في مشكلة السودان في دارفور؛ على قطر الا تمسك العصا من النصف اذا ارادت الحل
يبدو ان مشيخة قطر تسعى جهادة لوأد الثورة في دارفور عبر تهافتها واصرارها على لعب دور الوسيط الحصري في ايجاد مخرج للجنرال الجلابي من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له في تهم تتعلق بجرائم وفظاعات ارتكبتها مليشيات الجمجويت العربية المدعومة من قبل نظام الفصل العنصري على نطاق واسع بحق سكان اقليم دارفور الاصليين فكانت النتيجة مئات الالوف من الضحايا بين قتيل وجريح ومفقود ومثلهم نازحين يربضون في معسكرات حول مدن دارفور الرئيسية تحت ظروف معيشية تعوزها ادنى مقومات الحياة في الوقت الذي يعاني الملايين منهم نفس الظروف بمعسكرات اللجوء في دول تشاد وافريقيا الوسطى ودولة جنوب السودان وكينيا وسط صمت دولي مطبق يعبر عن مدى الانهيار الاخلاقي والموت الضميري التي تعانيهما المنظومة الدولية متمثلة في الامم المتحدة ومجلس الامن التابع لها ويدفع ثمنها الابرياء العزل مما يستدعى ذلك مراجعة كل قوانينها وتحديد شروط واضحة فيما يتعلق بالتدخل العسكري تحت البند السابع لحماية المدنيين من استمرار ارتكاب الجرائم
ومما لا شك فيه هو ان هناك تواطؤ عربي يتزعمه قطر لتنفيذ مشروع استيطاني عروبي على طول المساحة الممتدة من منطقة القرن الافريقي غربا مرورا بالسودان وتحديدا منطقة دارفور ودولة تشاد حتى النيجر ومالي وجزء من نيجريا ولاسيما في الولايات ذات الاغلبية السكانية التي تدين بالاسلام؛ ويتجلى ذلك في فصل الجنوب واشتداد نشاط الجماعات الارهابية مؤخرا في الصومال منظمة الشباب المجاهدين ونيجريا جماعة بوكو حرام وبوكو هنا تعني – التعليم الغربي – علاوة على الجماعة؛ حركة تحرير اقليم الازواد التي برزت على الساحة في مالي في اعقاب الانقلاب الاخير الذي قاده الكابتن امادو سانو غو للاطاحة بنظام الرئيس حمادو توماني؛ وحركة الازواد تضم شرزمة من المتطرفين تسعى لاقامة دولة دينية خاصة بها تستمد حكمها من السماء؛ التغطية الاعلامية المكثفة والتي تفردت بها قناة الجزيرة على انشطة تلك الجماعات وتعتيمها على احداث اكثر اهمية منها تثبت ابعاد المشروع القطري
ويعتمد المشروع الاستيطاني الجديد على استغلال الفطرة الايمانية للسكان والفكر البسيط المنكفئ لخريجي المدارس الدينية وهو ما يعيد انتاج مشهد يبعث على القلق اكثر من الشفقة ويدعو لاتخاذ الحذر من الخطر المحتمل الذي يستهدف الافريقانية كثقافة وحضارة ووجود انساني.
عدم الادانة الصريحة من قبل دول جامعة الدول العربية للفظاعات التي ارتكبت بحق الشعوب السوداء في دارفور بواسطة مليشيات النظام العنصري الحاكم في الخرطوم يعبر عن الموقف العربي الداعم لجريمة التطهير العرقي والابادة الجماعية بشهادة لجنة تقصي الحقائق الخاص بالامم المتحدة بتاريخ 31 يناير 2005ف والمحكمة الجنائية الدولية الذي صدر في اكتوبر 2005 مما يقدح في وساطة مشيخة قطر واي دولة عربية اخرى.
ان المشروع الحضاري الذي يتبناه نظام الاقلية الحاكمة في الخرطوم لا يعدو كونه فذلكة ومصطلح ذات دلالات عميقة يرمي الى احداث تغيير ديموغرافي شامل لصالح المشروع الاستيطاني في المنطقة انفة الذكر عبر عدة محاور؛ التغلغل داخل المجتمعات القبلية التي تتمتع بادارة اهلية قوية وتاريخ؛ ولبث الفتنة بين فروعها المتعددة وضربها من الداخل ولغرض التمويه ياتي ذلك تزامنا مع افتعال حروبات بين القبائل التي تدعي انها ذات جذور عربية التي تمتهن الرعي وهي في حالة تجوال مستمر حسب موسم الامطار؛ والقبائل الزنجية التي تمارس الزراعة لانها مستقرة وتمتلك الارض فيما بات يعرف بالحواكير في الوقت الذي تقدم الحكومة دعما علنيا للعرب تتمثل في مدهم بالذخائر والسلاح وتوفر لهم غطاء جوي لسحق اي مقاومة تهددهم
التدخل السافر في شئون الادارة الاهلية بالتعيين المباشر لزعماء القبائل الذي كان في السابق حق حصري يتمتع به السلطان الذي هو نفسه يصل الى السلطة بطريقة اشبه بالانتخاب وفقا لشروط معينة ولا يمنح لقب الفرشة على سبيل المثال لا الحصر في منطقة -دار مساليت- للقبائل العربية لكونها لا تمتلك ارض او حاكورة قائمة بذاتها.لتتفتق عبقرية الانقاذ العنصرية بعد عقدين ونيف من حكم التفرقة العنصرية المنهجية عن فكرة ابتداع لقب (الامير) في سياسة واضحة لتمكين المشروع العروبي على اصحاب الارض الاصليين. وربما لاحقا اذا استمر الوضع على ذات المنوال ربما تبتدر قوانين تقضي بتعيين السلطان من القبائل ذات الاغلبية من حيث الامراء والعمد لتذهب الفروشية والسلطنة كالقاب ارتبطت تاريخيا باصالة السكان الزنوج الى مذبلة التاريخ وانكار حق ملكية الارض على الفور؛ الزغاوة؛ المساليت؛ القمر؛ البرتي؛ النوبة؛ الانقسنا؛ الداجو؛ البرقد؛ والميدوب كما نشاهده اليوم في منطقة ابيي بانكار حق دينكا نقوك في ملكية الارض وادعاء قبائل المسيرية وهي اخر الهجرات العربية الى السودان التي كانت اولها سنة 651ف بقيادة الغازي عبدالله بن ابي السرح ليتوج المشروع بابادة تلك الشعوب او اجلاءهم عن ديارهم لتصبح السودان دولة عربية خالصة وخالية من (الجغمصة)؛
ان دولة قطر لم تبحث عن اسباب جذور المشكلة ولم تكلف نفسها لتعرف السبب وراء النزوح واللجوء وهذا الوضع المأسوي لان ببساطة ان هؤلاء الضحايا ليسوا عربا ومأساتهم خدمة لمشروعها الجديد في افريقيا
ابراهيم ابوندولوك
مركز السودان المعاصر للدراسات والانماء
جونيه – 30 -2012ف
[email protected]