في كنه الرابطة الشرعية ومبلغ علمهاد./ عبد الرحمن الغالي

بيان الرابطة حول الربا، حيث استشهدوا بحديث رئيس البرلمان الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر الذي قال: «نحن الآن لسنا في دولة مكة ولا دولة المدينة بل في دولة بهذاالعصر».. و «أن القرآن لم يحرم الربا محرمة قطعية كحرمة الخمر» ومع ذلك لم يتجرأ بيان الرابطة على تكفيره، الرابطة رابطة سياسية تتدثر بدثار الدين، وأن حظها من الفقه حظ منقوص، وأن بضاعتها فيه مزجاة، وأنها جمعت لهذين العيبين ــ وربما بسببهما ــ المسارعة لتكفير الخصوم حيث لا مكان عندها للتحري والتثبت والمراجعة، بينما تمهل أولياء نعمتها الأعوام الطوال انتظاراً لتطبيق الشريعة الغائبة، فلم يفتح الله عليها بكلمة تكفير للحكومة القائمة،

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الخلق، المبعوث رحمة لهم أجمعين وعلى آله المطهرين وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

٭ توطئة :

مازالت فتاوى الرابطة الشرعية تترى فتشغب على أهل الإسلام والسودان، فتاوى تتجافى عن الحق في جوهرها وتنأى عن أدب القول في خطابها، تتخذ التدليس وسيلة تكمل به نقص حجتها الناجم عن نقص علمها ونقص إخلاصها فإن من أخلص في طلب الحق يسر الله له أسبابه وفتح له أبوابه.
ويعلم الله أني لم ارمهم افتئاتاً، ولم ارغب في دخول السجال محبة في المراء والجدال ولا في الخصومة واللدد لاسيما أن أمر الدين إنما يكون الجدال فيه بالحسنى وإلا فالإعراض عن الجاهلين هو الأولى. ولكن ما دفعني للتصدي هو واجب الذَّبِّ عن المحجة البيضاء ودفع الفتنة الهوجاء التي تجمع عارضها ليمطر البلاد والعباد بصواعق العذاب، فعسى أن يكون دفاعنا عن الحق حقاً مقذوفاً يزهق ذلك الباطل الخندريس الذي سبقتهم إليه الخوارج «والجهل في العالم داء نجيس» كما قال المعري، أخرج أولئك مع إخلاصهم وكثرة عبادتهم، وغرَّ هؤلاء بعد أن غرهم السلطان بلعاعة من الدنيا. ولو كان جهل هؤلاء جهلاً قانعاً قاعداً في بيته فلربما تشاغل عنه الناس بدفع الضرر الأكبر ولكنه عدا واعتدى فلم يكن من نزاله بدٌ.
لما رأيت نساءنا يفحصن بالمـعزاء شدا
وبدت لميس كأنها قمر السـماء إذا تبدى
نازلت كبشهم ولم أر من نزال الكبش بدا

وقذف العقائد أكبر من قذف الأعراض. وهو مع هذا نزال شرعي لا انتصاراً لذات أو شفاءً لغيظ أُمرنا بكظمه ما استطعنا، وقديماً قال الإمام البوصيري رحمه الله:
ومن الغبينة أن يجازي إفكهم صدقي
ولسنا في الكلام شكولا
وأخطر ما يهمنا من أمر الرابطة وفتاويها:

٭ أنها في المقام الأول تحوّل الدين من عامل توحيد وتآخٍ وتآزر بين المسلمين في السودان إلى عامل شقاق وفرقة، مثلما حولت سياسات حكومية تعدد الأعراق واختلافها إلى عصبيات جاهلية تنقض غزل التآخي والتأليف الذي اجتهد الآباء المؤسسون في نسجه، دعك من الفتنة بين المسلمين.
٭ وأنها في المقام الثاني تنقل ــ من حيث لا تدري ــ أمراض التدين التي أصابت الأمم الأخرى التي حدث عنها المعصوم صلى الله عليه وسلم وحذر منها: «لتتبعن سنن من كان قبلكم» «الحديث». حيث قاد التعصب المذهبي تلك الأمم للحروب الدينية التي تفانوا فيها وانتهت بالحروب الثلاثينية بين أتباع المذاهب المسيحية التي لم تضع أوزارها حتى وضعت الأساس لطرد الدين من الدولة. وحيث طغى رجال الدين المسيحي واحتكروا فهم الدين وتفسيره، وأنشأوا الكهنوت الذي لم يقف عند حد التسلط في عالم الشهادة، وإنما أصدر صكوك الغفران وشهادات الايمان، وكانت محاكم التفتيش هي المآل الطبيعي لذلك، ولكن الإسلام بإذن الله وحمده معصوم من ذلك المصير، لأن نصه المقدس محفوظ لا تبدله المجامع ولا الطوائف والمذاهب، ولأن الله قد وعد ووعده الحق على لسان حبيبه صلى الله عليه وسلم بأنه «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»، ولأن خيرية الأمة قد قُرنت بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثلاثتها كفيلة بوأد التعصب ودحض الكهنوت.
٭ وأنها ــ أي الرابطة ــ في المقام الثالث تنهج نهجاً ــ من حيث تدري أو لا تدري ــ يسعى لتجريد الإسلام من أهم خصائصه وهي التسامح وإعلاء العقل والأغوار الروحية التي تقود المؤمن للسمو الروحي فتنفتح له طاقات الغيب، فيجعل الله له نوراً يمشي به. وهي الخصائص التي لم تجتمع لغيره، فبزَّ بها الملل والنحل الأخرى «وما بزَّه في أيكة البيد قائل» كما قال شوقي. فما ينكر سماحة الإسلام ودور العقل فيه وروحانيته إلا غال أو جاهل أو مبطل أو جامع لهن والعياذ بالله. حيث صار بسببهن مع وضوح عقيدة التوحيد فيه وانتفاء الكهنوت أسرع الأديان انتشاراً رغم وهن المسلمين وهزالهم وهوانهم على الناس وضعف علم وعقل بعض دعاته الذين انتهى الأمر ببعضهم إلى تكفير المسلمين والهجرة إلى ديار الكفر في مفارقة للاسم مضحكة مبكية.
الرابطة وتكييفها:
من الجلي لأدنى ذي بصر أن هذه الرابطة رابطة سياسية تتدثر بدثار الدين، وأن حظها من الفقه حظ منقوص، وأن بضاعتها فيه مزجاة، وأنها جمعت لهذين العيبين ــ وربما بسببهما ــ المسارعة لتكفير الخصوم حيث لا مكان عندها للتحري والتثبت والمراجعة، بينما تمهل أولياء نعمتها الأعوام الطوال انتظاراً لتطبيق الشريعة الغائبة، فلم يفتح الله عليها بكلمة تكفير للحكومة القائمة، مع أن تكفير الأعيان أصعب من تكفير غير المعين. وهي في نهوض همتها ضد خصومها وتكاسلها عن نقد أوليائها أشبه ما تكون بشيخ الجارم:
يغازل إذ يغازل من قيام
وإن صلى يصلي من قعود!!

تجامل الحكومة بأيسر من رخص ابن عباس، وتحاسب الخصوم بأشد من عزائم ابن عمر، وهي مع ذلك لها نصيب وافر من التدليس ــ وسنعرض لكل أولئك تفصيلاً ــ ولها انتقائية: تصمت عن الباطل حيناً أو تعرض عنه جملة واحدة. فهي على سبيل المثال تصمت عن اتفاقية نيفاشا أكثر من خمس سنوات ولا تبطلها إلا حينما يدنو موعد الاستفتاء بوصفه جزءاً من حملة حكومية «انظر بيانها الموضوع بموقع الرابطة في 20/7/2011م» ومثل آخر: صمتها عن أحداث اليمن وحديثها عن ليبيا وسوريا. أما حديثها عن البحرين«23/3/2011م» فمثال يسعى بقدمين على تجافيها عن الصدق، إذ صورت الأمر على انه اعتداء وقتل من الشيعة للسنة!! «انظر بيانها عن البحرين بموقعها». وحرضت السلطات على عقاب المتورطين وعدم العفو عنهم وعدم توظيف الشيعة في وظائف مؤثرة بالحكومة والاعتماد على السنة!!
وعلى ذكر بيانها الداعي لنقض اتفاقية نيفاشا وعدم جواز التخلي عن أرض الجنوب لأن أكثرية أهل السودان من المسلمين، ألا يجوز لنا أن نسأل كيف تكون أغلبية أهل السودان من المسلمين وقد كفرتم كل تلك الطوائف والجماعات؟!
أما مفارقة خطابها للهدى النبوي فهي أوضح من إهراق المداد فيها، إذ ولغ بيانها الأخير ضد الحبيب الإمام الصادق في كل ما نهى عنه الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم وما نفى عن المؤمن. فليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذئ ولا جواظ ولا عتل ولا همزة ولا لمزة ولا حطمة ولا متفيهق ولا حسود ولا كنود، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس.
أما تفصيل ذلك (وكل تلك البيانات منشورة بموقع الرابطة على الشبكة العالمية وهو ttp://rabetasud.org) فقد كفرت الرابطة الحزب الشيوعي «أغسطس 2008م» والدكتور الترابي والطرق الصوفية والشيخ البرعي «انظر مقال رئيسها الأمين الحاج محمد أحمد 30/10/2012م» والإمام الصادق المهدي « بيانين»، ولكنها حتى حينما تحدثت عن شرعية اتفاقية نيفاشا وعن علمانية وشركية الدستور «2/8/2011م» وعن عدم جواز أخذ الربا «وضع في 7/11/2011م»، لم تكفر الحكومة بل قالت في ختام حديثها عن الدستور متسائلة «ما الذي يجعل الحكومة التي تعد الناس بالشريعة تتأخر عن إعلان ذلكم الدستور الإسلامي» والسؤال الصحيح هو: ما الذي يجعل الرابطة تتأخر في تكفير الحكومة التي لم تحكم بما أنزل الله في نظرها 23 عاماً ؟! ثم يتساءل بيان الرابطة «لماذا تستحي الإنقاذ من أن تقول إن دستورها القرآن» والسؤال الصحيح هو: لماذا تستحي الرابطة أن تعلن رأيها بكفر الإنقاذ إذا كان دستور الإنقاذ شركياً وشريعتها ««مدغمسة» كما قال بيان الرابطة. والسؤال الأهم كيف تطلب الرابطة من الحكومة التي تتحاكم للطاغوت أن تستتيب الآخرين قبل ان تتوب هي نفسها وتؤوب إلى حكم الله «في نظر الرابطة». وهل تعلم الرابطة أن السيد رئيس الجمهورية لو أراد أن يحمل بياناتها محمل الجد فسيستشير مستشاره للشؤون القانونية وهي السيدة / فريدة إبراهيم أحمد لتفتيه في كفر من أفتى بأن النقاب عادة وليس عبادة. وهل تعلم الرابطة أن المستشار السابق للرئيس للشؤون القانونية أيضا سيدة هي الأستاذة/ بدرية سليمان؟ وهل تعلم الرابطة أن الوزيرة المسؤولة عن التوجيه «وهي بمثابة وزارة الشؤون الدينية» في اكبر ولايات السودان: ولاية الخرطوم هي امرأة.
كذلك انظر لبيانها حول زواج المثليين وحكمه، إذ تستدل الرابطة وتستنتج أن عقوبة هؤلاء يجب أن تكون أشد من المرتد المحارب، ولكن البيان يمضي كشأن بيانات الرابطة في القضايا التي تخص الحكومة: يبدأ بداية قوية ثم ينتهي إلى لا شيء حيث ينتهي البيان بقوله: «إن أوجب واجبات ذي السلطان تطبيق شرع الله» والسؤال بعد هذا الإرغاء والإزباد لم تطبق الحكومة الحد في المثليين ولا في غيرهم، فماذا انتم قائلون؟!
وبيان ثالث: هو بيان الرابطة حول الربا، حيث استشهدوا بحديث رئيس البرلمان الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر الذي قال: «نحن الآن لسنا في دولة مكة ولا دولة المدينة بل في دولة بهذا العصر».. و «أن القرآن لم يحرم الربا محرمة قطعية كحرمة الخمر» ومع ذلك لم يتجرأ بيان الرابطة على تكفيره، ولا وزير المالية ولا حكومتهما!!
