كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(10) هارون سليمان

كيف نعلم أبناءنا الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد؟(10) هارون سليمان
السلام
في ظل ما يموج به العالم الآن من اضطرابات وتوترات عنيفة تبرز الحاجة إلي دراسة العلاقات المختلفة بين دول العالم وبين الشعوب والمجموعات البشرية من منظور الحرب والسلام، ولقد اهتم العلماء خلال القرن العشرين بدراسة الحروب وكيفية تفاديها خاصة بعد ظهور القوى النووية وأسلحة الدمار الشامل في منتصف القرن العشرين وبروز شبح الإبادة الشاملة للجنس البشري وانتشار الحروب الداخلية ذات الطابع العرقي والطائفي والديني والتقسيمات الجغرافية في داخل الدولة الواحدة ، فأخذوا يبحثون عن أنسب الطرق والسياسات التي تكفل إقامة نظام سياسي عالمي مسالم ومستقر ، وبالرغم من أن فكرة السلام قديمة قِدَم المجتمع الإنساني إلا أن العلماء اهتموا بنظيرتها (الحرب) أكثر مما اهتموا بالسلام وهكذا فإن الدراسات تنزع إلي التركيز على الحروب كوحدات تحليل أكثر من فترات السلام ، كما أن الكلمة نفسها غير متعارف على تعريفها الاسمي فيعرفونها بمقابلة نظيرتها فيقولون ببساطة أن السلام هو عدم الحرب وذلك من وجهة النظر العسكرية والسياسية.
يُعد السلام في مقدمة القيم الإنسانية الرفيعة. وهناك العديد من الأقوال المتواترة في هذا الخصوص، التي شاعت في أعمال الفلاسفة، والباحثين، والشعراء والأدباء.  تمجد جميعها في السلام وتجعل منه قيمة أساسية ومحورية في الحياة. ومثله مثل غيره من المفاهيم، يحتاج السلام إلي تعريف محدد.
تعريف السلام
1. اسم من أسماء الله
2. اسم من أسماء الجنة  .
3. اسم من أسماء الشجر .
4. في اللاتينية  يعني حالة الوئام التي تكون عليها الدولة أو الجماعة من غير بادرة حرب ويعني  وفاق بين طرفين يحملان أسباب الصراع.
5. يعني انعدام العدوانية بين الناس أو انعدام العنف داخل مجموعة ما و الوفاق بين أعضاء مجموعة بشرية متقاربة و متصلة الروابط.
6. في القاموس السياسي هو مصطلح يستخدم في العلاقات الدولية ليشير إلى انعدام العدوان الدولي  مع وجود روابط للعلاقات القوية بين مجموعة من الدول.
7. في علم الاجتماع العام: يستخدم مصطلح السلام للإشارة إلى حالة الانسجام والتعاون والتوازن في العلاقات الاجتماعية ذوات الأحجام المتباينة. وعرف السلم في علم الاجتماع السياسي كونه عقد دولي تنعدم بموجبه أشكال العداوة بين الدول. أو هو جملة الاستراتيجيات الهادفة إلى تقليص دائرة الحرب بين الأنظمة الحاكمة والدول.
8.  و في الفلسفة يشار إلى حالة سكون حركة التاريخ والإنسان داخل فكرة تكتسب القوة وتمتد في جذور حركة الفكر العالمي معلنة أنها نهاية الأفكار وأنها الفكرة التي ستتحد مع المطلق .
9. يعني الأمان والعافية والتسليم والتحية ويرد هذا اللفظ كثيرا في القرآن .
10. هي الأمان وحفظ الكرامة والعمل على وجود مصالح مشتركة تحقق قيام حضارة تقوم على احترام الذات واحترام الأخر والتمسك بالعدل واحترام العدالة وتوفير الرقى لجميع الأجناس البشرية على وجه الأرض بل وتهدأ بوجوده جميع الكائنات الحيةْ .
11. غياب الخلاف والعنف و الحرب و كل ما له علاقة بالعنف مثل الجرائم الكبرى المنظمة كالإرهاب أو النزاعات العرقية أو الدينية أو الطائفية أو بين المناطق .

12. هي حالة يخلو فيها العالمُ من الحروب والنزاعات و حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم وتتيح التطور والازدهار للجميع.

إذا يمكن القول بأن السلام لا يقصد به إيقاف الحرب والمواجهات المسلحة أو العمل على تجنب الصراعات وفض النزاعات  وتوقيع الاتفاقيات والمناصب والمكاسب الشخصية،  بل يمتد إلى إنجاز قيم مجتمعية منشودة وتحقيق الاستقرار الدائم للمجتمعات بتثبيت قيم العدل والانسجام وإنجاز البيئة الصالحة الملائمة التي يدرك فيها أفراد المجتمعات حقوقهم وعزتهم وبقائهم في الحياة بصورة مستمرة والسلام  آراء وقضايا تتعلق بقيم عالمية تصب في اتجاه احترام الحياة وتثبيت مفاهيم الحريات في المجتمعات وقيم التسامح والتعايش  والتضامن والتكافل وحقوق الإنسان وصيانته والمساواة بين الرجل والمرأة في نيل الحقوق وأداء الواجبات و تحقيق التنمية والقضاء على المجاعة والفقر والسلام عبارة عن مفاهيم وظواهر وعمليات ، ويرتبط ويتعلق باتجاهات وقضايا وحقائق أخلاقية وسياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية، فينتج عنه قيم رئيسية تتمثل في الحريات والعدالة والشرعية والتكافل بين أفراد المجتمع و شرط أساسي لا بد منه لتحقيق المشاركة السياسية والاستقرار السياسي و التطور والتنمية في الاقتصاد وبنيته والمجتمع و إنسانه كما ينتج عنه القيم الاقتصادية والسياسية وانسجامها مع طموحات وحاجيات الأفراد في المجتمع فالسلام إذن هدف نبيل يهدف على إيجاد وخلق آليات تقود إلى اجتثاث كل أنواع ومسببات العنف السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والبيئي وله ارتباط بالمفاهيم المجتمعية مثل حقوق الإنسان والحريات والمساواة والعدل والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة السياسية والديمقراطية والتفاهم والتعاون الدولي  والتسامح العالمي والسلام  طريق البناء والاستقرار ومسار الإبداع والابتكار في كل المجالات وله مراحل منها مرحلة السلام الوقائي وإقرار السلام وصناعة السلام وحفظ السلام وبناء السلام.  
إن الخطوط الفاصلة بين السلام والحرب لم تعد واضحة  فالسلام لم يعد يعني غياب الحرب والعنف فقط  بل يعني توفير بنيات تحتية فعالة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي لضمان استمرار السلام  فالسلام يتطلب العمل من اجل العدالة فلا سلام بلا عدالة ولا عدالة بلا تضامن . والتوترات لم تعد مرتبطة بالقوة والعنف المادي  بل أن العنف المعنوي الذي يمارس على الأفراد والشعوب من خلال امتهان كرامتها وحرمانها من حقوقها ومن إنسانيتها , قد يكون له نتائج أكثر خطرا من العنف المادي المباشر .
 
أنماط دعم السلام
الكثير من الأفراد في القرن العشرين تحولوا من ما كانوا يدركونه كوسائل تقليدية معادية للحرب ووجهوا أنشطتهم نحو ابتكار مؤسسات موجهه سياسياً وشرعياً لتحقيق عالم مستقر.

1. دعم تنظيم القانون الدولي من خلال المؤتمرات وبشكل خاص المؤتمرات المعتمدة على مبادئ الصراع .
2. إنشاء مؤسسات لتطبيق القانون في شكل المحكمة الدائمة للعدل الدولي والمحكمة الجنائية الدولية.
3. العمل على تطوير وتوسيع مبدأ الحل السلمي للنزاعات من خلال عمليات مُصاغة بشكل واضح للوساطة، التسوية (المصالحة والتحكيم).
4. إنشاء مؤسسة دولية (الأمم المتحدة) والتي تُناقش فيها الأزمات من خلال اجتماع مفتوح، و توجيه الاهتمامات الدولية من خلال مجموعة وكالات ، مفوضيات ولجان متخصصة مع إجراء تعديلات جوهرية في ميثاقها وأجهزتها تحقيقا للعدالة والإنصاف بين الدول الأعضاء .
معوقات السلام (أسباب الحرب)
هنالك العديد من العوائق التي تحول دون السلام أو بعبارة أخرى إن هناك العديد من الأسباب لنشوب الحروب بين دول أو بين الدول المجاورة أو بين المجموعات السكانية في الدولة الواحدة وهي:
1. العنصرية والتمييز بين المجموعات داخل الدولة على أساس اللون أو الدين أو العرق أو اللغة أو الانتماء الجغرافي والقبلي والسياسي .
2.  الظلم والاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية.
3. الجوع والفقر والبطالة وتفاوت الثروة وغياب التنمية
4. التهميش والإقصاء ورفض الآخر.
5. الاختلافات الثقافية أو العرقية أو الطائفية أو الدينية أو الأيديولوجية والفشل في إدارة هذا التنوع.
6. الصراع على السلطة ومحاولة الاستئثار بها والرغبة في السيطرة والنفوذ
7. القومية وارتباطها بالسيادة.
8. الاستياء والغبن والنزعات الانفصالية لتصحيح الظلم  .
9. الاستحسان الشعبي للانقلابات العسكرية.
10. التوظيف الخارجي للخلافات الداخلية وتفعيلها ودفعها بعيدا عن سياق الحلول الطبيعية وتوافق الجماعات الداخلية (مصالح ومطامع إقليمية ودولية)
11. التنافس بين الدول والصراع حول الموارد
12. انحراف التدخل الإنساني الدولي وبروز الأجندة الخفية للدول المساهمة في التدخل. 
13. نزعة الانتقام الطبيعية نتيجة الأضرار الحاصلة (العنف الفطري).
14. الاعتقاد الشائع بأن الحروب هي وسائل لحل المشاكل.
15. التأثير المحدود لثقافة السلام .

السلام والعدالة
جاءت العدالة ممثلة في ظل تشريعات الكتب السماوية على مر العصور لكي تكون بمثابة الدستور الذي يحقق العدل والمساواة بين جميع أجناس البشر وأثبتت التجارب بأن السلام لا يتحقق إلا في ظل العدالة وبدونها فلا وجود للسلام فالعدالة تقوم على حفظ التوازن البشرى بتطبيق القوانين على وجه يحقق المساواة وعدم التمييز وإعادة الحقوق إلى أهلها ومحاسبة من يرتكبون جرائم في حق الآخرين وبذلك تكون العدالة جسرا يوصل إلى السلام وعليه في هذه الحالة يجب أن تكون العدالة أحد العناصر الأساسية لأي اتفاقية سلام وإلا لن تكون هذه الاتفاقية مقبولة كما أن أي محاولة لفصل السلام عن العدالة قد تؤدي إلى سلام سلبي أو حالة لا سلام  .
وللوصول إلى سلام عادل لا بد من احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني و تدعيم التعاون الدولي من أجل السلام وإعادة إحياء دور المنظمات الدولية مع استخدام معادلات جديدة مثل التدخل من أجل السلام على أن يقترن ذلك بعملية إصلاح الآليات الدولية القائمة على عملية اتخاذ قرار بالتدخل لتعبر بصورة أفضل عن الرأي العام العالمي لدى تناول مفهوم السلام بمختلف أجزائه. أي عند إقرار وصنع وحفظ وبناء السلام.

كيف نعالج العنف؟
تتعدد المواقف والأسباب والأشكال والأنواع لكن في النهاية العنف معناه واحد لا يختلف “إيذاء شخص” وإلحاق الضرر به، وانتزاع المراد منه بالقوة وإجباره على التنازل عنه ولمعالجة العنف وتحقيق السلام لا بد من .
1. تطبيق الديمقراطية واحترام الدستور.
2. تحقيق الأمن الغذائي.
3. محو الفوارق الاجتماعية والأزمة الطبقية.
4. رفع حالة التهميش و توفير متطلبات الحياة
5. احترام التنوع الاجتماعي  والعرقي والثقافي والديني.
6. تنمية روح الحوار والتسامح واحترام حقوق الإنسان.
7. غرس بذور المحبة والتعاون ونزع بذور البغض والشحناء.
8. المساواة أمام القانون ومحاربة التمييز

أهمية السلام
1. فرض النظام والأمن والاستقرار.
2. ضمان الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين.
3. التمتع بممارسة الديمقراطية وحرية التعبير.
4. تحقيق المساواة أمام القانون بين الجميع على اختلاف الألوان والأجناس والأعراق والأديان والثقافات.
السلام الاجتماعي
يتكون كل مجتمع من مجموعة من البشر، مختلفون بالضرورة عن بعضهم بعض، سواء في انتمائهم الديني أو المذهبي أو القبلي أو موقعهم الاجتماعي أو الوظيفي ولكن يجمعهم جميعا ما يمكن أن نطلق عليه “عقد اجتماعي”، أي التزام غير مكتوب بينهم، يتناول حقوق وواجبات كل طرف في المجتمع. الخروج علي هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق طرف، وإخلالا بالتزامات طرف آخر مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف.
تعريف السلام الاجتماعي
تعبير عن حالة توازن بين الأطراف المجتمعية المختلفة في المصالح، والقوة، والإمكانات، والإرادات و  يحافظ علي هذا التوازن “قوة”، ليست هي بالضرورة “قوة العضلات” أي العنف، ولكن هي في الأساس قوة القانون والشرعية.كما يساعد علي تسوية النزاعات أو الخلافات باعتباره المرجعية التي تعود إليها الأطراف المختلفة لحل مشكلاتهم ويساعد ذلك علي حدوث ما نطلق عليه “التوقع”. كل طرف يتوقع من الطرف الآخر سلوكا معينا، بناء علي ما يقع علي عاتقه من التزامات وواجبات، فإذا لم يأت بهذا السلوك، يعتبر ذلك خروجا علي العقد الاجتماعي السائد.
أنواع العقد الاجتماعي
1. العقد الاجتماعي المباشر. هو العقد الذي تبرمه الأطراف علي نحو محدد سلفا. مثل تحديد المكان، الزمان، التوقعات المتبادلة من جانب كل الأطراف. مثال علي ذلك عقد بناء مبني. يتوقع الطرف الأول (صاحب الأرض الفضاء وممول المشروع) من الطرف الثاني (شركة مقاولات أو حتى مقاول عادي) أن ينتهي من تشييد المبني بمواصفات محددة متفق عليها، وتجري عملية التسليم عبر مراحل زمنية محددة سلفا. ويتوقع الطرف الثاني من الطرف الأول مقابلا ماديا محددا في ضوء الالتزامات المطلوبة. هكذا تكون التوقعات المتبادلة واضحة بين الطرفين.
2. العقد الاجتماعي غير المباشر. هو العقد الذي يتعلق بالقيم والمعايير والمشاعر والاتجاهات، وما هو متفق عليه ضمنا بين مختلف الأطراف، والخروج عليه يبعث علي الاستنكار. مثال علي ذلك وعد الكلمة بين الأطراف التجارية، والأمانة في العلاقات بين البائع والمشتري، وهكذا.
يتحقق السلام الاجتماعي إذا كان العقد الاجتماعي المباشر وغير المباشر يجري علي أرض الواقع دون أية مشكلات، ولكن يتوتر، ويضطرب، وينحرف مساره إذا لم يجر احترام العقد الاجتماعي علي أرض الواقع.

أركان السلام الاجتماعي
توجد في  المجتمعات ظاهرة التنوع والتعددية واختلاف المصالح، وتتباين الاتجاهات و النظرة إلي الحاضر والمستقبل فكيف يمكن في ضوء كل هذا أن يتحقق السلام الاجتماعي بينهم؟
هناك عدة أركان للسلام الاجتماعي في أي مجتمع لا تتصل فقط بالتاريخ لكنها تقترب أكثر فأكثر من الإدارة السياسية للمجتمعات.
1. الإدارة السلمية للتعددية.
تعرف المجتمعات البشرية ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية واللغوية والإثنية. لم تعد هناك مجتمعات خالصة تضم أهل دين معين، أو مذهب معين، أو عرق معين أو لغة معينة. تحولت التعددية إلي قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة، بشريا ودينيا وثقافيا. التعددية في ذاتها لا تعني سوي ظاهرة اجتماعية، ويتوقف الأمر بشكل أساسي علي إدارة التعددية. هناك إدارة سلمية، تحفظ للجماعات المتنوعة التي تعيش مع بعضها بعضا مساحة للتعبير عن تنوعها في أجواء من الاحترام المتبادل، وهناك تعددية سلبية تقوم علي اعتبار التنوع مهدد من مهددات الوحدة الوطنية والأمن القومي  وليس “مصدر غناء وثراء واستقرار وتقدم “، يترتب علي ذلك العمل بقدر المستطاع علي نفي الآخر المختلف، لصالح الجماعات الأكبر عددا، أو الأكثر سلطة، أو الأوسع ثراء ونفوذا. يؤدي ذلك إلي حروب أثنية ومذهبية ودينية ويخلف وراءه قتلي وجرحي وخراب اقتصادي ودمار في البنيات وتوقف في التنمية والأكثر خطورة ذاكرة تاريخية تتناقلها الأجيال محملة بمشاعر الحقد وذكريات الكراهية والرغبة في الانتقام.
2. الاحتكام إلي القانون
يمثل “حكم القانون” في المجتمع الحديث أحد أهم عوامل تحقيق المساواة والعدالة في العلاقات بين الأفراد، والجماعات. يعني حكم القانون عدد من النقاط الأساسية:
أ) الأفراد متساوون أمام القانون بصرف النظر عن الاختلاف في اللون أو الجنس أو الدين أو العرق.
ب) مؤسسات العدالة، الشرطة والنيابة والمحاكم تطبق القانون علي الأفراد بحيدة كاملة بصرف النظر عن موقعهم الاجتماعي، أو انتمائهم الديني، أو نفوذهم السياسي.
ج) يكون اللجوء إلي مؤسسات العدالة ميسورا مكفولا للجميع لا يتحمل فيه الشخص أعباء مالية تفوق إمكاناته المالية أو مستواه الثقافي.
د) يحاكم الشخص أمام قاضيه الطبيعي، ولا يواجه أية إجراءات استثنائية بسبب انتمائه السياسي أو الديني أو المذهبي أو القبلي . 
هـ) تطبق مؤسسات العدالة القانون في إطار زمني معقول يسمح لها بتداول الأمر بجدية وفي الوقت ذاته لا يؤدي إلي إطالة أمد التقاضي علي نحو يضيع حقوق المواطنين.
و) تنفذ الأحكام الصادرة عن مؤسسات العدالة بحزم دون تسويف أو تأخير.
هذه المعايير الأساسية التي تحكم تجسد مفهوم حكم القانون في المجتمع. يؤدي حضورها إلي ما يمكن أن نطلق عليه “التوقع الاجتماعي”، ويعني ذلك أن الأفراد يتوقعون نظاما قانونيا في المجتمع، يحكم علاقات بعضهم بعضا، يقوم علي وضوح القوانين، وشفافية عملية التقاضي، والحزم في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية واجبة النفاذ. غياب بعض هذه المعايير أو جميعها إلي إهدار لمفهوم المساواة بين المواطنين في المجتمع، ويدفع الأفراد إلي الاستناد إلي قوانين من صنعهم، مثل البلطجة، والرشوة، وجميعها تعبر عن اهتزاز مفهوم حكم القانون في نفوس الأفراد، وهو ما يؤثر علي السلام الاجتماعي في المجتمع.
3. الحكم الرشيد
الحفاظ علي السلام الاجتماعي في أي مجتمع يحتاج إلي حكم رشيد. كثير من القلاقل والإضرابات والحروب تحدث من جراء غياب المشاركة وسرقة إرادة الناس و المال العام. من هنا يحتاج السلام الاجتماعي إلي الحكم الرشيد وهي مجموعة من المفاهيم الأساسية، يمكن تعريفها بإيجاز في :
أ) المساءلة : وتعنى تقديم كشف حساب عن تصرف ما. وتشمل المساءلة جانبين هما: التقييم والثواب أو العقاب. ويعنى أن يتم أولاً تقييم العمل ثم محاسبة القائمين عليه. يكون ذلك من خلال تفعيل دور المؤسسات السياسية مثل مجلس الشعب أو البرلمان والمؤسسات الرقابية والصحافة ومنظمات حقوق الإنسان الأمر الذي يؤدي إلي رفع مستوي النزاهة في الحياة العامة.
ب) الشفافية : وتعنى العلنية في مناقشة الموضوعات وحرية تداول المعلومات في المجتمع. تساعد الشفافية في تداول المعلومات علي تحقيق المساءلة الجادة حين تتوفر الحقائق أمام المواطنين في المجتمع.
ج) التمكين : ويعنى توسيع قدرات الأفراد ومساعدتهم على تطوير الحياة التي يعيشونها. ويشمل تمكين المواطنين وتحويلهم من “متلقين” سلبيين إلى “مشاركين” فاعلين يكون ذلك من خلال رفع قدراتهم ومساعدتهم علي تنمية أنفسهم والارتقاء بنوعية الحياة.
د) المشاركة : وتعنى تشجيع الأفراد علي المشاركة في العمل العام وإزالة العقبات من أمامهم. تأخذ المشاركة عدة صور منها المشاركة السياسية (عضوية الأحزاب، الانتخابات، الخ) والمشاركة الاجتماعية (مؤسسات العمل الأهلي، الجهود التطوعية، الخ)، والمشاركة الثقافية (دخول الحياة الثقافية، وتقدم منتجات ثقافية في شكل كتب أو أعمال فنية، الخ. 
هـ)  محاربة الفساد : و الفساد يعنى سوء استخدام الموقع الوظيفي من أجل تحقيق مكاسب شخصية. سياط الفساد يلهب ظهور الناس كل يوم في صورة شراء سلعة أكثر من ثمنها، والحرمان من خدمة يحتاجها الشخص، أو عدم الحصول علي فرصة عمل لغياب الواسطة.وربط حصول على الخدمة بتقديم الرشوة، فقد تحول الفساد إلي أداة لتسيير الحياة اليومية من خلال تحريك تروس البيروقراطية المتكلسة، وشراء الولاء، وتجنيد التابعين، وحشد الأنصار، وبناء قاعدة التأييد، وخدمة المصالح الضيقة، وهو ما يتسبب بالضرورة في إحداث فجوة حقيقية بين الأغنياء والفقراء في المجتمع، وهو ما يؤدي إلي ارتفاع مستوي التوتر الاجتماعي ولجوء بعض الفئات إلي العنف والجريمة.
4. حرية التعبير
تعد حرية التعبير من مستلزمات عملية بناء السلام الاجتماعي في أي مجتمع. فمن الثابت أن المجتمعات تقوم علي التعددية الثقافية والدينية والنوعية والسياسية، كل طرف لديه ما يشغله، وما يود تحقيقه. القاسم المشترك بين الجماعات المختلفة هو أساس بناء المجتمعات. ولا يتحقق السلام الاجتماعي دون أن تتمتع كل مكونات المجتمع من مساحات متساوية في التعبير عن آرائها وهمومها وطموحاتها. في مناخ عقلاني يسوده الانفتاح يمكن الاستماع إلي كل الأطراف وتفهم كل الآراء دون استبعاد لأحد بهدف الوصول إلي الأرضية المشتركة التي يلتقي عندها الجميع. أي التأكيد علي أن “حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون والنقد الذاتي والنقد البناء ضمان لسلامة البناء الوطني و أن تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والإبداع الأدبي والفني والثقافي، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك”وصولا إلى سلامة البناء الوطني.
5. العدالة الاجتماعية
تعد العدالة الاجتماعية ركنا أساسيا من أركان السلام الاجتماعي. لا يمكن أن يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت أقليته تحتكر كل شيء وغالبيته تفتقر إلي كل شيء. الصراع بين الطرفين سيكون السمة الغالبة. ولا يقتصر مفهوم العدالة الاجتماعية علي المشاركة في الثروة والسلطة وتوسيع قاعدة الملكية لتشمل قطاعات عريضة من المجتمع والحصول علي نصيب عادل من الخدمات العامة ولكن يمتد ليشمل ما يمكن أن نطلق عليه “المكانة الاجتماعية” التي تتحقق من خلال مؤشرات واضحة مثل التعليم والصحة . وتقتضي العدالة الاجتماعية أن يحصل كل شخص علي فرصة حياتية يستحقها بجهده وعرقه وهو ما يعني انتفاء كافة أشكال المحسوبية والواسطة التي تعد الباب الملكي للفساد. 
6. إعلام المواطنة
يحتاج  المجتمع إلي إعلام تعددي يساعده علي ممارسة التعددية من ناحية ويكشف الأمراض الاجتماعية والسياسية والثقافية بهدف معالجتها والنهوض بالمجتمع. هنا نفرق بين نوعين من الإعلام. إعلام المواطنة، وإعلام ضد المواطنة. ما يحتاج إليه السلام الاجتماعي قطعا هو إعلام يعزز المواطنة.
يقصد بإعلام المواطنة أن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام. وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع. هناك هموم للفقراء وهموم للمرأة وهموم للمسيحيين والمسلمين وأصحاب المعتقدات الأخرى وهموم للعمال،……الخ. من الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في وسائل الإعلام. وكلما وجد المواطن العادي مساحة تعبير ملائمة عن همومه في وسائل الإعلام كلما كان ذلك مؤشرا علي أن الإعلام ذات طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن. 
وعلي العكس مما سبق هناك إعلام يلعب دورا ضد ثقافة المواطنة سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع، أو بتفضيل التعبير طبقيا أو سياسيا أو ثقافيا أو دينيا أو عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم. وقد يصل الأمر إلي أبعد من هذا حين يوظف الإعلام ذاته كأداة صراع سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو دينيا من خلال تأليب مجموعات من المواطنين علي بعضهم البعض أو نشر ثقافة البغضاء في المجتمع أو ترويج ثقافة الأقلية وتجاهل ثقافة الأغلبية أو تصوير قطاعات من البشر بصورة سلبية وحجب الحقائق مما يدفع  من المواطنين إلي التعامل معهم بتعالِ غير مبرر.
7. ذاكرة العمل المشترك.
يختبر كل مجتمع أيا كانت لحظات تعثر وتراجع. المطلوب هو تجاوز هذه اللحظات بما يسمح ببنيان المجتمع علي أسس سليمة من التجانس والتلاحم والاحترام المتبادل. من هنا يحتاج المجتمع إلي تأكيد مستمر علي ذاكرة العمل المشترك تذكر لحظات الوحدة دون أن يكون هاجس كل الأطراف هو الحديث عما يفرق الجماعة ويبعثرها.
هناك من يقرأ التاريخ بحثا عن العوامل التي تدعم الوحدة. وهناك من يقرأ التاريخ بحثا عن العوامل التي تعمق الشقاق. المطلوب هو نقل ذاكرة العمل المشترك للأجيال الصاعدة ومهما كان من أمر المشكلات يكون النقاش حولها من منطلق البحث عن حلول تعمق خبرة العمل المشترك.
ثقافة السلام
ثقافة السلام تعني : ثقافة التعايش والتشارك المبنية على مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية  والتسامح والتضامن  وهي ثقافة ترفض العنف وتتشبث بالوقاية من النزاعات في منابعها وحل المشاكل عن طريق الحوار والتفاوض.
كلُّنا يتوق إلى الأمن والسلام، وكلُّنا يدَّعي أنه يعمل من أجل الحرية والسلام والتقدم. لكن أخطر ما يحدث اليوم أن الحروب تُشَنُّ باسم هذه القيم ، نعم تُشَنُّ الحروبُ باسم حقوق الإنسان! تُشَنُّ الحروب باسم الديمقراطية! تُشَنُّ الحروب باسم السلام! بل يحلو لبعضهم الظهورُ بمظهر الحكماء فيتبجَّحون قائلين: “إنْ أردتَ السلام فاستعد للحرب” فأين نحن من السلام ؟  السلام الحقيقي؛ السلام الذي يأبى سَفْكَ الدماء ويرفض التدمير والقتل والتشريد والحرق .
لقد آن الأوان لنَقْدِ مفاهيمنا وتغييرها عن الحرب والسلام عن العنف والعنف المضاد عن دوامات العنف التي لا تنتهي: “العين بالعين ويصبح الجميع أعمى…” (غاندي) لقد آن الأوان لوضع أسُسٍ جديدة لثقافة السلام.
للعنف أشكال مختلفة: منها العنف الجنسي واحتقار الرجل للمرأة وتمجيد القوة والذكورة؛ والعنف الاقتصادي الذي يمنع الفرد أو المجتمع من أن يكون منتجًا، وينهب ثرواته وأمواله، ليحوِّله إلى مجرَّد مستهلك؛ والعنف العرقي والقومي الذي يستبيح الشعوب الأضعف أو الأقلِّيات أو القوميات التي تُعتبَر أدنى مرتبة والعنف الثقافي الذي يمنع مجتمعًا ما من التعبير عن خصوصيته الثقافية ويمنعه من النطق بلغته ويمنعه من التفتح والتعلم والتطور والعنف الذي يمنع حرية المعتقد وممارسة الشعائر ويمنع العمل السياسي ويفرض قِيَمَه ومعاييره وإيديولوجيته والخطير في هذا الشكل من العنف أن وراءه مؤسَّسات تمارسه كالحكومات أو الأحزاب أو الجامعات أو وسائل الإعلام إلخ. إن أيًّا من العوامل السابقة يمكنه أن يتحول في لحظة من الزمان إلى سبب “وجيه” لاشتعال الحروب الداخلية والخارجية، ولاشتعال الكوكب!
لقد شهدنا التعاطف والتضامن الذي ينشأ بين الدول والمجتمعات عند حدوث كارثة طبيعية وشهدنا المظاهرات التي تعمُّ الأرض كلما خيَّم شبح الحرب على العالم وعرفنا القلق والرعب “الكوكبي” عند انتشار فيروس في مدينة ما من العالم و شاهدنا الآثار القريبة والبعيدة مكانيًّا لكارثة تشرنوبيل وشاهدنا الترويج الإعلامي عندما تغرق سفينة ما تنقل البترول في المحيط ما أو تحتجزه القراصنة في مضيق ما وعرفنا الآثار الاقتصادية لانهيار العملات والبورصات  في الغرب أو في الشرق على الاقتصاد العالمي. أما المقابر الجماعية وإبادة الجنس البشري في دولة ما ومآسي الشعوب المقهورة في خيامهم البالية فهي تأتي في ذيل اهتمامات العالم ومتروكة لحماة حقوق الإنسان ومنظماتهم التي لا تملك سوى الاحتجاج والتقارير عند حدوث هذه الجرائم .
إن إرسال فرق الاستطلاع والاستقصاء من قبل الجمعيات الأهلية والدولية العاملة من أجل السلام لا بدَّ أن يصبح تقليدًا راسخًا وقانونًا فاعلاً لمنع الظلم والاضطهاد والقتل ولإيقاف النزاعات الداخلية في دولة ما أو بين الدول. وسيرفد محبُّو السلام والباحثون في السلام هذه الهيئات بالأبحاث الضرورية لتوفير فهم أعمق وأشمل للمشكلة لاقتراح الحلول وللتقريب بين الأطراف المتنازعة. لا بدَّ من أن يصبح تحقيق السلام بالطرق السلمية واقعًا حيًّا ملموسًا. ولا بدَّ من تطوير الأطُر القانونية للتدخل بحيث يصبح التدخل واجبًا ومسؤولية لا تخضع لمصلحة دولة بعينها أو مجموعة من الدول.
حفظُ السلام يعني إيقاف الاقتتال ووقف إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات والمقدَّرات والثروات. أما صنع السلام كمرحلة تالية فهو تشخيص الخلاف البحث عن حلول واقعية وناجعة ودائمة للنزاعات: وهنا يبرز دورُ نشطاء السلام في بثِّ هذا الوعي باستخدام ما تتيحه التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة لتفعيل هذا الدور ولِلَفْتِ الرأي العام إلى فوائد السلام الآنية والمستقبلية. وستساهم ثقافةُ السلام في بناء السلام الثابت والدائم لأنها ستغير من أسُس العنف الاجتماعية والإيديولوجية والدينية والسياسية والعرقية.
 لقد استغنتْ البشرية في تطورها عن العديد من المؤسَّسات: فقد انتهى نظام العبودية مثلاً منذ زمن ليس ببعيد وانتهت المَلَكية على الأقل في شكلها التقليدي أو تغيَّر دورُها منذ زمن ليس ببعيد وعرفت أوروبا في فترة من تطورها، تغيرًا جذريًّا في دور الكنيسة وثمة دول حيادية للمؤسَّسة العسكرية فيها دورٌ محدود جدًّا وعليه لا بد من تفعيل دور ثقافة السلام مقابل طبول الحرب والعنف وذلك بفضح الممارسات غير الديمقراطية ومراقبة الدول التي لا تحترم حقوق الأفراد والجماعات وكشف الجرائم التي ترتكب في حق الإنسان وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي تحدث يوميا في أنحاء متفرقة من العالم وهذه من مهمات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان في العالم والمنظمة الدولية والمنظمات الإقليمية وهذا يقتضي مراجعة حقِّ الفيتو في مجلس الأمن وتطوير القوانين لكي تصبح المنظمات الدولية أكثر فاعلية وقدرة على التدخل إذا اقتضت الضرورة بإرسال قوات لحفظ السلام للحيلولة دون وقوع الانتهاكات المنظمة ضد الإنسان وكبح المدججون بإيديولوجية الكراهية والاستعلاء على البشر.
لا يمكن فصل بناء السلام عن ثقافة السلام لأن السلام ليس بنية نهائية وثقافة السلام تجعل من السلام بنية ديناميكية تمنع نشوء النزاعات أو تجعل حلَّها ممكنًا بالطرق السلمية دون اللجوء إلى العنف وبالتالي فإن الحالة التي ترمي ثقافةُ السلام  للوصول إليها تستغني عن الحاجة إلى قوات لحفظ السلام . ثقافة السلام تغيِّرنا من الداخل وصولاً إلى حالة يتحلَّل فيها العنفُ البنيوي ليعبِّر الإنسان عن طبيعته الجوهرية التي تضعه على سكة التطور الطبيعي صوب غاية الوجود والدفاع عن الضحايا لأن الضحايا هم نحن! .
مرتكزات ثقافة السلام
1. السلام هو أساسا احترام الحياة .
2. السلام هو أغلى ما يوجد لدى الإنسانية .
3. السلام هو أكثر من مجرد نهاية الحروب المسلحة .
4. السلام هو سلوك .
5. السلام هو اندماج حقيقي للكائن الإنساني في مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والتضامن بين كل البشر .
6. السلام هو تزاوج منسجم بين الإنسانية والبيئة .

“عندما لا تجتاز البضائع الحدود فسوف يعبرها  الجنود.”  فريدريك باستيا
الحلقات القادمة
قيم ومبادئ المجتمع الحر
1. المساواة
2. التسامح
3. العدل
4. محاربة الفساد
 هارون سليمان
[email protected]
ماجستير في دبلوماسية السلام والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *