كان ولا يزال باراك أوباما رسالة عالمية مضمونها التغيير؛ لكل الأمم والشعوب
بكى كل من داني كليفر وجسي جاكسون وبيل كلنتون؛ نيلسون؛ وبكت أوبرا ونفري ؛ وبكى القس توتو حتى أبتلت لحيته . يوم تم إنتخاب باراك حسين أوباما أول رئيس أسود في الولايات المتحدة الامريكية قبل أربعة سنوات ؛ ذلك لان هذا الحدث يعيد الى جميع شعوب العالم ؛ و الامم الزنجية خاصة ؛ والمواطنين الأمريكان شريط طويل محزن من تاريخ معاناة الانسان على يد اخيه الانسان ؛و ما عاشه السوود والهنود الحمر في الولايات المتحدة الامريكية .
وبلا شك وصول أول رئيس معتزا بأصله الزنجي لسدة الحكم في السودان سيتكرر ذات الشعور لدى الغالبية الساحقة من شعوب السودان الذين طالما عانوا في بلدهم الأصلي ضعفي ما عاناه معا إخوتهم السوود المُهجرين ؛ وصنوهم الهنود الحمر السكان الاصليين في الغرب البعيد.
هناك فارق موضوعي في وضعين مختلفين نضالات مجموعتين في كلا الولايات المتحدة والسوودان في افريقيا. فالسوود في الولايات المتحدة هَجروا من ارضهم الاصلية في إفريقيا ليعيشوا المعناة على يد مهاجرون اخرين من أصل أوربي من ناحية ؛ ومن ناحية اخرى أن ظروف إبادة الهنود الحمر في أرضهم الأصلية مختلفة في ذلك الوقت عما عليه الحال اليوم حيث تجري عملية إبادة مظمة للأمم الزنجية في السودان.
إلا أنه بفضل تطور الوعي الانساني الضميري والدستوري في الولايات المتحدة وصل أطراف الصراع إلى نقطة إعتراف متبادل وتلاقي بان الماضي خطيئة يجب التكفير عنها بكل الأثمان ؛ يجب العمل على تعزيز مكانة المضطهدين من الهنود وذوي الأصول الافريقية ؛ يجب الإستمرار في التطور الدستوري والوعي المجتمعي لتحقيق تغيير جذري في المجتمع الحاضر؛ ويجب العمل ان لا يتكرر الماضي في المستقبل بكل اشكاله .
وصول باراك أوباما- بجانب مميزاته الشخصية – إلى البيت الأبيض قبل اربعة سنوات يعتبر جزء من هذه المنظومة المتطورة للافكار المترابطة ؛ اولها التكفير عن خطايا الماضي ؛ والسعي لواقع إنساني ودستوري أفضل للاجيال الجديدة ؛ إلا أن فوز أوباما رسالة عالمية لكل الشعوب والأمم في مختلف الكرة الأرضية.
أما في السوودان وفي أرضهم التاريخية يعاني اغلبية السوود(ان) ؛ وقد عانوا على يد أجانب غزاة و كذالك مهاجرون (من يعتبرون أنفسهم عربا ) . وظلت الأمم الزنجية أغلبية بحيث لا يمكن أن يكون السودان في شكله الدستوري الولايات المتحدة بالنسبة للأقلية الناجية من الهنود الحُمر .
إلا أنه إلى هذا التاريخ لم يصل أطراف الصراع السوداني إلى نقطة الإعتراف بما حدث في الماضي أو فضح ذلك الماضي؛ ولهذا يتكرر جرائم ذلك الماضي في كل يوم بشكل أكثر قساوة وحزنا ؛ويرحع ذلك إلى أن درجة التطور والتقدم الإنساني بمستوى الوعي المجتمعي والضميري بطيئة للغاية ؛ وبلا شك هكذا لا يمكن أن يحدث أي تطور بالمستوى الدستوري .
ولهذا فإنه اليوم ؛ يتعين على الحراك الثوري للأمم الزنجية (التي تسمى بحركات الهامش الاثني /الجغرافي المسلحة والمدنية ) إنتهاج سلوك نضالي وإعلان أفكار وأراء ومواقف تاريخية تخترق ما ظل محجوبا من الحقائق حول حقيق الماضي والحاضر في وضعية حقوق الانسان في السوودان ؛ وأعادة تعريف القضية السودانية على نحو أكثر دقةعلى نحو ما كان عليه الحركة ذاتها في جنوب إفريقيا والولايات المتحدة .
الحركة السياسية السودانية الثائرة متأخرة كثيرا عن ملامسة الجوانب الجوهرية في قضية الإنسان السووداني في بلده الاصلي ذلك لأن الوعي الفكري والثقافي بالهوية الإفرقانية الإنسانية في السودان في بدايتها .
غالب ما لدينا اليوم من تقدم في قضية حقوق الانسان السوداني يعتبر نتاج تاثر عامل خارجي يتمثل في التقدم التقني بفضل التطور الحضاري في المجتمع الغربي والتي ساهمت فيها كل الشعوب والامم ونحن فقط مستهلكون له بمستوى محدود ؛بلا شك هذا لا ينفي قدر مهول من الاسهام الواعي للجيل الجديد اليوم والذي يؤول عليه تحقيق التحول بالقدر الذي جرى في امريكا اول هذا القرن .
إن مسالة الهوية الزنجية وفرض هوية مشرقية عربية إسلامية تظهر السودان أمريكا القرون الماضية ؛ وجنوب لأفريقية القرن الماضي وتعتبر هذه المسألة الجوهرية في القضية السوداني وينبغي أن تكون الأولية اليوم للحركات المدنية والمسلحة . وذلك لأن جميع القضايا و المسائل الأخرى من الفقر واالإهمال وانتشار الأمراض و الأمية ؛ و الحرب وتبعاتها ؛ ما هي إلا نتاج لسياسيات وثقافة التمييز العرقي /الاثني على أسس الهوية لدى نخب الدولة المسيطرة.
النقطة التالية للحركات هي محاولة ترجمة دستورية لمسائل وقضايا الهوية بشكل يكون معها وتطبيقها على أرض الواقع ينهي الوضع غير الانساني المضر بالإنسان وحقوقه.
فوز باراك أوباما مرة أخرى أو عدمه سيعيد الدرس إلينا في السودان ؛ وتتجدد الرسالة العالمية بمضمون التغيير .
منعم سليمان
[email protected]