لام اكول وامتهان لعبة التناقضات
بعد اطلاق تهديداته الاخيرة بشان علاقته المازومة مع شريكه الحركة الشعبية لتحرير السودان كشف نظام المؤتمر الوطنى النقاب عن ملامح خطته فى المرحلة القادمة والتى اختار ان يمهد لها باعلانه الغريب عن اطلاق كيان جنوبى جديد قوامه عناصر ذات تاريخ وماض مريب ظلت على الدوام محل شك وارتياب فى ولائها لمبادئ الحركة الاساسية والى حد ما مشهود لها بالتبعية والانقياد لدوائر متنفذة فى المؤتمر الوطنى مما يعنى فى واقع الامر ان شهر العسل بين الشريكين قد انقضى وبدا العد التنازلى لمرحلة جديدة من المرجح ان تشهد توترا بسبب العراقيل الكبيرة التى يتسبب بها نظام المؤتمر الوطنى وغالب الظن ان هذا الاخير قد ظفر معنويا بما يريد وحاز موقعا متقدما فى جبهات الصراع مع غريمه التقليدى وشريكه الجديد.
وكان من المرجح ان تاتى هذه الخطوة فى وقت مبكر ولكن يبدو ان ثمة عوامل مهمة ادت الى تاخرها وفى اعتقادى ان السبب المباشر وراء ذلك هو فشل جهاز مخابرات النظام فى صنع و تجنيد شخصية قيادية تنفيذية من ابناء الجنوب كى تقوم بالاشراف على تنفيذ سياسات حزب المؤتمر اضافة الى قراءته الانتهازية لبنود اتفاقية نيفاشا وعليه ، جل ما كان يصبو اليه هو ان يحقق قدرا من المكاسب السياسية وان يتمكن فى خلال الفترة الانتقالية من احداث نقلة مهمة لتكريس ثقافة الوحدة لدى الجنوبيين على حساب فكرة الانفصال وفرز العيش.
بيد ان تاخر الخطوة و تعثرها لا يعنيان ان الخطوة قد لا تاتى فى وقت لاحق فثمة علامات سبقت هذا الاعلان فالصدامات القبلية وحروب المدن والمواجاهات العسكرية بين قوات الحركة والمليشيات الجنوبية كلها كانت اشارات تكشف بجلاء ما يحاك ضد قيادة الحركة الشعبية الا ان سقوط الدكتور لام اكول فى مصيدة النظام واستخدامه كمقلب قط ضد الجنوب كان بمثابة تحد جديد للارادة الجمعية لاهل الجنوب.
وبما ان الجنوب السياسى يبدو ظاهريا كما لو فجع مرة اخر فى شخص الدكتور لام الا انه من المدهش ان غالب اهل الجنوب لم يفاجا باعلان الانشقاق مما يؤكد ان مسعى الرجل ليس سوى حلقة تكميلية لمشوار طويل من العمالة وظنى ان موقفه الجديد يتماهى مع مواقف له سابقة فاهل الجنوب وسائر اهل السودان خبر مواطن الضعف لدى الرجل وهو يذكره بكل صفة الا الوفاء والثبات على المبادئ ولما كان اهل الجنوب يؤمنون بالاختلاف السياسى ولا يضيقون ذرعا بتعدد المنابر لم يصدر بحق الرجل اى عمل او قول شائن بخلاف ما يصدر بحق بعض الساسة من وعيد وتهديد بمجرد ان نطق بما يعتقد من فكر.
ويقال ان التاريخ السياسى للرجل شهد عدة تقلبات فهو كان اول من ادار ظهره للحركة فى عام 1991 ورفع حينها شعارفصل الجنوب فقط للاثارة و التمايز عن صفوف الحركة ومع ذلك لم يجد دكتورنا الملهم اى غضاضة من الارتماء فى احضان مناؤويه حينئذ . وعندما لاحت بشائر السلام عاد على جناحى السرعة الى صفوف الحركة فى عام 2003 كى ياخذ نصيبه من كعكة السلطة فكان له ما اراد فحظى مجددا بثقة قيادة الحركة وظل يتنقل من حقيبة الى اخرى حتى تسلم حقيبة الخارجية . ويقال ايضا ان الرجل مولع باللعب على التناقضات وكما لا يعرف حد فاصل لطموحاته الواسعة وكثيرا ما صادمت مواقفه المبتذلة ثوابت حركته.
وبعد مغادرته لحقيبة الخارجية ظل الرجل يتحرق شوقا للعودة الى دائرة الاضواء والاثارة فعاد مظفرا الى الواجهة بمباركة كبيرة من غلاة حزب المؤتمر ليدشن مرحلة جديدة من العداء السياسى بين ابناء الاقليم الواحد .
وازاء هذا الموقف اختارت الحركة الشعبية ان تلطف اجواء العاصفة المفتلعة بشئ من الحكمة واللين فاغدقت الالقاب المحببة على من تصفهم شركائها وقابلت لغة التهديد والوعيد بالتسامح وغضت الطرف عن جوانب عديدة لو ارادت ان تغوص فى اوحالها لما منعها مانع لكنها تحجم عن المباداة حرصا لمصلحتها ومصلحة البلاد الا ان هذا الافراط فى كظم الغيظ والمبالغة فى مغالبة الشعور ومداراة الكبت هذا الاسلوب سوف لن يكن ذا جدوى فى المرحلة المقبلة خاصة مع استئساد الطرف الاخر ومجاهرته بالعدوان .
اما على مستوى قيادة الحركة لم يشا الفريق سليفاكير النائب الاول لرئيس الجمهورية ان يتهم شريكه المشاكس بالتامر على حركته وبدلا من ذلك اختار لهجة مخففة حيال تهديدات المؤتمر الوطنى ونجده يمعن فى الافراط بمداهنته واصفا اياه بالاب والشريك وامين البلاد.
لست هنا بصدد محاكمة نوايا الفريق سليفاكير بهذا الخصوص كما لم يعد منصفا ان نسقط احكام مسبقة من واقع تجربتنا المتواضعة على مواقف الرجل فهو يعرف ماذا يريد ولكننا نعرف جيدا ان سعادة المشير رئيس الجمهورية ما كان يوما ابا حانيا ولم يعرف عنه سوى التعنيف قولا وفعلا كما لم يرى فيه غالب اهل الا صورة نمطية لجلاد فى لبوس الرحمة ، ومع استفحال حرب دارفور برز شخص الرئيس كقائد قاس لا يستنكف عن اراقة الدماء وسرقة خيرات البلاد واطلاق يد الفساد المالى فى كل اجهزة الدولة ولم يجد هذا القائد ادنى حرج فى ابادة شعب اعزل لا لشئ سوى الرغبة الجامحة فى الاستبداد وعلى العموم لم نعثر فى سجل الرئيس ما نعضد به مقالة سلفاكير الشئ الذى يدفعنا الى الاعتقاد بما قلناه سالفا .
وبقى ان نذكر ان الابتزاز واساليب المناكفة السياسية لابطاء مشروع التغيير القادم من قلب الهامش لن يجدى نفعا فى الهائه او ابطاء مسيره و لا شئ يحؤول دون تنفيذ اتفاقية السلام الشاملة بنهاية الفترة الانتقالية وواهم من ظن ان مصير الجنوب فى مهب الريح بسبب ذهاب لام اكول او بفعل الاخفاقات الصغيرة التى صاحبت تنفيذ الاتفاقية وسوء توظيف استحقاقات الحركة وفق نصوص الاتفاقية المذكورة—- فهل انتهينا؟؟؟؟
ادم على هولندا
[email protected]