ومثال رابع هو الحوار الذي أجري مع السيد محمد عبد الكريم «حوار محمد كشان منشور بعدد من المواقع مثل سودانيزاونلاين وسودانايل والحدق»: حيث قبل فيه دخول قوات دولية وأفتى بعدم التعرض لها «لأن ذلك ليس من المصلحة الشرعية للسودان، فالأعمال العنيفة والعسكرية تزيد من تعقيد القضية». وقال: «على القوات ــ يعني الدولية ــ أن تلتزم بما جاءت من أجله»، ثم اعترف باتفاقية السلام في معرض تحريض الحكومة على منع الأحزاب العلمانية من العمل، قائلاً: «خاصة أن اتفاقية السلام كفلت لأهل الشمال أن يطبقوا الشريعة»، وهي نفس الاتفاقية التي قالت فيها الرابطة: «وإن الحكم الشرعي الذي يخلص إليه كل فقيه بالشريعة الغراء عند النظر في اتفاقية نيفاشا ومآلاتها على أهل السودان يدرك بطلانها شكلاً ومضموناً»، ثم برر التعاون الأمني بين السودان والمخابرات العالمية، حيث قال :«ينبغي لأي «لأية» دولة مسلمة تتعاون مع أجهزة المخابرات العالمية، أن ترعى بالدرجة الأولى مصالح المسلمين العليا، وأن تكون المعالجة لبعض الظواهر والمشكلات نابعة من عقيدتنا وفهمنا الشرعي»، فكما ترى هنا «يبلع» السيد محمد عبد الكريم وهو أحد مؤسسي الرابطة عقيدتهم في الولاء والبراء فيفتي بجواز التعاون الأمني مع الدول العالمية «لاحظ المصطلح التبريري العالمية وليس دول الاستكبار الكافرة»، ويفتي بعدم قتالهم ويقر دخول القوات الدولية حينما يقول بأن عليها أن تلتزم بما جاءت من أجله ــ وهو بالعربي الفصيح حماية المدنيين المسلمين في دارفور من بطش الدولة المسلمة ــ ثم يفتي في نفس المقابلة بأن «استخدام العنف كوسيلة ومحاولة التغيير عن طريق القوة فهذا ما لا نقره ولا يجوز شرعا»، كل هذا يقوله محمد عبد الكريم حينما يتعلق الأمر بأمر تقره الحكومة، ولكن بيانهم في إساءة الحبيب الإمام الصادق المهدي يرفض مجرد مصطلح التسامح والتعايش دعك من التجسس الأمني وتسليم المسلمين ليقرر بالنص: «وليس لمصطلح التسامح والتعايش إلا ترك عقيدة الولاء والبراء وهي من أبرز مبادئ الشرع الحنيف كما أشار القرآن لها في أكثر من موضع » «انظر بيان الرابطة المنشور بموقعها بتاريخ 23 يونيو 2011م» فأحد مؤسسي الرابطة يقرُّ بوجود قوات مسلحة ليست مسلمة في السودان، ويمنع التعرض لها ويكفر الصادق المهدي إذا قال إن الإسلام يقر مبدأ التعايش والتسامح مع غير المقاتلين، وهو ما ورد في آية الممتحنة «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، وهي آية صريحة الدلالة في جواز التعامل مع غير المسلمين وبرهم كما قال أكابر المفسرين كالطبري الذي قال بهذا حيث ذكر في تفسيره جامع البيان في تأويل آي القرآن «وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرُّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن الله عزّ وجلّ عمّ بقوله «الَّذِينَ لَمْ يُقاتلُوكُمْ فِي الدّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكمْ مِنْ دِيارِكُمْ» جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصُصْ به بعضاً دون بعض، ولا معنى لقول من قال: «ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرّم ولا منهى عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكُراع أو سلاح» وبذلك قال الواحدي في «الوجيز» وابن الجوزي في «زاد المسير في علم التفسير» وقال القرطبي في «الجامع لأحكام القرآن»، وقال أكثر أهل التأويل هي محكمة وكذا قال الشوكاني «فتح القدير» والرازي «مفاتيح الغيب التفسير الكبير» في تفاسيرهم المذكورة فليرجع إليها، وسنعرض لتفاصيل الحجج الفقهية في حينها، إذ نحن الآن بصدد الرابطة وتهافتها. ثم نرجع لأقواله حينما أنكر تأييد العنف والتغيير به لنقارنه بالبيان الأول في حق الصادق المهدي الذي صدروه بحديث «ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ …الخ الحديث»، وفيه استعداء واضح وتحريض على التغيير باليد وإطلاقها في وجه المسلم المجتهد خلاف قول صاحبهم الذي أمر بكف الأيدي عن القوات الأممية. ولا بد من الإشارة إلى أنهم اجتزأوا الحديث فبتروا صدره فلم يوردوه، وذلك لورود أكثر من رواية، حيث تشير تلك الروايات إلى أمراء أي حكام هم الذين يخلفون ويفعلون ما يستوجب جهادهم «انظر مسند الإمام أحمد 1/456 وتاريخ البخاري الكبير 1/346 والبزار في مسنده وابن حبان».

ومما يؤكد أن هذه الرابطة سياسية هو أننا لم نسمع لها أدنى ركز تكفيراً لمن أفتوا بجهاد أخوات نسيبة وسفرهن الليالي ذوات العدد لأحراش الجنوب من غير محرم، ولا اختلاط الرجال والنساء ــ ذوي الشأن !! ــ في الحفلات الراقصة تحت سمع الرابطة وبصرها، دعك من أعراس الشهيد التي عقد فيها مأذون في عالم الشهادة على أزواج في عالم الغيب وكرامات الدفاع الشعبي التي أبلت فيها القرود بلاءً حسناً بزعم قائلهم. وكل ما سبق إنما هو أمثلة نؤكد بها مقولتنا الأولى، وهي أن هذه الرابطة سياسية تأخذ بحيل السياسة وأحبلها، فالسياسة عندها ليست سياسة شرعية تلتزم بضوابط الشرع من الصدع بالحق وعدم كتمان الشهادة ومراعاة المصلحة العامة، ولا بأدبه في عفة اللسان، حيث أحصيت في بيانهم الأول حول الحبيب الإمام الصادق المهدي حوالي عشرين إساءة لن أدنس قلمي في وحل قذارتها فأذكرها. وهذا ليس بمستغرب، فسبيل الأنبياء مفروشة بالأدَد والأوَد كما قال الإمام علي عليه السلام، ولولا سابق علم وسالف عهد لشفوا غيظهم بخنصرهم وبنصرهم، ولكنهم أودعوا مع الصبر الرحمة ــ لا سيما مع الجهلاء ــ حيث يتحرق أتباعهم للقتال ورد العدوان، بينما سبيلهم وهديهم لهم «كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة».
أما غياب المنهج والتدليس فيتضح تارةً في اجتزاء الحديث من سياقه وإيهام القارئ أنه مقول للغرض الذي زعموا. وفي الاستشهاد بمن يخالفون منهجه إذا اتفق معهم في مخالفة خصمهم أو تبرئة وليهم «أو ولي نعمتهم» ففي بيانهم عن الشيوعية نقل حرفي من كتاب العقاد رحمه الله «الشيوعية والإنسانية في شريعة الإسلام» دون الإشارة إليه، مع أن العقاد في نفس الكتاب قد عقد فصلاً قارن فيه بين الإسلام والشيوعية خالف الرابطة فيه في نظرته للإسلام، وغني عن التذكير أن العقاد هو صاحب كتب: التفكير فريضة إسلامية والديمقراطية في الإسلام والحسين أبو الشهداء ومعاوية بن أبي سفيان، وفي هذين الكتابين الأخيرين نعى الأستاذ على دولة الملك العضوض ومؤسسها فظائعها. وكذلك استشهاد الرابطة في سبيل تبرير نقض العهد مع الجنوبيين بتفسير ابن عاشور. والطاهر بن عاشور هو أول من دعا إلى تأسيس علم جديد يستقل عن علم أصول الفقه ويتكامل معه وهو علم «مقاصد الشريعة» وهو في هذا مقتدٍ بالعلماء والفقهاء الذين اهتموا بالمقاصد مثل نجم الدين الطوفي وإبراهيم الشاطبي وغيرهما خلافاً للمنهج الظاهري الذي عليه الرابطة. والغرابة ليست في الاستشهاد، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، والمستشهد بهما في هذا المثال هما من أخيار مفكري المسلمين في العصر الحديث، ولكن منطق الرابطة الصوري الظاهري يكفر مثل أقوالهما، حيث تجحد الرابطة دور العقل في الدين، وتكفر الديمقراطية ومؤسساتها «انظر بيانها حول الدستور الإسلامي بموقعها» حيث تجحد فقه المقاصد، وسنعرض لكل ذلك في حينه إن شاء الله، وسنعرض في الحلقات القادمات لفقه التكفير وفقه المقاصد وفقه المرأة تفصيلاً، مستثمرين هذه البلوى لنجعلها نعمة.. قال حبيب بن أوس:
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

وقال الإمام المهدي عليه السلام: المزايا في طي البلايا والمنن في طي المحن
وقال المعصوم الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم:
«عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».

وكل ذلك يتوافق مع الوعد الرباني:
«فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً»، وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى.
الصحافة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *