شريف ذهب
لم تعد أكتوبر وأبريل وسبتمبر “الأليمة ” سوى مجرد أشهر وأيام عابرات يستعيد خلالها الجميع الذكريات ويُعبِّرون عنها بالمنشورات و تمجيد البطولات دونما أدنى حراك فعلي يبعث بصيصاً من الأمل في نفوس الشعب بالخلاص من البؤس والإذلال الذي ظل يقاسيه زهاء الثلاثين عاماً الماضية من حكم النظام الحالي.
تمر ذكرى أكتوبر هذا العام والبلاد قد انشطر إلي نصفين يتناحران فيما بينهما و قد مزق الحرب والجوع والمرض أوصال كليهما من الداخل، والاستبداد والفساد يضربان بأطنابهما في الجسد النحيل. أما عن المعارضة فحدث ولا حرج !.
فهي لم تعد معارضة واحدة منسجمة تحمل مشروعاً وطنياً واضح المعالم لإنقاذ البلاد، بل باتت معارضات بعضها فعلية “حائرة الدليل” وبعضها مصطنعة من النظام الحاكم يستغلها أنّى شاء حسب الحاجة والغرض.
أما الفعلية فهي بذاتها الآن منشطرة إلي ثلاثة أجسام هشة وشبه متناحرة أو لنقل ضِرار على أقل تقدير، وهي 🙁 تحالف قوى الإجماع الوطني، تحالف نداء السودان، وتحالف الحركة الشعبية (الحلو) وحركة تحرير السودان (عبد الواحد) ).
وإذا نظرنا في البرامج والأطروحات فلم نجد ثمة فروق جوهرية في مضامينها، فالجميع متفقون على تغيير النظام وإحلال البديل الديمقراطي ” هذا إذا استثنينا بعض مطالب قوى الهامش المتصلة بجذور قضاياها التي حملت لأجلها السلاح والإفرازات التي نجمت عن الحرب مثل قضايا النازحين واللاجئين والاستيطان وخلافها ” فباستثناء هذه القضايا ذات الطابع الخاص لحدٍ ما، فلا أرى ثمة تباين يبرر للتشرذم على هذا النحو المخل، أللهم إلا من أمرين اثنين استبعد احدهما وأبني على الآخر وهما طغيان الأنانية الذاتية على المصلحة الكلية للبلاد والشعب أو عدم وجود الحكماء الذين بمقدورهم التأثير على الجميع وتوحيد وجهتهم. وإذا رجحنا الاحتمال الأخير بمقدارٍ ما، فذلك يتطلب في المقام الأول وجود الرؤية التوافقية التي يجب أن يتفق عليها الجميع كبرنامج حد أدنى يتآلفون عليه ومن ثم النظر في آليات تنفيذها.
بالأمس كنت وأحد الأخوة نتداول حول ما تجري هذه الأيام من مساعٍ لإحياء المفاوضات بين النظام وبعض قوى المعارضة وطرحتُ ما أراه يمكن أن يكون حلاً توافقياً “إن لم يكن بين كل أطياف المعارضة، فجُلها” كبرنامج حد أدنى، وقد ذكّرني ذلك الأخ بأنّ ذات هذا الطرح كان قد قدمه أحد الأحزاب الكبرى كخيار بديل لحوار الوثبة وتم رفضه من طرف النظام الحاكم، وتساءلت في نفسي لماذا لم يتم إعادة تقديم هذا الطرح كأساس لتوحيد قوى المعارضة المدنية منها ” على أقل تقدير” ؟.
ثمة معطيات ضرورية مُلحِّة تفرض على المعارضة إعادة قراءة الأمور بتروٍ تام وبناء مواقفها على أساسها من بينها الآتية:
1 / أنّ الأزمة السودانية قد استطال أمدها بعمر هذا النظام الذي امتد زهاء الثلاثين عاماً.
2/ أنّ الشعب السوداني هو الذي ظل يدفع كل الأثمان الباهظة من ضنك في العيش وكبت للحريات وتقتيل وتشريد في الهامش بل حتى الطلاب في العاصمة والمدن الرئيسية لم يسلموا من ذلك.
3/ أنّ المعارضة بشقيها المدني والعسكري قد باتت من الضعف في الإمكانيات والإرادة والدعم الدولي بما يجعلها عاجزة عن إسقاط هذا النظام إذا لم تطور نفسها وأدواتها للتغيير.
4/ أنّ الاستثمار الخبيث للنظام الحاكم في العنصرية والجهوية قد نال من اللُحمة الوطنية بما أثّر سلباً في إمكانية قيام انتفاضة شعبية عارمة تزيح هذا النظام عن سدة الحكم في البلاد.
5/ أنّ وحدة ما تبقى من البلاد قد أضحت في خطر نتاج الإحباط الذي بات يدب لدى قوى الهامش مما دفع بعضها للمطالبة بتقرير المصير والذي حتماً سيجد دعماً دولياً منقطع النظير على غير ما يتوقع البعض قياساً على ما آلت إليها الأوضاع في الجنوب.
6/ إنّ وحدة كافة أطياف المعارضة على برنامج الحد الأدنى بات ضرورياً للمساهمة في إنقاذ البلاد من مصيره المجهول الذي لا يأبه به هذا النظام الإجرامي الحاكم.
و على ضوء ما سبق فليس أمام قوى المعارضة سوى خياران لا ثالث لهما، الأول/ أن تتفق كافة هذه القوى على الحل العسكري كخيار وحيد لإزاحة النظام فتقوم بتفعيل وتسريع هذا الخيار على أعجل ما يكون لتخليص البلاد من جور النظام الحاكم مع الأخذ في الحسبان تجربة حركة العدل والمساواة السودانية التي تمكنت منفردة من الوصول للعاصمة وتعثرت خطاها هناك، و تجربة تحالف الجبهة الثورية التي وصلت قواتها حتى تخوم مدينة كوستي ثم صدرت لها الأوامر لتعود وتعسكر في مدينة ابكرشولا .
ثانياً/ الخيار المتفاوض عليه والذي يعتمد التغيير من الداخل عبر قيام حكومة انتقالية متفق عليها تقوم بإعداد مشروع دستور دائم للبلاد يتيح حرية ممارسة العمل السياسي والنقابي والإعلامي، وقيام مفوضية عامة للانتخاب مستقلة ونزيهة وشفافة. وهذا الخيار يتطلب توحد كافة قوى المعارضة وقيامها مجتمعة بجهد جبار لإقناع المجتمع الدولي به وأخذ الضمانات الكافية بعدم نكوص النظام عن التزاماته.
*** لم أغفل خيار الانتفاضة لكني لا أجد مكان له في الإعراب على ضوء الواقع المعاش.