كيف حطم الرئيس البشير صنم الحوار الوطني الذي بناه بيديه ؟

ثروت قاسم
Facebook page : https://m.facebook.com/tharwat.gasim
Email: [email protected]

1- ضؤ في العتمة
في يوم الثلاثاء اول نوفمبر 2016 ، عين الامين العام للامم المتحدة بان كي موون ، الدكتور عبدالله هامدوك ( السوداني الجنسية ) ، اميناً تنفيذياً للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للامم المتحدة .
التاريخ يعيد نفسه ، وفي هذه الحالة في شكل عرس سوداني باذخ ، فقد كان السوداني مكي عباس اول امين تنفيذي لهذه اللجنة من عام 1959 ، وحتى عام 1961 .

تكونت هذه اللجنة في عام 1958لتنمية التعاون الاقتصادي بين الدول الافريقية ( 54 دولة ) ، ومقرها في اديس ابابا .
كان الدكتور عبدالله يعمل في وزارة المالية في السودان حتى عام 1987 ، وبعدها عمل في شركة مستشارين خاصة في زيمبابوي حتى عام 1995 ، وفي منظمة العمل الدولية في زيمبابوي حتى عام 1997 ، وفي بنك التنمية الافريقي في ساحل العاج حتى عام 2001 ، وبعدها انضم للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للامم المتحدة في اديس ابابا في عدة مواقع سامية حتى صار نائب الامين التنفيذي ، وفي يوم الثلاثاء اول نوفمبر 2016 ، اصبح الامين التنفيذي للجنة الاقتصادية لافريقيا التابعة للامم المتحدة ، حتى توكيده في وقت لاحق .
ضؤ في العتمة التي تلف بلاد السودان .
tharwat_tharwat

2- عبقريات السيد الامام .

من عبقريات السيد الامام ، وهي كثيرة وعبقرية في عبقريتها ، عبقريتة المتفردة في اختزال المواقف المعقدة والمشبوكة شبكة فرح ودتكتوك ، في عدة كلمات ، بل في كلمة او كلمتين ، تعبير او تعبيرين ، فيتفكك الموقف المعقد الى مكوناته الاولية ، ويصير واضحاً وضوح الشمس في رابعة نهار الخرطوم . السيد الامام نجار فكري بإمتياز ، فهو ينجر في ورشه الفكرية التعابير التي تسير بها الركبان ، بما في ذلك الامم المتحدة ، كما في مفهوم محاكم الهجين . هذه خاصية استثنائية لا تتوفر الا لاولى العزم الفكري ، واصحاب الموسوعات والخزانات الفكرية الباذخة.

ويمكننا ان نعدد مئات التعابير العبقرية الكاشفة من سنديكاليات الستينات ، الى ما نحن بصدده في هذه المقالة من اختزال عبقري لتداعيات ومآلات عملية الحوار الوطني .

نعم … اختزل السيد الامام كل عملية الحوار الوطني ، ماضيها وحاضرها ومستقبلها في امرين اثنين لا ثالث لهما ، وهما :

اولاً :

تفعيل نظام البشير لمخرجات الوثيقة الوطنية للحوار ، وتوصياته النصف الفية .

ثانياً :

إنفاذ نظام البشير لبنود خريطة طريق مبيكي ، التي وقع عليها في مارس 2016 .

يالهما من مطلبين في سهولة ما يتقيأه الرئيس البشير من اكاذيب يومية ، تعلمها من عرابه الذي ذهب الى السجن حبيساً ، وارسل العميد البشير الى القصر رئيساً ؟

ولكن ورغم سهولة تفعيل كل واحد من هذين المطلبين ، ورغم ان كل واحد من المطلبين من مبادرات وادبيات ، بل من بنات افكار نظام البشير … ولكن وكما عودنا نظام البشير منذ فجر الجمعة 30 يونيو 1989 ، سوف يخرخر نظام البشير في تفعيلهما . ولا نلقي الكلام على عواهنه ، ولا نتكلم من فراغ ، وانما نتوكأ على شواهد وآيات صلدة صدرت من الرئيس البشير شخصياً منذ يوم الاثنين 10 اكتوبر 2016 … يوم اعتماد الوثيقة الوطنية للحوار الوطني ؟

دعنا نستعرض تفعيل ، وإن شئت الدقة ، عدم تفعيل نظام البشير لكل واحد من الامرين اعلاه في النقاط التالية .

3- عدم تفعيل مخرجات الوثيقة الوطنية للحوار الوطني وتوصياته .

منذ اعتماد الوثيقة الوطنية للحوار في يوم الاثنين 10 اكتوبر 2016 ، حدثت عدة شواهد وآيات اكدت ، بما لا يدع مجالاً لاي شك ، بان الرئيس البشير غير جاد في إنفاذ وتفعيل التوصيات والقرارات المُضمنة في الوثيقة الوطنية ، التي تؤكد كل المؤشرات ان مصيرها سوف يحاكي وثيقة ملتقى كنانة في عام 2008 … ارشيف الدار القومية للوثائق .

نختزل ادناه ثلاث احداث ، مثالاُ وليس حصراً ، لتوكيد عدم جدية الرئيس البشير ونظامه في إنفاذ وتفعيل الوثيقة الوطنية للحوار ، التي سوف تبقى حبراً على ورق :

اولاً :

في مساء يوم الاحد 20 اكتوبر 2016 ، عقدت اللجنة الرئاسية للحوار الوطني اجتماعاً هاماً للنظر في إنفاذ الوثيقة الوطنية للحوار الوطني . ورغم اهمية الاجتماع القصوى ، تغيب رئيس اللجنة الرئيس البشير عن الاجتماع ، لانه كان في فراش عزاء المرحوم صهره زوج بنت اخته ، حسب بيان الفريق طه عثمان مدير مكاتب الرئيس البشير . هذا الغياب الرئاسي من اجتماع مفصلي ، ولسبب هامشي ، يؤكد تدني إنفاذ وتفعيل مخرجات الوثيقة الوطنية للحوار في سلم اولويات الرئيس البشير .

ثانياً :

من مقاصد الحوار الوطني الانتقال إلى مناخ جديد نحو السلام والحكم الوفاقي والدستور الديمقراطي . وبالتالي كنا نتوقع من الرئيس البشير ان يقول للناس حسناً ، حتى يتبعه صحبه الكرام ، فتسود الالفة وعدم الاستقطاب بين اصحاب المصلحة في النظام والمعارضة . ولكن العكس تماما هو ما حدث ، وما يحدث حالياً .

في يوم الاثنين 10 اكتوبر في قاعة الصداقة ، وفي يوم الثلاثاء 11 اكتوبر 2016 في الساحة الخضراء ، هدد الرئيس البشير الممتنعين عن التوقيع على الوثيقة الوطنية للحوار بانه سوف يلاحقهم في الغابة وفي جحورهم ، وكانهم فيران مُستنفرة .

بعدها ولان الناس على دين ملوكهم ، اشتعلت التصريحات العنترية من قادة النظام ، وبدأت الحرب اللفظية التي تطفح بالكراهية والحقد والوعيد ضد قادة تحالف قوى التغيير ، الامر الذي شوه المناخ السياسي ، وتدهور الوضع نحو الاستقطاب .

ثالثاً :

في مدابرة لقرارات الوثيقة الوطنية للحوار التي تلزم النظام باطلاق سراح الاسرى ، وفي إنتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية وقوانين معاملة أسرى الحرب ، وفي يوم الاحد 30 اكتوبر 2016 ، منع النظام ممثلاً في سلطات سجن كوبر تقديم الرعاية الطبية والدواء للاسير ابراهيم الماظ نائب رئيس حركة العدل والمساواة ، بل استمر حبسه في غرفة انفرادية لاكثر من 3 اشهر ، وهو المريض بالفشل الكلوي وداء السكري ؟

فتأمل !

4- عدم إنفاذ نظام البشير لبنود خريطة طريق مبيكي ، التي وقع عليها في مارس 2016 .

كما ذكرنا في مقالة سابقة ، وفي في حواره مع صحيفة الشرق الاوسط في المدينة المنورة مساء الاثنين 24 اكتوبر 2016 ، اكد الرئيس البشير على النقاط التالية :

اولاً :

قال الرئيس البشير نصاً :

… ولا مكان لاي جهة خارجية للتحاور معها .

بهذه الكلمات الواضحة الفاضحة ، رفض الرئيس البشير وساطة مبيكي . وبالتالي خريطة طريق مبيكي التي وقع عليها نظامه في مارس 2016 .

ولم يرمش للرئيس البشير رمش وهو يتفوه بهذه الكلمات الصادمة ، وطنياً واقليمياً ودولياً ، والتي سوف يكون لها ما بعدها .
حتما سوف يبلع الرئيس البشير هذه الكلمات ، كما بلع غيرها ، وهو يحاكي ( مسكين ) صلاح جاهين :

قال :

وقفت ابص للموج من قنطرة .

محتار !

الصدق فين والكذب فين يا ترى ؟

نطق الحوت وقال لي :

مسكين … هو الكلام بتقاس بمسطرة ؟

عجبي

ثانيا

ذكرنا الرئيس البشير بانه في يوم الاثنين 10 اكتوبر 2016 ، تم عقد المؤتمر العام للحوار الوطني ، وانتهت عملية الحوار بانتهاء المؤتمر في نفس يوم الاثنين 10 اكتوبر .

قال الرئيس البشير ان الوثيقة الوطنية للحوار الوطني سوف تكون مفتوحة للتوقيع عليها كما هي ، ومن اراد التوقيع فعليه الذهاب إلى سكرتارية الحوار ، ليطلع على الوثيقة ويوقع عليها ، وهم صاغرون .

بتوكيداته القاطعة ، قفل الرئيس البشير باب الحوار .
نسي الرئيس البشير ان الحوار شأن مستمر و طريقة حياة ، ما بقيت الامم على سطح الأرض . حاور سبحانه وتعالى ابليس كما حاور الملائكة ، وحاور الرسل اقوامهم ، بل أمر سبحانه وتعالي موسى الكليم ان يقول قولاً ليناً لفرعون مصر الذي طغى ، لعله يتذكر او يخشى ؟

لا يستطيع الرئيس البشير ان يمنع الشعب من التحاور حاضراً و مستقبلاً .

ثالثاً :

برفضه الحوار مستقبلاً مع تحالف قوى التغيير ، يرفض الرئيس البشير إجتماع اديس ابابا التحضيري . المُضمن في قرار مجلس السلم والامن الافريقي في اجتماعه رقم 539 في اغسطس 2015 . ويرفض بالتالي المؤتمر الدستوري الجامع في الخرطوم الذي من المفروض ان يكون حكومة قومية انتقالية تشرف على عقد انتخابات رئاسية وتشريعية وولائية ، ووضع دستور انتقالي للسودان ، وصولاً للسلام العادل الشامل ، والتحول الديمقراطي الكامل .

برفضه الحوار مستقبلاً مع تحالف قوى التغيير ، يتحدى الرئيس البشير المجتمع الدولي ، والاقليمي ، والوطني … فهل هو مستعد لتحمل تبعات هذا التحدي؟

ثم الا تنظر ، يا هذا ، فترى الرئيس البشير يحطم صنم الحوار الوطني الذي بناه بيديه في يوم الاثنين 27 يناير 2014 ، محاكياً المراة العجوز في الكتاب التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثاً ؟

ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الابصار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *