في حوار مع وزير الخارجية السوداني دينق ألور

اتفاق الدوحة خطوة على طريق السلام في دارفور
في حوار مع وزير الخارجية السوداني دينق ألور

شارك دينق ألور وزير الخارجية السودانية ضمن وفد الحركة الشعبية في ورشة العمل التي استضافتها القاهرة، وجمعت وفداً من حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأكّد ألور أن هناك خلافات بين الطرفين، منها رفض طلب الحركة الشعبية حصّة من ثروة الشمال على غرار الحصّة التي يحصل عليها الشمال من الجنوب، محذّراً من فرض الوحدة بالقوّة، واصفاً أي محاولات لتأجيل الاستفتاء على الوحدة بمثابة خيانة لأبناء الجنوب.

 

«المشاهد السياسي» ـ القاهرة

 

> ما هي الأسباب التي أدّت الى نجاح الوساطة القطرية، وتوقيع الاتفاق الاطاري بين حركة العدل والمساواة في دارفور والحكومة السودانية؟

< الأزمة في دارفور لها أبعاد كثيرة منها الأبعاد السياسية والإنسانية والأمنيّة، ومما لا شك فيه أن التقارب التشادي ـ السوداني، وزيارة الرئيس إدريس ديبي الى الخرطوم، كان لهما وقع مهمّ على العلاقات بين البلدين، كما أن دعم تشاد ومعها إريتريا للتقارب مع العدل والمساواة كان له دور كبير في نجاح الوساطة القطرية في التقريب بين العدل والمساواة والحكومة السودانية، ونحن نرحّب بالاتفاق الاطاري، ونأمل أن يتحوّل الى اتفاق نهائي قريباً، لأن المهمّ هو تقليل الفجوة الزمنية بين الاتفاق الاطاري والاتفاقية النهاية، حتى لا يتكرّر مع دارفور ما حدث مع الجنوب، حيث أننا وقّعنا الاتفاق الاطاري في العام ١٩٩٤، بينما جاء الاتفاق النهائي بعد تسع سنوات في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥. لكن لا بد من النظر الى النقاط الايجابية في اتفاق الدوحة، ومنها أنه يوقف إطلاق النار بين العدل والمساواة والجيش الحكومي، مما يساعد على فتح الممرّات الإنسانية ووصول المساعدات الغذائية والدوائية بسهولة الى المواطنين هناك. كما أن إطلاق المعتقلين المحكوم عليهم بالاعدام من العدل والمساواة سوف يعزّز من بناء الثقة بين الحكومة والعدل والمساواة. ونحن نعتقد أن الالتزام بالاتفاق شيء مهم للغاية، لأن التوقيع على الاتفاقية الاطارية خطوة مهمّة، لكن تطبيق ما جاء فيها أهم، ونحن في الحركة الشعبية لتحرير السودان عملنا مع الإخوة في قطر من أجل نجاح الوساطة، وأول لقاء بين وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية مع حركة العدل والمساواة، كان بترتيب من الحركة الشعبية لتحرير السودان، وكان بعلم المؤتمر الوطني، فلكل هذا نحن نرحّب بالاتفاق الاطاري ونأمل في أن يتحوّل الى اتفاق نهائي في القريب العاجل.

> كيف يمكن تعزيز هذا الاتفاق في المرحلة المقبلة؟

< من المهم أن ينضم الجميع الى هذا الاتفاق، ونحن استضفنا لقاء أطلق عليه «مجموعة جوبا»، وهو اجتماع كان يهدف الى توحيد الفصائل الدارفورية تحت برنامج سياسي واحد للتفاوض بورقة سياسية واحدة مع الحكومة السودانية، وللاستفادة من تجربة الحركة الشعبية في ذلك، عندما استطاعت أن تعبّر عن كل مكوّنات الشعب الجنوبي في المفاوضات مع الحكومة حتى تمّ التوصّل الى اتفاقية السلام الشامل.

> ما هي النتائج التي توصّلتم إليها في القاهرة مع المؤتمر الوطني؟

< نحن سعداء بدعوة الحكومة المصرية وفداً من الحركة الشعبية لتحرير السودان للقاء الأشقّاء في المؤتمر الوطني في القاهرة للمشاركة في ورشة عمل حول أسس وحدة السودان، واستمرت الورشة لمدة يومين شارك فيها باقان أموم الأمين العام وأنا من الحركة الشعبية، بينما شارك الدكتور نافع علي نافع، مستشار الرئيس البشير والأخ مطرف صديق وكيل وزارة الخارجية مع وفد المؤتمر الوطني، وكان الهدف من هذه الورشة بلورة مشروع وطني قادر على تحقيق الوحدة الطوعية، عن طريق الاستفتاء الذي سيجرى في كانون الثاني (يناير) المقبل، ونحن نعتقد أن هذه الجهود مهمّة في الوقت الراهن بعد فشل برنامج الوحدة الطوعية، الذي تم إطلاقه عقب التوصّل الى اتفاقية السلام في نيفاشا ٢٠٠٥، وحتى الآن لم يحقّق هذا البرنامج أي شيء. وفي ظلّ الخلافات الحالية ومعالجة التدهور في العلاقات بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وعدم الجدّيّة في تنفيذ اتفاقية نيفاشا تأتي أهمّية هذه الاجتماعات.

> هل المشروع الوطني الذي تعملون عليه مستقلّ عن اتفاقية نيفاشا والاستفتاء على الوحدة؟

< لا يوجد أي نيّة لتأجيل أو إلغاء الاستفتاء المقرّر في كانون الثاني (يناير) ٢٠١١، للتعرّف الى وجهة نظر أهلنا في الجنوب حول الوحدة أو الانفصال، وهذا الاستفتاء حق طبيعي ورد في اتفاقية السلام الشامل التي وقّعناها مع المؤتمر الوطني في ٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٥، وتحوّلت بعد ذلك الى صلب الدستور السوداني الانتقالي الحالي. لكن عندما نتحدّث عن بلورة مشروع وطني قادر على الحفاظ على الوحدة السودانية، فإننا نقصد من ذلك التغلّب على المشكلات التي يمكن أن تدفع بالمواطن الجنوبي الى الانفصال، وهدفنا هو التوصّل الى القضايا الجوهرية التي من شأنها أن تجعل خيار الوحدة بين الشمال والجنوب خياراً جاذباً لأهلنا في الجنوب، ونحن نعتبر أن أي حديث عن تأجيل الاستفتاء هو نوع من الخيانة لشعب الجنوب، وقد يقود الى الحرب من جديد. ونحن نقول إن مجرّد التفكير في تأجيل الاستفتاء يمكن أي يؤدّي الى انهيار الدولة السودانية.

> هل كانت هناك قواسم مشتركة من خلال هذه الورشة؟

< لا شك في أن هناك فوائد كثيرة للحوار، وعندما جلسنا نتحدّث الى بعضنا مدة يومين متواصلين وطرحنا كل ما نريده، توصّلنا الى نتائج مهمّة أبرزها الاتفاق على احترام نتائج التصويت على الاستفتاء، مهما كانت النتيجة: الانفصال أو الوحدة؛ وأن نعمل سوياً من أجل الحفاظ على استقرار السودان في جميع الظروف، لأننا نعتقد بأننا في مفترق طرق، فنحن مقبلون على انتخابات رئاسية وتشريعية ستشارك فيها الحركة الشعبية على جميع المستويات، بداية من مستوى الرئاسة التي يتنافس فيها رئيس كتلة الحركة الشعبية في البرلمان ياسر عرمان، مع آخرين، للوصول الى كرسي الرئاسة، بالاضافة الى انتخاب أعضاء ورئيس حكومة الجنوب، واختيار ٢٥ والياً لولايات السودان، منهم ١٥ والياً لولايات الشمال، و١٠ ولاة للجنوب، كما سيختار الناخبون أعضاء البرلمان الاتحادي وأعضاء البرلمانات في الولايات الخمس والعشرين.

