السودان في خطر ومحادثات دارفور عادت الى الطريق المسدود. طرحنا برنامجاً جاذباً للجنوبيين من اجل ضمان وحدة البلاد الكلام للصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، رئيس الوزراء السابق. يضيف: دعَونا الى انشاء محكمة بديلة سميناها “هيجين” تطبق العدالة ولا تهدد الوحدة السودانية. ماذا ايضاً في جعبة المهدي؟ الجواب نتلمسه عبر هذا الحوار:
■ ما هي قراءتكم للحكم الدولي الصادر بشأن أبيي؟
– الحكم الذي أصدرته الأمم المتحدة اخيراً بشأن أبيي قائم على الحل الوسط بين مطالب الطرفين وهو حكم اذا قدر له أن يعيش، يفترض أن يعتمد على حسن النيات من الجانبين في السودان وأن يعتمد أيضا على كفالة حقوق السكان خصوصا القبائل العربية، لأن هذه القبائل العربية لديها مصالح في المراعي والمشارب، لا يكفلها النظام القائم في السودان، ولذلك فهي تحتاج الى اتفاق قبلي قوي وملزم للجميع كي لا يؤدي الوضع القانوني الى حرمان قبيلة المسيرية من حقوق الارتفاق التى تعودت عليها.
■ ما هو تصوركم للعلاقة النهائية بين الشمال والجنوب؟
– العلاقة بين الشمال والجنوب حاليا تحكمها اتفاقية السلام وهناك اتفاق يقضي بأن يجري استفتاء في العام 2011 ليقرر الجنوبيون بمقتضاه البقاء في وحدة مع الشمال أو الاستقلال عنه وتمتاز العلاقة بين الحزبين الحاكمين في كل من الشمال والجنوب بأنها سيئة جدا ومن شأن ذلك أن يؤدي الى الانفصال.
لكن هناك عناصر كثيرة في البلاد تبذل قصارى جهدها لانقاذ ما يمكن انقاذه. وهناك برنامج سميناه “من أجل الوحدة الجاذبة” وهذا البرنامج يخاطب مخاوف الجنوبيين من الاستثمار في الوحدة ويحاول دعوتهم الى تأييد الوحدة بموجب هذه المراجعات المذكورة، كما أنه يطرح “من أجل وحدة جاذبة” أو “جوار أخوي” باعتبار أنه يرى أن الانفصال نفسه يجب أن يكون بموجب اتفاق كي لا يكون الاستقلال عدائيا كما الحال بين أثيوبيا وأريتريا. ولذلك طرحنا برنامجا للوحدة الجاذبة لمخاطبة مخاوف الجنوبيين ومحاولة لاقناعهم بالتصويت لصالح الوحدة. لكننا نقول بضرورة الاتفاق منذ الآن على أنه اذا كان هناك انفصال فلا بد أن تكون هناك الجيرة الحسنة، بين الشمال والجنوب وأن تتسم بالأخوة.
■ كيف تقرأون قضية دارفور؟
– قضية دارفور في نهاية المطاف من صنع النظام الحالي، نحن لا ننكر وجود مشاكل قديمة في دارفور منها الفجوة التنموية والفجوة الخدمية والنزاعات القبلية، والنهب المسلح، والصراع بين الرعاة والفلاحين على الموارد، وهي مشاكل تقليدية تعاني منها دارفور منذ زمن. لكن سياسات النظام الحالي أدت الى نشوء مشاكل من نوع جديد، وتقوم هذه المشاكل الجديدة على اربع ظواهر الأولى نشوء الاتنية المسيسة، بمعنى أن الخلاف العرقي سابقا لم يكن مسيسا. أما الظاهرة الثانية فهي قيام أحزاب مسلحة ذات أهداف سياسية تحارب الحكومة، وهذه ظاهرة جديدة أيضا ولم تكن موجودة في السابق ومعروف أن هذه الظواهر برزت منذ العام 2000. وتمثلت الظاهرة الثالثة بوجود مآسٍ انسانية كبيرة جدا في ما يتعلق بالاجراءات التى تمت لحفظ الأمن والنظام، ما أدى الى نزوح اعداد كبيرة من المواطنين بسبب هذه الاجراءات الى معسكرات للاجئين والنازحين الذين عانوا من مآسٍ انسانية بسبب الحرمان والقهر والخوف وطبيعة الجو.
وكانت الظاهرة الرابعة في دارفور أنه ونتيجة لهذه الأمور كلها، جرى اتخاذ قرارات عدة من قبل الأمم المتحدة وأصبح هناك تدويل للأمر، والتدويل كذلك ظاهرة جديدة، وقد خلقت هذه الظواهر وضعاً جديداً في دارفور. ونحن نعتقد أن محادثات السلام الآن وصلت إلى طريق مسدود، لكننا كقوى سياسية بدأنا نعمل للحصول على موافقة الحركات المسلحة كافة على إعلان مبادئ للحل السياسي، ونأمل من حكماء إفريقيا تبني هذا الطرح، وهناك هيئة حكماء افريقيا بقيادة رئيس جنوب إفريقيا السابق امبيكي ونأمل منه أن يتبنى هو شخصياً الدعوة الى ملتقى جامع لكل مكونات دارفور لمناقشة سلام دارفور وفق هذه المبادئ ونعتقد أن ذلك سيكون ناجعاً في تحقيق السلام في الاقليم.
■ تتهم النظام الحالي بأنه سبب في خلق المشاكل الجديدة في السودان، وأنت توليت رئاسة الوزراء ثلاث سنوات، فلماذا لم تنجح في حل المشاكل القديمة آنذاك؟
– المشاكل الجديدة في دارفور هي من صنع سياسات النظام الحالي، وأؤكد أن المشاكل القديمة ليست هي سبب تفجر الوضع، وهناك مشكلة الحرب في الجنوب التي كنا على وشك حلها بعقد مؤتمر قومي دستوري في 19 أيلول (سبتمبر) 1989، وعندما حدث الانقلاب جرى تعطيل هذا المؤتمر لذلك لم يتحقق السلام بل تعقد الأمر لأن النظام طرح أيديولوجية دينية حولت الحرب من حرب صراع حول المصالح إلى حرب دينية، الأمر الذي عقد الموقف أكثر. ولذلك فإن النظام الحالي عقد مشاكل السودان ولأن النظام الحالي قام على أقلية دينية تفرض إرادتها على مجتمع متنوع الأديان ومتعدد الثقافات، ولذلك فإن السودان يواجه حالياً خطراً محدقاً من حيث التمزق، بسبب كثرة الحروب الأهلية، وبروز ظاهرة التدويل. قبل النظام الحالي لم يكن هناك صراع مسلح إلا مع الجنوب، والآن فان كل الجبهات السودانية تشهد صراعات مسلحة. وقبل هذا النظام لم يكن هناك اي قرار من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع على السودان، وهناك اليوم 20 قراراً، كما لم يكن قبل مجيء النظام الحالي أي جندي أجنبي في السودان، وهناك 20 ألف جندي أجنبي هذه الأيام، وأستطيع القول ان معاناة السودان الحقيقية بدأت في العام 1989، وجرى تحويل هذه المشاكل من حجمها الطبيعي الذي يمكن حله، إلى حجم استثنائي يصعب التوصل إلى حلول له كما هو واضح اليوم.
■ ما هو انعكاس قرار أوكامبو القاضي باعتقال الرئيس البشير على السودان؟
– انعكاس قرار اوكامبو على السودان خطير، لأنه يدعو الى اعتقال رأس الدولة، وهذا منبع الخطر ويترتب عليه عدم استقرار البلد، ومع ذلك لا بد من العدل، لأن القرار يستند الى تجاوزات حصلت في دارفور، وقد افترضنا ضمن نظام روما إنشاء محكمة بديلة سميناها “هيجين” تطبق القانون الدولي كمحاولة للتوفيق بين العدالة والاستقرار.
■ أنت من دعاة الاعتدال، فهل نستطيع القول وضمن المعطيات الحالية إن القضية الفلسطينية ضاعت في ثنايا الاعتدال العربي؟
– لا أظن ذلك ففلسطين ليست بيدراً يمكن تجاوزه بسهولة، إنها قضية مقدسة وتعني شعباً صلباً مناضلاً تجذر في أرضه ولو راقبنا سجل التاريخ الفلسطيني لوجدنا أن هذا الشعب لا تهضم حقوقه هكذا. ان اسرائيل بتعنتها وتمردها على أسيادها وعلى المجتمع الدولي وتقمصها شخصية إسبارطة تسعى الى حتفها بأقدامها، وقد فشلت في طرد الشعب الفلسطيني وتجميع اليهود في فلسطين، وهناك من لا يرغب في ذلك لأن ظروفهم أفضل ومن أجل تحقيق الهدف يجب أن تكون البلدان طاردة لليهود بينما هي الآن جاذبة لهم. لقد بنت اسرائيل قوتها واستمرارها على التفوق العسكري، وهي تملك سلاحاً جوياً قوياً وهي ذات عنجهية كبرى مقابل ضعف عربي لا حدود له، وها هي الآن تتمرد على اميركا وأوروبا وتستعد لمهاجمة إيران، لكنها غير قادرة على سحق الشعب الفلسطيني.
كانت إسرائيل ولا تزال تعتمد في المطلق على الدعم الأميركي من دون أن تغفل عن استخدام العامل الذاتي في التطوير خلافاً للعرب الغارقين في ضعفهم وجهلهم وفرقتهم، علما أن اميركا في عهد بوش تجاوزت الحد في دعم إسرائيل الأمر الذي انعكس سلباً على المصالح الأميركية، وقد ورطت إسرائيل اميركا في أفغانستان والعراق كي تغرق في دماء جنودها ومشاكلها وتبتعد عن الشرق الأوسط ولا تفرض على إسرائيل حلاً للقضية الفلسطينية.
لعل البعض يغالبه الشك في نتائج الانقسام الفلسطيني لكننا نقول: رب ضارة نافعة لأن الشعور الغالب للشعب الفلسطيني هو الصمود والتصدي، وقد عززته التطورات الأخيرة لصالح المقاومة وليس لدينا أدنى شك في أن الموقف الفلسطيني يتسم بالتمسك بالثوابت الوطنية والقومية ناهيك عن الظاهرة الديمغرافية الفلسطينية التي ستكون سلاح المعركة الأخيرة.
“الكفاح العربي”: