بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي
بمناسبة الاحتفال بوفد الأحزاب والقوى السياسية المصرية الزائر للسودان
دار الأمة – 7 مايو 2011م
تحية ترحيب وتدبر. واعتبار وتطلع لمستقبل وحدوي لوفد الأحزاب والقوى السياسية المصرية الزائر للسودان.
نرحب ترحيبا حاراً بالأشقاء من شمال الوادي ونكرر لهم التهاني على نجاح الثورة الديمقراطية الشعبية التي استردت لمصر كرامتها ومكانتها وشدّت إعجاب العالم بما فيها من عبقرية الابتكار وحضارية السلوك. ونرجو أن تجدوا في وطنكم الثاني السودان مرحباً وأهلا ومكاناً سهلا.
العلاقات السودانية المصرية هي العلاقات الأهم للبلدين ولكنها كذلك الأعقد والأكثر ضحية لسوء الفهم.
العالم مدرك تماماً لدور مصر الحضاري القديم ولدورها الكبير في ظل الدول الإسلامية التاريخية منذ الصدر الأول، فالأموي، فالعباسي، فالعثماني، ثم دورها في العالم العربي بعد أن حققت الدول العربية استقلالها.
ولكن الغموض مخيم على دور السودان التاريخي حتى أن الآثاري السويسري شارلس بونيه عندما هم بمشروع حفريات كرمة في شمال السودان قيل له لا تاريخ يذكر جنوب مصر. ولكن للعلم فقد كان للسودان عطاءٌ حضاريٌ تاريخيٌ ضخم فحواه:
أتى على السودان حين من الدهر كان فيه شماله مع مصر في دولة واحدة حكمها فراعنة مصريون وآخرون سودانيون أمثال بعنخي وتهارقا. ولكن هذا التاريخ أعقبته فترة أطول ازدهرت فيها حضارات سودانية بينما كانت مصر تواجه غزوات أجنبية. ازدهرت في السودان أربع حضارات استعصت دولها على الفاتحين:
– حضارة كوشية وعاصمتها كرمة امتدت من 2400 ق م إلى 1400 ق م.
– الحضارة المروية وعاصمتها نبتة ثم مروي التي امتدت من القرن الثاني ق.م. إلى السابع الميلادي.
– حضارة مسيحية دولها المقرة وعاصمتها دنقلا، وعلوة وعاصمتها سوبا، ونوباتيا وعاصمتها فرس.
– حضارة إسلامية في خمس ممالك (الفونج والفور وتقلي والمسبعات والكنوز). هذه الممالك غزاها محمد علي باشا في 1821م وألحق السودان بمصر في ظل الخلافة العثمانية.
دولة محمد علي باشا تدهورت على يد حفدته وكانت الطبقة الحاكمة فيها مستعلية على رعاياها ما أدى إلى ثورات ضدها: الثورة العرابية في مصر والثورة المهدية في السودان. الثورة العرابية غلب عليها الطابع الوطني وإن أسهم فيها فكر إسلامي أما الثورة المهدية فقد كانت ثورة إسلامية. الثورة المهدية لم تكن معنية بأمر السودان وحده بل هدفها بعث الإسلام وتوحيد بلاد المسلمين وفي هذا الصدد كانت تعتبر تحرير مصر هدفها الثاني بعد تحرير السودان، وكان الشارع السياسي المصري كما عبر عنه التيار الوطني العرابي، وما عبر عنه التيار الديني الذي عبر عنه الشيخان جمال الدين ومحمد عبده مرحباً بالثورة المهدية كما وضح في رسالة العوام للشيخ أحمد العوام العرابي، والعروة الوثقى التي حررها الشيخان. والإمام المهدي قبل فتح الخرطوم كان يريد أسر عردون حيا ليفتدي به عرابي.
البريطانيون أعانوا السلطة الخديوية المصرية في القضاء على الثورة العرابية، واحتلوا مصر واستغلوا اسم حكومتها لغزو السودان وإقامة الحكم الثنائي اسماً البريطاني فعلاً. ناضل الشعب المصري حتى ثورة 1919م وحقق استقلاله بموجب دستور 1923م. وباستقلال مصر برز التناقض الحاد بين الموقف البريطاني والموقف المصري حول مستقبل السودان.
البريطانيون تعاملوا مع السودان بأسلوب مطابق لما فعلوه مع بقية مستعمراتهم بإقامة آليات مشاركة وطنية. الحكومات المصرية المتعاقبة قبل عام 1952م كما تدل على ذلك الوثائق المصرية عن المحادثات المصرية البريطانية عن السودان وقعت في خطأ اعتبار أن النزاع حول مستقبل السودان هو بينهم وبين بريطانيا دون أدنى اعتبار للخصوصية السودانية ولا للرأي الشعبي السوداني. هذا الموقف هو الذي أنبت تناقضاً في السودان بين الذين سلموا بصحة الموقف المصري ونادوا بإلحاق السودان بالتاج المصري، وآخرين انطلقوا من روافد الخصوصية السودانية ورفضوا فكرة السيادة المصرية على السودان ونادوا باستقلال السودان.
الحكومات المصرية المتعاقبة قبل ثورة 1952م اعتبرت حركة الاتحاديين موالية لها. وحركة الاستقلاليين موالية لبريطانيا. وفي الحالين أغفلت أن للشعب السوداني رأياً يستحق التقدير.
هذه المواقف استغلتها بريطانيا لتعزز وجود تناقض حاد بين الدولة المصرية والشعب السوداني. ولكن الثورة المصرية في 1952م خرجت من هذا الطريق المسدود ما أدى لإبرام اتفاقية المهدي نجيب في أكتوبر 1953م ثم اتفاق مصري مع كافة الأحزاب السودانية في نوفمبر 1953م ما مكن المفاوض المصري أن يحاصر المفاوض البريطاني لإبرام الاتفاقية المصرية البريطانية لعام 1954م. الاتفاقية التي اعترفت بحق تقرير المصير للشعب السوداني بعد فترة حكم ذاتي تحت ظل حكومة سودانية منتخبة.
فاز في الانتخابات العامة التي جرت في عام 1954م الحزب الوطني الاتحادي. ولكن العلاقة بين مصر المحكومة عسكرياً والسودان المحكوم ديمقراطياً تأزمت لا سيما وقد أدى الصراع على السلطة في مصر إلى إبعاد الرئيس محمد نجيب مهندس العلاقات المصرية السودانية. يومئذٍ لم يكن بالإمكان بناء العلاقة الوحدوية المتوقعة بين سودان ديمقراطي ومصر أوتقراطية ما صوره الشاعر السوداني:
إن كان مثلك يا نجيب فما هـــو الضمـــــــان بألا نُخان ونُهضــــم
فهل ينتهي أمر الرئيس إلى هنا ومستقبل الأحزاب في مصر مبهم
فليس في مصـــر إليــــــوم حـر وليــس فيها حر بالحق يحكــــــم!
هكذا تحولت الحركة الاتحادية نحو الاستقلال الذي أجمع عليه كل السودانيين في ديسمبر 1955م. أي أن التطلع الاستقلالي السوداني لم يكن موجها لمصيرية العلاقة بين الشعبين بل لسياسات خاطئة.
وفي ظل السودان المستقل استمرت محاولات إيجاد علاقة خاصة بين البلدين. أهمها:
• في عام 1958م بدأ حوار بين حزب الأمة ومصر الناصرية وبعد أن برز اتجاه في مصر أن العلاقة بين مصر والسودان ينبغي أن تمر بالعلاقة بحزب الأمة تماماً كما حدث في عام 1953م. وتجاوب مع هذا اتجاه في حزب الأمة أن الجفوة مع مصر مضرة بالطرفين. ووضع فعلا اتفاق لعلاقة خاصة شهد بذلك السيد عبد الفتاح المغربي رئيس مجلس السيادة يومئذٍ. ولكن هذا المشروع أجهضه انقلاب 17/11/1958م بقيادة الفريق إبراهيم عبود وبتواطؤ سياسي.
• في ظل حكومة انقلاب 1958م بدا للقيادة المصرية أن التعامل مع الحكام العسكريين أسهل وأبسط من التعامل مع القيادات المدنية المنتخبة، لذلك بدا للشعب السوداني أن الحكومة المصرية لم ترحب بالثورة الديمقراطية ضد النظام العسكري في السودان في أكتوبر 1964م ما أدى لمظاهرات شعبية غاضبة في السودان.
• مرة أخرى وفي مرحلة تالية انحاز النظام المصري تماماً للنظام العسكري الثاني بقيادة جعفر محمد نميري وأبرم معه منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي بين مصر والسودان في فبراير 1974، واتفاقية الدفاع المشترك 1976م، و اتفاقية التكامل في أكتوبر 1982م، وقد نظر الشعب السوداني إليها على أنها لدعم الحكم الاستبدادي في السودان في المقام الأول. لذلك عندما انتفض الشعب السوداني ضد دكتاتورية جعفر محمد نميري سارت المظاهرات الشعبية الغاضبة ضد الحكومة المصرية في السودان.
• الحكومة الديمقراطية السودانية التي أعقبت دكتاتورية جعفر نميري أكدت للحكومة المصرية أنها مع بناء علاقة خاصة مع مصر ولكن على أساس هيكلة جديدة غير تلك التي كانت مع النظام الدكتاتوري تحت عنوان “ميثاق الإخاء” ومشروع بديل للدفاع المشترك باسم الأمن المشترك، ولكن ظلت الحكومة المصرية مرتابة من العلاقة مع الحكومة الديمقراطية السودانية لدرجة جعلتها تتبنى انقلاب يونيو 1989م حتى دون أن تعرف هويته. المهم عندها أنه عسكري ومن شاكلتها.
• بغض النظام المصري الدكتاتوري للديمقراطية جعله يرحب ويتحمس لنظام دكتاتوري ذي أجندة إسلاموية انحط بالعلاقة بين البلدين إلى درجة غير مسبوقة.
قال أحد المفكرين النافذين أن لمصر مكانة خاصة في الكيان العربي بحيث يعزى لها داء ودواء الأمة. ولا شك أن الدكتاتورية في مصر كانت حاضنة دافئة للدكتاتورية في السودان حتى إذا اختلفت الأيديولوجيات. فالطغيان ملة واحدة والطيور على أشكالها تقع. ملة تقوم على سبعة أعمدة:
– الحزب الحاكم المهيمن على الدولة والحياة العامة.
– الأمن الذي يبطش بلا حدود.
– الإعلام الذي يسخر كافة الأجهزة لدعم النظام.
– الاقتصاد المحابي للمحاسيب المعطون في الفساد.
– البطش بالرأي الآخر وتدجين الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني واختراقها إذا هي صمدت.
– استخدام الأجهزة الشرطية والدفاع في حماية السلطة، وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة.
– تأليه الحكام، وتزوير الانتخابات.
وإذا أردت أن تعرف ما إذا كان النظام هو من ملة الاستبداد أم لا فانظر إلى أرقام ميزانيته فإذا كان ما يصرف على العسكرية والأمن يفوق 25% من الميزانية في ما غير حالة حرب ويفوق ما يصرف على الصحة والتعليم فأنت في حضرة نظام مخندق محتل لشعبه.
لذلك كان الشعب السوداني سعيداً بغير حدود عندما أطاح الشعب المصري بالاستبداد واتجه لرسم خارطة طريق لبناء الديمقراطية.
إن موجة التحول الديمقراطي التي انطلقت من تونس وتبلورت في مصر موجة سوف تعم لتحطيم نظم الاستبداد بأشكالها المختلفة حتى تتحول الجمهوريات إلى ديمقراطيات والملكيات إلى ملكيات دستورية. فالعالم العربي وصف بالاستثنائية العربية لأنه تخلف عن ركب التاريخ وحبس الطغاة شعوبه في محابس خارج التاريخ فآن أوان تحرير الشعوب العربية أسوة بسائر شعوب العالم التي عمتها موجات التحول الديمقراطي.
على حد تعبير أحمد مطر:
أنا السبب
في كل ما جرى لكم
أيها العرب
أطل كالعثبان من جحري عليكم
إن غاب رأسي لحظة ظل الذنب
فلتشعلوا النيران حولي واملئوها بالحطب
إذا أردتم أن أولي الفرار والهرب
وحينها ستعرفون ربما
من الذي – في كل ما جرى لكم-
كان السبب؟
هل عرفتم من أنا؟
أنا رئيس دولة من العرب!!
والخيار المتاح أمام كافة البلدان العربية هو إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية استباقية تحقق التحول الديمقراطي. ونحن أكثر سعادة لأن الديمقراطية في مصر تشكل لنا بوليصة تأمين لديمقراطية السودان المنتظرة التي سوف تكون مشكوفة الظهر إن كانت مصر دكتاتورية.
نحن الآن ننتظر من النظام السوداني أن يتفق على إجراء تحول ديمقراطي استباقي فيتحد الشعب في برنامج التحول هذا، أو يعاند فيتحد الشعب ضده، لا مجال لخيار ثالث.
كنا دائما حريصين على مد الجسور مع الشعب المصري حتى في ظروف الحكم الدكتاتوري. أذكر أنني كرئيس وزراء عندما زرت مصر طلبت أن يلتقي وفدنا بالإضافة للرسميين بالأحزاب السياسية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، وبعد تمنع من الحكومة المصرية وافقوا على البرنامج. كذلك عندما كنا نعيش لجوءً سياسياً في مصر، ومع علاقاتنا بالأجهزة الرسمية أقمنا علاقات متينة بمنظمات المجتمع المدني المصري، والأحزاب السياسية، والنقابات. وذلك لأننا نعتقد أن العلاقات الشعبية هذه هي الأبقى والأقوى. من هذا المنطلق نحن نرحب بوفد الأحزاب المصرية للسودان ونقول إننا وغيرنا من الشعوب نتطلع لنجاح الثورة المصرية والقدوة المصرية في تحقيق التحول الديمقراطي ونعد بالتعاون الوثيق في المجالات الهامة: البناء الديمقراطي- المشروع التنموي الذي يحقق الكفاية والعدل- مشروعات التصدي للفساد تحرياً ومساءلة واسترداداً للأموال المنهوبة- التناول الإسلامي الذي يكفل احترام الرأي الآخر وحقوق المواطنة.
أنفق الطغاة جهداً كبيراً في رسم فزاعة إسلامية. القوى الأساسية الإسلامية أدركت أولوية الديمقراطية وأهمية احترام الرأي الآخر. الحقيقة الآن وفي كل مكان الخطر من القوى المنكفئة التي تفهم الإسلام فهماً ماضوياً مبتسراً وتمطر التكفير للكافة وعندهم الكفر لا العدوان هو علة القتال في الإسلام وبهذه الفتوى يدفعون الشباب لسفك الدماء وكما قال أحدهم: القاتل من وضع الفتوى بالقتل وليس المستفتى. هؤلاء هم الخطر على الأمن القومي وعلى الديمقراطية، وآخر التقليعات نجومية التفكير الأشبه بأفلام الرعب التي أدمنتها السينما الغربية وعندنا في السودان في هذا المجال طرائف مضحكة مبكية قالوا:
– من أنكر أن الإسلام انتشر بالسيف أنكر فضيلة الجهاد فهو كافر.
– ومن قال بالديمقراطية كافر.
– ومن قال بتقرير المصير كافر.
– ومن انتخب امرأة أو علمانياً كافر.
– ومن لا يقر واجبية النقاب كافر.
– ومن يشمت في مقتل أسامة بن لادن كافر.
والمدهش حقاً أن حماقات السياسة الأمريكية والإسرائيلية تمنح أسلوبهم منطقاً:
لا يبلغ الأعداء من جاهل مـا يبلغ الجاهل من نفسه!!
المطلوب الاتفاق على أن تكون الدولة مدنية تقوم الحقوق والواجبات الدستورية فيها على المواطنة، وتكفل المرجعية الإسلامية بصورة لا تتناقض مع حقوق المواطنة ولا مع حرية الأديان الأخرى. ونتعاون أيضاً في مراجعة أساسية للعلاقات الدولية لتقوم على الندية والمصالح المشتركة لا التبعية، ولإقامة السلام على العدل لا الاستسلام.
بعض مواطنينا يتحدثون عن استثناء السودانيين من موجة التحول الديمقراطي. هذا وهم كبير. الشباب السوداني سبق غيره في الإقدام وإن كان قد فعل ذلك بحمل السلاح حتى كثرت الحركات الشبابية المسلحة. ولكن الشباب العربي قد اكتشف وسيلة أقوى وأكثر أماناً هي: الدروع البشرية المليونية المسالمة- علما بأن الشعب السوداني أسقط نظامين دكتاتوريين في عقدين من الزمان بانتفاضتين شعبيتين- والإعلام الذي أتاح رادعاً هو والرأي العام العالمي. إنها تجربة يرجى أن تعم رغم العناد الذي يبديه بعض الطغاة. بل لعل الاستثناء السوداني هو أن الحالة أخطر من غيرها لاحتمال كبير في تجدد الحرب بين دولتي السودان، والتهاب جبهة الاقتتال في دارفور، واحتمالات التهابات أخرى داخل دولة الشمال، وداخل دولة الجنوب، وتصاعد الملاحقة الجنائية الدولية ضد المسئولين السودانيين. وتجنباً لهذه المخاطر التي تجعل الحالة السودانية أسوأ من غيرها نعمل من أجل الأجندة الوطنية التي تقوم على: دستور جديد لسودان تعددي عريض- علاقة توأمة مع دولة الجنوب- حسم أزمة دارفور بما يستجيب لمطالب أهل دارفور المشروعة- كفالة حقوق الإنسان والحريات الأساسية- الإصلاح الاقتصادي- التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية- وتكوين حكومة قومية انتقالية لتحقيق هذه الأجندة.
ومثلما أدت أخطاء سياسية معينة للمفاصلة بين السودان ومصر، ومع الفارق، فإن أخطاء سياسية معينة كانت وراء ترجيح الانفصال في الجنوب أهمها:
• كانت المطالبة الإجماعية بتقرير المصير في الجنوب نتيجة للأجندة الثقافية الأحادية التي طرحها انقلاب الإنقاذ.
• وكان أن اتفاقية السلام نصت على جعل الوحدة جاذبة ولكنها إذ قسمت البلاد على أساس ديني وخصصت 50% من بترول الجنوب للجنوب جعلت الانفصال جاذباً.
بالإضافة للمشروع الديمقراطي والتنموي المشترك فإننا الآن نجد بلادنا ومصر في خندق واحد في عدة مجالات أهمها:
• التصدي لمن يريدون تمزيق القارة الأفريقية إلى تكتلات معادية شمال وجنوب الصحراء.
• العمل على نظام عادل في حوض النيل بدءً بالتوقيع الفوري على اتفاقية عنتبي والسعي لتحقيق التعاون الأقصى بين دول الحوض.
• تحقيق الأمن الغذائي المشترك والتكامل الاقتصادي.
والمصالح المشتركة بين بلدينا في ظل الديمقراطية تبشر بإمكانية الوحدة بيننا في كيان كنفدرالي عربي أفريقي نواكب به عالماً لم يعد فيه مكان للتجزئة القطرية بل للكيانات العملاقة. هذا يقودنا للحديث عما يجري في الشقيقة ليبيا.
إن الوضع الحالي لا يبشر بأي حسم قريب بل الذي سوف يحدث هو: استمرار المجزرة على حساب الأشقاء- تدمير البنية التحتية في البلاد- تقسيم ليبيا- فرض هيمنة دولية عليها لا تؤمن عقباها. هذا الموقف أشبه ما يكون بما حدث في لبنان وتدخل سوريا لإنهاء الحرب الأهلية في لبنان.
إن القدوة الثورية المصرية، ودور مصر في الصلح الفلسطيني، ومكانة مصر التاريخية والمكتسبة تؤهل مصر للقيام بدور حاسم في ليبيا لمصلحة الشعب الليبي لمصلحة الشعب الليبي وحريته ولمصلحة الموجة الديمقراطية والكرامة العربية والإخاء الإسلامي، أقدموا فإن تقاعستم عن هذا الدور فإننا جميعا سوف ندفع الثمن.
وينبغي إدراك أن جزءً هاماً من مقتضيات الثورة الديمقراطية في البلدان العربية إجراء إصلاح جذري في الجامعة العربية ما يوجب إجراء حوار واسع لتحديد الاتحاد العربي المطلوب لمرحلة التحول الديمقراطي ثم الإقدام على اختيار أمين عام يناسب المرحلة الجديدة.
ختاماً لقد أقامت نظم الاستبداد انسداداً سياسياً وقفلت باب الاجتهاد السياسي الذي سيفتح على مصراعيه في ظل التحول الديمقراطي. ومع أننا في السودان لا زلنا في مرحلة الانسداد فإن عوامل كثيرة في السودان تحول دون أن يكون الانسداد كاملاً:
الدولة المركزية في مصر قادرة على هيمنة محكمة ولكن في السودان مواعين ولاء باقية رغم أنف الدولة المركزية. وسكان مصر يعيشون في أرض محدودة بينما سكان السودان مفرقون في البقاع. لذلك مهما كانت القوانين صارمة في السودان فإن الواقع السياسي فيه هامش حركة. كذلك يوجد تراث تسامح سياسي في السودان يحسب الحكام حسابه.
وفي ظل هامش الحرية المتاح وفضاء التسامح الموجود يرجى أن يتمكن وفدكم من إجراء حوارات واسعة مع القوى الفكرية، والسياسية، والمدنية في السودان ونحن سوف نزودكم بمكتبة من المراجع التي تبين الحالة السودانية راجين أن تدرسوها فظروف موضوعية وذاتية تجعل إطلاعنا على أحوالكم أكثر من إطلاعكم على أحوالنا ولكن اتحاد الرؤية والعمل المشترك يوجب تفهماً مشتركاً ولذلك نقترح تكوين آلية شعبية مشتركة تعنى بوضع برنامج وحدوي شعبي.
لقد قرر حزبنا إرسال وفد كبير لمصر لمواصلة مثل هذا الحوار ونحن نعتقد أن للسودان تجارب مفيدة يرجى أن تتاح للجميع في عوالمنا العربية، والأفريقية، والإسلامية: جربنا ثلاثة انقلابات حكمت أربعة أخماس عمر بلادنا المستقلة واكتشفنا أن اختصار الطريق انقلابا للسلطة يكسر الرقاب. وجربنا البرنامج الماركسي ثم الإسلاموي برامج شعاراتية بلا تحضير برامجي وبلا تأهيل لمطبقيها وفي الحالين حققت عكس مقاصدها. وجربنا الديمقراطية اللبرالية دون أقلمة ثقافية واجتماعية ففقدت الجدوى. إن بناء الوطن مهمة شاقة يرجى ألا تستسهلها الرومانسية. ولكن مهما كانت الصعوبات فقد انجلى الظلام، والناس في وهج الشمس أقدر على تمييز الخيط الأبيض من الأسود.
والله ولي التوفيق