بقلم: عبد العزيز التوم ابراهيم
(1)
انه في يوم 2/7/2013 في مدينة نيروبي وبينما كنت اقرأ تقريرا مطولا للبرلمان الكيني حول تداعيات اتهام الرئيس الكيني “اوهوروا” ونائبه “روتو” لدي المحكمة الجنائية في جرائم ضد الانسانية ارتكبت بالتحريض عقب انتخابات 2007 وقتل 1000 شخص و 600,000 شخص اجبروا علي النزوح ، وكان هنالك رجل يجلس علي يميني في المقعد الذي يلاصق مقعدي ، يلمح لي بشدة من حين لاخر وانا لم الق له بالا ،ويبدو انه من انصار الرئيس لما تبدو عليه علامات النعمة والرطوبة في وجهه ،فسالني للمرة الاولي فادعيت انني لم اسمعه(عملت عضان جلد) فسالني مرة ثانية بالحاح هل انت سوداني ؟ فقلت له نعم .فقال لي اراك منغمصا في قراءة هذا التقرير الذي يتكون من صحفتي الجريدة منذ ان تحركنا من المحطة! فكان ردي نعم قضيتنا مثل قضيتكم لان رئيسنا ايضا مطلوب لدي المحكمة الجنائية الدولية ،فغضب الرجل من هذه العبارة وقال لي بالحرف الواحد ان قضيتنا ليست مثل قضيتكم وليست اي ثمة وجه مقارنة لان رئيسكم ارتكب افظع الجرائم بما لا يضاهيها اي فظائع في القرن الواحد وعشرين يدمي ضمير الانسانية جمعاء واسترسل في الحكي وكأن لم أكن سودانيا وشاهدا علي تلك المجازر والجرائم التي ارتكبت في حق مواطنينا ،وذكر ان البشير ارتكب مجازر وابادة جماعية في الجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق ودارفور واي مكان في السودان فكيف تقارنه مع رئيسنا، فاعتذرت له قائلا: انا فقد اقصد من حيث انهما مطالبان لدي المحكمة لا اكثر. انتهي الحوار . ولعلي اجد نفسي اتفق مع هذا الرجل في بعض الجزئيات، انه ليس من العدالة وضع البشيرفي منصة واحدة مع ” اوهوروا” علي الرغم من ان كلاهما ارتكبا جرائم ضد شعوبهم، علاوة علي ذلك ان البسير ارتكب من الجرائم والفظائع في حق الانسانية بما لا يوجد لها اي نظير او وجه مقارنة مع اي جرائم اوفظائع ارتكبت في القرن الواحد والعشرين، ووصف هذا المأساءة بواسطة المنظمات الدولية المختصة بانها اكبر كارثة انسانية! بلاضافة الي ذلك رفضه المباشر في التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وحشد كل الطاقات والجهود والتعبئة علي مختلف الاصعدة لمواجهة المحكمة الجنائية الدولية بادعاءات عدم ولايتها علي قضية السودان في دارفور،بالمقابل ابدي الرئيس الكيني تعاونه التام مع المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم الموجهه له كما هو الحال لدي نائبه.
(2)
في شهر سبتمبر2013 عقد البرلمان الكيني جلسة ،وانه لحق لا يمكن ايضا مقارنة البرلمان الكيني مع البرلمان السوداني والذي في خلاصته عبارة تجمع من الجهلة والاميين والحاضرين الغائبين والمغيبين ، لا يجيدون الا لغة واحدة وهي لغة YES OR NO علي حسب ما يمليه لهم اهواء سلطة البشير ،انهم عديمي الارادة حقا وبالتالي هذا لا يمكن ان يطلق عليه بالبرلمان وهو نادي او دار سياسي لمباركة ومناصرة السلطة التنقيذية ،بالمقابل نجد ان مجلس الشيوخ والبرلمان في كينيا يناقشان القضايا التي تهم المواطنين بكل شفافية ووضحوح وتبث علي الهواء مباشرة ،وانا شخصيا كنت اجد اللذة في متابعة تلك الجلسات لما يتمتع به الاعضاء من مؤهلات علمية ووعي ودراية كاملة بما يتناسب مع مهاماتهم العظيمة. ولكن لطبيعة الفعل السياسي في افريقيا ومأزق الاغلبية في الممارسة الديمقراطية ،نجد ان دائما يكون للرئيس اغلبية داخل البرلمان مما يجعل البرلمان يفقد وظيفته الجوهرية ويتحول لمجرد اداة لمساندة سياسات الرئيس ،وهذا بالضبط يمكن ملاحظته من خلال المداولات التي تمت بشان حول كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية ازاء اتهام الرئيس ونائبه في جرائم ضد الانسانية ،وكانت المحصلة النهائية للمداولات هي الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية الا ان هذا الراي لم يكن ملزما للرئيس ونائبه كما انهما لم ينسحبا فعلا من المحكمة.
(3)
ليس بغريب لدي اي شخص ان تكون تخريجات اجتماع الاتحاد الافريقي بهذه الشاكلة! لان جل هذه القيادات مغتصبي ارادات شعوبهم ولا يعرفون معني الانسانية والعدالة ! وتاكيدا علي هذا الاتجاه اللاانساني حيث طالب اجتماع قمة الاتحاد الافريقي مجلس الامن الدولي بتاجيل محاكمة الرئيس الكيني والذي يزمع ان تبدا محاكمته في 12 نوفمبر بموجب المادة 16 من ميثاق روما، والا في حالة عدم الاستجابة لهذا المطلب فان علي الرئيس الكيني عدم المثول امام المحكمة . بصدد هذا القرار المتهافت يجب علي الكينين الا يجروا مستقبل دولتهم الي المهالك والانسياق وراء اراء بعض القيادات الافريفية الذين يفتخرون للشرعية اصلا،وان النهج الذي سلكتها الحكومة الكينية ابتداء في التعاون مع المحكمة نهجا سليما يمكن ان يجنب البلاد من ويلات العزلة الدولية ،كما ان اي عدم التعاون يعني اصدار امر باعتقال للرئيس الكيني وحينها يغني كما غني الرئيس عمر البسشير “ظلمونا ” ويتغرد بها في اي محفل من المحافل حتي سار اغنيته المفضلة المحكمة الجنائية الدولية. اما بشان عمر البشير الذي صدر في حقه فعلا امر اعتقال وبعض المحاولات البائسة التي يقوم بها بعض اصدقائه المزيفون لجر الاتحاد الافريقي في وحل الانسحاب مسالة غير منتجة ،وسيظل عمر البشير مطلوب ومطارد ومعزول وتلاحقة كوابيس المحكمة الجنائية الدولية لحين القبض عليه ، وان امر اعتقاله ومحاكمته مرهون للزمن فقط لا تشفع له هذه المناورات والابلسة!.
(4)
انها خيانة عظمي لاحلام المفكر والزعيم الافريقي “كوامي نكروما ” من قبل الاتحاد الافريقي ،كان نكروما يحلم بان يقوم الاتحاد الدول الافريقية التي تعبر حقا عن ارادات شعوبهم ،ويحمل هموم وتطلعات الانسان الافريقي في عين الاعتبار ،ومما لا يدع مجالا للشك ان الشعوب الافريقية خاضت نضالات وتضحيات جبارة من اجل نيل حريتها، وحتي يتمكنوا من تقرير مصيرهم بانفسهم دون اي وصاية او املاءات من اي جهة كان، ولكن دائما تاتي الخيبات من رحم الاعمال العظيمة، كون ان تسرق هذه التضحيات من قبل الدكتاتوريات وتوظف لتقزيم افريقيا امر يؤرق الضمير الافريقي،ومن بداهات الامور في افريقيا ان الاستعمار ساهم بشكل كبير في صياغة تربة سياسية لا تنبت فيها بذور الديمقراطية وكما لا ننسي ان هذا الامر يجب الا يكون مطية للهروب من مواجهة هذه الاشكاليات المستعصية كما هو الحال عند كثير من القيادات جعلوها شماعة لسياساتهم الفاسلة الانتحارية ! ولكن الانكي والأمر ان الانظمة التي تلت الاستعمار دمرت كل فرص بناء افريقيا تارة باسم الثورة والتحرر وطورا اخري باسم نظرية المؤامرة ،انظر كيف يتاجر “موغابي” باسم التحرر. السؤال المهم والذي يتطلب منا جميعا عناء البحث في افريقيا ،كيف نستطيع صياغة اتحاد افريقي تنبع من ارادات هذه الشعوب المغلوبة علي امرها؟.
[email protected]