حكم القانون أو سيادة القانون:
لا يمكن الحديث عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في ظل غياب حكم القانون أو سيادة القانون فهناك ارتباط وثيق الصلة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة و سيادة القانون من جهة أخرى، فمجتمع الديمقراطية وحقوق الإنسان هو مجتمع سيادة القانون، والعكس صحيح تماماً.
عند التحدث عن مبادئ أولية للمجتمع والدولة، يتبادر إلى الذهن والإدراك مفاهيم عدة منها الديمقراطية وحقوق المواطن والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد الوطن الواحد وممارستهم لسلطة الحكم وعدم الإقصاء واحترام الرأي الآخر..إلا أن من أولويات هذه المفاهيم والمبادئ وأشدها تعقيداً هو مبدأ سيادة القانون في الدولة كمُفترض أساسي ومعيار في تصنيف المجتمعات والدول والحكومات.
تعريف حكم القانون:
1. هي مجموعة من القواعد القانونية الآمرة والناهية، والنظم الأساسية التي تُنظم العلاقات في المجتمع ضمن الدولة، ومدى ترابط هذه العلاقة بين تمتع وحماية الأفراد بالحقوق الفردية والجماعية في مواجهة تحديات وقمع ممارسات السلطة السياسية في الدولة التي تهدر كرامة وحقوق وحريات المواطنين الفردية من خلال تبريرات وضرورات ممارسة السلطة بالقوة والتعسف في استعمالها.
2. السيادة المطلقة للقانون العادي ومن الأمثلة الأكثر شيوعاً على ذلك عدم جواز معاقبة الشخص أو التعرض لجسمه أو ماله إلا بناء على مخالفة محددة للقانون ثبت ارتكابها بإجراءات قانونية عادية لدى محكمة عادية، وهذا المعنى يتعارض مع المحاكمات الخاصة أو الاستثنائية، ومع أنظمة الحكم التي يمارس المسؤولون فيها في مضمار الجزاء سلطات واسعة تعسفية أو تقديرية، أو خارج نطاق القانون.
3. المساواة أمام القانون أو خضوع جميع الطبقات إلى قانون البلاد العادي الذي يطبق من خلال المحاكم العادية، وهذا يعني انه لا يوجد إنسان فوق القانون، وان واجب الخضوع للقانون ينسحب على الموظفين مثلها ينسحب على المواطنين العاديين، ويترتب على ذلك أن القانون البوليسي ليس قانوناً، وان الحرية تستلزم نظاماً قانونياً لا يحمي المجرمين بالحصانة و يحترم حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
4. إن الدستور مكتوباً أو غير مكتوب، ليس هو مصدر حقوق الأفراد بل هو نتيجة هذه الحقوق الأمر الذي يترتب عليه ما يلي:
أ) لا وجود لسيادة القانون في ظل السلطة التعسفية .
ب) يتوجب أن يمارس البرلمان دوره في الرقابة على القوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية.
ج) تحديد أسلوب ممارسة الصلاحية التقديرية في الحالات التي تعطي فيها جهة حكومية حق ممارسة صلاحية تقديرية.
د) إن كل شخص مسؤول أمام القانون العادي سواء كان موظفاً أو مواطناً عادياً.
هـ) وجوب الفصل في الحقوق من قبل محاكم عادية محايدة ومستقلة.