> ما هي النقاط الأخرى التي اتفقتم عليها؟

< اتفقنا على العمل معاً من أجل برنامج موحّد يهدف الى جعل خيار الوحدة خياراً جاذباً، بالاضافة الى الاتفاق على ضرورة التحوّل الكامل نحو الحرّيّات وتسليم السلطة للشعب، لأننا في حاجة كبيرة الى دعم الشعب السوداني. حتى نحافظ على أمن السودان وسلامته في الفترة المقبلة، لأن أمن السودان يؤثّر سلباً وإيجابياً في أمن دول الجوار والدول الأفريقية كافة، كما أننا اتفقنا على عقد ورش عمل مماثلة للتغلّب على المشكلات والعقبات العالقة.

> ما هي هذه العقبات؟

< هناك قضيتان جوهريتان: الأولى تتعلّق بتوزيع ثروة البلاد على جميع سكان الوطن، وفي حال استمرار وحدة السودان لا بد من أن يأخذ الجنوب حصّته من ثروة الشمال، لأن هناك خللاً كبيراً في توزيع الثروة في القسمة الحالية، اتفاقية السلام في نيفاشا تعطي الشمال نصف بترول الجنوب، بما يعني أن الشمال يأخذ من الجنوب نصف بتروله، في المقابل لا يحصل الجنوب على أي حصّة من ثروة الشمال، فإذا كان الشمال يتقاسم مع الجنوب كل ثرواته وخيراته وفي مقدّمها البترول، فلا بد من أن يكون للجنوب حصّة في ثروات الشمال، حتى لا يشعر المواطن الجنوبي بأنه يدفع من ماله الخاص الى الشمال. وعندما يشعر المواطن في الجنوب بأن له نصيباً في ثروة الشمال يتعزّز انتماؤه للسودان الموحّد. ونحن نهدف من كل ذلك، الى أن يصوّت المواطن في الجنوب الى جانب الوحدة، لأن هناك سؤالاً يردّده بعضهم: إذا كان الجنوب يحصل على نصف العائدات في دولة السودان الواحد، فلماذا لا ننفصل ونحصل على ثروة الجنوب بنسبة ١٠٠٪؟ هذا السؤال يتردّد كثيراً بين المواطنين. ونحن إذا كنا جادّين في تحقيق الوحدة الطوعية، علينا أن نجعل كل شيء بالتساوي حتى لا يكون هناك سبب يدفع بالمواطن الى التصويت للانفصال.

> وهل طرح المؤتمر الوطني أي رؤية في المقابل؟

< المؤتمر الوطني يخالفنا الرأي في هذه القضية، ويعتقد بأن ما يحصل عليه الجنوب في الوقت الحالي كاف جدّاً، ولا داعي لفتح قضية حصّة الجنوب في ثروة الشمال.

> وماذا عن الخلافات الأخرى؟

< الخلاف الآخر حول قضية الدين، وعلاقة الدين بالدولة والسياسة. نحن نريد فصل الدين عن الدولة، بحيث يكون النظام السياسي للبلاد نظاماً مدنياً يتساوى فيه جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، ولا يكون لرجال الدين أي تدخّل في الشؤون السياسية، ونرفض التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الثقافة، أو الجهة التي جاء منها، سواء من الشمال أو الجنوب، الغرب أو الشرق. لكن المؤتمر الوطني ما زال يصرّ على فرض عقيدة بعينها ودين بعينه على الشعب السوداني. ونحن قلنا لهم إن هذا لا يساعد على وجود فرصة حقيقية للوحدة بين الشمال والجنوب، وأن النظام العلماني الذي يقبل بجميع المواطنين على اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم هو الذي يمكن أن يجتمع حوله كل الشعب السوداني، خصوصاً وأن السودان ليس فيه دين واحد، لكنه بلد متعدّد الديانات والأعراق. ونحن لم نحقّق نتائج في هذا الملف، ونأمل خلال الجولات الأخرى من الحوار أن نتّفق عليها حتى نعزّز شعور المواطن الجنوبي بالتساوي مع الآخرين وعدم وجود تمييز ديني ضده.

> هناك أكثر من تصريح لمسؤولين من الحركة الشعبية بأن فوزها في الانتخابات المقبلة وفوز مرشّحها ياسر عرمان، يمهّد الطريق لبقاء الوحدة بين الشمال والجنوب؟

< الآن هناك حملة انتخابية كبيرة جدّاً في السودان استعداداً للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي ستجرى في نيسان (أبريل) المقبل، وإذا جرت الأمور على طبيعتها، فإن الحركة الشعبية سوف تفوز، لأن برنامجها هو البرنامج الذي يحتاجه المواطن السوداني في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وبرنامجنا الذي نطلق عليه برنامج السودان الجديد هو أكثر البرامج قدرة على إنهاء الحرب في جميع الجبهات السودانية، ونعتقد بأن برنامجنا هو الوحيد أيضاً الذي يمكن أن يوفّر الاستقرار السياسي، ويساعد السودان على تجاوز الخلافات العديدة، ومرشّح الحركة ياسر عرمان يمثّل قيادة شابّة جريئة، فرغم أنه مسلم ومن الشمال، فقد انضم للحركة الشعبية وظلّ يناضل من أجل حقوق المهمّشين والمستضعفين والأطراف السودانية من دون استثناء، وهو الوحيد القادر على تحويل السودان الى دولة موحّدة على أسس طوعية، ويساهم مساهمة فعّالة في إعادة بناء حياة المواطن السوداني. ونحن نعتقد بأن ياسر عرمان هو الوحيد مع برنامج الحركة الشعبية القادر على جعل السودان يعيش في سلام ليس مع ذاته فقط وإنهاء الحروب الداخلية، بل مع جيرانه أيضاً، ويستطيع بذلك أن يعيد السودان الى دوره الطبيعي في المحيط الإقليمي والدولي من خلال بسط الحرّيّات والسلام في ربوع السودان. ونحن نعتقد بأن فرص الوحدة سوف تتعزّز كثيراً إذا فاز ياسر عرمان في الانتخابات المقبلة، لكن إذا لم يحدث ذلك فإن فرص الوحدة ستتأثّر سلباً للغاية.

> ما حقيقة الحديث عن وجود توجّهات لتحقيق ما يسمّى بالوحدة الفيديرالية بين الشمال والجنوب للحفاظ على الوحدة بين شمال السودان وجنوبه؟

< الخيار الوحيد هو للشعب السوداني في الجنوب، فهو الذي سيقرّر الوحدة أو الانفصال في الاستفتاء المقرّر إجراؤه في كانون الثاني (يناير) ٢٠١١، ونحن نرفض أي نوع من فرض الوحدة بالقوّة، أو بأي شكل من الأشكال السياسية أو القانونية، نحن نريد فقط أن يعبّر المواطن الجنوبي عن موقفه بصراحة ومن دون تدخّل من أحد، وعندها سوف نلتزم النتيجة ويجب على الجميع في السودان أن يقبلوا بالنتيجة نفسها.

> هناك من يشكّك في قدرة الحركة الشعبية على قيادة شعب الجنوب، ويقولون إن حكومة الجنوب مثال للفساد المالي وعدم القدرة على ضبط الأمن؟

< أنا أعتقد أن من يتحدّثون في هذه القضايا هدفهم واضح وهو إرهاب الجنوبيين وجعلهم يخافون من التصويت بحرّيّة للخيار الذي يعبّر عن قناعتهم! وأنا أعتقد أن ما حقّقته حكومة الجنوب خلال السنوات الخمس الماضية، سواء في البنية التحتية أو في الخدمات وضبط استخدام السلاح، يفوق ما تمّ خلال أكثر من ٥٥ عاماً السابقة، يكفي أن أقول لك إن جميع الحكومات السابقة بعد الاستقلال، وحتى اتفاقية السلام، لم تنشىء طريقاً واحداً في الجنوب.

وهنا، لا بد لنا من أن نرحّب بالدور العربي في مختلف المجالات السياسية والتنموية، والدور العربي مهمّ للغاية لجنوب السودان لأننا الأقرب الى الدول والمنطقة العربية >

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *