فورين بوليسى» تكشف «الدور القذر» لـ«الدوحة» فى ثورات الربيع العربى
كتب : عبدالعزيز الشرفى ومحمد حسن عامر
«ضخت الدولة الصغيرة الغنية بالنفط ملايين الدولارات من خلال شبكات تمويل غامضة إلى مقاتلين معارضين فى سوريا ومتطرفين، لتبنى سياسات خارجية أكبر من حجمها. وبعد سنوات طويلة من الرضوخ -وربما حتى الاستفادة من علاقاتها وتوسطها لدى تلك الجماعات- بدأت واشنطن تدرك أخيراً حقيقة ما يحدث وتتحرك».. هكذا تبدأ مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية تقريرها تحت عنوان «القضية ضد قطر»، الذى يرصد عمليات تمويل قطر للجماعات الإرهابية وسعيها إلى السيطرة على النفوذ فى الشرق الأوسط والولايات المتحدة من خلال أموالها التى تحصل عليها من النفط.
تبدأ المجلة حديثها عن أحد المعارضين السوريين الذين يعيشون فى «الدوحة»، وهو «حسام» الذى لم تذكر ما إن كان هذا اسمه الحقيقى أم لا، وتقول المجلة الأمريكية إنه فى ذروة الأحداث فى سوريا عامى 2012 و2013، كان «حسام» هذا لديه ما يقرب من 13 ألف رجل تحت سيطرته بالقرب من مدينة «دير الزور» فى شرق سوريا.
تقول المجلة الأمريكية إن «حسام» هو أحد الذين حصلوا على التمويل القطرى والدعم اللوجيستى منها. وتقول «فورين بوليسى» إن التمويل الذى حصل عليه اللواء التابع لـ«حسام»، كان يأتيه من وزير الخارجية القطرى خالد بن محمد آل عطية. ويضيف: «فى البداية تلقينا الأموال مع عشرات الكتائب والألوية المعارضة الأخرى، ومع مرور الوقت تبدل الحال ولم نعد نحصل على تمويل، ولهذا بحثنا عن مصادر تمويل أخرى، حيث كان المال يلعب دوراً كبيراً فى الجيش السورى الحر».
«حسام هو شخصية هامشية فى شبكة قطر من الإسلاميين تشمل العسكريين السوريين السابقين ومسلحى حركة (طالبان) والإسلاميين السودانيين والصوماليين»، هكذا تقول المجلة عنه.
وتضيف المجلة: «حين بدأت الحرب فى سوريا، أسهمت قطر فى محاولة إسقاط بشار الأسد، وانضم (حسام) إلى مجموعة من الرجال الذين استدعتهم الدوحة لتنفيذ سياساتها الخارجية فى دعم المعارضة السورية». وتابعت: «هؤلاء الذين يشبهون حسام، كانوا بمثابة سلاح ذى حدين بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فمن ناحية، واشنطن لا تذهب بعيداً عن الدوحة عندما تحتاج إلى اتصالاتها بهم، ومن ناحية أخرى، فإن نفس الشبكة القطرية لعبت دوراً فى تأجيج كل بقاع المشكلات الحادثة فى المنطقة ونمو الحركات المتشددة، وتراوحت النتائج من سيئ إلى كارثة فى كل البلدان التى تستفيد من المساعدات القطرية».
«واشنطن» تغاضت فى البداية لاستغلالها علاقات «الدوحة» مع الإرهابيين
وتقول المجلة: «لسنوات طويلة كان المسئولون الأمريكيون على استعداد لتجاهل شبكة الدوحة من الإسلاميين بل والاستفادة منهم من وقت لآخر، لكن جيران قطر -السعودية والإمارات والبحرين- استاءوا من هذا الدعم ووبخوا قطر علانية»، وهو ما أجبر قطر على التراجع نسبياً. وفى الشهر الماضى، كشفت شركة «جلين جرين والد» الأمريكية، أن الإمارات أجرت اتصالات مع عدد من الصحفيين، وتبين بعد ذلك أن تلك الاتصالات أسفرت عن كشف كيفية جمع التبرعات لجهات مثل جبهة النصرة وحركة حماس بشكل علنى فى الدوحة.
بحسب المجلة، بدأت استراتيجية قطر الخاصة بالربيع العربى تفشل فى نفس المكان الذى بدأت فيه، فى أوساط حشود المتظاهرين فى ميدان التحرير فى القاهرة. وفى 3 يوليو عام 2013، أعلن المتظاهرون عن فرحتهم بالإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسى الذى حظيت حكومته بدعم قطرى كبير وصل إلى درجة منحها 5 مليارات دولار، فى حين رحبت السعودية والإمارات والكويت بتحركات المصريين للإطاحة بـ«مرسى»، وقدموا جميعاً التزامات بمنح مصر مساعدات مالية وصلت إلى 13 مليار دولار. أما فى سوريا، فقد سيطرت السعودية على المعارضة السورية المعتدلة من خلال وضع قيادة سياسية للمعارضة تضمن أنها موالية لها، وسرعان ما سقطت ليبيا فى بحر من الفوضى، تمثل فى عمليات الاختطاف المختلفة والتى كان أبرزها اختطاف رئيس الوزراء على زيدان فى أكتوبر 2013، وقد دفعت كل تلك التطورات المتلاحقة قطر إلى الخضوع والتأكيد على أنها تركز على شئونها الداخلية فقط.
وتقول المجلة: «فى ليبيا وسوريا، ساعدت قطر على تمويل مجموعات دولية كغطاء لما تفعله، ولكنها أيضاً كانت تقدم المساعدات والدعم إلى الأفراد والميليشيات مباشرة. وعلى سبيل المثال، فى ليبيا نجد أن الداعية المعروف بتشدده على الصلابى، حذر من (الفوضى) بحجة أن الفصائل المختلفة ستتنازع على السلطة. وبالفعل نجد اليوم أن تحذيره كان بمثابة تبصر أو تنبؤ بما سيحدث مستقبلاً، حيث غرقت ليبيا فى معارك متسارعة بين الميليشيات الليبية المتنازعة، بشكل جعلها عرضة للتقسيم الأيديولوجى والإقليمى».
وتضيف: «ولكن فى سوريا، حيث نجحت الشبكة القطرية فى إصابة أهدافها بشكل أكبر، نجد أن التنافس بين العملاء السعوديين والقطريين جعل المعارضة السياسية بلا أسنان، بمعنى أنه جعلها لا فائدة منها، وبات ينظر إليها على أرض الواقع على أنها تابعة للقوى الأجنبية. وفى تلك الأثناء، خلال عامى 2012 و2013، تسبب انتشار الجماعات المسلحة التى تزايد غرورها، فى انطلاق منافسة من نوع جديد على التمويل. وأصبح بعض عملاء قطر جماعات رئيسية، مثل لواء التوحيد الذى وحد قائده المسلحين فى معركة للسيطرة على حلب التى انقسمت بالفعل».
استراتيجية قطر لـ«الربيع العربى» فشلت من حيث بدأت.. فى «ميدان التحرير»
وتابعت: «سرعان ما أصبح نظام المناقصات القطرى مليئاً بالفساد، وبدأ الوسطاء فى المبالغة فى قدراتهم واتصالاتهم على الأرض مع الميليشيات المختلفة أمام المانحين فى الدوحة.
ويضيف «حسام» أن «المال الإضافى كان يذهب فى الاتجاه الخاطئ تماماً، وكانوا يفعلون الأمر نفسه، فإن كانت عملية ما سينفذها فصيل معين فى سوريا يحصل على تمويل من قطر تتكلف مليون دولار، كانت تلك الجماعات تحصل على 5 ملايين على الأقل، وتختفى بعدها الـ4 ملايين الأخرى».
«وعلى الرغم من أنه لا معلومات مؤكدة عن أن قطر دعمت تنظيم (داعش) فى أى مرحلة، فإن أشخاصاً وجماعات عدة استفادت من التمويل القطرى فى البداية للجماعات المقاتلة، انضمت بعد ذلك إلى التنظيمات المتشددة، وهو ما يعنى أنها أسهمت بشكل ما فى بروز هذا التنظيم. وتابعت المجلة: «حتى حينما انجذبت المعارضة السورية نحو التطرف، حاولت قطر التخفيف من حدة أثر هذه التحركات، ودعت العالم إلى عدم القلق من هذا التشدد والتطرف، بحجة أن الوقت غير مناسب لهذا القلق، وعليهم أن يتركوا القلق لما بعد»، ووقتها قال وزير الخارجية القطرى الحالى خالد بن محمد العطية، والذى كان يشغل منصب وزير دولة وقتها، إنه يعارض تماماً أى محاولة لإقصاء أى طرف من على الساحة السورية أو وصف أى طرف بالإرهابى أو اتهامه بأنه يتبع تنظيم «القاعدة». والغريب -الحديث للمجلة الأمريكية- هو أنه على الرغم من تصريحات قطر المختلفة التى أعلنت فيها رفضها لـ«الإرهاب وتنظيم داعش»، فإنها لم تأت على ذكر تنظيم «جبهة النصرة» على الإطلاق. أما «الزين» رئيس مركز الجزيرة للدراسات، فإنه يدافع عن دعم قطر للإسلاميين فى الشرق الأوسط بأكمله، ويصف الخلاف بين الدول الخليجية و«الدوحة» على أنها منافسة بين القوى المختلفة حول التغيير أو إبقاء الأوضاع على ما هى عليه.
وتضيف «فورين بوليسى»: «رغم ذلك، فإن قطر ربما تكون أبعد ما تكون عن أن تكون الدولة الوحيدة التى تسببت تحركاتها فى تداعيات سلبية سواء فى سوريا».
وتابعت: «كان لقطر الحرية الكاملة فى العمل وإدارة شبكتها التى أجرتها فى سوريا، لأن واشنطن كانت تبحث فى الاتجاه الآخر. وفى الواقع، فى عام 2011، أعطت الولايات المتحدة (الدوحة) بحكم الأمر الواقع، العنان المطلق لتفعل ما كانت ترفض هى أن تقوم به فى الشرق الأوسط، هو التدخل». ويقول مسئول أمريكى سابق، رفض ذكر هويته، إن «ليبيا هى المثال الحى الأبرز على هذا الأمر، فحينما بدأت إدارة الرئيس الأمريكى فى بناء تحالفها لشن الغارات الجوية على نظام القذافى، استغرق الأمر وقتاً لقيادة هذا التحالف من الخلف، فجعلت فرنسا وبريطانيا تأخذان زمام المبادرة فى تنفيذ منطقة حظر الطيران، فى حين أظهر التورط القطرى والإماراتى فى تلك التحركات دعماً عربياً كاملاً».
وتضيف المجلة: «الأمر نفسه ينطبق على سوريا، فعلى الرغم من الطبيعة التكتمية لمصادر النفوذ المختلفة للولايات المتحدة، خاصة بين الذين عملوا فى ليبيا، فإن الخيار الأقل سوءاً على الإطلاق كان قطر، حيث إنها يمكنها تقديم حل إقليمى للصراع الذى لم يكن البيت الأبيض يرغب فى التورط فيه. وببساطة، دفعت واشنطن (الدوحة) إلى عدم إرسال الصواريخ ومضادات الطائرات إلى المعارضة السورية، ولكن قطر واصلت تقديم تلك الصواريخ والأسلحة رغم الطلب الأمريكى». وقال مسئول أمريكى، رفض ذكر هويته، إنه «علاوة على التساهل اللوجيستى الذى أبدته قطر، فإن الدوحة كانت تتخذ القرارات سريعاً وعلى استعداد لتحمل المخاطر المحتملة، وأرسلت قطر بالفعل طائرات متعددة لنقل ما يقدر بـ3500 طن من المعدات العسكرية إلى سوريا فى الفترة ما بين 2012 و2013، وهذا الأمر تم بدعم من الاستخبارات الأمريكية».
ويضيف: «ولأن الأمر جاء بشكل إيجابى، تحولت واشنطن إلى الدوحة حينما سعت إلى إجراء اتصالات مع حركة طالبان فى أفغانستان، وهو ما دفع قطر إلى الموافقة على منح الحركة فيلا كبيرة فى حى السفارات فى الدوحة، لاتخاذها مكتباً للحركة الأفغانية».
وتقول المجلة: «ولكن سرعان ما تحولت المزايا التى حصلت عليها قطر إلى التزامات، حيث انتقلت الدوحة من أزمة إلى أخرى، وأظهر القطريون قدرة قليلة فى اختيار الوكلاء الموثوق فيهم، كما أخفقوا فى السيطرة عليهم فور أن يتسلموا الموارد العسكرية واللوجيستية منها. ويقول المسئول الأمريكى: «فى رأيى، أن القطريين وصناع السياسة فى قطر (هواة)». وتضيف: «فى مارس خرج نائب وزير الخارجية الأمريكى لشئون الإرهاب ديفيد كوهين، ليعلن أن قطر هى بيئة مناسبة ومتساهلة لتمويل الإرهاب، وكانت تلك التصريحات وقتها غير مسبوقة وبمثابة انتقاد صارخ. ويقول خبراء مكافحة الإرهاب، إن خروج هذا التصريح علناً كان يعنى أن الولايات المتحدة تحاول.
وأضافت المجلة: «فى 24 سبتمبر الماضى، صنفت وزارة الخارجية الأمريكية عدة منظمات وجمعيات خيرية لها صلات بقطر، على أنها جماعات إرهابية، واتهمت مواطناً قطرياً بنقل التمويل من الخليج إلى أفغانستان». وتابعت: «فى واشنطن نفسها، زادت الدوحة من وجودها داخل البلاد، حيث نجحت فى التعاقد مع جماعات الضغط النشطة لصالحها، واستطاعت التغلغل فى كل الأنشطة الأمريكية إلى أن أصبحت الراعى لبرنامج تبادل الطلاب والجمعية الخيرية التابعة لـ«الكونجرس». ولفتت المجلة إلى أن قطر دعمت جماعات متطرفة فى دول الخليج أيضاً، ومن بينها دعم الحركات السلفية فى البحرين والإمارات والكويت والسعودية.
وأنهت المجلة تقريرها بالتأكيد على أن قطر منحت من تسميهم بـ«أصدقائها»، منصة للعمل وتمويلاً دائماً ووسائل إعلام يمكنهم استخدامها كما يحلو لهم، والأهم «عاصمة سياسية». وتضيف: «واشنطن لعبت جنباً إلى جنب مع قطر حتى الآن، ولكن السؤال يكمن فيما إذا كان يتم التلاعب بـ(واشنطن) أم لا؟».