فحكم القانون يعني أنه ليس هناك فرد أو رئيس أو مواطن عادي فوق القانون. و يجب أن تعبر القوانين عن إرادة الشعب وليس عن نزوات وأهواء الملوك والحكام الدكتاتوريين و المسؤولين العسكريين والزعماء الدينيين والأحزاب السياسية المعينة ذاتيا. وإن المواطنين في الدول الديمقراطية مستعدون لإطاعة قوانين مجتمعهم لأنهم يخضعون لقواعدهم وأنظمتهم. ويتم تحقيق العدل بأفضل ما يكون حين يكون الذين يسنون هم الناس أنفسهم الذين يجب أن يطيعوها.ويجب أن تكون لدى نظام المحاكم القوية المستقلة، في ظل حكم القانون، القوة والسلطة والموارد والهيبة لمحاسبة المسؤولين الحكوميين، حتى كبار الزعماء بعيدا عن الحصانة في حالة مخالفتهم لسيادة القانون وارتكابهم مخالفات وجرائم في حق الشعب.و يجب أن يكون القضاة مدربين تدريبا جيدا وأن يكونوا مهنيين ومستقلين ومنصفين. ويجب على القضاة، لكي يؤدوا دورهم الضروري في النظام القانوني والسياسي، أن يكونوا ملتزمين بمبادئ الديمقراطية. ويجب أن يكون المواطنون آمنين من الاعتقال التعسفي والتفتيش غير المعقول لمنازلهم أو لاحتجاز ممتلكاتهم الشخصية.ويحق للمواطنين المتهمين بارتكاب جرائم أن يقدموا لمحاكمة سريعة وعلنية بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لهم لمواجهة واستجواب متهميهم. وإذا ما تمت إدانتهم فيجب عدم إخضاعهم لعقوبة قاسية أو غير عادية.كما يجب عدم إرغام المواطنين على الإدلاء بشهادات ضد أنفسهم. ويحمي هذا المبدأ المواطنين من الإكراه أو إساءة المعاملة أو التعذيب ويحد إلى درجة كبيرة من إغراء الشرطة لاستخدام مثل هذه الإجراءات.
الإطار الدولي لسيادة القانون:
لعل أول إشارة إلى حكم القانون أو سيادة القانون، وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العاشر من ديسمبر عام 1948م، الذي أشار في ديباجته إلى وجوب حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية من خلال حكم القانون. بذلك نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية اللاحقة على صدوره، تبنت مبدأ حكم القانون، وأعطته وزناً عالمياً فأصبح مطلباً ملحاً لكل الشعوب المحرومة من الحرية أو المتطلعة إلى مزيد منها، تدعمه الشرعية الدولية ، وشهد العالم ومنذ عام 1948م وحتى هذه اللحظة العديد من المؤتمرات والأنشطة وصدرت كذلك العديد من الاتفاقيات والاعلانات التي تدعو إلى الحكم الرشيد والشفافية والنزاهة ، وتكريس حكم القانون. كما أن العالم أدرك أن سيادة القانون أو حكم القانون هو احد دعائم الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لان دولة القانون تعني، خضوع الدولة لسيادة القانون العام أو الدستور الذي ينظم علاقة الحكومة بالشعب من جهة، وعلاقات السلطة التي تتولى تسيير وتنظيم مصالح الأفراد والمجموعات التي يتألف منها المجتمع في ما بين بعضها البعض من جهة ثانية، وباعتباره التصميم الأساسي لهيكل الدولة ولحقوق المواطنين و واجباتهم، فان الدستور يمثل سيادة القانون، وتنبثق عنه جميع القوانين الأخرى، وهذا ما يدعو إليه المجتمع الدولي خصوصاً في ظل التنظيم الدولي الحديث، لإدراكه انه لا يمكن حماية حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، وتوفير الضمانات الكافية لها، إلا في ظل شيوع مبدأ سيادة القانون.
ركائز أو قواعد سيادة القانون:
1. التنظيم الدستوري للمجتمع : من المعلوم أن الدساتير أو القوانين الأساسية، هي الأساس الأول، لاحترام الدول لمبدأ سيادة القانون، وضمان خضوعها للقانون، الأمر الذي يترتب عليه بما يلي:
أ) لا يكفي أن يكون الدستور مكتوباً ، بل يتوجب أن يكون صلباً، فلا يتم تعديله إلا ضمن ضوابط محددة مسبقاً، ففي ذلك قيد على سلطات الدولة يحول بينها وبين الاستبداد .
ب) يتوجب أن ينص الدستور في صلبه على حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، بشكل يتضمن وجود التزام على عاتق الدولة باحترامها وضمانها للأفراد كافة بدون أي تمييز، دون أن يتضمن الدستور بنود أو نصوص تتيح للدولة التحلل من التزاماتها فيما يتعلق بحقوق الأفراد .
ج) يجب أن يكون الفرد مطمئناً و آمناً ، وان يضمن له الدستور الحرية والأمن، فلا يجوز أن يوقف أو يعتقل، ولا تخرق حرمة منزله إلا تطبيقاً لحكم قضائي، صادر تطبيقاً لنص قانوني سابق يتم تفسيره بصورة ضيقة.
د) يتوجب أن يضمن الدستور الحقوق المدنية والسياسية مثل حرية الرأي والتعبير، بالإضافة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بدون أي تمييز لأن حقوق الإنسان مترابطة مع بعضها البعض بشكل لا يقبل التجزئة.
هـ) وحتى يسود مبدأ سيادة القانون، يتوجب أن يكون من حق الفرد انتخاب من يمثله في البرلمانات المنتخبة وان يمارس حقه في الانتخاب والترشيح بحرية.
و) أن تسود الرقابة المتبادلة بين سلطات الدولة الدستورية وفقاً لمبدأ الفصل بين السلطات.
2. السلطة التشريعية
أن تعمل السلطة التشريعية على إيجاد وتطوير البيئة المناسبة والواجبة لرعاية كرامة الإنسان، سواء من خلال إقرار التشريعات الناظمة لحماية حقوق الأفراد أو من خلال ممارسة حقها في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وحتى يسود مبدأ القانون لا بد من وضع بعض الضوابط التي تضمن احترام السلطة التشريعية لحقوق الإنسان ومنها:
أ) أن تلتزم السلطة التشريعية بحقوق الأفراد المنصوص عليها في المواثيق المعنية بتلك الحقوق وأن تعمل على إيجاد نوع من المواءمة التشريعية فيما بينها وبين التشريعات الوطنية.
ب) أن تتقيد السلطة التشريعية بقواعد القانون في أعمالها التشريعية، وان تمتنع عن إصدار أي تشريع بأثر رجعي أو أي تشريع يتضمن اعتداء ولو غير مباشر على ممارسة الأفراد لحقوقهم وحرياتهم، أو إصدار أي تشريع يتضمن إنكار حقوق الإفراد.
ج) أن تلتزم السلطة التشريعية بإصدار التشريعات الناظمة لحركة إيقاع المجتمع بدون التضييق على الحريات وبدون أي تمييز بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين.
3. السلطة التنفيذية
من المعلوم أن وجود النصوص التشريعية التي تكفل حماية الأفراد من إساءة استعمال السلطة التنفيذية ومن تجاوزها لحدود ولايتها واختصاصها، لا يكفي لضمان مبدأ سيادة القانون، بل لا بد إلى جانب ذلك من وجود حكومة قادرة على فرض احترام القانون والنظام من جهة، وعلى توفير الشروط الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لحماية المجتمع من جهة أخرى. ويتوجب على هذه الحكومة في ممارستها لصلاحياتها حماية نظام الحكم وتطوير البلاد اجتماعياً واقتصادياً واحترام حقوق الأفراد وحرياتهم . وبناء على ذلك يتوجب إيجاد نوع من الموازنة الدقيقة بين حرية الإدارة في العمل وبين حقوق الأفراد على نحو تراعى فيه سيادة القانون ضمن الضوابط التالية :
أ) أن تقوم السلطة التنفيذية على توفير الأصول والإجراءات، التي يتوجب على الإدارة مراعاتها في اتخاذ قراراتها المتعلقة بمصالح الأفراد، وتتناول هذه الإجراءات والأصول في العادة الأسلوب الذي يتم بموجبه اتخاذ تلك القرارات، وأصول تبليغها، والتظلم منها، والطعن فيها أمام السلطات الإدارية والقضائية.
ب) وحتى يتحقق مبدأ سيادة القانون يتوجب إخضاع أعمال السلطة التنفيذية للرقابة خصوصاً الرقابة البرلمانية والرقابة القضائية التي يمكن أن يتولاها القضاء العادي أو الإداري .
ج) يتوجب على الإدارة ( السلطة التنفيذية ) أن تلتزم بتعليل وتثبيت قراراتها ونشرها وإبلاغها لأصحاب العلاقة وذلك لتكريس مبدأ سيادة القانون .
4. السلطة القضائية
من المعلوم أن القضاء هو الحارس الطبيعي للحقوق والحريات ، وبالتالي يغدو مبدأ استقلال القضاء ضروري لقيام المجتمع على أساس سيادة القانون ويعني ذلك أن يكون القاضي في ممارسته لوظيفته القضائية حراً من أي تدخل من جانب السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ولضمان تكريس حكم القانون يتوجب أن يتعامل القضاء مع الجميع وفقاً لحق المواطنة بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو عرقه أو فيما إذا كان مواطن ينتمي للدولة بجنسيته، أو أجنبي مقيم فيها، أو إذا كان ينتمي إلى أقلية معينة، فالقضاء ومن خلال عمله وفقاً لمبدأ المساواة بين الجميع، فانه بذلك يكرس مبدأ سيادة القانون تكريساًَ عملياً.
ولضمان قيام القضاء بالعمل وفقاً لمبدأ سيادة القانون، يتوجب أن يكون قضاءً مستقلاً، محايداً، ناجزاً، فعالاً، وللجميع، وان يكون بمنأى عن أي تدخل من أي جهة كانت، وان يكون القاضي متمتعاً بالحصانة اللازمة حتى يقوم بعمله وفقاً لمبادئ حكم القانون.
ويترتب على ما تقدم ما يلي:
أ) أن يعمل القضاء وفقاً لمبدأ المشروعية ، بمعنى انه حتى يسود مبدأ سيادة القانون فلا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا يجوز أن يوقف احد أو يحبس إلا وفقاً لأحكام القانون، ولا يجوز تطبيق القانون بأثر رجعي إلا إذا كان أصلح للمتهم.
ب) أن يمارس القضاء دوره في الرقابة على أعمال السلطتين التشريعية و التنفيذية، من خلال رقابة الامتناع عن تطبيق النص المخالف للدستور، أو رقابة إلغاء النص المخالف للدستور، أو من خلال الرقابة الإدارية على أعمال وقرارات السلطة التنفيذية ، وذلك من خلال وجود قضاء إداري متخصص وعلى درجتين، أو من خلال إلغاء أو شل آثار القرارات الإدارية التي تصدر عن السلطة التنفيذية إذا كانت تنطوي على التعسف أو إساءة استعمال السلطة أو إذا تجاوزت الإدارة حدود سلطتها التقديرية الممنوحة لها بموجب القانون .
ج) ومن زاوية حقوق الإنسان، يتوجب على القضاء في حال مصادقة الدولة على الاتفاقيات والمواثيق المعنية بحقوق الإنسان، أن يطبقها كما لو كانت تشريع صادر عن المشرع الوطني، وفي حال التعارض بين أحكام الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية تعطي الأولوية في التطبيق للاتفاقيات الدولية، وفي ذلك تكريس لمبدأ سيادة القانون خصوصاً بعد أن أصبح الفرد احد أشخاص القانون الدولي .
الخصائص الرئيسية لحكم القانون:
١ . سيادة القانون وتعني أن جميع الأشخاص أفرادًا وحكومة خاضعون للقانون .
٢ . مفهوم عدالة يسلط الضوء على المعاملة المتساوية بين الناس ، استنادًا إلى معايير وأهمية
الأصول .
٣ . تقييد ممارسة السلطة الفردية أو التقليدية أو الكيفية
٤ . أخذ السوابق القانونية بعين الاعتبار .
٥ . اعتماد منهجية القانون العام
٦ . يجب أن يكون التشريع متجهًا نحو المستقبل لا نحو الماضي أي مبدأ عدم رجعية القوانين
٧ . استقلالية القضاء .
٨ . ممارسة البرلمان للسلطة التشريعية، وتقييد نشاط السلطة التنفيذية من قبل السلطة التشريعية.
٩ . وجود أساس أخلاقي ضمني مشترك لجميع القوانين .
وسائل حكم القانون :
1. شيوع الديمقراطية (كنظام حكم وكثقافة عامة )
2. تحقيق فصل السلطات (الوجه النظرية للدستور)
3. منع تعسف أي سلطة من السلطات الثلاث
4. اختيار منهجية ملائمة لتكريس القاعدة القانونية وبلورتها وتعزيز فرص نموها
5. رقابة القضاء
6. مكافحة الفساد
7. مبدأ ثبات القانون أي عدم رجعيته
غايات حكم القانون :
1. حقوق الإنسان
2. الحرية
3. المساواة
4. حماية الحق بالدعوى العادلة
ضمانات حكم القانون:
1. سيادة حكم القانون
2. استقلال القضاء
3. الفصل بين السلطة المدنية والعسكرية
4. تعزيز الرقابة القضائية على دستورية القوانين
5. الشفافية
6. المساءلة
7. خضوع سلطة الحكم للقانون كمثل لخضوع المحكومين لها
8. تغليب ذهنية المؤسسة على الذهنية الفردية
عناصر قيام دولة القانون:
للعمل بمبدأ سيادة القانون ضمن الدولة، هناك مُفترضات وأساسيات يجب على السلطة أن تضمنها لحماية حقوق مواطنيها الذين منحوها الحق في ممارسة حكم الدولة بعقد اجتماعي .
1. توفير نظام قضائي قادر على حماية وصيانة الحقوق والحريات العامة الأساسية للمواطنين.
2. التأكيد على حق المواطنين المشاركة بإدارة الشؤون العامة للبلاد دون تمييز حزبي أو طائفي أو ديني أو قومي…
إن المُؤشر القانوني لخضوع الدولة لمبدأ سيادة القانون هو مزاولة الحكام لاختصاصاتهم ومهامهم الوظيفية لحكم القانون بسلطاته الثلاث، ترافقاً مع فصل بين وظائفها واستقلالهم في ممارستهم لها دون تدخل.. ذلك من خلال أداء السلطة القضائية لوظائفها بتطبيق حكم القانون، وإن إصدار أحكام قضائية ذات شرعية قانونية ودستورية هي المُفترض والأساس لمبدأ سيادة القانون في الدولة، لذا يُمكن اعتبار استقلال السلطة القضائية في الدولة بما لها حجية قانونية على حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين هي من أهم الأساسيات والمُفترضات لمبدأ سيادة القانون ( دولة القانون ).
تُعتبر استقلال السلطة القضائية في أداء مهامها الوظيفية بأمان وحيادية نتيجةً من نتائج مبدأي الفصل بين السلطات وسيادة القانون، لأنه من المُفترض أن تُمارس عملها باستقلال وحيادية، وإن أي مُساس أو تأثير أو تدخل في شأنها يدل على العبث بحيادية القضاء وإخلال بميزان العدل والإنصاف وتقويض لدعائم الحكم الراشد.
مُقومات استقلال القضاء في الدولة:
1. أن يكون القضاء سلطة وليس مجرد وظيفة: أي يُمارس القضاء سلطة حيادية، يضمن استقلالها من الضغوط السياسية، وضرورة وجود نصوص دستورية وقانونية تُرصد لتأمين استقلالها في أداء القضاة لوظائفهم، وليس بتخصيص مواد قانونية ودستورية تربط مصير القضاء بحزب حاكم .
2. أن يكون القضاء سلطة مستقلة: أي أن تقف السلطة القضائية على قدم المساواة مع السلطات الأخرى في الدولة، وعدم تمكين السلطات الأخرى التدخل في شؤونها، بعيداً عن تعليمات السلطة الأمنية التي تحكم الدولة والمجتمع بموجب نص دستوري غير شرعي وغير قانوني.
3. أن يكون القضاء جهة متخصصة: إذ أن التخصص في العمل القضائي المهني هو أولى الأولويات لأداء القضاة لوظائفهم بجدارة وحيادية ومهنية صادقة مُنصفة وعادلة، ذلك احتراماً للمهنة البشرية الأكثر رُقياً، كونهم يُصدرون أحكام حسب قناعاتهم وضمائرهم الشخصية ضمن آليات قواعد ونصوص معينة، ولأن القضاء مؤسسة ذات طبيعة خاصة في أداء مهامها.
4. أن يكون القضاء محايداً: أي يصدروا أحكامهم بغض النظر عن الأطراف المتخاصمة والمتنازعة دون انحياز، بهدف تحقيق العدالة والإنصاف، حيث تحرص الأنظمة ذات طبيعة دولة القانون على تحقيق الظروف الملائمة لعمل القضاء بحيادية مُتميزة، فيُحظر على القضاة الانتماء إلى أي حزب سياسي أو طائفي… ذلك لأن الانتماء يُعني الخضوع لهذه المؤثرات والتوجه نهو الفساد و ربط واشتراط مصير تعيين القضاة بحزب سياسي حاكم وبموافقات أمنية.
ونظراً لأن الدولة ذات السلطة الأمنية، تعتمد على تدخل الجهاز الأمني والسياسي و الحزبي الوحيد في شؤون القضاء، فلا هناك من معنى لاستقلال السلطة القضائية كمُفترض وأساس لمبدأ سيادة القانون في دولة القانون، ولا وجود لضمانات من حماية وصيانة حقوق وحريات المواطنين من عبث أقدام هؤلاء المُنتفعين في دولة الحزب الحاكم الواحد الُمُصان حقوقه الأبدية بسياج دستوري لا يُعرف متى تقطع أسلاكها الشائكة…
فما المُلاحقات والاعتقالات الكيفية والعشوائية في ظل الأحكام العرفية وقانون الطوارئ ذات الطابع الأمني ،العسكري، وإصدار أحكام قضائية تعسفية ولا قانونية بحق الناشطين السياسيين والمعارضين والإعلاميين والحقوقيين والمدافعين لحقوق الإنسان ،نتيجة ضغوط وقرارات سياسية وأمنية من مؤسسة مُفترض أنها مؤسسة عدل وإنصاف والتعدي على حقوق وحريات المواطنين، وسياسة الازدواج باتجاه القوميات والأقليات في وطن يظل فيه المواطنون غرباء في ظل حكم فردي استبدادي مُمتلك للبعث الحاكم لا يعرف ولم يتعلم يوماً أنه يحق للغير المُشاركة في إدارة شؤون البلاد بسلم وأمان، إلا دليلاً على عدم استقلال القضاء وعدم الخضوع لمبدأ سيادة القانون في دولة اللا قانون.وهذا يتطلب إجراء تعديل جذري وحقيقي للنظام التشريعي لعمل السلطة القضائية بالأساس، إذ من المفروض أن يقف القضاء بين المواطن والدولة كدعامة ضد الإفراط في سوء الاستعمال أو الاستعمال الخاطئ للسلطة أو تجاوز الحدود الدستورية أو القانونية من قبل السلطتين التنفيذية و التشريعية وسّن دستور وقوانين يمنع من التدخل في شؤونها والحفاظ على استقلالها لممارسة مهامها بحيادية واستقلال وتخصص وسلطة، من خلال إرساء جديد لمبادئ الفصل بين السلطات واستقلال القضاء وسيادة القانون، بعيداً عن احتكار كل شيء وإقصاء الغير، وذلك للنهوض من جديد بسلطة دولة تحترم مبادئ دستورية وقعت عليها من أجل الحفاظ على موالاة مواطنيها لسلطة حكامها.
لماذا ندعو لسيادة القانون أو حكم القانون؟
للإجابة على ذلك وبكل بساطة نقول، انه لا يمكن قيام مجتمع قوي وسليم ومتعافي بدون سيادة القانون للأسباب التالية:
1. إن عدم سيادة القانون في أي مجتمع تعني شيوع مفهوم الدولة الاستبدادية (الدكتاتورية) وأن ذلك يدفع الفرد إلى التمرد والوقوف في وجه الظلم والطغيان ولعل الشواهد على ذلك كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها ، والعكس صحيح تماماً، فإذا ساد مبدأ سيادة القانون وحق المواطنة والمساواة بين الجميع ، فان الفرد يغدو عوناً للسلطة في الحكم وشريكاً لها ، ويجعل من الفرد إذا شعر إنه والآخرين (حكام ومحكومين) تحت مظلة واحدة (سيادة القانون) عنصر فعال في المجتمع .
2. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، في ظل غياب مفهوم سيادة القانون ، والدليل على ذلك أن الانتهاكات الواسعة والبشعة لحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية لا توجد إلا في البلدان التي لا يتوفر فيها مبدأ سيادة القانون .
3. في ظل غياب سيادة القانون يسود مبدأ اقرب لشريعة الغاب ، بان يلجأ الفرد إلى اقتضاء حقه بنفسه، أو يقوم بالاعتداء على حقوق وحريات الآخرين كردة فعل لعدم إنصافه وفقاً لمبدأ سيادة القانون .
4. إن وجود مبدأ سيادة القانون يجعل الفرد على وعي تام بحقوقه و واجباته أو ما له أو ما عليه ويدعم ركائز العدل في المجتمع تلك الركائز التي تشكل أساس الحكم.
5. إن شيوع مبدأ سيادة القانون ، بمثابة ترجمة عملية لمبدأ الفصل بين السلطات ، المبدأ الذي يعتبر احد دعائم دولة الديمقراطية وسيادة القانون ، ففي ظل سيادة القانون لا يوجد افتئات من سلطة على أخرى، كون مبدأ الفصل بين السلطات هو شرط لوجود الحرية.
6. إن مبدأ سيادة القانون من خلال تطبيقه على الجميع وممارسته من قبلهم ، يحقق مبدأ العدالة ، وتكافؤ الفرص ، وحصول كل فرد على ما هو حق له وقيامه بما هو واجب عليه دون أن يتدخل في أي ما هو من حقوق الآخرين.
7. وحيث أن مبدأ المساواة هو الأصل في وجود كافة أنواع الحقوق والحريات ، فان الطريقة المثلى لتحقيق هذا المبدأ تتم من خلال تكريس سيادة القانون ، فالمساواة من حيث المبدأ تعني عدم التمييز بين الأفراد في الحقوق والواجبات لأي سبب كان باعتبار أنهم يولدون متساوين في الطبيعة ، وهذا ما كرسته المادة السابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي ورد فيها ( … إن كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة منه دون أي تفرقة ، كما أن لهم جميعاً الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا …).
8. إن مبدأ سيادة القانون ضمانة أساسية لحقوق المواطنين ، كون يؤدي إلى:
أ) الحيلولة دون ممارسة الحكم الكيفي أو الحكم الفردي.
ب) إخضاع رجال الإدارة أو الحكم إلى القضاء العادي.
ج) يحول دون وجود المحاكم الخاصة أو الاستثنائية أو العقوبات التي تصدر خارج نطاق القانون.
د) يؤدي إلى تكريس العدالة بين الجميع ، ويحقق مفهوم المواطنة.
الحلقات القادمة
قيم ومبادئ المجتمع الحر
1. الحكم الراشد
2. التنمية المستدامة
3. المواطنة
4. السلام
5. المساواة
6. التسامح
7. العدل
8. محاربة الفساد
هارون سليمان
[email protected]