرسمي, وإنه ” يبحث عن مخرج”, رغم عدم وجود جدول زمني واضح يلوح في الأفق.. وقال الدبلوماسي, الذي يوجد حاليا خارج البلاد لكنه يمتلك سلطات داخل البلاد: ” الأهم من ذلك هو شعور الرجال النافذين في الدائرة المقربة من النخبة الحاكمة في الخرطوم بأن عليهم العثور علي مخرج”. مع ذلك, يقول مقربون من البشير ودائرته إن أي انسحاب سوف يصطدم بشعوره المترسخ بالعظمة وكذلك بأماني مسؤولي جهاز الأمن والمخابرات الوطني, الذين يتزايد نفوذهم, ويراهم أحد أصدقاء البشير” متهورين”.
ويعتقد البشير أنه يحمي بلده وشعبه ونظامه ونفسه من العملاء, علي حد قوله, ويقول أحد الناشطين وهو يضحك بوقار: ” اذا كان يستطيع الهروب من الخرطوم, فهناك ادراك للمسؤولية أمام الاَخرين. وسيكون بذلك هو الذي خان الملايين من أقرب الناس اليه”. لا يزال كثير من السودانيين يعتقدون, مثل البشير, أنه يحمي الدولة السودانية, وهو ما يساعد في تفسير صموده حتي هذه اللحظة.
ورغم ان البشير قد طرح الحوار, فانه يريد ان يكون البطل الذي يدافع عن البلاد ضد هجوم خارجي.إنه لا يفكر سوي في النصر, والنصر فحسب. هذه الأزمة هي أخر شئ متوقع بالنسبة للسفاح عمر البشير. كان قد تولي عمر البشير السلطة منذ انقلاب 1989. وتمكن خلال تلك السنوات من رفع مقام الاسلاميين والوصول بهم الي السلطة والجاه. مع ذلك, يقول المنتقدون ان نظام المؤتمر الوطني لم يعمل خلال ربع القرن من الحكم بتعزيز الوحدة بين الاسلاميين علي توطيد أركان حكم الاسلاميين خلف قناع اسلامي عربي.
بعد اندلاع الثورة المسلحة في دارفور, رفض البشير كل الدعوات بإجراء إصلاحات حقيقية جادة التي كانت موجهة من شعبه, والمسؤولين الأفارقة الذين قضوا سنوات في دعمه, بل ومن دولتين قطر وتشاد اللتان دعمتا لحكمه, الذي عرضا التوسط في محادثات.
بدلا من ذلك, استمر البشير علي خطي عرابه, الذي اعلن الجهاد وهدم قري بأكملها وقتل مئات الف شخص علي الأقل في التسعينات. ويقود البشير الآن حربا وابادة بدأت بالأساس بوصفها عملية قمعية عدد ضحاياها أكبر من مليون شخص ولا يزالون يتساقطون.
في ظل نظام أصبح يزداد كتمانا, من المستحيل معرفة كيفية اتخاذ البشير قراراته علي وجة الدقة. ويقول البعض إنه أراد إجراء الحوار الحقيقي, لكن أقتضته عرابه( الترابي) وكذلك أقنعة القادة العسكريون وقادة المليشيات, الذين كانوا من أخلص رجال عرابه, بأن الحوار الحقيقي سوف تؤدي الي سقوطه.
ويقول أحد المحللين: ” هناك شخصيتان داخل عمر البشير, واحدة تتسم بالهدوء لا تحب هذه الوظيفة وتبحث عن مخرج, بينما الأخري تريد أن تؤكد للسودان والعالم أنه قوية الشكيمة وليست خانعة”.
يقول بعض زعماء الدول الجوار للسودان, ان البشير كان ينصت الي انتقاداتهم بهدوء خلال المحادثات الكثيرة التي كانت تجري خلال الاشهر الاولي من الثورة المسلحة, وأشاروا انه أكد أنه مسؤول عن أفعال الحكومة ووعد بالتوصل الي حل. وقال مسؤول اجنبي بارز رفض ذكر اسمه: ” اما انه ماهر في الكذب, او غير قادر علي تنفيذ وعوده”.
أمام البشير, الذي يبلغ الآن 70 عاما, مجموعة من الخيارات الكريهة. من الصعب تخيل أن البشير, الذي نشأ في الخرطوم وفي المؤسسة العسكرية وتزوج زوجة ثانية من أرملة ضابطه, يهرب ويصبح مجرد قائد عسكري لجماعة الإخوان المسلمين في السودان. لقد ظل الاعتقاد بأن البشير يستمع الي نصح أمه وأخوانه وزوجته.
ويتفق المحللون الصينون والروس والقطريون والايرانيون والتشاديون وبعض السودانيون علي أن مستشاري البشير الأساسيين حاليا هم رجال عرابه المتشددون الأصوليون وقادة المليشيات الذين نفذوا هجمات ضد معارضي البشير. وإذا كان في يوم من الأيام هناك معتدلون وطنيون في النظام السوداني الحالي قد يقنعون البشير بتسليم السلطة الي خليفة له يستطيع الحفاظ علي تماسك الدولة السودانية, والكف عن مطاردة المحكمة الجنائية الدولية, فهذا الخيار بات بعيد المنال الآن. ولقد أريقت المزيد من الدماء وبات من المستحيل القيام بذلك.
وقال رجل أعمال من الإخوان في منطقة الجيلي شمال الخرطوم, يزعم أنه علي علاقة بدائرة البشير, إن الشخص الوحيد القادر علي إقناع البشير بالتخلي عن الحكم هي زوجته وداد, لكنها لم تلعب دورا محوريا في هذه الأزمة, فقد غادرت البلاد مع أبنائها أو ربما منعها من ذلك أو ربما لا تزال مصرّة علي البقاء بحسب آخر شائعة آتية من الخرطوم التي تموج بالغضب والاضطرابات.